انقراض الكائنات: أزمة خفية ترسم شكل الحياة على كوكبنا

269

الحكمة – متابعة: هناك أزمة في تنوع الكائنات الحية على كوكب الأرض، وبحلول عام 2100 يمكن أن يصل عدد الكائنات المنقرضة إلى 1000 نوع، فماذا يمكننا أن نفعل حيال ذلك؟.

في السنة التي ولدتُ فيها، كانت الظباء من نوع “حيرم الأطلس”، التي لا يُعرف عنها إلا القليل، تتلاشى من الحياة البرية. فقد كانت تتعرض لصيد جائر، وتقلصت مواطنها الطبيعية في شمال أفريقيا لتصبح هذه الظباء آخر ضحايا ما يعرف بـ “الموجة السادسة الكبيرة” من موجات الانقراض الجماعي.

كان الانقراض على الدوام جزءاً من الحياة على كوكب الأرض. غير أن موجات الانقراض الجماعي – بما فيها تلك التي أتت على نهاية عهد الديناصورات قبل 65 مليون سنة، وتلك التي نحن على أعتابها الآن- أصبحت أكثر ندرة بكثير.

ويُعرّف الانقراض الجماعي بكونه يتجاوز المعدل الطبيعي إلى حد بعيد، أو يتجاوز المعدل التاريخي الذي يستدل عليه بالرجوع إلى سجلات الأحفوريات.

وإذا تواصلت الأمور بنفس وتيرتها الحالية، فإن العلماء يقدّرون حدوث مزيد من انقراض أنواع مختلفة من الطيور والثدييات قد يصل إلى ما بين 269 و 350 نوعاً بحلول عام 2100. لكن إذا لم تفلح الجهود الرامية للحفاظ على الأنواع المسجلة ضمن قائمة “الأنواع المهددة بالانقراض” أو “الأنواع المهددة بالانقراض بشكل خطير”، فقد يصل الرقم إلى حد 1,000 نوع من تلك الكائنات.

وما نعرفه عن النباتات واللافقريات هو أقل بكثير، غير أن الأضرار التي تلحق بالفقريات تعطي تقديرات مقبولة عن الأضرار التي تلحق بغيرها من كائنات المنظومة البيئية.

ومهما تكن التخمينات المستقبلية الدقيقة، فمن الواضح أننا نخسر تنوع الأحياء، أو تنوع الكائنات بسرعة. ويُعرّف تنوع الأحياء بأنه تنوع الكائنات الحية، لكنه يعني أيضاً الاختلافات التي تحدث داخل كل نوع، وبين الأنواع والمنظومات البيئية.

وقد وصف عالم الأحياء إي إيه ويلسون هذه الخسارة ذات مرة باعتبارها تراجيديا “خفية وهائلة”، تطغى عليها تهديدات التغير المناخي. لكن رغم ما ذُكر، هناك وسائل يمكن من خلالها مواجهة هذا الأمر.

لماذا تصبح الحياة على الأرض أقل تنوعاً؟

الإجابة بسيطة وسهلة، وهي: البشر. فإذا كان هناك عامل مرتبط بعمليات الانقراض الحديثة فإنه الموطن الطبيعي للكائنات، الذي تعرض للضرر الشديد على يد البشر. والزراعة هي المسؤول الأكبر عن ذلك.

ظبي من نوع ظبي من نوع “حيرم الأطلس”، وقد ألتقطت هذه الصورة له قبل أكثر من قرن من الزمن

تأملوا المساحات الشاسعة من غابات الأمازون التي حُوّلت إلى أراضي لتربية المواشي، وزراعة فول الصويا. ثم هناك بناء المدن أيضاً. إن استصلاح الأراضي الرطبة المتاخمة للمدن، مثلما في نيو أورليانز، وكالكتا، أتاحت المجال للعمران ولكنها هدّمت المواطن الطبيعية لكثير من الكائنات، عن طريق شبكات الصرف، ونشر والتلوث.

كما أدخل البشر أيضاً، مرة تلو الأخرى، أنواعاً دخيلة على بعض البيئات. ويجري إدخال تلك الأنواع إلى نظام بيئي ما عمداً أو عرضاً، مما يعني حدوث تبعات كارثية لذلك. ولا تستطيع الأنواع الأصيلة منافسة تلك الأنواع الدخيلة التي تنمو وتتكاثر بشكل أسرع، وتواجه عدداً أقل من الكائنات الطبيعية المفترسة لها، أو أنها تكون أكثر مقاومة للأمراض.

وتتعرض الكائنات الأصلية المستوطنة للجزر مثلا لمثل هذا الخطر بشكل خاص، مثل طائر الدودو في جزر موريشيوس، والثعلب الطائر في جزيرة غوام، وهما مثالان يثيران المشاعر.

ويلعب التغير المناخي بفعل البشر دوره أيضاً؛ فهو يخلّ فعلاً بالنظم البيئية، ومن المرجح أن يتصدر أيضا الأسباب المؤدية للانقراض. وسنجد فائزين وخاسرين نتيجة عملية التغير المناخي هذه، لكن أنواع الكائنات التي تعيش في بيئة معينة، أو تلك التي لا ترتحل بعيداً أو التي تخفق في تكوين جماعات جديدة في مواطن عيش مختلفة، تعد مرشحة للانقراض بشكل مؤكد.

في أغلب الحالات، تتضافر عوامل عديدة للحد من تنوع الأحياء. فعلى سبيل المثال، إذا شُق طريق جديد عبر غابة ما، فمن الواضح أن هذا سيقلل من مساحة الغابة كموطن طبيعي للكائنات الحية، لكن ذلك قد يُدخل أيضاً أمراضاً وأنواعاً من الكائنات الحية الدخيلة، وكل هذه العوامل ستُحدث تغيراً في التفاصيل الدقيقة لحياة وبيئة تلك الغابة. أما الطريق نفسها فستفسح المجال للصيد غير المشروع، وتجارة قطع الأشجار، وغيرهما من أشكال استغلال الغابة.

هل يهم الأمر بالنسبة للبشر؟

لوحظ في السنين الأخيرة وجود ميل لإعادة تعريف التنوع الحيوي فيما يتعلق بـ “المستودع العالمي للموارد الطبيعية” و “خدمات النظم البيئية”، التي تسعى لتحديد كميات المواد والمنافع المادية التي توفرها الطبيعة، بدون مقابل.

يمكن أن تكون لهذه المواد والخدمات، عندما تؤخذ بمجموعها عالمياً، قيمة عالية، تقدر ما بين 125و 145 تريليون دولار أمريكي سنوياً، استناداً إلى أمور مثل تخزين النباتات للكربون، وتلقيح الحشرات للمحاصيل، وتصفية المياه من قبل الأشجار.

ويعد هذا النهج لتقييم البيئة مثيرا للجدل لكون العديد من الخدمات أساسية وليس لها بديل. كما يستحيل “تثمين قيمة” بعضها من الناحية النقدية. وكيف تقدّر ثمن المنافع الثقافية والروحية، وأسباب العافية التي توفرها المناطق الخضراء، والحياة البرية للبشر؟

قد تبدو خسارة أو اضمحلال نوع واحد من أنواع الكائنات الحية أمرا تافها نسبياً من وجهة نظر البعض. لكن خسارة نوع واحد يمكنه أن يولّد انعكاسات عبر نظام بيئي بأكمله، فتقع الفوضى في بعض الشبكات الغذائية، ويتغيّر ما يوفره نظام بيئي معين. ويمكن لذلك أيضا في الحالات القصوى أن يؤدي إلى انهيار نظام بيئي بأكمله، كما شوهد في بعض مصائد الأسماك العالمية.

طريق للسيارات في وسط الغابةيمكن لشق طريق جديد عبر إحدى الغابات أن يتسبب في دمار نظام بيئي معين

لم تأخذنا خسائر التنوع الاحيائي على حين غرّة، إذ أنها حصلت في ذات الوقت الذي كنا نسعى فيه بنشاط لإيقافها. ومن المؤسف أن مساعي المحافظة على البيئة عبر السنين الستين الأخيرة غمرتها تأثيرات هائلة للنمو السكاني للبشر، وزيادة استهلاك الفرد الواحد في جميع بقاع العالم.

هل بمقدور أحد تغيير تلك النزعة؟

ترسم لنا كتب التاريخ صورة قاتمة عن البشر وهم يدفعون بأنواع من الكائنات الحية إلى الانقراض خلال الستين ألف سنة الأخيرة، لكن المستقبل لا ينبغي أن يكون بالضرورة على نفس المنوال. كما إن لدى البشر مفتاح الكشف عن طرق لإبطاء أو إيقاف، تلك النزعة، أو حتى عكس اتجاهها.

وباستطاعتنا التطلع إلى مستقبل يلمؤه التفاؤل بتعهدات دولية مثل “الاستراتيجية الحديثة للاتفاقية الدولية للتنوع الحيوي”، و”أهداف التنمية المستدامة”. وقد تأتي من مبادرات وطنية مثل “خطة الصين للتمدن البيئي”، أو تلك الأكثر محلية مثل إعادة إدخال الحيوانات الكبيرة من آكلة اللحوم إلى أجزاء من أوروبا. أو قد يأتي ذلك من خلال تقنيات جديدة ونامية.ظلت التقنيات، لأمد طويل، جزءاً من مشكلة انقراض الأنواع. لكن أحدث مجموعة من التقنيات والوسائل البيولوجية تقدم فرصاً مواتية لتعزيز التنوع الحيوي، رغم ما قد تتضمنه من بعض المخاطر. ولعل لبعض التقنيات الجديدة في مجال علم الوراثة، مثل التحرير الجيني وإدارة الجينات (على سبيل المثال، تطبيق آلية تعديل الجينات بدقة لمنع التكاثر)، وعلم الأحياء التركيبي، ما يكفي من إمكانيات لمنافسة ذلك النمو السكاني الهائل.

وفي حديث بمدينة بوسطن في أوائل هذا العام، قال فينكي راماكريشنان، رئيس الجمعية الملكية البريطانية: “إن محاولات بعث الروح في أنواع منقرضة تميل إلى تصدر عناوين الأخبار، وتثير الجدل، مع أنها لم تُبرهن بعد. أما الاستخدام المحتمل لتقنية الجينات للحد من، أو القضاء على، أنواع الأحياء الغازية قد يكون إجراءً أكثر جدارة بالتصديق للمحافظة على البيئة”.

وعلى سبيل المثال، يمكن لتقنية إدارة الجينات أن تصبح وسيلة للتحكم في مجاميع الفئران الغازية عن طريق جعلها غير ولودة. وتجري أيضاً دراسة تلك التقنية على حشرات الزنبور في نيوزيلندا، وعلجوم القصب في أستراليا.

وبالتالي، هل يمكن للإجراءات الجديدة المتعلقة بتدخل البشر أن تحمي الطبيعة بدل أن تضرّ بها؟ آمل حقاً أن يكون الأمر كذلك. فمن خلال مواجهتنا لموجة الانقراض الجماعي السادسة – والأولى التي يتسبب فيها البشر- أؤمن شخصياً بأننا سنكتشف الحلول، فقط حينما نعيد النظر في علاقتنا مع عالمنا الطبيعي.

يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على موقع BBC Future .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*