العاشر من ربيع الأول اقتران النبي القرشي بسيدة قريش بواسطة مؤمن قريش
441
شارك
شمس سطعت في سماء التاريخ رغم عتمة دخان المبغضين لها، الذين لم يهنأ لهم بال ما دام صفاء شعاع تلك الشمس المنيرة يكشف زيف ظواهرهم ، هذه القديسة التي شاء الله ألا يولد حجر الإمامة إلا من حجرها الطاهر، فيذكر لنا التاريخ أن الطاهرة سيدة قريش خديجة بنت خويلد -وهذان اللقبان ثابتان لها قبل زواجها من النبي صلى الله عليه واله- كانت من أكبر تجار قريش، وكان النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) يتاجر بأموالها،
وذكر البعض أنها بذلت للرسول (صلى الله عليه وآله) ضعف ما كانت تبذله لغيره؛ لما تعرفه من صدق حديثه، وعظيم أمانته، وكرم أخلاقه، فلذا عندما تقدم لها عظماء قريش رفضتهم أجمع؛ لأنها لم ترَ فيهم ما رأته في النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) بل لم تجد قياساً بينه وبينهم، وخطبة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) من السيدة الطاهرة التي يرويها الامام الصادق (عليه السلام) تبين عمق معرفتها بالنبي (صلى الله عليه وآله) فقال (عليه السلام):
(لما أراد رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يتزوج خديجة بنت خويلد أقبل أبو طالب في أهل بيته ومعه نفر من قريش حتى دخل على ورقة بن نوفل عم خديجة فابتدأ أبو طالب بالكلام فقال: الحمد لرب هذا البيت، الذي جعلنا من زرع إبراهيم، وذرية إسماعيل وأنزلنا حرما آمنا، وجعلنا الحكام على الناس، وبارك لنا في بلدنا الذي نحن فيه) وفي هذا المقطع عدة شواهد أهمها إيمان أبو طالب عليه السلام حيث ابتدء بحمد الله عز وجل ومن بعد الثناء على الله وبيان النسب المرتبط بالنبوة يذكر صفات ابن اخيه حيث قال: (ثم إن ابن أخي هذا -يعني رسول الله (صلى الله عليه وآله)- ممن لا يوزن برجل من قريش إلا رجح به ولا يقاس به رجل إلا عظم عنه ولا عدل له في الخلق)هنا ابو طالب خالف عادة الجاهلية حيث يبتدأون بذكر صفاتهم المادية ويتفاخرون بالمال والجاه حيث ابتدأ بذكر صفات النبي صلى الله عليه وآله الخلقية ومن ثم عرج على صفته المادية فقال: (وإن كان مقلاً في المال فإن المال رفد جار -أي عطاء الله تعالى، أجراه على عباده بقدر ضرورتهم واحتياجهم- وظل زائل) هنا قد ألغى الإعتبار المادي في أصل خطبة النبي صلى الله عليه وآله من السيدة الطاهرة وأنه ليس كما يلوح به المؤرخون أنه تزوجها لمالها بل لكمالها، فيكمل: (وله في خديجة رغبة ولها فيه رغبة) لعل البعض يتصور الرغبة هنا هي دنيوية بل هما أعلى وأرقى من ذلك لأن هاتين الشخصيتين قبل إقترانهما كانا يلقبان بالصادق الأمين للنبي والطاهرة للسيدة خديجة فالرغبة هنا تكون حسب شخصية الراغب فإذا كانت شخصيتهما تحمل علو المراتب الروحية فحتما رغبتهما تكون وما يتناسب مع الشخصية فالحاصل أن الرغبة هنا روحية كمالية، فيكمل ابو طالب عليه السلام الخطبة قائلاً: (وقد جئناك لنخطبها إليك برضاها وأمرها والمهر علي في مالي الذي سألتموه عاجله وآجله وله ورب هذا البيت حظ عظيم ودين شائع ورأي كامل) لعمري ما أعظمك يا أبا طالب كيف أنكر القوم إيمانك وها أنت تخبرهم بالمستقبل أن له دين شائع ومتى شاع دين الإسلام قبل زواج النبي صلى الله عليه وآله.
(ثم سكت أبو طالب وتكلم عمها وتلجلج – أي تردد في الكلام- وقصر عن جواب أبي طالب وأدركه القطع والبُهر – أي أعيا- وكان رجلاً من القسيسين) فهنا جاء دور كاملة العقل الطاهرة التي كلامها حتى لمن لا يعرفها يرى فيه الهيبة والكمال (فقالت خديجة مبتدئة: يا عماه إنك وإن كنت أولى بنفسي مني في الشهود فلست أولى بي من نفسي، قد زوجتك يا محمد نفسي، والمهر علي في مالي فأمر عمك فلينحر ناقة فليولم بها وادخل على أهلك قال أبو طالب: أشهدوا عليها بقبولها محمدا وضمانها المهر في مالها) فهنا جاءت العقول المريضة الجاهلية لتدلوا برأيها الدني الدنيوي (فقال بعض قريش يا عجباه المهر على النساء للرجال) فيأتي مؤمن قريش فيظهر شدة إيمانه وأن المقياس هنا يختلف (فغضب أبو طالب غضباً شديداً وقام على قدميه وكان ممن يهابه الرجال ويكره غضبه) يستفاد من ذلك أنه كان نادر الغضب ولا يغضب إلا للحق فلذا كان يكره غضبه لأنه يبين نقص من غضب عليه، فيوضح المقياس لهم (فقال: إذا كانوا مثل ابن أخي هذا طلبت الرجال بأغلا الأثمان وأعظم المهر وإذا كانوا أمثالكم لم يزوجوا إلا بالمهر الغالي) كان المقياس عند أبي طالب هو محمد صلى الله عليه وآله (ونحر أبو طالب ناقة ودخل رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأهله وقال رجل من قريش يقال له: عبد الله بن غنم :
– هنيئا مريئا يا خديجة قد جرت * لك الطير فيما كان منك بأسعد
تزوجته خير البرية كلها * ومن ذا الذي في الناس مثل محمد
وبشر به البر ان عيسى بن مريم * وموسى بن عمران فيا قرب موعد
أقرت به الكتاب قدما بأنه * رسول من البطحاء هاد ومهتد