هل سيكون لدينا رواد فضاء “معدلين جينيا” في المستقبل؟
455
شارك
الحكمة – متابعة: الحياة في الفضاء شاقة جدا، ولم نخلق للعيش في مثل هذه البيئة الصعبة. لكن إذا كنا سنذهب إلى الفضاء في رحلات طويلة، فهل ينبغي علينا تعديل أشكالنا وأجسامنا؟
يتمتع رواد الفضاء بميزات خاصة تجمع بين الشجاعة، واللياقة البدنية، والذكاء، وسرعة اتخاذ القرار، والاحتفاظ بالهدوء تحت أحلك وأقسى الظروف. ويطلق على هذه الميزات “الأشياء الصحيحة” التي ينبغي على رواد الفضاء التحلي بها.
عندما كانت ناسا تختار رواد فضاء لها، في أواخر الخمسينيات، لم تكن تتطلع إلى ما هو أكثر من الحصول على أفضل الطيارين العسكريين ومدربي الطيران في الولايات المتحدة.
وقد فعل الاتحاد السوفيتي الشيء ذاته، وزاد شرطاً إضافيا، وهو أن رجل الفضاء لا ينبغي أن يزيد طوله عن 170 سنتيمتراً، لكي يناسب كبسولة “فيستوك” الروسية الصغيرة، ويمكنه القفز بالمظلة، لكي يتمكن من القفز من المركبة الفضائية عندما تدخل من جديد في الغلاف الجوي. وعلى عكس الولايات المتحدة، ضم السوفيت امرأة إلى فريق رواد الفضاء لديهم.
منذ تلك الأيام المبكرة، اختير علماء ومهندسون وأطباء للتحليق في الفضاء. لكن على مدى 60 عاماً من الرحلات الفضائية، بقيت تلك “الأشياء الصحيحة” ثابتة على نحو واسع كمعايير لانتقاء الرواد.
خذ على سبيل المثال اختيار الرواد من قبل وكالة الفضاء الأوروبية (إيسا) في عام 2009. فمن بين الرواد الستة الذين تم اختيارهم، كان هناك ثلاثة طيارين عسكريين، والرابع طيار مدني. أما الرائدان الآخران فقد شملت قائمة هواياتهما تسلق الجبال، والقفز الحر بالمظلة من الطائرات.
لكن على الرغم من اختيار الأفضل من بين أفضل المتقدمين، لا يزال البشر غير مهيئين للعيش في الفضاء. فنحن نتاج 3.8 مليار سنة من الطفرة والتطور في محيط حيوي مشبع بالأكسجين، ومحمي بغلاف مغناطيسي يحمينا من قسوة الكون.
وبعيداً عن كوكب الأرض، يتعرض رواد الفضاء لقصف الإشعاعات الكونية، ويعانون من الغثيان، وضمور العضلات والعظام، وتدهور البصر، وحتى ضعف نظام المناعة نتيجة غياب الجاذبية.
ويقول لوكا بارميتانو، أحد رواد الفضاء في الوكالة الأوروبية “إيسا”، إنه ذهل من سرعة تغير جسمه خلال رحلة فضائية استمرت خمسة أشهر ونصف حول مدار الأرض في محطة الفضاء الدولية.
ويضيف: “هناك تكيف يشبه التحول. فأنت ترى ساقيك يضمران، ووجهك يصبح مستديراً، وببطء يتعود جسدك على وضع جديد”.
ولاحظ بارميتانو أيضاً تغيرات في الطريقة التي كان يتحرك بها. ويقول: “في البداية، تميل إلى التحرك أفقياً لأنك تخشى الارتطام بأشياء معينة، وعليك أن تتعود على تحريك أجزاء من جسمك بطريقة مختلفة. وبعد حوالي ستة أسابيع، تبدأ في التحرك عمودياً مرة أخرى. بهذا تكون قد تأقلمت مع الفضاء، وأصبحت خارج الأرض “.
لكن هذا التأقلم يذهب إلى مدى بعيد أيضا من وجهة نظره. ويقول بارميتانو: “الساقان غير مفيدتان كثيراً في الفضاء. ولا أرى أن نقطعهما، ولكن لماذا لا أحولهما إلى يدين؟ فامتلاك أربع أياد سيكون مفيداً حقاً في الفضاء عندما يمكنك الإمساك بالحواجز، واستخدام الأيدي الأخرى في العمل”.
ويذهب إلى ما هو أبعد من ذلك، ويضيف: “إن وجود ذيل لحفظ التوازن سيكون أمراُ مثيراً حقاً، لأن ثلاث نقاط ارتكاز أفضل من اثنتين”.
ومع قضاء رواد الفضاء أوقاتاً أطول في الفضاء، حيث يبلغ الرقم القياسي الحالي 437 يوماً، والذي حطمه رائد الفضاء فاليري بولياكوف، ووجود مهمة طويلة الأمد خططتها وكالات الفضاء إلى كل من المريخ و القمر، هناك تفكير جاد في إنشاء مساكن فضائية، ومركبات فضائية للحفاظ على صحة ولياقة رواد الفضاء.
وربما كانت محاكاة الجاذبية هي الغاية من حماية رواد الفضاء من الإشعاعات من خلال ألبسة خاص، وأجهزة معقدة للحفاظ على الحياة.
لكن ماذا لو أنه بدلاً من بذل الجهود في مساعدة هؤلاء البشر على التكيف مع بيئة الفضاء، نقوم بما اقترحه بارميتانو ونعدل البشر جينيا ليناسبوا العيش في الفضاء؟
يقول بارميتانو: “يمكنك تخيل تصميم إنسان مستقبلي مناسب للفضاء، ليس ذلك أمراً صادماً أو مدهشاً ولكنه أمر يمكننا فعله. ربما تعين علينا أن نفعل ذلك”.
لقد كانت هذه إحدى الأفكار التي أخذت في الاعتبار في ورشة عمل (وادي النجوم في تيناسي) في ولاية ألاباما. فهنا اجتمع علماء وكالات الفضاء ومهندسون، ومتحمسون لإنشاء مستعمرات مستقبلية في المدار حول الشمس، وسفن شمسية تسافر عبر أجيال، مصممة لنقل الإنسانية لاستكشاف عوالم غريبة جديدة.
يقول عالم الأعصاب روبرت هامبسون، الذي درس كيفية تأثير الإشعاع على الدماغ، يرأس ورشة عمل عن التكيف البشري مع الفضاء: “يحتاج تعديل أو تغيير كوكب إلى كثير من المواد والوقت على سبيل المثال. لكن يمكننا أن نجد طريقة لجعل البشر أكثر تكيفاً مع جاذبية أقل، وغلاف جوي مختلف”.
ومن المرجح أن يتم اختيار مستوطني الفضاء في المستقبل، مثلهم مثل رواد الفضاء في الوقت الحاضر إلى حد ما، بناء على ملاءمتهم لرحلات فضاء طويلة الأمد. فربما يكون لديهم مقاومة طبيعية جيدة للإشعاع، وكثافة عظام كبيرة، وأنظمة مناعة قوية. هذه الصفات يمكن أن تنقل إلى الأجيال القادمة التي تعرف البيئة الفضائية.
يقول هامبسون: “إذا أخذت زوجين شابين في سفينة نجوم لتكوين مستعمرة (في الفضاء)، فسينجبان أطفالاً يتكيفون مع تلك المستعمرة، وليس مع الأرض. الأم والأب قررا ذلك لأطفالهم وللأجيال اللاحقة لهم”.
ولذلك فإنه على مدى عدة أجيال، ربما يصبح هؤلاء البشر الفضائيون مختلفين عن أسلافهم الذين قدموا من الأرض. ويقول هامبسون: “التطور والارتقاء عملية بطيئة جداً. السؤال هو: كم نستطيع تسريع تلك العملية؟”.
لقد كتبت في السابق عن أخطار تربية أطفال في بيئة قاتمة جرداء غريبة، كبيئة كوكب المريخ. لكن جيلا معدلا وراثياً من الفضائيين يمكنه التغلب على بعض الاعتراضات الأخلاقية. حيث يتطلب التعديل الجيني تغييراً في الأجنة، ولذا، تم تطوير تقنية لمكافحة بعض الاضطرابات الموروثة.
يقول هامبسون: “هناك حتمية أخلاقية لإعطاء الطفل كل الميزات، ليس فقط ليعيش، ولكن ليزدهر، ويعمل ويكون ناجحاً، ويتمتع بصحة جيدة، ومن ثم لينتج أطفاله وأبناءه”.
عندما يبدأ البشر في مغادرة كوكب الأرض بأعداد كبيرة، سيتعين علينا التكيف والتأقلم مع بيئات الفضاء الجديدة. فبدلاً من البحث عن كوكب يلائم البشر، يمكننا أن ننتج بشرا يلائمون الفضاء. وربما حتى يكون لديهم أربع أياد، وذيل يساعد على حفظ التوازن.
يقول بارميتانو: “من المشوق أكثر التفكير في العيش في بيئة ليست محدودة بالجاذبية. ففرص العثور على كوكب توأم للأرض ضئيلة جداً. وتبدو فكرة وجود بيئات جديدة يمكن للبشر العيش فيها رائعة أكثر بالنسبة لي. وربما فقط بالنسبة لي وحدي!”