الخطبة الثانية لصلاة الجمعة بإمامة السيد أحمد الصافي في 19/ربيع الأول/1439هـ الموافق 8 /12 /2017م
299
شارك
الحكمة – متابعة: إخوتي أخواتي، من جملة ما يتعرض له القرآن الكريم بعض السور التي ستمر علينا كأمم.. هناك بعض المشاكل الفردية، الإنسان يعصي الله تبارك وتعالى فيها ويجازى، وهناك بعض السور التي يُلحظ فيها عنوان الأمّة، المجتمع، المجموعة…
وقبل أن أدخل في بعض الآيات أحب أن أنوّه إلى هذه المقدمة المهمة..
هناك بعض الأمور التي اهتم بها الله تبارك وتعالى اهتماما بالغا، يعني اُعطي لها أهمية عظمى.. وهذه الأهمية العظمى تتناسب في حال خذلان هذا الأمر يعني إذا لم يحدث ما أراده الله تعالى لم يحدث.. الله تبارك وتعالى تارة في الدنيا يرتّب اثر العمل وتارة الله تعالى يعطينا صورة مخوفة عن الحالة التي ستكون، بعض المسائل الله أراد من الأمّة بما هي أمّة أن تلتفت إليها ومعنى ذلك أنه إذا كان هناك من ينبّه وهناك من يدعو وهناك من يشير وهناك من ينصح وهناك من يبين..على الأمّة أن تلتفت.. لأن هذه الامور إذا لم تتحقق فيها الاستجابة التامة ممكن والعياذ بالله يكون بلاء ًعاماً..
لاحظوا اتحدث عن بعض السور في القرآن الكريم..
نحن معاشر المسلمين نقدس الانبياء ونمر على اعاظم الانبياء في القرآن الكريم مثلاً نمرّ على نوح (عليه السلام).. لاحظوا قصة نوح (عليه السلام) فيها اكثر من مدلول نوح (عليه السلام) نبي كبقية الانبياء وكما ان الانبياء دعوا قومهم ايضاً نوح (عليه السلام) دعا قومه..
القرآن الكريم لا يتحدث عن تفاصيل لكنه يتحدث عن قضية لم تحصل لعله في بقية الامم حصلت مع نوح (عليه السلام)….
اولا ً: الذين لم يتبعوا نوح لم يرجعوا الى عقلهم ويسألوا انفسهم بالعكس كانوا يقولون هؤلاء الذين اتبعوك هم اراذلنا وهم من سفلة القوم.. اراذلنا ليست لهم قيمة وبالنتيجة التعريض بنوح (عليه السلام) انه ايضاً انت ليس لك قيمة…
ثانياً: هؤلاء جعلوا اصابعهم في اذانهم استهزاءاً وعدم اعطاء نوح مجال ان يتكلم معهم وهذا تصرف ليس فردياً من قوم نوح.. القرآن لم يقل هناك واحد جعل اصبعه في اذنه.. (لا) وانما يقول يجعلون اصابعهم في آذانهم.. او الذين اتهموا من تبعه ايضاً ليس شخصاً واحد (لا) وانما مجموعة.. واصبح نوح مع الذين اتبعوه في حالة اشبه بحالة الغربة.. يتكلم لا يسمعون ينادي لا يفقهون.. الى ان نوح (عليه السلام) ان هؤلاء لا يوجد فيهم الا من يكون كافر او يلد فاجراً كفّاراً.. هؤلاء حتى في اصلابهم لا يوجد فيه خير اصلا ً فدعا عليهم نوح.. لاحظوا امّة قُضيت تماماً والله تعالى انجى نوح (عليه السلام) ومن معه، حتى ابنه لم يكن من الناجين لم يسمع ولم يصغي..مع ان نوح يختلف عن الانبياء لبث فيهم الف سنة الا خمسين عاماً يدعو ويدعو.. وليس من المعلوم ان هؤلاء كانوا من جيل نوح فالقرآن الكريم يتحدث عن نوح (عليه السلام) لبث فيهم هكذا مدة، يعني ليس من المعلوم ان هؤلاء نفس الاشخاص الذين بقى نوح (عليه السلام) يدعوهم وانما قد يكون جيل تبدّل لكن بلا فائدة..
امّة خذلت نبيها بالنتيجة هذه الامّة الى حيث.. الله تعالى نجّى البعض وانجاه في السفينة وجاء الطوفان ولم ينجوا احد لماذا؟! الامّة عندما تتراجع عن مسؤوليتها هذا معناه على مثل قوم نوح..
لاحظوا القران الكريم في سورة الجاثية القرآن الكريم لا يقول من هذه الامّة.. لكن الشيء الغريب ان في هذه الآية لا يتحدث عن امّة واحدة، قال تعالى: [ (وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (28)].
لاحظوا الانسان اذا جثى الفعل (جثى) جثى على ركبيته، عادة المذنب عندما يؤتى به يجثوا على ركبتيه دليل الخضوع دليل على ان هناك شيء ينتظره فهو مذنب وترى كل امّة جاثية.. حقيقة بلاغة في أداء هذا المطلب وهذا المعنى الذين يبينه القران الكريم وهو معنى عجيب وغريب نلتفت له..
لاحظوا هذه الحالة الاولى ان هناك امّة وهناك عمل اشتركت به هذه الامة فهذه الامّة ستدفع هذا الثمن..
(الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ)
المشكلة في هذه النقطة اخواني مشكلة الجزاء، الانسان قد يمد يده لرزق غيره او لمال غيره او لحق غيره يأخذه ويفعل الافاعيل في الدنيا لا توجد جزاءات دائماً ما اكثر ظلامات الدنيا لكن الجزاء وهذا التعبير راقي من الآية الشريفة قال تعالى: (الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ).. الذي كنتم تعملونه سابقاً كنّا نغض الطرف ونمهل الامور لمصالح معينة الله تعالى لا يكافئ في الان لكن اليوم تجزون بما كنتم تعملون.. طبعاً الآية الشريفة قبلها آيات.. ولكن التفتوا الى الاية الشريفة التي تلي الاية التي ذكرناها: (هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (29)).
هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق ابداً لا ينطق بالباطل، تعرفون الحق مقابل الباطل.. الحق مقابل الباطل وهذا الكتاب ينطق عليكم انتم في مقام المحاسبة ينطق عليكم يعني انتم لستم اصحاب الحق الحق عليكم.. نحن اصحاب الحق، هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق لا مفر ولا مهرب ولا واسطة ولا مجاملة ولا يمكن ان الانسان يخرج من ذلك السلطان الى سلطان آخر هذا كله لا يمكن…
ولاحظوا الاية الشريفة في سورة (ق): (قَالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (28) مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (29)) لاحظوا ان الخصام لا ينفع احدكم يرمي مشكلته على الاخر هنا هذا لا ينفع (هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ) لاحظوا الايات الشريفة سورة ممكن اذا تتجمع سورة مرعبة.. يوم الاقتصاص ويوم الاخذ لحق المظلوم من الظالم.. كم ظالم بزي مظلوم لا يعلم به أحد وكم وكم.. لكن عندما تقرأ الايات الشريفة حقيقة تزداد رعباً والذي يؤمن لابد عليه ان يأتي بعقله ان كان عقله قد غاب يستنزل عقله ويجعله في رأسه حتى يفكر قال تعالى: (هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (29)، وهذا شيء عجيب اضافة الى شهادة الله تعالى انّا كنا نستنسخ نحن لم نضيف شيء من عندنا وانما كنا نستنسخ ما كنتم تعملون.. واصل الاستنساخ هو ان انقل واكتب..
لاحظوا دقّة التعبير في هذه الآيات الشريفة.. الدنيا فيها اشياء وهنا الموضوع يختلف تماماً كتابنا ينطق عليكم بالحق يحقكم وعملنا انا كنا نستنسخ ونكتب ما كنتم تعملون فأين المفر؟! لا يوجد مفر!!..
اخواني القران الكريم كتاب هداية وحكمة ينبّه وعلينا ان نستفيد واخطر ما في الامر عندما تتعرض بعض المبادئ الى تنازل من امّة وتتعرض بعض القيم الى تنازل من امّة والامة تتنازل عن هذا المبدأ! هذا خطر، لا يوجد احد ينبّه.. اذا كانت الامّة هي التي تتنازل من ينبّه الامّة ومن الذي يوضّح؟ لا أحد، فماذا سيكون الجزاء؟ اما جزاء الدنيا كما في نوح والعياذ بالله.. او جزاء الاخرة وهذا اخطر واشد واصعب ولا حجة لنا ولا مهرب ولا أي شيء..
نسأل الله سبحانه وتعالى بمن نلوذ بجواره وهو سيد الشهداء سبط النبي المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) ان يمنّ علينا وعليكم بكل خير وان يعجل بالنصر المؤزر لأبنائنا وقواتنا على اعدائهم ويرينا في ابنائنا والبلد كل خير ويرينا في اعدائنا كل ذلة وهوانة..
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين..