مزارعون وأصحاب حافلات قلقون من النشاط الاقتصادي للعتبات
بدأ النشاط الاقتصادي لمستثمري أموال العتبات الدينية في كربلاء قبل سنوات من خلال قيامها باستيراد لحوم بيضاء وحمراء من الخارج تُذبح تحت إشرافها وتحمل علامة الكفيل التجارية.
وحقق هذا المشروع نجاحًا في حينه شجع على ما يبدو على توسيع عشرات المشاريع التي سرعان ما نمت وتعددت مع الوقت ، لكن تلك الاستثمارات باتت تخيف المزارعين في كربلاء اليوم.
فالمَزارع الخاصة بإنتاج أنواع من الخضار والمجهزة بأحدث التقنيات والممتدة على مساحة 2000 دونم إلى الجنوب من المدينة هي من أكبر المشاريع الزراعية التي تديرها العتبات الدينية ويعمل فيها عشرات المزارعين والمهندسين والإداريين وتُستخدم فيها أحدث الآلات الزراعية وتنتج أطناناً من الخضار الصيفية والشتوية.
عشرات السيارات التخصصية والآلات الثقيلة وحافلات نقل الركاب التي تديرها الجهات المشرفة على استثمار العتبات الدينية دفعتها لتنفيذ مشاريع جديدة في مجالات تجارية واقتصادية مختلفة، حيث وُضِع حجر الأساس لعدد منها في مجال الانتاج الزراعي والحيواني، وصناعة المبيدات والأسمدة الكيماوية.
وتدار العتبات الدينية في كربلاء من قبل لجنة خاصة تضم رجال دين مرتبطين بالمرجعية الدينية العليا في النجف وعشرات الموظفين والمختصين، وتعد التبرعات ركنًا أساسيًّا من موارد العتبات الدينية بالإضافة إلى التخصيصات المالية التي تحصل عليها من الحكومة المحلية ومن ديوان الوقف الشيعي.
مديرو أموال تلك العتبات بدؤوا العمل قبل أسابيع بمشروع آخر كبير لتربية الحيوانات وإنتاج الحليب يضم معملًا لإنتاج أعلاف الحيوانات، وهناك عشرات المشاريع الصغيرة التي بدأت تلفت النظر إلى أن العتبات الدينية بدأت باستثمار أموالها وإدارتها لتصبح قوة مالية لا يستهان بها.
وعلى بعد 15 كيلو متر إلى الجنوب من مَزارع العتبات الدينية، يخوض المزارع أبو ليث صراعًا صعبًا مع السلطات المحلية لمنعها من تجريف مزرعته وعشرات المزارع التي وقعت ضمن حرم مطار كربلاء الدولي الذي من المقرر أن يبدأ تشييده في المنطقة.
وتمكن أبو ليث والعشرات من المزارعين بعد عدة تظاهرات احتجاجية من كسب بعض الوقت حيث أمهلتهم السلطات ريثما ينهون موسمهم الزراعي الحالي قبل أن تبدأ الجرافات بتسوية مزارعهم وإزالة ما شيدوه عليها.
الحكومة الاتحادية أطلقت قبل سنوات ما أسمته بالمبادرة الزراعية لمساعدة المزارعين على النهوض بالواقع الزراعي وتحقيق نسبة من الاكتفاء في مجال إنتاج المحاصيل الزراعية، خصوصًا وأن العراق يعتمد بدرجة أساسية على الاستيراد لتوفير نسبة كبيرة من حاجاته الغذائية.
لكن أبو ليث يرى أن ما يحصل عليه المزارعون من دعم واهتمام حكومي لا يساوي شيئًا مما تحصل عليه المشاريع الزراعية التابعة للعتبات الدينية وقال : “إنهم يملكون المال والنفوذ وسيتمكنون من إغراق الأسواق بمنتجاتهم الزراعية إذا ما اكتملت جميع منشآتهم ولن يكون للمزارعين الصغار أي دور في السوق”.
ولم تتوقف المخاوف من النشاط الاقتصادي للعتبات الدينية على المزارعين، فأصحاب حافلات نقل الركاب العاملة على خطوط النقل المحلية يبدون تخوفًا من “استحواذ” الحافلات العاملة لصالح العتبات الدينية على خطوط النقل.
وقال علي إبراهيم وهو صاحب حافلة لنقل الركاب بين كربلاء والنجف: “حين يكون للعتبات الدينية عشرات السيارات وربما أكثر تنقل المواطنين بأسعار أقل سيؤثر هذا في عملنا ومصدر دخلنا وسيجعل الركاب يقصدون الحافلات الأقل سعرًا”.
ويضيف “القدرة الاقتصادية لمشاريع العتبات الدينية المتنوعة تمكنها من نقل الركاب بأجور منخفضة قياسًا لأجورنا”.
وفي مقابل ما يبديه البعض من مخاوف حيال مشاريع العتبات الدينية يختلف تقييم لجنة المشاريع الزراعية في العتبة الحسينية لهذه المشاريع، فهي من وجهة نظر هذه اللجنة تنفذ بجهود هندسية متميزة ورصينة تفوق جهود جهات أخرى مرتبطة بالقطاع الخاص والحكومي.
وقال المهندس صلاح مهدي رئيس لجنة المشاريع” نحن نحاول التواصل مع التقنيات الحديثة في الزراعة للتغلب على مشكلات ومعوقات القطاع الزراعي التي لا يتمكن المزارعون من تجاوزها”.
وقال”جميع هذه المشاريع تصب في خدمة قطاع الزراعة والبلاد عموماً ولن تؤثر في مزارعي القطاع الخاص”.
ولفت إلى أن المشاريع الزراعية وحتى المشاريع الأخرى، تهدف إلى تغطية حاجة العتبات الدينية إلى المواد الغذائية الأولية والأموال، حيث تقدم هذه المزارات الغذاء يوميًّا لمئات الأشخاص ممن يزورون العتبات الدينية.
وقال “نحن لم نصل حتى اليوم إلى الاكتفاء الذاتي في مجال توفير الخضار واللحوم لمطابخ العتبات الدينية، وهذا يعني إن انتاجنا ما زال في طور النمو”.
ويعتقد المسؤولون في العتبات الدينية أن أسعار خدماتهم ومحاصيلهم الزراعية تنافسية وتصب في صالح المستهلك وتشكل معادلاً إيجابياً في السوق المحلية ، لأنها تضع المستهلك أمام خيارات عديدة وتخفف من احتكار التجار للأسعار.
من جهة أخرى يرى الخبير الاقتصادي الدكتور خالد تيسير أن أصحاب المشاريع الخاصة الصغيرة قد يتعرضون لخسائر في حال تنامت مشاريع كبيرة في حدود الأسواق التي يصّرفون بضائعهم فيها.
وأضاف “منذ سنوات طويلة والعراق يعتمد على دول أخرى في استيراد ما يحتاجه من الغذاء والسلع المختلفة، ومن الممكن القول إن أسواقه تستوعب مئات المشاريع في مختلف المجالات لسد حاجاته”.
وأضح أن أي مشروع اقتصادي منتج يصب في النهاية في صالح دعم الاقتصاد الوطني للبلاد مع مراعاة المشاريع الصغيرة وأن على الحكومة أن تقدم الدعم لجميع المستثمرين المحليين وعدم التمييز لجهة على حساب جهة أخرى.
وقال “قد تكون بعض الجهات مرتبطة بالدولة أو لها نفوذ كبير فتحصل على التسهيلات والقروض وإجازات الاستيراد، وعلى الدولة أن تطبق الضوابط على الجميع حتى لا تسمح بنمو كيان تجاري أو اقتصادي واضمحلال وتلاشي كيانات أخرى”.
عباس سرحان