الحكمة – متابعة: أصبح مسلحو حركة طالبان، التي أنفقت قوى دولية بقيادة الولايات المتحدة مليارات الدولارات لهزيمتهم، ينشطون الآن في 70 في المائة من أفغانستان، بحسب تحقيق لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي).
وتظهر الدراسة التي استمرت أشهرا وغطت أنحاء البلاد كيفية ارتفاع مساحة المناطق التي تهددها طالبان أو تسيطر عليها، وذلك منذ خروج القوات الأجنبية المقاتلة في عام 2014.
وشككت الحكومة الأفغانية في نتائج الدراسة، قائلة إنها تسيطر على معظم المناطق في البلاد.
لكن الهجمات العنيفة التي وقعت في الآونة الأخيرة وأعلنت حركة طالبان وتنظيم الدولة مسؤوليتهما عنها أودت بحياة العشرات في العاصمة، كابل، ومناطق أخرى متفرقة.
وردّ المسؤولون الأفغان والرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، باستبعاد أي مفاوضات مع طالبان.
وفي العام الماضي، أعلن ترامب أن الجيش الأمريكي سيبقى في أفغانستان إلى أجل غير مسمى.
كيف أُجريت الدراسة؟
وقدّم تحقيق بي بي سي، الذي أجري في أواخر 2017، معلومات نادرة عن الوضع الأمني في جميع مناطق أفغانستان في الفترة من 23 أغسطس/ آب إلى 21 نوفمبر/ تشرين الثاني.
وتحدثت شبكة من مراسلي بي بي سي في أنحاء أفغانستان إلى أكثر من 1200 مصدر محلي في جميع أقاليم البلاد البالغ عددها 399 إقليما، لتقديم صورة شاملة عن جميع الهجمات خلال تلك الفترة.
وأجريت المحادثات إمّا وجها لوجه وإما من خلال التليفون، وجرى التأكد من جميع المعلومات من مصدرين على الأقل، وفي حالات كثيرة من ست مصادر، حتى إنه في بعض الوقائع ذهب مراسلو بي بي سي إلى محطات الحافلات المحلية لإيجاد مسافرين قادمين من أقاليم نائية أو مناطق يصعب الوصول إليها من أجل التأكد مرة أخرى فيما يتعلق بالوضع هناك.
وتظهر نتائج الدراسة أن قرابة 15 مليون شخص، أي ما يعادل نصف السكان، يعيشون في مناطق إما تسيطر عليها حركة طالبان أو يتمتع فيها مسلحو الحركة بحضور نشط ويكثفون من هجماتهم بصورة منتظمة.
ويتضح جليا المدى الذي بلغته الحركة خارج معقلها التقليدي في الجنوب إلى المناطق الشرقية والغربية والشمالية. ومن بين المناطق التي سقطت في أيدي طالبان منذ عام 2014 في محافظة هلمند كانت سنجين وموسى قلعة وناد علي، التي خاضت فيها القوات الأجنبية قتالا مستميتا لإعادتها إلى سيطرة الحكومة الأفغانية بعدما أطاحت القوات الأجنبية بقيادة الولايات المتحدة بنظام الحركة عام 2001. وقتل أكثر من 450 من القوات البريطانية في هلمند في الفترة من 2001 إلى 2014.
وقال أحد سكان إقليم شيندند الغربي، الذي يشهد هجمات مسلحة أسبوعيا، ويدعى ساردار: “عندما أخرج من منزلي لست متأكدا ما إذا كنت سأعود إليه حيا أم لا .. التفجيرات والإرهاب وطالبان جزء من حياتنا اليومية.”
كما يشير تحقيق بي بي سي إلى أن تنظيم داعش بات أكثر نشاطا في أفغانستان من أي وقت مضى، على الرغم من أنه أقل قوة بكثير من حركة طالبان.
ما هو حجم المناطق التي تسيطر عليها أفغانستان؟
باتت المعلومات الدقيقة التي يعتمد عليها عن الصراع الدائر أكثر صعوبة منذ انسحاب القوات الأجنبية وتسليم المسؤولية لقوات الأمن الأفغانية.
ولم يكن بإمكان التقييمات السابقة عن حجم نفوذ طالبان الوصول إلى معلومات من جميع المناطق في البلاد، في وقت كانت فيه هذه التقييمات تنطوي عادة على محاذير تهون من الوضع الحقيقي.
ويظهر تحقيق بي بي سي أن طالبان تسيطر الآن سيطرة كاملة على 14 إقليما (تشكل أربعة في المائة من إجمالي مساحة البلاد) وتتمتع بحضور نشط وفعلي في 263 إقليما آخر (يشكلون 66 في المائة من إجمالي مساحة البلاد)، وهي ما يشير إلى زيادة كبيرة في تقريرات سابقة لحجم نفوذ طالبان.
وفي المناطق التي حُددت بأنها تشهد وجودا نشطا وعلنيا لطالبان، يشن المسلحون هجمات متكررة ضد مواقع الحكومة الأفغانية. وتتراوح تلك الهجمات بين هجمات جماعية منظمة وكبيرة على القواعد العسكرية وأخرى فردية ومتفرقة وكمائن ضد المواكب العسكرية ونقاط التفتيش التابعة للشرطة.
ووقعت الهجمات التي جرى تسجيلها في فترة إجراء الدراسة بدرجات متفاوتة بين هجوم واحد كل ثلاث أشهر إلى هجُومَيْن أسبوعيا.
ولأغراض التحقيق، تحدد المناطق التي تسيطر عليها الحكومة أو تديرها بأنها تتمتع بتمثيل فاعل من حكومة كابول، وذلك في شكل رئيس منطقة ورئيس شرطة ومحاكم.
ويعيش عمرو الدين، الذي يدير شركة نقل محلية، بالقرب من جبهة القتال بإقليم بهارك شمالي ولاية بدخشان، حيث يعرفها تحقيق بي بي سي بأنها من الولايات التي تشهد حضورا متوسطا لطالبان.
ويقول عمرو الدين: “نعيش في خوف مستمر. عندما تبدأ الحكومة الاشتباكات مع مسلحي طالبان نجد أنفسنا محاصرين بسبب إطلاق النار المتبادل. الأمر هادئ الآن لكن طالبان لا تزال حاضرة هنا.”
وفي منطقة سنجين، وصف محمد رضا، وهو أب لثمانية أبناء، الحياة بـ “أفضل” في ظل وجود المسلحين لأنهم يعيشون في سلام.
وأضاف: “أصبح قلقا فقط عندما أرى القوات الحكومية.”
وخلال فترة البحث، توصل تحقيق بي بي سي إلى أن 122 إقليما (تمثل نحو 30 في المائة من مساحة البلاد) لا يشهد حضورا لحركة طالبان. وتصنف هذه المناطق على أنها تقع تحت سيطرة الحكومة الكاملة، لكن هذا لا يعني أن خالية من العنف والهجمات.
وشهدت كابل وغيرها من المدن الكبرى، على سبيل المثال، هجمات عنيفة، شُنت من مناطق متاخمة أو من خلايا نائمة خلال فترة البحث وكذلك قبلها وبعدها.
وقالت ماغول، وهو مدرسة من إقليم شمالي بولاية كابل، لبي بي سي: “الناس ليس لديهم خيار سوى ترك بيوتهم، ومزارعهم وبساتينهم أو البقاء والعيش في حكم طالبان.”
وأضافت أن عائلتها فرت من قريتهم في أكتوبر/ تشرين الأول، وذهبوا بحثا عن ملجأ تسيطر عليه الحكومة، ليقتل شقيقها هناك بعد يومين فقط من انتقالهم في هجوم انتحاري.
وإلى الغرب من العاصمة الأفغانية، قالت جميلة، وهي أم لخمسة أبناء: “صاروخان لطالبان سقطا في حديقة منزلنا الخلفية الشهر الماضي. نحن نعيش على بعد مئات الأمتار من مكتب رئيس الإقليم. الوضع ليس آمنا هنا.”
كما كشفت نتائج التحقيق عن أدلة بشأن ارتفاع كبير في الضرائب التي تفرضها طالبان في أنحاء البلاد. ففي المناطق التي تشهد حضورا علنيا لطالبان، يجبر المسلحون المزارعين والشركات المحلية وحتى حافلات بضائع على دفع ضرائب، في الوقت الذي يترك فيه المسلحون الأمر للحكومة لدفع فواتير الخدمات الأساسية مثل المدارس والمستشفيات.
وقال أحد مسوؤلي الأقاليم الجنوبية: “إنهم يحصلون من الناس على الأموال مقابل الكهرباء التي نمدهم بها!”
وراجعت تحقيق بي بي سي شبكة محللي أفغانستان، المعروفة اختصارا بـ (AAN)، التي تعمل في أفغانستان منذ عام 2009.
وقالت المديرة المشاركة للشبكة، كيت كلارك: “مثل هذا التحقيق القائم على البحث الجيد بشأن الحرب الأفغانية هو أمر نادر لكنه مرحب به. النتائج صادمة لكنها للأسف ليست مفاجئة، إنها ترسم صورة حقيقية لخريطة دقيقة للحجم الذي بلغه الصراع.”
وتابعت: “لكنها مؤلمة عندما ندرك أن كل جزء من الخريطة ظُلّل باللون البرتقالي يشير إلى وقوع ضحايا ودمار.”
حجم أعمال العنف في المدن؟
تصاعدت أعمال العنف منذ أن غادرت القوات الدولية أفغانستان منذ ثلاث سنوات.
قتل وأصيب أكثر من 8500 مدني في الأشهر التسعة الأولى من عام 2017، وفقا لأرقام الأمم المتحدة. ولا تزال الأرقام النهائية قيد الإعداد. ولقيت الغالبية العظمى من ضحايا أفغانستان مصرعها في الاشتباكات المسلحة مع المتمردين لكن المدنيين يعانون كذلك بسبب دعم الولايات المتحدة وعودة الاشتباكات سواء أكان من خلال الاشتباكات الميدانية أو الغارات الجوية.
وعلى الرغم من أنه لا يجري الإبلاغ عن الكثير من الهجمات، إلا أن الهجمات الكبرى في المدن هي التي تتصدر نشرات الأخبار. وتقع مثل هذه العمليات بوتيرة أكبر، ويبدو أن قوات الأمن الأفغانية غير قادرة على إيقافها.
وخلال فترة التحقيق، اقتحم مسلحون المقر الرئيسي لتلفزيون شمشاد في كابول، مما أسفر عن مصرع أحد الموظفين وإصابة 20، وأعلن تنظيم الدولة مسؤوليته عن الحادث. ووقعت كذلك هجمات في مدن قندهار وهرات وجلال أباد.
وفي الأيام العشرة الأخيرة من شهر يناير/ كانون الثاني، أحدثت ثلاث عمليات عنيفة صدمة كبيرة في العاصمة الأفغانية بعدما خلفت أكثر من 130 قتيلا. وفي مايو الماضي، شهدت كابول أعنف هجوم مسلح منذ عام 2001.
وقتل 150 شخصا على الأقل وأصيب أكثر من 300 آخرين عندما جرى تفجير شاحنة مفخخة وسط ما يفترض أنه أكثر مكان بالمدينة أمنا. ولم تعلن أي جماعة مسؤوليتها عن الهجوم.
ما هو حجم نفوذ تنظيم داعش؟
وبينما أظهر تنظيم داعش قدرته على استهداف أماكن في العاصمة، كابل، إلا أن نفوذه محدود في معقل صغير نسبي في المنطقة الواقعة على الحدود مع باكستان في ولاية ننكرهار الشرقية.
وخلال فترة البحث، اغتيل 50 شخصا على الأقل في العاصمة الإقليمية، جلال أباد. وبعض هؤلاء الضحايا قتلوا بالرصاص أو نُسفت أجسادهم، كما وقعت عمليات قطع للرؤوس، وهي البصمة الرئيسية لإعدامات تنظيم داعش.
وقال سكان ومسؤولون محليون، تحدثت إليهم بي بي سي، إن تنظيم داعش الآن يتمتع بوجود في 30 منطقة، وليس فقط في الشرق، لكنه حاضرا في مناطق مثل خان أباد وكوهستانات في الشمال.
ويحارب التنظيم الجيش الأفغاني وكذلك حركة طالبان من أجل السيطرة على مزيد من الأراضي.
وخلال عام 2017، زاد عدد الهجمات التي نسبت إلى التنظيم، إضافة إلى زيادة عمليات استهداف المناطق الحضرية وفي أحيان كثيرة هجمات طائفية ضد المسلمين الشيعة في خلال عمليات دموية لم تشهد أفغانستان مثلها خلال صراعها الممتد لأكثر من 40 عاما.
ولا يسيطر تنظيم داعش فعليا على أي إقليم سيطرة كاملة. ومع ذلك، نجح مسلحوه في الاستيلاء على أجزاء من منطقة دارزاب الشمالية، ما أدى إلى نزوح مئات السكان عن منازلهم.
حجم المناطق التي تقول الحكومة إنها تسيطر عليها؟
وحينما عُرضت نتائج تحقيق بي بي سي، قال شاه حسين مرتضوي، المتحدث باسم الرئيس الأفغاني، أشرف غني: “في بعض المناطق قد تتغير القوى المسيطرة. لكن إذا ما نظرت إلى الوضع هذا العام (2017/18) سنجد أن هجمات طالبان وتنظيم الدولة جرى الحد منها إلى حد كبير.”
وأضاف: “قوات الأمن فازت بالحرب في القرى. لم يعد ممكنا للمسلحين السيطرة على إقليم أو مناطق كبيرة أو طريق سريع. لا شك أنهم غيروا طبيعة الحرب، وبدأوا في شن هجمات على كابل، واستهداف المساجد والبازارات.”
وتابع: “أعتقد بأن تقرير بي بي سي قد تأثر بالحديث مع أشخاص ربما تعرضوا لنوع من الحوادث التي استمرت وقتا في يوم ما. لكن الخدمات والأنشطة التي تقدمها إداراتنا المحلية في جميع أنحاء الأقاليم تثبت أن الحكومة تسيطر على الأغلبية العظمى من أفغانستان، باستثناء عدد قليل من المناطق التي تشهد وجودا لطالبان.”
لكن، وفي اعتراف بمدى تدهور الأمن، وافق الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، العام الماضي على نشر ثلاثة آلاف جندي إضافيين، ما يرفع عدد القوات الأمريكية في أفغانستان إلى 14 ألفا.
ولا تزال مكاسب المسلحين وحجم سيطرتهم على الأراضي أمرا محل نزاع.
وعشية نشر تحقيق بي بي سي، نفى الجيش الأمريكي أي محاولة لمنع هيئة رقابية حكومية من الكشف عن حجم الأراضي الأفغانية التى يعتقد بأنها تحت سيطرة طالبان. وكان المفتش العام الخاص بإعادة أعمار أفغانستان (سيغار) أعلن، في تقريره الأخير، أن هذه الخطوة “مثيرة للقلق”.
وفي الوقت ذاته، تغيب أي مؤشرات لانتهاء الصراع في المستقبل، في مرحلة يعيش فيها جيل جديد من الأفغان في بيئة يحيط بها العنف من جهات عدة.