الحكمة – متابعة: يعاني بعض الناس من الحالات النفسية المتنوعة كالحزن والقلق والأرق واضطراب المزاج وأشياء أخرى كثيرة، وقد تكون لهذه المعاناة ارتباطات كثيرة بالنواحي الشخصية والاجتماعية والعملية للإنسان، لذلك فإن أي آثار سلبية لاستمرار هذه المعاناة سوف تنعكس سلباً على تلك النواحي، وقد تؤدي إلى خلل فيها أو تعطيلها مما يزيد المشكلة ويؤدي إلى زيادة المعاناة.
وفي العراق يعاني الكثير من الناس من حالات نفسية لا يمكن تحديد مدياتها، اذ تختلف من شخص الى اخر بحسب طاقاته، فالحروب المتعاقبة لسنوات طويلة والتهجير القسري واخرها ما فعله داعش الارهابي من قتل وحرق وهدم للنسيج المجتمعي وترهيب للاطفال حطم الجانب النفسي.
وعلى الرغم من كل ذلك ما زال المجتمع لا يعترف بالطب النفسي وتأثيره الايجابي على الصحة بشكل عام، اذ نحتاج الى توعية بشكل كبير بهذا الجانب للاسهام في انتشال اجيال من امراض نفسية تعمقت بهم تؤذيهم وتسهم في ايذاء ذريتهم مستقبلا، فما زال مجتمعنا ينظر للمريض النفسي على انه مجنون!!! في حين ان كل انسان معرض لصدمة معينة تؤثر في نفسيته او سوء في تنشئته افقدته الثقة في نفسه ادى عدم علاجها بشكل سليم الى تفاقمها.
نصائح مهمة
وترى المتخصصة في مجال الطب النفسي الدكتورة نادية محمود المرضى النفسيين او من يعانون من احدى اعراضه أنه لابد ان يعلم هؤلاء ان الخجل وتجنب الذهاب الى الطبيب النفسي ليس له الا ضحية واحدة وهو الشخص ذاته واسرته بكاملها من بعده، اذ ان الذهاب الى الطبيب النفسي مبكرا يسهم في علاج المشكلة وهي لا تزال في حدودها الضيقة، بينما التأخر في طلب العلاج يسبب تفاقماً للمشكلة ويحتاج الى علاج بطريقة اوسع قد تتضمن الدخول الى مستشفى لتلقي العلاج، وتكون نتائجها احيانا اقل ايجابية من العلاج المبكر”.
وتضيف محمود أن التعامل في الطب النفسي يمتاز بالسرية التامة بكل ما يتعلق بالمريض من معلومات و علاج، فلا داعي للقلق والتردد من زيارة الطبيب النفسي وانتشال نفسه من واقع مرير يلازمه طوال الوقت ويتفاقم بمرور الزمن” .
وتتابع محمود أنه للحفاظ على صحة نفسية جيدة لمن يكون عرضة للتوتر النفسي سواء في مكان العمل او لسبب آخر، فغن الخطوة الاولى للوصول الى الاحساس الافضل هو معرفة السبب وعدم اللجوء الى حلول غير صحية لمحاولة التخلص من التوتر كالتدخين او تناول الكحول وغيرها من الوسائل التي يكون ضررها اكثر ويفاقم المشكلة”.
وتنصح محمود بإتباع عدة طرق لمكافحة المشاكل النفسية تتلخص بالاتي:
“لابد ان يكون الانسان نشيطا بدنيا ليحصل على صفاء ذهني، وان يمتلك سيطرة على المشكلة والابتعاد قدر الامكان عن الافكار السلبية، مع ضرورة التواصل مع الناس ليتشارك معهم المشكلة والوصول الى رؤيا لحلها، هذا ولابد من التمتع ببعض الوقت للاسترخاء من العمل ايا كان بسيطا، وبعد هذا على الانسان ان يتحلى بملكة التحدي، اذ يضع لنفسه اهدافا يسعى لتخطيطها، هذا والابتعاد عن العادات غير الصحية كالتدخين والكحول والكافيين، مع اللجوء الى العمل التطوعي، اذ ان الناس الذين يزجون انفسهم في العمل الجماعي يصبحون اكثر مرونة، واخير تقبل الاشياء التي ليس بالامكان تغييرها”.
مفاهيم واحصائيات
مستشار الصحة النفسية في وزارة الصحة الدكتور عماد عبد الرزاق يقول:
“ان مهمة التوعية بشأن الصحة النفسية تحتاج الى وقت لارتباطها بمفاهيم اجتماعية”.
ويضيف عبد الرزاق أن “لوزارة الصحة استراتيجية بهذا الشأن تتضمن برامج بالتعاون مع وزارات التربية والتعليم العالي والعدل ومجالس المحافظات ومنظمات المجتمع المدني، هذا وان الصحة تعمل على تدريب مرشدين تربويين ليكونوا بمثابة المرشد النفسي في المدارس”.
“وبحسب احصائيات منظمة الصحة العالمية، يعاني اكثر من 300 مليون شخص حول العالم من مرض الاكتئاب الى جانب اكثر من 260 مليون شخص يعانون من التوتر، وبينت دراسة حديثة للمنظمة أن اضطرابات الاكتئاب والتوتر تكلف الاقتصاد العالمي ترليون دولار سنويا، في الوقت الذي مازالت الدول العربية تعاني قصورا في الوعي بأهمية الصحة النفسية يرافقه نقص كبير في الخدمات الصحية والنفسية والتحديات الاجتماعية والاقتصادية”.
عيادات نفسية
الباحثة في الشؤون التربوية والنفسية الدكتورة ناز بدرخان السندي توضح أنه “لايزال مجتمعنا يعاني جهلا كبيرا بموضوع الثقافة النفسية، اي انسان يعاني مشاكل في حياته اذا لم يجد من يعينه على حلها او الاستماع له واسناده بالنصائح ستتفاقم وتتحول الى مرض نفسي”.
وتردف السندي بقولها بأن “مجتمعنا لايزال يعاني من مشكلة كبيرة جدا هي مشكلة عدم الفهم والتفريق مابين الحاجة النفسية والمشكلة النفسية والمرض النفسي، وكل مرض نفسي يتم تأويله على انه فقدان للعقل وهذا غير صحيح، ويعود عدم ادراك المجتمع لها كونها غير موجودة في مناهجنا، بالاضافة الى عدم وجود توعية حقيقية عند تنشئتهم، وهذا ما نلاحظه عندما يعاني الولد او البنت في عمر المراهقة من مشكلة معينة يواجهها الاهل بالصد او ترهيبهم بكلمة (عيب)، دون وعي منهم انهم يحطمون انسانا خوفا من المجتمع وما سيقال”.
وتسترسل السندي: “ان اكثر الحالات الموجودة في مستشفيات ابن رشد والشماعية كانت حالات بسيطة، لكن نتيجة الجهل الموجود في الثقافة النفسية وصلوا الى هذه الحالات، فلو كانت هناك ثقافة نفسية والناس في مجتمعنا لا يعانون الخوف والخجل من الحالة النفسية التي يعانون منها ويواجهونها بالذهاب الى الطبيب النفسي لا تصل حالات الى الازمة”.
وتتابع السندي حديثها أن “المشكلة النفسية مختلفة تماما عن المشاكل العقلية وهناك فصل كبير بينهما، ولهذا نجد في عدد لا بأس به من البلدان العربية كمصر وسوريا ولبنان عيادات نفسية منتشرة، مسؤول عنها متخصصون نفسانيون وليسوا اطباء لحل مشاكل الناس، ويرتادها كل من يعاني مشكلة معينة كما يرتاد اي طبيب آخر ليعالج مشكلة عضوية”.
وترى السندي أنه “من الضروري السماح لمتخصصين بعلم السايكولوجي بافتتاح عيادات نفسية كما في بعض البلدان العربية لحل المشاكل التي يعاني منها الناس قبل ان تتفاقم وتصل الى مرض نفسي فهو بحاجة الى من يسمع مشكلته والمساهمة بحلها من قبل مختصين، مؤكدة ان هذه العيادات من شأنها زيادة الوعي والثقافة النفسية ومساهمتها في علاج حالات
كثيرة”.
وتختتم السندي حديثها بالقول: إن هناك ” الكثير مما عانى مجتمعنا من ازمات ومشاكل وحروب التي اثرت على حالة الكثير النفسية، وبذلك هم بأمس الحاجة الى المتخصص النفسي لاستيعاب حالاتهم، اكثر حتى من حاجتهم الى الطبيب النفسي الذي يصرف للمريض عقاقير طبية اغلبها عبارة عن ادوية مهدئة (فاليوم) تشل حركته ليهدأ، فالازمة النفسية تعالج بالكلام وبرامج معينة من قبل مختصين ليعود الانسان الى حالته الطبيعية ويزاول اعماله بكل نشاط”.