شهرة الأطباء قد تُخيب آمال المرضى

283

الحكمة – متابعة: تقول طرفة قديمة إن طبيبا شابا أراد الحصول على شهرة واسعة فكلف صديقين له بأن يمثل أحدهم دور المريض الذي يمشي بعجز وإعياء ويمثل الآخر دور القريب المرافق له، ويطوف الاثنان في الأحياء الشعبية القريبة من العيادة سائلين عن عيادته، ومؤكدين لكل من يسألونه أنهما راجعا عدة أطباء بلا جدوى وأن أكثر من واحد أكد لهما أن الطبيب الذي يسألان عنه هو من أبرع الأطباء وقادر على شفاء كل مرض مهما كان مزمنا.

وتؤكد الطرفة أن هذه الحيلة نجحت نجاحا باهرا في تجمهر المرضى حول ذلك الطبيب الشاب.

وفي موقف مماثل عجز المواطن ” ط. س” عن ايجاد حل لأمراض طفلته البالغة من العمر عامين، بعد ان راجع عدة اطباء، واضطر نتيجة ذلك الى الذهاب بها الى طبيب مشهور، ويقول الأب بلوعة واضحة:” كان الزحام شديدا على ذلك الطبيب، وهو يعمل بصيغة الحجز المسبق، واضطررت الى زيارة عيادته في الصباح الباكر من اجل حجز موعد لطفلتي المريضة، ومع ذلك تأخرت لأكثر من ساعة حتى وصلني الدور، وأعطاني سكرتيره موعدا بعد عشرين يوما”.

ويضيف الأب الحزين:

” كانت أجور معاينة ذلك الطبيب مرتفعة جدا، والمفارقة انه لم يعط ابنتي أدوية تساعدها على الشفاء على الرغم من التحاليل المختبرية العديدة التي طلب الحصول عليها وقدمتها له، إذ ظل الوضع الصحي للطفلة على ما هو عليه حتى يئست من مراجعة الأطباء سواء أكانوا مغمورين أو مشهورين”.

ويقول الدكتور ثامر الحلفي استاذ الوبائيات والتعليم الطبي، ومنسق مكتب منظمة الصحة العالمية في وزارة الصحة:

“نحن بحاجة الى رؤية ستراتيجية والتزام باعتماد المعايير والمؤشرات للمضي قدما وهذا سيجنبنا معظم الأخطاء الطبية التي تحدث وستحدث، ‎ من جهة اخرى نود ان نوضح ان ‎مصطلح الأخطاء الطبية أصبح من المواضيع المهمة جدا، ‎وتشير الاحصاءات إلى ارتفاع ظاهرةً الأخطاء الطبية حتى في الدول المتقدمة، ‎ ومن المهم ان يتم  التفريق بين الخطأ الطبي من جهة  و بين الأهمال”.

‎ويضيف الحلفي “أن الأخطاء الطبية بشكل عام تؤدي الى نتيجة عكسية تؤثر في صحة المريض، وتحصل في الغالب عن غير عمد نتيجة تشخيص خاطئ أو ناقص أو علاج غير صحيح أو تداخل جراحي أو تشخيصي انتهى بنهاية غير حميدة، وتؤكد ‎الاحصاءات الحالية حصول أكثر من ربع مليون حالة وفاة نتيجة أخطاء طبية في اميركا لعام  2016 فقط”.

أضواء الشهرة

وتلعب الشهرة دورا مهما في جذب المرضى للأطباء، ويقدر الكثير من الناس مهارة الطبيب وفق حسابات معينة من بينها ان تقع عيادته في منطقة راقية مثل المنصور والأعظمية والكرادة وغيرها، فيما يثمن آخرون تلك المهارة إذا كانت أجور المعاينة “الكشف” مرتفعة جدا، ويرى فريق آخر ان الزحام على عيادة طبيب وعمله وفق نظام الحجز المسبق دليل على سعة علمه وتجربته ونجاحه، وكذلك يسهم بقاء عيادة الطبيب لسنوات طويلة في منطقة سكنية معينة في تعزيز شهرته، والغريب ان بعض الناس يقيمون الطبيب تقييما ايجابيا اذا كان اسمه ذا وقع موسيقي ويحمل رنة مميزة عند نطق اسمه، ومهما كانت اسباب او دواعي الشهرة فانها قد لا تعني ان مراجعة مريض لطبيب مشهور خاتمة فصول المعاناة التي يعيشها.

ويقول مواطن التقيناه في احدى مختبرات التحليلات المرضية في ساحة بيروت ببغداد، وهو برفقة مريض من اٌقاربه: ان آماله خابت بعد مراجعته عدة اطباء مشهورين، لكنه تعافى بعد مراجعته لطبيب مغمور في أحد المناطق الشعبية، بينما قال مواطن آخر انه نال الشفاء على يد طبيب مشهور تقع عيادته في شارع المغرب ببغداد بعد ان عجز الكثير من الأطباء عن تشخيص مرضه، وكل هذا يدل على ان التشخيص الدقيق للمرض هو أول خطوة في النجاح، وقد ينجح في الوصول اليه طبيب مشهور وطبيب مغمور كذلك.

الحقيقة والواقع

وتحدث لنا طبيب رفض ذكر اسمه عن الموضوع قائلا:” مهما وصل اليه اي طبيب من درجات العلم والشهرة والتمكن، يبقى انسانا اولا واخيرا، اي انه يخطئ في بعض الاحيان  حاله حال سائر البشر، وفي لحظة ما، ونتيجة لأسباب كثيرة، قد يفشل الطبيب في تشخيص حالة مرضية، او في تحديد العلاج المناسب لها، وهذا وارد جدا في عالم الطب.”

ويضيف الطبيب مؤكدا أنه” احيانا لا يستجيب جسد المريض للعلاج الموصوف نتيجة اختلاف جسد مريض عن آخر، واختلاف التقبل للأدوية، وفي احيان اخرى يفشل العلاج نتيجة الاعتماد على تحليلات مختبرية غير دقيقة، او نتيجة وصف المريض لأعراض مرضه، او لعدم فعالية الادوية، وهذا الفشل مرافق، بدرجة ما، لكل الاطباء سواء كانوا على درجة عالية من الشهرة او عكس ذلك.”

واجمعت اراء العديد من المرضى الذين التقيناهم في عيادات ومختبرات طبية على ان اغلبهم توجهوا لأطباء محددين بتوجيه من افراد عائلاتهم، او نزولا عند نصيحة قريب او صديق، فيما اشار اخرون الى انهم راجعوا اطباء بارشاد من مضمدين او اصحاب صيدليات، فيما قالت فئة ثالثة انهم توصلوا الى اطباء معينين بفضل اصحاب سيارات الاجرة “التكسي” الذين اشادوا بمهارة اولئك الاطباء. هذا بالنسبة للأمراض العادية، اما بالنسبة لعمليات الاسنان والتجميل فان موقع “الفيس بوك” اسهم بشكل ملحوظ في ابراز مراكز وعيادات واطباء ومنحهم المزيد من الشهرة.

ويؤكد الدكتور ثامر الحلفي ” ان استمرار حالة التشنج وعدم الثقة عند بعض أفراد المجتمع والكادر الصحي سيؤدي الى نتائج غير صحية كما سيؤثر بشكل سلبي في الأداء الكبير لشريحة واسعة من العاملين في المحال الصحية والذين بذلوا ويبذلون جهودا كبيرة من أجل خدمة أبناء المجتمع والنظام الصحي، ومن ناحية اخرى سيؤدي الى عدم ثقة المريض والمراجع المسبقة باحتمال عدم تقديم الرعاية او النصيحة الطبية اللازمة من قبل الطبيب”.

الصباح

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*