«التك تك» يُنقذ العاطلين عن العمل ويُربك حركة السير
346
شارك
الحكمة – متابعة: مثلما تنطفئ شمعة متألقة بريح لا تعرف الرحمة، انطفأت رغبة الاربعينية أم أحمد في اتخاذ “التك تك” وسيلة للتنقل بعد أن رأت فيض الدماء الساخنة وهي تنساب على وجوه الركاب وأجسادهم نتيجة حادث سير وقع الأسبوع الماضي عند مدخل سوق مريدي الشهير بمدينة الصدر.
وتقول المرأة الحزينة وعلى وجهها ملامح الخوف والدهشة:” أكاد أكذب عيني في ما ترى، ولم أكن اتوقع أن الـ”تك تك” قد يتعرض لحادث مروع، إذ كنت اعتقد أنه وسيلة آمنة، وكنت استقله، أنا وبناتي، أثناء تنقلاتنا البسيطة، لأن أجوره زهيدة، ومحاطا بأغلفة تحمينا من نظرات العابرين”٠
وتضيف المرأة ونظرها لا يفارق جمهرة الناس الذين تجمعوا في مكان الحادث بدافع الفضول ولإبداء المساعدة أنني” كنت أتنقل كثيرا بـ”التك تك” لأني كنت أعتقد أنه آمن، ولان بامكانه الدخول الى مناطق ضيقة ومزدحمة لا يحبذ سواق سيارات الاجرة الدخول اليها، لكن هذا الحادث جعلني احسب الف حساب قبل الاستعانة بهذه الوسيلة لقضاء مشاويري”.
والـ”تك تك” دراجة بخارية بسيطة انيقة وسريعة اخذت بالانتشار في شوارع بغداد العاصمة والمدن العراقية على نحو سريع ولافت، فاينما نظرت قد ترى “تك تك” منطلقا الى غايته.
وبظهور الـ”تك تك” أو “التوكتوك” كما يسمى في بعض البلدان تراجعت “الستوتة” عن موقع الصدارة وباتت مخصصة لحمل الاشياء فقط ووسيلة لتجول اصحاب المهن كالحدادين ومصلحي الاجهزة المنزلية، وتُرى أسراب هذه المركبة وهي تنتشر قرب الأسواق الشعبية، وحول المناطق التجارية، وقريبا من المدارس، واسهم انتشارالـ”تك تك” في ايجاد عمل للكثير من الشباب العاطلين عن العمل بسبب ميزاته العديدة وسهولة تعلم قيادته، ونتيجة ارتفاع الطلب على استعماله من قبل الكثير من المواطنين.
أهل الـ “تك تك”
ويشير الشاب انور فالح وهو صاحب “تكتك” الى ان هذه الدراجة البخارية المطورة انقذته من عالم البطالة ووجد فيه عملا مناسبا وقادرا على سد متطلبات معيشته، بعد ان عانى لسنوات عدة من شظف العيش، ومن وطأة الاعمال التي لا تستمر طويلا”.
ويضيف فالح بزهو واضح” ان عملية قيادة هذه المركبة سهلة وبسيطة جدا، ويمكن لاي انسان تعلمها في غضون يوم واحد، وان قيادتها مريحة، وصغر حجمها يتيح لسائقه فرصة اكبر في المناورة، وهذا ما يساعد على اختراق الزحامات الشديدة ببساطة، والتحرك في أشد الشوارع ضيقا، ولهذا يرغب الكثير من الناس باستعمالها لقضاء مشاويرهم”.
ويقول زميل فالح عمار الذي اكتفى باسمه الاول:” يبلغ معدل سعر الـ”تك تك” نحو 32 ورقة ” اي اربعة ملايين دينار عراقي، وهو مبلغ باهظ ويعادل سعر سيارة، لكن ظروف حياتنا الصعبة اجبرتنا على شرائه بكل الوسائل في سبيل الحصول على لقمة عيش كريمة”.
ويضيف عمار بحزن أنني” اشتريت هذا الـ”تك تك” بمساعدة اهلي واهل زوجتي، فقد تزوجت منذ فترة قليلة وسرحت من عملي السابق، ووجدت نفسي حائرا في ما علي فعله، حتى اشتريت الـ”تك تك” بنصيحة بعض الاصدقاء”.
وردا على سؤال مفاده: لماذا لم يتوجه هؤلاء الشباب لشراء السيارة الرخيصة الثمن؟.
قال صاحب “تك تك” لم يشأ ان يذكر اسمه موضحا أن” السيارة الرخيصة موديلاتها قديمة واعطالها كثيرة وتصليحها مكلف، والسيارات بشكل عام مخصصة للمسافات البعيدة، ولا يستقلها اغلب الناس، اما الـ”تك تك” فخاص بالمسافات القصيرة وحتى القصيرة جدا، ومعدل أجرته للراكب الواحد لا تتعدى الألف دينار فقط فيما تبلغ اقل اجرة تكسي ثلاثة الاف دينار”.
ويضيف المتحدث أنه” يمتلك الـ”تك تك” اوسع مساحة في العمل، فبامكانه الدخول الى اشد الازقة ضيقا، وهو مناسب لكبار السن وطلاب المدارس، وللنساء على وجه الخصوص لان اغطيته تستر من يجلس فيه، وبسبب الراحة التي يوفرها نسبيا، وهو باختصار سيارة مصغرة وزهيدة الأجرة.
الأمن والسلامة
نتيجة العوامل السابقة انتشر الـ”تك تك” في العراق بشكل كبير، وانتشرت تبعا لذلك معارض بيعه الرسمية والشعبية، وعلى موقع “الفيس بوك” اطلقت صفحات خاصة للشركات الخاصة باستيراده وهواة اقتنائه، وصار من المألوف ان تعرض اعلاناته في ” كروبات” وصفحات بيع وشراء السيارات، وغيرها من الصفحات الخاصة ببيع الأشياء الأخرى.
ويقول بائع لهذا النوع من المركبات:” نحن نعمل وفق متطلبات السوق، وكنت اتاجر بالدراجات البخارية أول الأمر، ثم زاد الطلب على “الستوتات” فركبت الموجة كما يقال، أما الآن فان الـ”تك تك” يلقى رواجا واسعا، ويتزايد عليه الطلب يوما بعد آخر، وأجده سلعة رابحة في الوقت الحاضر بغض النظر عن كل ما يقال عنه، فالاقبال الواسع على شرائه يدل على ان له فوائد كثيرة، ويحقق منافع لمن يشتريه”.
ويضيف البائع بأنه” قبل عدة أعوام كان سعر الـ”تك تك” مقاربا لسعر “الستوتة” ويبلغ نحو 12 ورقة من فئة المئة دولار أميركي، لكن الطلب الشديد على شرائه جعل اسعاره ترتفع بشكل لا يصدق.”
وبحسب منشور على موقع “جوجول” فان الـ”تك تك” ينتشر في البلاد النامية ذات الكثافة السكانية العالية، لانخفاض تكلفته وقدرته على السير في الشوارع والطرقات الضيقة وينتشر بصورة ملحوظة في مصر والسودان وأخذ بالانتشار في سوريا، ويسمى الـ”تك تك” في السودان بـ “تكسي السعادة” وتسبب باحتجاجات لسائقي سيارات الأجرة في تونس الذين طالبوا بالحد من انتشاره لأنه قلل من رزقهم، وتعده الكثير من الدول مركبة غير مطابقة للمواصفات الأمنية، وذلك لعدم اتزانها وعدم صلابة هيلكها الخارجي، وعدم وجود أبواب أو احزمة امان ما يعرض ركابها للخطر في حالة الحوادث، وبالتالي ترفض الكثير من الأنظمة المرورية صرف لوحات ترخيص للـ”تك تك” لاعتقادها بعدم صلاحيته للسير في الطرق العامة” فيما “رأت بعض الدول الاخرى ان “التك تك” هو أمر واقع، وان اصدار لوحات رقمية ورخصة سير لسائقيه سوف يساعد على التقليل من المشاكل الناتجة عنه، بالإضافة الى تحصيل الضرائب ورسوم الترخيص جراء استعماله”، بينما قررت دول أخرى تحديد مساراته ضمن مناطق محددة للحد من مشاكله.
تنظيم الفوضى
وعلى الرغم من كون الـ”تك تك” وسيلة نقل فيها الكثير من المميزات الايجابية، وتتلاءم مع الوضع العام الذي يعيشه المواطن العراقي، على الأقل في الوقت الحاضر، إلا ان آراء من استطلعنا وجهات نظرهم اجمعت على ضرورة تنظيم عملها، ويأتي في المقدمة ابعاد الاطفال والمراهقين عن قيادة هذه المركبة التي لا تتصف بالرزانة، والابتعاد عن قيادتها بسرعة كبيرة لان ذلك يؤدي الى حوادث ليست على البال لاسيما في الأزقة والأماكن الضيقة حيث يتكاثر وجودها، والملاحظ انها خفيفة الوزن قياسا بالـ “ستوتة” والسيارات الصغيرة الحجم، ولها ثلاث اطارات صغيرة ، وكل هذا يجعل منها وسيلة نقل غير آمنة ما يستوجب الحذر الشديد عند قيادتها واستعمالها للتنقل.