الخطبة الثانية لصلاة الجمعة بإمامة الشيخ عبد المهدي الكربلائي في 22/جمادى الأولى/1439هـ الموافق 9 /2 /2018م

298


كربلاء المقدسة – الحكمة: أيها الإخوة والأخوات نتعرّض في الخطبة الثانية إلى منهج التغيير المجتمعي في الإسلام وسننه.. هذا الموضوع طويل يستغرق عدة خطب ولكن له أهمية كبيرة في حياتنا كفرد ومجتمع.

منهج التغيير المجتمعي في الإسلام وسننه أو بتعبير آخر مناهج التغيير الاجتماعي وغير ذلك من مجالات الحياة في الإسلام..

أود أن أبين مقدمة في معنى التغيير المقصود وما هي ضرورة هذا التغيير ثم نذكر محاور متعددة في ذلك..

ايها الاخوة والاخوات كما تلاحظون في سيرتنا جميعاً كفرد ومجتمع ومؤسسات مجتمع ومن خلال قراءتنا لتاريخ الانسان ومن خلال ما نقرأه في الآيات القرآنية كفرد أولا ً أُبين ثم ابيّن كمجتمع..

ان الفرد معرّض في حياته ان يقع في الكثير من الاخطاء والزلل والعثرات والمعاصي او ربما يتبنى مواقف خاطئة يتبنى منهجاً ثقافياً وعقائد غير صحيحة او تكون لديه ممارسات وسلوكيات خاطئة..دوام هذا المنحى في حياة هذا الفرد يعرّضه الى مشاكل والى محن وقد يعرّضه الى التعاسة والشقاء الطويل وقد يؤدي به في النتيجة الى الهلاك في الدنيا والاخرة..

المجتمع ايضاً.. احياناً هذه الممارسات الفردية تتسع وتكون لدى هذا المجتمع كثير من الاخطاء والزلاّت والعثرات والممارسات والسلوكيات الخاطئة او يتبنى مواقف غير صحيحة او يعتقد بأفكار وثقافات خاطئة او لديه عادات وتقاليد تهدد امنه الاجتماعي او مؤسساته تتبنى مناهج خاطئة اقصد الان في المجتمع كمجتمع بصورة عامة ومؤسسات المجتمع ايضاً سواء كانت هذه المؤسسات مجتمعية خدمية سياسية اقتصادية زراعية وغير ذلك من هذه المؤسسات العامة والمجتمع بصورة عامة والتاريخ مليء بذلك قد يكون هناك ممارسات خاطئة ومتبنيات خاطئة وغير ذلك من الامور التي قد تؤدي بالنتيجة تراكمها قد يؤدي الى ان يقع المجتمع في حالات من الفوضى والمشاكل ويؤدي الى تعاسة وشقاء لدى افراد كثيرة من المجتمع..

ما هو الموقف هنا؟! اخواني التفتوا الى محور الكلام وجوهر الكلام أين يقع..

الكثير من الافراد تارة كفرد وتارة كأفراد من المجتمع ينتظر من الاخرين ان يقوموا بعملية التغيير ونقل الفرد والمجتمع من هذه الحالة السيئة الى الحالة الأحسن وهو لا يتحرك..

لدينا شيئان: ما هو المطلوب تجاه هذه الحالة؟

انا كفرد احياناً لديّ هذه الامور الخاطئة، ما هو الموقف المطلوب؟ تراكم هذه الاخطاء يؤدي الى تعاسة وشقاء ومشاكل الانسان يتعرض لها وقد يؤدي الى خسارته وهلاكه.. المجتمع ايضاً الموقف المطلوب هنا احياناً هناك البعض من الافراد او المجتمعات ينتظرون ان يكون التغيير من هذه الحالة السيئة الى الحالة الافضل ان يقوم بها الاخرون..

او احياناً اخواني الفرد والمجتمع يعيش حالة من الركود والرتابة والنمطية حالة ثابتة لا تتطور لا تتقدم.. المشكلة أين؟! الآخرون يتقدمون وهو يراوح في مكانه فرداً ومجتمعاً فهو متأخر والآخرون يعيشون في حالات أفضل وهو فرد ومجتمع يعيش في حالات اسوأ من الاخرين..

الاسلام ما هو موقفه تجاه هذه الحالة يقول لابد من التغيير..

ارادة الله تعالى من الفرد والمجتمع ومؤسسات المجتمع انكم اذا مررتم بهذه الحالة التفتوا الى النتائج الكارثية والماساوية لو يستمر الحال..لابد ان تجروا عملية التغيير فرداً ومجتمعاً لكن نحتاج هنا الى مجموعة من الامور وسنذكرها.. لابد ان يكون هناك ارادة للتغيير حركة التاريخ لاحظوا اخواني حينما نقرأ القرآن الارادة الالهية والمنهج الالهي يقول ايها الانسان اعطيتك عقل واعطيتك قدرة على التفكير والتحليل والابداع وانزلت اليك الكتب السماوية وانزلت اليك الكتب التي تبين لك صلاحك فرداً ومجتمعاً انزلت اليك الانبياء وارسلت اليك القادة واعطيتك القدرة على التغيير فعليك ان لا تبقى في هذا الحال عليك ان تتحرك للتغير اما الحالة الراكدة تغيّرها نحو الافضل واما الحالة السيئة عليك ان تتحرك نحو الافضل..

وهنا نحتاج الى نقطة مهمة اخواني كيف نتحرك نحو التغيير بحيث نحصل على النتائج؟؟ هنا علينا ان نرجع الى القران والاحاديث الشريفة.. اخواني انت كفرد وكمجتمع وكمؤسسات تحتاج الى المنهج الصحيح للتغيير وتحتاج ان تعرف كيف تنطلق وتبدأ رحلة التغيير من الحالة السيئة الى الحالة الأفضل..

هل هناك آيات قرآنية واحاديث تبيّن هذا المعنى؟ نعم اخواني وخصوصاً انبّه الى من يعمل في هذه المجالات ان يلتفت الى الكنوز الثمينة التي وردت في الآيات القرآنية والاحاديث الشريفة التي ترشدنا.. فأنا كفرد ربما عندي اخطاء كثيرة كيف اصلح حالي؟ الآيات القرآنية بيّنت.. كمجتمع او كمؤسسات مجتمع هل الآيات القرانية والاحاديث الشريفة بينت كيف نغيّر؟ نعم ولفتت نظرنا الى خطورة البقاء على الحالة السيئة او الحالة الراكدة..

التفتوا الى هذا الحديث الذي يتضمن مجموعة من النظريات الصحيحة التي تلفت نظر الانسان والفرد والمجتمع الى الحالات التي ذكرنا وضرورة التغيير في حياة الانسان ونقسم هذا الحديث الى مقاطع، ورد عن الامام الصادق (عليه السلام) ولاحظوا ورد في الحديث الشريف عن ابي عبدالله (عليه السلام): (من استوى يوماه فهو مغبون، ومن كان آخر يوميه خيرهما فهو مغبوط، ومن كان آخر يوميه شرهما فهو معلون، ومن لم ير الزيادة في نفسه فهو الى النقصان، ومن كان الى النقصان فالموت خير له من الحياة).

واود هنا ان الفت النظر الى ان اليوم المقصود به هنا في الحديث هو ليس اليوم الواحد 24 ساعة، (لا)، المقصود هنا المقطع الزمني تارة اليوم السابق واليوم الحالي تارة الاسبوع الماضي والاسبوع الحالي وتارة الشهر الماضي والشهر الحالي وتارة السنة الماضية والسنة الحالية.. فالمقصود هنا المقطع الزمني..

انت ايها المؤمن اذا كان اليوم الماضي واليوم الحالي او الاسبوع الماضي والاسبوع الحالي او الشهر الماضي والشهر الحالي او السنة الماضية والسنة الحالية اذا كان حالك واحد ولم يتطور ولم يتقدم ولم ترتقي فأنت مغبون، وهنا المقصود في الامرين العلاقة والعبادة مع الله تعالى وكذلك الحالة المجتمعية التي نعيشها الحالة الصناعية والحالة الزراعية والحالة الطبية والخدمية والاسرية كل هذه مقصودة في هذا الحديث.. فترى المجتمعات تتقدم وتصبح افضل وترى المجتمع الاخر يراوح في مكانه..

(ومن كان آخر يوميه خيرهما فهو مغبوط)

هذه هي الحالة الافضل فترى هذا المجتمع او الفرد في هذه السنة مثلاً افضل من السنة الماضية او في هذا الشهر افضل من الشهر الماضي وفي جميع الامور.. فترى حال هذا الفرد او المجتمع اصبح افضل عبادة وسلوكاً وعملا ً ومتبنيات، هذه المؤسسات المجتمعية والصناعية والزراعية والسياسية افضل حالها الان من الفترة الماضية فهذا الفرد وهذا المجتمع مغبوط وهو الحالة الافضل..

ثم ورد في الحديث الشريف: (ومن كان آخر يوميه شرهما فهو معلون)

الحالة الخطيرة والتي الآن على كل واحد ان يراجع نفسه والمجتمع يراجع نفسه والمؤسسات تراجع نفسها بكل عناوينها وفق هذا التقييم الثالث (ومن كان آخر يوميه شرهما فهو ملعون) يعني هذا الانسان يتراجع في عبادته واخلاقه وسلوكه وعمله وخدمته او هذه المؤسسة بأي عنوان كانت هي في حالة تراجع.. في الحديث يبين بأن من كانت حالته في تراجع في ملعون ومنبوذ ومطرود من رحمة الله تعالى ولا يرى الخير..

(ومن لم ير الزيادة في نفسه فهو الى النقصان، ومن كان الى النقصان فالموت خير له من الحياة)
الحالة الاخرى هي الحالة الراكدة وهي حالة ان الانسان راكد يراوح في مكانه والمجتمع يراوح في مكانه او المؤسسات تراوح في مكانها ولم تتقدم.. والآخرون يتقدمون ويتطورون.. فهو الى تأخر والتأخر اذا استمر فالموت خير له من الحياة..

على الانسان الان ان يعرض نفسه وعلى المؤسسة او المجتمع ان يعرض نفسه على هذا التقييم الذي ورد في الحديث الشريف..

فمثلا ً اذا كان المجتمع في حالة النقصان.. فمن أين يبدأ؟

النقطة الجوهرية اخواني خطأنا الكبير كفرد وكمجتمع اننا نطلب ان التغيير يأتي من الاخرين وان الاخرين هم عليهم ان يقوموا بالتغيير للفرد والمجتمع..

من اين ننطلق بالتغيير كفرد وكمجتمع ومؤسسات في كل مجالات الحياة من دون استثناء حتى نصل الى الهدف وهو التغيير نحو الافضل.. لاحظوا الآية القرآنية الكريمة: (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ)..

انت ايها الفرد ابتدأ اولا ً بنفسك ثم تغيّر فالمجتمع سيتغير.. ايها المؤسسة الفلانية ابتدئي بنفسك ايها الطبيب ايها المهندس ايها السياسي وكل واحد من افراد المجتمع بهذه العناوين فرداً ومؤسسات ابتدأ بنفسك لأن الفرد هو خلية المجتمع وهو العنصر الاساسي اذا تغيّر تغيّر المجتمع، هذه المؤسسة واحدة من مؤسسات المجتمع وكل واحدة من هذه المؤسسات اذا ابتدأت بتغيير وسياستها وادائها فإن ذلك سينعكس على كل مؤسسات المجتمع لأن كل واحدة اذا قالت واحدة من هذه المؤسسات هذه مسؤوليتي وانا عليَّ ان ابتدأ بالتغيير ولا انتظر من الاخرين ان يأتوا ويغيروا.. فهذه المؤسسة حينما تبتدأ وتلك المؤسسة حينما تبتدأ والثانية والثالثة والرابعة فالمحصلة ان المجتمع كله تغيّر وتطور وهكذا حال الطبيب والمهندس والمعلم والسياسي والاجتماعي وغير ذلك من هذه العناوين اذا كل واحد من هؤلاء شخّص وقال انا عندي خطأ وعليَّ ان اُغيّر فإنه حينئذ سينعكس على بقية افراد المجتمع.. البعض ينتظر ان التغيير يأتي من الله تعالى وهذا خطأ كبير.. في أي مكان اخواني على مستوى الفرد والمجتمع ينتظر التغيير من الله تعالى.. الله تعالى يقول انا حينما اعطيك الثواب واريدك ان تتغير نحو الافضل وتعالج الاخطاء والسلبيات التي لديك.. انت ابتدأ بنفسك حتى تكون مستحقاً للثواب والاجر..الله تعالى يقول انا استطيع ان اغيّر فيك ايها الفرد وايها المجتمع وايتها المؤسسات لكن كيف اعطيكم الثواب وكيف اوصلكم الى التطور والازدهار وتحقيق النتائج المطلوبة كيف؟! لابد انكم ان تبتدأوا بالتغيير.. وكل فرد او مجتمع او مؤسسة يبدأ بالتغيير الله تعالى يقول سأهيأ لكم الاسباب واسهل لكم الصعوبات وستنالون المطلوب في الدنيا والاخرة..

وورد في حديث لأمير المؤمنين (عليه السلام): (احصُدِ الشرَّ من صَدرِ غَيرِكَ بقلعهِ من صَدرِكَ).

المجتمع به شر وبه رذيلة.. انت ابتدأ بنفسك اخلع الشر والفساد والرذيلة من عندك حينئذ سيتغير الجميع وسيتغير المجتمع.

ثم بعد ذلك ما هي مقدمات متطلبات التغيير فهذه المتطلبات سنذكرها في الخطب القادمة ان شاء الله تعالى..

نسأل الله تعالى ان يوفقنا لذلك وان يعيننا على تغيير أنفسنا فيما فيه صلاح امرنا ومجتمعنا والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين..

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*