فيلم الديكتاتور: لماذا يقوم الزعماء المستبدون بأعمال غريبة
هيلير تشونغ
الديكتاتور يمكن أن يصبح شخصًا خادعًا لنفسه بطريقة أو بأخرى، ويعتقد أن كل ما يقوم به هو الصواب، حسب علماء النفس.
يتناول الفيلم الكوميدي الجديد، للممثل ساشا بارون كوهين، حياة زعيم خيالي من شمال افريقيا، ويظهر في الفيلم باسم “الجنرال علاء الدين”، وهو تجسيد صارخ لشخصية ديكتاتور يتصرف بغرابة، لكن السؤال هو: لماذا يقوم المستبدون الحقيقيون في الغالب بأشياء غريبة.
تعيش الشخصية التي يجسدها الممثل البريطاني كوهين حياة البذخ في دولة “ودايا” الافتراضية، ويحيط به جيش من الحارسات الشخصيات.
ويدور الفيلم، المنتظر عرضه هذا الأسبوع، حول سفر هذا الديكتاتور إلى الولايات المتحدة لالقاء خطبة امام الأمم المتحدة.
ومن الواضح أن شخصية هذا الديكتاتور مستوحاة من شخصيات عربية مثل الزعيم الليبي السابق معمر القذافي الذي قتل بعد الإطاحة به العام الماضي.
يقول فريد كولايج أستاذ الطب النفسي بجامعة كولورادو، صاحب الكتابات السابقة عن الرئيس العراقي السابق صدام حسين، والزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ-إل، والزعيم النازي أدولف هتلر، ان “الديكتاتور يمكن أن يصبح شخصا خادعا لنفسه بطريقة أو بأخرى، ويعتقد أن كل ما يقوم به هو الصواب”.
ويرى كولايج أن العديد من مثل هؤلاء القادة قد يشتركون في عدد من السمات المرتبطة باضطراب الشخصية مثل الإعجاب بالذات، وجنون العظمة، والسادية.
وهذه دراسة لبعض أشهر المستبدين عبر التاريخ والأشياء الغريبة التي كانوا يقومون بها.
اختبار السلطة – الإمبراطور الروماني كاليغولا (12 – 41 بعد الميلاد)
كان الامبراطور الروماني كاليغولا واحدًا من أوائل الأباطرة المعروف عنهم الغضب السريع والسلوك الغريب غير المتوقع.
ويقول بينيت سالاوي، محاضر مادة التاريخ بجامعة كوليج لندن: “ذات مرة أمر كاليغولا بربط القوارب بعضها ببعض في صف طولي عبر خليج نابولي، وذلك حتى يتمكن من أن يعبر فوقها سيرا من مدينة إلى أخرى”.
وأحب الامبراطور خيول السباق، ويقال أنه غمر خيوله المفضلة بميزات خاصة، فخصص لها منزل وجيش من العبيد لحراستها، كما قدم لها الخمر في أوان ذهبية.
وقد أدت سلوكيات كاليغولا الغريبة إلى تشكيك العديد من الناس في قواه العقلية، وقد شملت هذه السلوكيات ذات مرة أنه أمر جنوده خلال حملة للجيش ضد بريطانيا بجمع الأصداف من البحر.
ويضيف بيتر وايزمان استاذ الدراسات الرومانية واللاتينية بجامعة اكسيتر أن كاليغولا: “كان يعرف تماما ما يقوم به، وكان ببساطة يستغل الآخرين بكل الأشكال الممكنة من أجل السلطة المطلقة وغرور الذات”.
ويعتقد سالاوي أن السن الصغيرة التي تولى فيها كاليغولا السلطة، عندما كان في الرابعة والعشرين، وقلة خبرته الحياتية قد يفسر سلوكياته الغريبة.
ويضيف سالاوي: “من السهل أن نرى كيف أن إعطاء شخص ما السلطة المطلقة دون إعداد مسبق قد يؤدي إلى أفكار غير متوقعة، وذلك يشبه تولية صبي في سن المراهقة رئاسة الوزراء دون إعطائه أي تدريبات مسبقة”.
يعتقد ان بعض صفات الشخصية بالفيلم مستوحاة من القذافي
“وفي كل مرة يخضع الناس لأوامره، يزيده ذلك تماديا، ويدفعه إلى الاعتقاد أنه يملك كل السلطات الممكنة”.
“الحصان المستشار”
لكن ليس كل ما يحكى عن غرائب الزعماء يمكن تصديقه، فالقصة التي تقول أن كاليغولا عين حصانه المفضل مستشارا في مجلس المستشارين، وهو أحد أعلى المناصب في روما، لا تعدو سوى أسطورة غير حقيقية.
ويؤكد سالاوي أن المصادر التاريخية تقول أن كاليغولا وعد بالقيام بذلك لكنه لم يفعل.
وأضاف: “لم يحدث مطلقا أن أصبح الحصان مستشارا، ولكن الأمر يبدو مجرد مزحة وليدة الاحباط من أعضاء مجلس المستشارين والذين كانت علاقتهم سيئة بكاليغولا”.
حاكم هايتي فرانسوا دوفالييه (1907 – 1971)
العديد من المستبدين لديهم ميل نحو جنون العظمة والذي تمجده بيئتهم المحيطة كما يقول كولايج.
وقد أظهر رئيس هايتي السابق فرانسوا دوفالييه العديد من المظاهر التي تدل على جنون العظمة طوال فترة حكمه التي استمرت 14 عاما.
وكان دوفالييه خيالي جدا وكان يعتقد أن روح كائن خيالي يدعى “فودو” تحرسه يوم 22 من كل شهر، وفي آخر سنواته كان يترك القصر الرئاسي في ذلك اليوم بالتحديد من كل شهر.
وأعلن ذات مرة أنه جعل لعنة فودو تحل بالرئيس الأمريكي جون كندي وقال إن اغتيال كندي يوم 22 نوفمبر/تشرين الثاني عام 1963 كان بسبب قوته الروحية.
وكان له حارس شخصي يدعى “تونتون ماكوتس” وتعني بلغة هاييتي “الوحش المخيف”، كما منع منظمات المجتمع المدني معتقدا أنها تهدد حكمه، بما ذلك فرق الكشافة الخاصة بالصبية.
ونقل عنه أنه أمر بقتل جميع الكلاب السوداء في بلاده.
“المستبدون لا يمانعون من انفاق الملايين من الدولارات لدعم العقيدة الخاصة بشخصيتهم لدى الشعب، ولكي لا يحظى شخص آخر بالتعاطف الشعبي، وذلك لأنهم لا ينظرون إلا إلى احتياجاتهم فقط”. عالم الطب النفسي الامريكي فريد كولاج
وأفلت دوفالييه من ست محاولات للإغتيال ولكنه مات بعد فترة معاناة من المرض عام 1971.
عيدي أمين دادا– الرئيس الأوغندي السابق (1920 – 2003 )
تمتع عيدي أمين دادا الذي حكم أوغندا في السبعينات بألقاب عديدة منحها لنفسه منها “غازي الامبراطورية البريطانية” و “ملك اسكتلندا”.
وقام أيضا بترقية نفسه إلى رتبة مشير، ومنح نفسه أوسمة مثل فيكتوريا كروس، ووسام الشرف العسكري.
وكان مغرما بإظهار نفسه في موضع مماثل للملكة اليزابيث الثانية، وقال إنه ينبغي أن يكون هو، وليست الملكة، زعيم الكومنولث.
وأشيع عنه أنه كان يحتفظ برؤس معارضيه في ثلاجته الخاصة، ومع أن ذلك لم يثبت بالدليل، إلا أن أحد مستشاريه قال إن عيدي قال له في أحد المرات قبل تناول العشاء “أريد قلبك، وأريد أن آكل أولادك”.
وكان عيدي له خمس زوجات و12 ابنا.
واجب الولاء – رئيس تركمانستان السابق صابر مراد نيازوف (1940 – 2006)
فرض رئيس تركمانستان السابق نيازوف الذي حكم البلاد حتى وفاته الولاء لشخصه على أفراد شعبه، وهو ما يمكن أن ينافس بسهولة شخصية “الديكتاتور” التي كتبها كوهين.
أسس نيازوف لنفسه تمثالا من الذهب بطول 50 قدم (15 متر) ويدور هذا التمثال مع دوران الشمس ليصبح دائما مواجها لها.
وبينما كان يعيش غالبية أفراد شعبه في فقر، كان هو يعيش في قصر جليدي بني له في العاصمة، كما أمر ببناء بحيرة له وسط الصحراء.
وأعاد نيازوف تسمية بعض المدن في البلاد، وبعض الشهور مثل يناير، وأسماء بضع النيازك لتحمل اسمه.
وبالإضافة إلى مشروعاته التي تدل على البذخ، كان نيازوف يعرف بالقوانين الغريبة التي يأمر بتشريعها.
فبعد إقلاعه عن التدخين عام 1997، أمر جميع وزرائه بالإقلاع عن التدخين، كما منع فنون الباليه والأوبرا، ومنع الرجال من اطالة اللحى وشعر الرأس.
كما كتب كتابا يحمل اسم “روخناما” يضم أفكاره حول الهوية والتاريخ التركماني، وفرض قراءته على الطلاب في المدارس والجامعات، كما أصبح اجتياز اختبار في هذا الكتاب أحد الشروط المفروضة على جميع المواطنين لاستخراج رخصة القيادة.
وكان نيازوف مغرما بالخيل وقام بافتتاح مركزا ترفيهيا للعناية بالخيل مزودا بحمام للسباحة، ومكيفات الهواء، والأجهزة والأدوات الطبية الحديثة.
ومات نيازوف عام 2006، وأزيل التمثال الذهبي الخاص به عام 2010.
كما أسس خلفه الرئيس قربان غولي مسابقة لجمال الخيل عام 2011 والتي تشمل جوائز لأفضل سجادة تحمل رسما للخيل، وأفضل “زي” يرتديه الخيل.
محب الروبيان – كيم جونغ إل
القليل من المستبدين في العصر الحالي تحيطهم الشائعات، ومنهم زعيم كوريا الشمالية السابق كيم جونغ إل.
اعتاد جونغ إل الذي كان يطلق على نفسه لقب “الأب العزيز” لكوريا، أن يسيطر على الإعلام الرسمي لنقل الأساطير والحكايات الخاصة حول قوته ومكانته.
وتنوعت الحكايات من الأساطير إلى القصص اليومية المعتادة، ووفقا لروايات بعض المسؤولين، ظهر في السماء قوس قزح مزدوج، ونجم مشرق عند مولده، وعند وفاته تصدع نهر جليدي ضخم إلى نصفين.
ويقول كولايج: “المستبدون لا يمانعون من انفاق الملايين من الدولارات لدعم العقيدة الخاصة بشخصيتهم لدى الشعب، ولكي لا يحظى شخص آخر بالتعاطف الشعبي، وذلك لأنهم لا ينظرون إلا إلى احتياجاتهم فقط”.
ويبدو أن هذا انعكس على أسلوب الحياة المترفة الذي عاشه جونغ إل، بينما مات مئات الآلاف من الكوريين من المجاعة.
وتقول التقارير أن جونغ إل عندما كان مسافرا إلى روسيا بالقطار بسبب كرهه للطيران كانت تأتيه طائرات خاصة إلى القطار لتحضر طعامه المفضل من الروبيان الحي.
وقاده ولعه بالأفلام السينمائية إلى أصدار أوامر باختطاف أحد المخرجين السينمائيين من كوريا الجنوبية وزوجته الممثلة لكي يقوموا بعمل أفلام من أجله، ولكنهما تمكنا من الهرب بعد فترة.
المصدر: بي بي سي