الصعوبة والتعقيد يتسربان الى مناهج الدراسة الابتدائية
442
شارك
الحكمة – متابعة: غالبا ما تعاني إيمان أو “أم فاطمة” كما تكنى من إجهادين أولهما يتعلق بالعمل والواجبات المنزلية، وثانيهما وهو الأصعب الذي يتمثل في متابعة دروس بناتها الثلاث في المرحلة الابتدائية، وتأتي معاناتها نتيجة التغييرات التي طرأت على مناهج المرحلة الابتدائية وهو ما زاد من صعوبة الحياة وضغوطاتها على الأم التي تقف حائرة بين تدريس الطالبات الثلاث وإكمال واجباتهن المدرسية من جهة وبين صعوبة هذه المناهج التي لم تطلع عليها سابقا.
وغالبا ما تعمد وزارات التربية في جميع البلدان الى إضافة لمسات على المناهج الدراسية لها او تغييرها بشكل يتلاءم وعمر الطالب ومستواه العقلي، علاوة على دراسة الوضع العام للطلبة والظروف التي تمر بها البلاد وتدريس وتأهيل الكوادر التعليمية بشكل فعال.
وتكون الإضافات في الغالب من المرحلة الدراسية ذاتها حيث تتم مناقلة المناهج للمراحل التي تدرس في مرحلة الابتدائية من دون اللجوء الى زج مواد من مراحل اعلى تتسم بصعوبة فهم تسبب متاعب للتلاميذ والاهل الذين اعتادوا هم أيضا على منهج تناقله أولادهم في كل المراحل التي مروا بها.
وكانت وزارة التربية قد أعلنت في أواخر حزيران من السنة الدراسية الماضية عن تغيير المناهج الدراسية لعدد من المراحل الدراسية وإقرار مواد جديدة ويشمل التغيير مناهج لصفوف في جميع المراحل الدراسية.
تغيير المناهج
ووجدت “ام فاطمة” نفسها تعود مجبرة الى مقاعد الدراسة مجددا بذاكرة تستطيع اسعافها اثناء تدريس بناتها الثلاث، وتيقنت انها عاجزة عن إيصال فكرة بعض الدروس الجديدة الى بناتها، وامتنعت البنت الكبرى عن تدريس اختها لان بعض الدروس الجديدة لم تمر عليها حينما كانت في المرحلة ذاتها.
ونتيجة لصعوبة بعض المناهج الدراسية للمرحلة الابتدائية، بدأت الكثير من الأسر بتكوين صفوف مصغرة داخل البيوت لتتمكن من ايصال تلك المواد الى عقول ابنائها، وهذا ما اثقل كاهل الاسرة والامهات بشكل خاص واضاف عبئا جديدا الى واجباتهن المنزلية، واجبرهن على مجاراة التطور الحاصل في المناهج، وهذا ما دفع “ام فاطمة” الى مناقشة هذا الامر خلال الاجتماعات التي تعقدها المدارس مسلطة الضوء على صعوبة المنهاج من جهة وحجم المادة من جهة أخرى، إذ لم تكتفي وزارة التربية بتغيير المناهج فقط بل اضافت دروسا جديدة اليها.
معاهد التقوية
وتقول “ام فاطمة” بأسف:” شرعت بالبحث عن معاهد تقوية تختص بالدراسة الابتدائية الا انني لم أجد غير معاهد متخصصة بالمراحل المتوسطة والاعدادية، وهذا ما زاد المشكلة تعقيدا لاسيما بالنسبة للامهات ممن يتحملن مسؤولية تدريس ابنائهن ويخضن غمار معركة التحصيل العلمي الى جانبهم، ولم يبق امامي الا الاعتماد على التدريس الخصوصي وهذا يعني تحمل اعباء مالية في وقت نحن بامس الحاجة فيه الى المال نتيجة تنوع متطلبات العيش وكثرتها”.
وتضيف المرأة الحائرة أن” هذا دفعني انا وبعض الامهات اللواتي وجدن انفسهن يتشاركن معي بذات الهم الى جمع تواقيع وتقديم طلب الى لجنة التربية النيابية لغرض اعادة النظر بتلك المناهج”.
وتقول هبة بهلول وهي ام لطالبين وتحمل شهادة البكالوريوس في علوم الرياضيات: ” لا تتناسب بعض التغييرات التي طرأت على مادة الرياضيات للصف الثاني الابتدائي بشكل خاص مع عمر الطالب العقلي بسبب اضافة مواد جديدة كليا لم يدرسها الطلاب خلال المرحلة الابتدائية”. وتشير بهلول الى ان اضافة عمليات حسابية من بينها الجمع والطرح الذهني علاوة على عمليات التحقيق وايجاد العدد المفقود لم يمر على ابنها البكر الذي يدرس في الخامس الابتدائي’ مؤكدة ان هذا التفاوت في المواد لن ينهض بالعملية التربوية ولن يحقق المستويات العلمية للطلبة بسبب عدم ترابط المناهج.
وتختتم بهلول حديثها بالقول:” باتت التغييرات في المناهج الدراسية نقمة على رؤوس التلاميذ وأولياء أمورهم الذين لا يتمكنون من التنسيق بين واجباتهم المنزلية والمدرسية، ولا تتفق مع ضغوط وصعوبات الحياة التي يعيشها الفرد العراقي بصورة عامة”.
تواصل اجتماعي
وتقول “ام فاطمة” مؤكدة انها اضطرت الى التفاعل مع الاخرين عبر صفحتها على “الفيس بوك” على الرغم من انها لم تكن تعير لذلك اية اهمية لكثرة انشغالاتها ولصعوبة مسؤوليات الحياة التي تقع على عاتقها، ومن خلال الصفحة تشاركت مع أمهات أخريات لمناقشة الهم نفسه، وتضيف “ام فاطمة”:
استعنت انا وصديقاتي بـ “الفيس بوك” لايضاح كل ما هو مبهم في المواد الدراسية لاسيما من خلال انشاء مجاميع (كروبات) تعليمية تعنى بالمواد الجديدة وتطرح جميع التساؤلات التي يصعب على الاهل الوصول الى حلها، فوجدت منفذا يمكنني من خلاله السيطرة على جزء من المنهج، لاسيما ان هذه المجاميع ضمت تربويين واكاديميين ساهموا في تسهيل ما تعسر على الاهالي الذين باتوا في حيرة من أمرهم، وبدأنا ننشر جميع المسائل الصعبة لمناقشتها ونتعاون على حلها”.
مناشدات بلا صدى
وتقول “ام فاطمة” انها تقبلت الأمر الواقع وحاولت التعايش مع المناهج الجديدة التي اعادتها الى الدراسة من جديد، لكنها ما زالت تقف عاجزة عن ايصالها الى عقول بناتها… خصوصا وانها ام لتلميذات متفوقات، وتحرص دائما على ان يكون همها الأول ايصالهن الى مستقبل مرموق مستقبلا.
وتؤكد انها ناشدت مع عدد كبير من الاهالي ممن تضرروا من تغيير المناهج الكثير من المعنيين بهذا الموضوع، واوصلوا اصواتهم الى عدد من وسائل الاعلام مطالبين وزارة التربية باعادة النظر بتلك المناهج والعدول عن مثل هذه التغييرات التي ترهق الطالب واسرته، لكن تلك المناشدات والدعوات لم تجد اية اذان صاغية.
وبشأن هذه القضية اكدت لجنة التربية النيابية ان “تغيير المناهج نظام دولي معمول به عالميا وهو امر مطلوب خصوصا مع التطور الذي يشهده العالم، وفق خطة تضعها وزارة التربية يتم خلالها التغيير بشكل تدريجي”.
وبينت مقررة اللجنة ساجدة الافندي ان “تغيير المناهج في العراق واضافة مواد علمية الى بعض المراحل الدراسية كان وفق خطة اعدت على ان يكون التغيير على سلسلة تستغرق خمس سنوات حيث تتغير المادة مع انتقال الطالب لكل مرحلة”.
ولفتت الافندي الى ان “اللجنة لها ملاحظات على عدة مواضيع في أداء الوزارة وانها طرحت تلك الملاحظات خلال استضافتها مسؤولي الوزارة ومدير المناهج العامة، حيث تم التوصل الى قرار موحد بين اللجنة والوزارة”.
مع أن عملية تغيير المناهج مهمة ويمكن أن تكون نقطة تحول مهمة في مسار العملية التربوية في العراق، إلا أن المشكلة الحقيقية تكمن في أن الوزارة لا تأخذ وقتًا كافيا لدراسة نتائج هذه التغييرات، فلم نجد مثلاً خطة للتغييرات بل على العكس من ذلك، وأغلبها حدثت بكثرة وبسرعة تربك الطلاب والمدرسين معاً، وتعطي انطباعًا سيئًا لدى الشارع بأنها عشوائية وفوضوية، بالإضافة إلى أنها تثير الشكوك بشأن عمل الوزارة وغايتها من هذه التغييرات، كما ان الغاء منهج واتلاف كتبه وطبع كتب جديدة سيؤدي الى اهدار كبير بالمال العام.