الثالث من شعبان ولادة الحسين ريحانة المصطفى

787

اسمه في الاسلام الحسين، وفي التوراة يسمى شبير، وفي الإنجيل طاب.

عن رسول الله (صلى لله عليه واله وسلم): إن الله تعالى خلقني وعليا وفاطمة والحسن والحسين قبل أن يخلق الدنيا بسبعة آلاف عام

قلت: فأين كنتم يا رسول الله؟

قال (صلى الله عليه وآله وسلم): قدام العرش نسبح الله ونقدسه ونمجده.

قلت: على أي مثال؟

قال: أشباح نور، حتى إذا أراد الله أن يخلق صورنا فصيرنا عمود نور، ثم قذفنا في صلب آدم، ثم أخرجنا إلى أصلاب الآباء وأرحام الأمهات، لا يصيبنا نجس الشرك ولا سفاح الكفر، يسعد بنا قوم ويشقى آخرون.

فلما صيرنا إلى صلب عبد المطلب، أخرج ذلك النور، فشقه نصفين، فجعل نصفه في عبد الله، ونصفه في أبي طالب، ثم أخرج النصف الذي لي إلى آمنة بنت وهب، والنصف الآخر إلى فاطمة بنت أسد، فأخرجتني آمنة، وأخرجت عليا فاطمة.

ثم أعاد عز وجل العمود: إلي فخرجت مني فاطمة، وأعاده إلى علي، فخرج الحسن والحسين، يعني من النصفين جميعا، فما كان من نور علي صار في ولد الحسن، وما كان من‏ نوري صار في ولد الحسين، فهو ينتقل في الأمة من ولده إلى يوم القيامة(1).

ولعل اشارة لنبي في قوله (صلى الله عليه واله وسلم) حسين مني وأنا من حسين للحديث المذكور اعلاه في معناه العالي مع أحاديث اخرى في قوله (صلى الله عليه واله وسلم): الحسن مني وأنا من الحسن، وعلي مني وأنا من علي، وهم نور واحد في المرتبة العالية.

والحسين بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، هو الإمام الشهيد سيد شباب أهل الجنة وكنيته أبوعبد الله، والكنية الخاصة أبو علي. وألقابه: الشهيد السعيد، والسبط الثاني، والامام الثالث.

قال كمال الدين بن طلحة: كنية الحسين (عليه السلام) أبوعبد الله لا غير وأما ألقابه فكثيرة: الرشيد، والطيب، والوفي، والسيد، والزكي، والمبارك والتابع لمرضاة الله، والسبط، وأشهرها الزكي، ولكن أعلاها رتبة ما لقبه به رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) في قوله عنه وعن أخيه: انهما سيدا شباب أهل الجنة فيكون السيد أشرفها وكذلك السبط فانه صح عن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) أنه قال: حسين سبط من الأسباط. وقال ابن الخشاب: يكنى بأبي عبد الله لقبه: الرشيد، والطيب، والوفي والسيد، والمبارك، والتابع لمرضاة الله، والدليل على ذات الله عز وجل والسبط.

وكان نقش خاتمة (سلام الله عليه) كما في الوافي عن الامام الصادق (عليه السلام):ـ حسبي الله..

وله (صلوات الله عليه) خواتم اخرى نقش فيها (لكل أجل كتاب، وأن الله بالغ أمره).

وكانت ولادة سيد الشهداء في عام غزوة الخندق (الأحزاب) بعد ولادة أخيه الامام الحسن بعشرة أشهر وأيام في يوم الثالث من شهر شعبان يوم الخميس السنة الرابعة للهجرة النبوية الشريفة.

ومدة الحمل كانت ستة أشهر، وعندما اشرق نور الامام الحسين (عليه السلام) استقبله جده رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) وهو بعمر 56 عام وأربعة أشهر و16 يوما.

وعمر ابيه الامام علي (عليه السلام) 26 عام وعشرون يوما تقريبا.

ووالدته البتول الزهراء (عليها السلام) بعمر 12 عام.

وكان (سلام الله عليه) أشبه الناس برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ربعة ليس بالطويل ولا بالقصير، واسع الجبين، كث اللحية، واسع الصدر، عظيم المنكبين، ضخم العظام، رحب الكفين والقدمين، رجل الشعر، متماسك البدن، أبيض مشرب بحمرة.

وكانت مدة خلافته عشر سنين وأشهر، كما إنه في اليوم الرابع من شعبان مولد أخيه أبا الفضل العباس.. وفي اليوم الخامس من شعبان ولادة أبنه زين العابدين الامام علي بن الحسين السجاد (عليه السلام).

ان كل ما يتعلق بالأمام الهمام الحسين (عليه السلام) من ولادته حتى استشهاده في نهضته المباركة أمرا ربانيا محفوفا بالعناية الالهية بلحاظ ما مر من العصور وسمعناه وشاهدناه في وقتنا المعاصر، أذ استهدف الامام (سلام الله عليه)وال بيته واخوته واصحابه واتباعه من قبل الطغاة في الملوكية الاموية ثم الزبيرية ثم العباسية ما هو الا دليل واضح على الشموخ الالهي، فنعم خسرت الامة ذلك الامام عندما استشهد، لكنها لم تخسر روحه وتراثه، ونشاطر الاستاذ انطوان بارا في رايه، اذ يقول: واقعة كــربــلاء لم تكن موقعة عسكرية انتهت بانتصار وانكسار بـــل كانت رمزا لموقف اسمى لا دخل له بالصراع بين القوة والضعف، بين العضلات والرماح بقدر ما كانت صراعا بين الشـك والايمان بين الحق والظلم…

ثانيا – آثــر الحسين (عليه السلام) صلاح أمــة جده، الإنسانية الهادية بالحق العادلة به على حياته، فكان في عاشوراء رمزا لضمير الاديــان على مَــر العـصــور(2).

وبعد عهود المملكة تلو المملكة جاء طغاة وظلمة العصور المتعاقبة لينالوا من الحجة الالهية مره بهدم القبر، وتارة بملاحقة الاتباع وقتلهم، الا ان كل هذه المحاولات بائت بالفشل، وظل ذكره ومرقده يزداد علوا وارتفاعا، فكل ذلك من العناية الالهية بسبب اخلاص الامام (عليه السلام) مع الله سبحانه وتعالى.

وان ولادة جميع الانبياء والرسل والاولياء الحجج ماهي الا بشارة للبشرية، كونهم ثورة تاريخية رسم معالمها الجليل بقدرته ليسيروا بحركات ربانية.

ولعل تطرق الاستاذ بــولــص الــحــلــو في احدى كتاباته قريب لما نقول، اذ قال:ـ الحالة الحسينية ليست مقتصرة على الشيعة فحسب، إنما حالة عامة وشاملة ولهذا فإننا نجد أن ارتباط الثورة الحسينية بمبدأ مقارعة الظلم جعلها قريبة جداً من الإنسان أيًا كانت ديانته وعقيدته لأنه ما دام هناك ظالم ومظلوم فلا بد أن يكون هناك يزيد والحسين كرمزين أساسيين لكل من الجهتين.

وبعد القول المار الذكر مع ما ذكرنا نعتقد بان الاهداف المرسومة للقادة هي ليست نسيج خيال، بل واقع الهي وضعه خاتم الانبياء ليسيروا أوصياءه وخلفاءه عليه.

وعلى هذا فأن العلاقة بين الامامة والمستقبل علاقة تفاعلية تبادلية التأثير، فاذا كانت حركة التاريخ المستقبلية تؤثر في الانسان، فأن الانسان يؤثر هوالاخر في حركة التاريخ.

وايضا فان ولادة الاوصياء تمثل منهج حركة تاريخية من المستقبل العام او الخاص كما نرى ذلك في ولادة يحيي بن زكريا فقد كانت بشارة للمعمورة، فعلى دواليك ولادة الامام الحسين (عليه السلام).

وان الله سبحانه وتعالى خط منهاج المستقبل الاسلامي بحركات تاريخية وسلسلة مطهرة واصطفاء لقادة تلك الحركات.. فكان سيد المرسلين الرسول الاكرم القائد العام للمنهاج الاسلامي قد أوكل بأمر الله تعالى القادة من بعده لساسة البلاد والعباد..

وولادة الامام الحسين (الصلاة والسلام عليه) الذي هو نور من نفس النبي (صلى الله عليه واله وسلم)، أذ كانت الثورة في حركته نحو تحقيق الخلافة والمسير على النهج الاسلامي الاصيل. ولذلك كانت عصمته تستوعب حركة التاريخ الاسلامي.

لقد استطاع الامام الحسين (عليه السلام) ومنذ ولادته أن يحرك بركة الصمت فقد عرف المجتمع الاسلامي من خلال أحاديث وسلوكيات جده وابيه (عليهم السلام) بأن ابي عبد الله (سلام الله عليه) يمثل الشكل المستقبلي للإسلام.

وقد اسلفنا بان مدة الحمل ستة اشهر وهذا يشير الى ان اصل الولادة معجزة ربانية وبيان للامة من قادر وهاب، كون الحمل الطبيعي تسعة اشهر، الا ان امامنا الحسين (صلوات الله وسلامه عليه) حملته سيدة نساء العالمين حبا ووضعته (سلام الله عليها) فرحا وبشرى في ستة اشهر.

ويعلم كل مثقف وعارف بعلم الطب بأنه من المستحيل ان يعيش المولود بعد وضعه من أمه في ستة اشهر!

وهنا فأن أمر ولادة الامام (عليه السلام) مخصوص ومتميز مع ميزات اخرى من المولى عزوجل.

من زهده (عليه السلام)
ومن زهد الامام الحسين (عليه السلام) وعبادته وعشقه لله تعالى انه ساير أنس بن مالك فأتى قبر خديجة (رض) فبكى ثم قال اذهب عني، قال أنس فاستخفيت عنه فلما طال وقوفه في الصلاة سمعته قائلا:

يا رب يا رب أنت مولاه * فارحم عبيدا اليك ملجاه

يا ذا المعالي عليك معتمدي * طوبى لمن كنت انت مولاه

طوبى لمن كان خائفا أرقا * يشكوإلى ذي الجلال بلواه

وما به علة ولا سقم * أكثر من حبه لمولاه

إذا اشتكى بثه وغصته * أجابه الله ثم لباه

فجاء النداء من السماء:

لبيك لبيك أنت في كنفي * وكلما قلت قد علمناه

صوتك تشتاقه ملائكتي * فحسبك الصوت قد سمعناه

دعاك عندي يجول في حجب * فحسبك الستر قد سفرناه

لوهبت الريح في جوانبه * خر صريعا لما تغشاه

سلني بلا رغبة ولا رهب * ولا حساب اني أنا الله

وانه قيل له (عليه السلام): ما اعظم خوفك من ربك؟ فقال ((لا يأمن يوم القيامة إلا من خالف الله في الدنيا.))

في فضل زيارته (سلام الله عليه)
عن الرسول الاعظم(صلى الله عليه واله وسلم): (هبط الي جبريل فأخبرني أنكم قتلى وان مصارعكم شتى، فحمدت الله على ذلك وسألته لكم الخيرة. قال: فقال له الحسين عليه السلام: يا أبه فمن يزورها ويتعاهدها على تشتتها؟ فقال: طوائف من أمتي يريدون بذلك بري وصلتي، أتعاهدهم في الموقف فآخذ أعضادهم فأنجيهم من أهواله وشدائده)).

وعن أمير المؤمنين الامام علي (عليه السلام): ((يوكل الله سبحانه بقبر الحسين بن علي أربعة آلاف ملك شعثا غبرا يستغفرون له ويدعون لمن جاءه)).

ويقول رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم): يأتي قوم في آخر الزمان يزورون قبر ابني الحسين، فمن زاره فكأنما زارني، ومن زارني فكأنما زار الله سبحانه وتعالى، ألا من زار الحسين فكأنما زار الله على عرشه)).

وعن الامام الحسين بن علي (عليه السلام): ((من زارني بعد موتي زرته يوم القيامة، ولولم يكن الا في النار لا خرجته منها)).

وعن الامام علي بن الحسين (عليهم السلام) في زيارة ابيه (عليه السلام) قال: زره كل يوم، فان لم تقدر فكل جمعة، فان لم تقدر فكل شهر، فمن لم يزره فقد استخف بحق رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم).

وعن أبي الجارود، قال: قال لي أبو جعفر (عليه السلام): كم بينكم وبين قبر أبي عبد الله الحسين بن علي عليهما السلام؟

قال: قلت: يوم وشيء.

قال: فقال: لوكان منا على مثل الذي هو منكم لاتخذناه هجرة، كم بينكم وبين قال: قلت له فقال: لوكان منا مثل الذي هو منكم لسرني أن لا يأتي علي يوم الا أتيته (3)

من اعمال يوم الثالث من شعبان
يستحب الصيام وورد فيه هذا الدعاء: اللهم إنى أسألك بحق المولود في هذا اليوم الموعود بشهادته قبل استهلاله وولادته، بكته السماء ومن فيها والأرض ومن عليها، ولما يطأ لابتيها قتيل العبرة وسيد الأسرة الممدود بالنصرة يوم الكرة والمعوض من قتله أن الأئمة من نسله والشفاء في تربته والفوز معه في أوبته والأوصياء من عترته بعد قائمهم وغيبته حتى يدركوا الأوتار ويثأروا الثار ويرضوا الجبار ويكونوا خير أنصار صلى الله عليهم مع اختلاف الليل والنهار، اللهم ! فبحقهم إليك أتوسل وأسأل سؤال مقترف معترف مسيء إلى نفسه مما فرط في يومه وأمسه، يسألك العصمة إلى محل رمسه، اللهم ! فصل على محمد وعترته واحشرنا في زمرته، وبوئنا معه دار الكرامة ومحل الإقامة.

………………………..
المصادر والهوامش
(1) الصدوق، علل الشرائع ج1ص208ب156ح11، وفي دلائل الإمامة ص59.
(2) كتاب الحسين في الفكر المسيحي.

مجاهد منعثر منشد

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*