من وحي نهج البلاغة.. الإمام المنتظر (عليه السلام)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
ورد عن الامام امير المؤمنين(عليه السلام) عدد من الاحاديث التي يصف فيها ولده الامام الحجة المنتظر(عجل الله فرجه الشريف)، وهذه الاحاديث مبثوثة في كتب الروايات والتاريخ المختلفة، الا ان ما يعنينا في هذا الباب هو ما ورد في نهج البلاغة بالذات فيما يتعلق بالإمام المهدي المنتظر(عليه السلام). وباستقراء مجمل الأحاديث المذكورة في النهج، نجد أن هنالك حديثين مهمين يتعلقان بالإمام الحجة ابن الحسن(عليه السلام)، وكليهما يشيران إلى غيبته وعظيم منزلته.
روي أن امير المؤمنين(عليه السلام) قال: (ألا إن مثل آل محمد صلى الله عليه وآله كمثل نجوم السماء، إذا خوى نجم طلع نجم، فكأنكم قد تكاملت من الله فيكم الصنائع وأراكم ما كنتم تأملون) (نهج البلاغة 1 : 194).
وقال(عليه السلام): (لا تخلو الأرض من قائم لله بحجة، إما ظاهراً مشهوراً أو خائفاً مغموراً، لئلا تبطل حجج الله وبيناته، وكم ذا وأين أولئك؟ أولئك والله الأقلون عدداً والأعظمون قدراً، يحفظ الله بهم حججه وبيناته حتى يودعوها نظراؤهم ويزرعوها في قلوب أشباههم، هجم بهم العلم على حقيقة البصيرة، وباشروا روح اليقين ، واستلانوا ما استوعره المترفون، وأنسوا بما استوحش منه الجاهلون ، وصحبوا الدنيا بأبدان أرواحها معلقة بالمحل الأعلى . أولئك خلفاء الله في أرضه والدعاة إلى دينه.. آه آه شوقاً إلى رؤيتهم) (نهج البلاغة 4: 37).
وبدارسة هذين الحديثين، نجد جملة من المعطيات التي تقع في صميم عقيدة أتباع أهل البيت(عليهم السلام)، وفي هذه العجالة نحاول ان نستوحي ثلاث نقاط أساسية يمكن استفادتها من هذين الحديثين:
اولا: لا تخلو الارض من حجة
إن أهل البيت(عليهم السلام) هم كمثل النجوم في السماء، فكما لا تخلو السماء من نجم يهتدي به المهتدون، فان الأرض لا تخلو من إمام من أئمة أهل البيت(عليهم السلام) في كل عصر وزمان، وهذا المعنى يؤكده الحديث الثاني حيث يقول: (لا تخلو الأرض من قائم لله بحجة..).
الجدير ذكره، إن حديث الثقلين المتواتر لدى جميع مذاهب المسلمين، يدل ضرورة وجود امام من ائمة اهل البيت(عليهم السلام) في كل عصر وزمان، حيث قال(صلى الله عليه واله): (اني تارك فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي وانهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض) (مسند احمد بن حنبل 3 : 14).
فان عدم افتراق اهل البيت(عليهم السلام) عن القرآن في حديث الرسول(صلى الله عليه واله) خير دليل على ما ذكره الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام) من ان الارض لا تخلو من حجة، وانه كلما مضى امام فلا بد ان يخلفه امام، كما تخلف النجوم بعضها بعضاً.
والعلّة في ذلك بيّنها(عليه السلام) في حديثه الثاني إذ قال: (لئلا تبطل حجج الله وبيناته..) فوجود الامام ضروري في المنظومة العقائدية للإسلام، لان القرآن الكريم – مع انه دستور فيه تبيان كل شيء- يحتاج الى شخص يعمل على تطبيق أحكامه ويسعى إلى إحياء سننه، وله القابلية العقلية والنفسية التي تمكنه من سبر معانيه العميقة لاستنباط الأحكام الشرعية التي يريد الله تعالى أن يلتزم بها عباده.
ثانيا: الظهور والغيبة
ان امير المؤمنين(عليه السلام) بعد أن ذكر بأن الأرض لا يمكن ان تخلو من امام، بيّن أنه يمكن ان يكون – هذا الامام- ظاهراً مشهوراً للناس، ويمكن ان يكون غائباً مستوراً عنهم، وهذا الكلام واضح الدلالة على غيبة الامام المنتظر(عليه السلام) عن الناس حتى يجيء عصر الظهور.
ووجه الانتفاع بالإمام المنتظر(عليه السلام) في غيبته بينها إمام العصر فيما ورد عنه (عليه السلام) إذ قال: (واما وجه الانتفاع بي في غيبتي فكالانتفاع بالشمس إذا غيبها عن الابصار السحاب).
وهذا المعنى يحتمل عدداً من التفسيرات منها: إن الله تعالى بحكمته جعل الوجود التكويني للحياة قائماً على وجود انسان مطهّر من كل رجس، فكأنه يمثل علّة لهذا الوجود، وبفقده تميد الارض بمن عليه، وتقع السماء على الارض، ويدل على هذا المعنى ما روي عن الامام علي بن الحسين(عليه السلام) أنه قال: (نحن أئمة المسلمين، وحجج الله على العالمين وسادة المؤمنين وقادة الغر المحجلين وموالي المؤمنين ونحن أمان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء، ونحن الذين بنا يمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه، وبنا يمسك الأرض أن تميد بأهلها) (الاحتجاج 2 : 48).
ثالثا: الشوق لرؤية الإمام
إن الامام امير المؤمنين(عليه السلام) يبين في ختام حديثه الثاني الى شوقه وحبه لرؤية الائمة الهداة(عليهم السلام) إذ قال: (آه آه شوقاً إلى رؤيتهم..).
وفي هذا الكلام، يسن أمير المؤمنين(عليه السلام) سنة حسنة للمؤمنين المنتظرين لطلعة إمام زمانهم(عليه السلام)، إذ لا بد أن يعيشوا حالة الشوق لظهوره عجل الله فرجه.
وطبيعي أن لا يتحقق هذا الشوق واقعاً في نفس الانسان إلا من خلال استشعار المحبة الحقيقية لشخص الامام المنتظر(عليه السلام)، والمحبة الحقيقية لا تكون إلا بالتعرف على شخصيته(عليه السلام) والوقوف على حقيقة كمالاته العظيمة وسموّه، فمن المعلوم أن الشوق فرع الحب وان الحب فرع المعرفة.