القضية الحسينية مادة حية متجددة تحت مجهر البحث العلمي الحديث

254

images

أصبحتْ القضية الحسينية ومبادؤها الإنسانية العظيمة مادة حية بين يدي الباحثين يكتشفون فيها أشياء جديدة بإمكان الاستفادة منها في حياتنا اليومية وتطبيقها على أرض الواقع، كما وأصبحت تثير فيهم تساؤلات عديدة وتؤكد لهم عظمة هذه القضية واستمراريتها وأهميتها في حفظ الدين الإسلامي الأصيل.

ويعمل الباحثون على إيضاح الصورة الحقيقية لقضية الإمام الحسين (عليه السلام) عبر التاريخ وربطها بين الماضي والحاضر والمستقبل، وتبيان آثارها على الأمة العربية والإسلامية، حتّى لنجد أنّها لم تقتصر على الباحثين من طلبة وأساتذة الحوزات الدينية وإنما أيضاً يتناولها الباحثون الأكاديميون الذين يستعرضون ثورة سيد الشهداء (عليه السلام) بالمفهوم الأكاديمي العلمي الحديث الذي يحاكي الواقع المعاش ويستلهمون منها العبر والدروس.

ويجد الباحث الدكتور حسين كاظم عزيز رئيس قسم الدراسات القرآنية بجامعة كربلاء، لوكالة نون الخبرية ان “هنالك جوانب عديدة في القضية الحسينية وفي حياة الإمام الحسين (عليه السلام) تحتاج إلى الدراسة والبحث، حيث إنه (عليه السلام) لم يكن ثائراً ضد الظلم والظالم فحسب، بل كان امتداداً رسالياً له تخصيصاته السماوية بكل ما تعنيه المضامين التأثيرية والوجدانية، وخلود تلك المشاريع النهضوية لا تنتج الا من معصوم له حساباته وعطاءاته، وقد اختار الله (سبحانه وتعالى) كربلاء لتنطلق منها تلك النهضة الخالدة فهي الصوت والصرخة بوجه الظلم والظالم التي يتوقف عندها الناهضون والمفكرون والعلماء إجلالا واهتداءً بكل سماتها الرسالية”.

ومما جذب عزيز وهو يتفحص القضية الحسينية موضوعة الشهادة التي درسها عبر بحثه الموسوم (الإمام الحسين (عليه السلام) التأصيل والحقيقة الفكرية للمشروع الإسلامي)، ويقول: ان “الشخصية الإنسانية تمرّ في مسار حياتها بكثير من الانطباعات والمعالم، وأبرزها الشهادة التي تمثل هذا النمو في طريق تكاملها بما تمتلك من ركائز كالحب والوفاء والإيثار والأخلاق مفادها ان تتجاوز بالإنسان ذاته الى محطات نموها الروحي وتكاملها الإنساني”، موضحاً أن “بهذا المعيار نقول ان الشهادة أسمى درجات العطاء الانساني فبقاء مثل هذا الموقف بما يجمل من مفاهيم إنسانية بما فيها رفض راديكالي للظلم والانحراف وما تعلنه من ثورة حقيقية للإصلاح والتغير فمثلها تؤمن لنا مرجعية أنموذجية وكأنها تقول لنا بان وجودها بالتاريخ والتراث والوعي ومنطق الحاجة الملحة الى الإصلاح، تبقى قائمة عندما تستدعي إصلاح الوضع بمستوياته المختلفة الاجتماعية او السياسية او الاقتصادية او الأخلاقية لعمليات استئصال او تغيير”.

ووقفة أخرى على أعتاب باحث أكاديمي آخر وهو الدكتور بلاسم الموسوي فهو الآخر يدعو الباحثين في العالم إلى قراءة القضية الحسينية الخالدة من جديد والنهل من معينها الذي لا ينضب من الدروس والقيم والمبادئ السامية التي ينشدها العالم اليوم.

ويرى الموسوي من خلال تصريح لوكالة نون أنّ معركة الطف قد حُسمت عسكرياً لصالح بني أمية بوقت قليل جداً؛ ولكن دولة الإمام الحسين (عليه السلام) على رغم شهادة جميع رجاله أسست قواعدها في ذلك اليوم وبقيت شامخة منتصرة ومحطمة للدولة الأموية، إذ أنّها “أيقظت المسلمين فكرياً وذكرتهم بالمبادئ التي جاءَ بها النبيّ محمد (صلى الله عليه وعلى اله) وعاشت بالقلوب وجذبت النفوس وغيرت الأفكار حتى أصبحت مصدراً شرعياً للنهوض ومجاهدة الظالمين”.

ففي بحثه (خلود نهضة الحسين (عليه السلام) وأثرها في نشر الوعي الديني)، يبين الموسوي ان “المتتبع لواقعة كربلاء بالمنظار الظاهري لا يرى الا معركة وقعت بين دولة متجبرة قاهرة امتدت في بقعة واسعة من ثلاث قارات أوربا واسيا وإفريقيا وبين ثلة مؤمنة متمثلة بقوم نزحوا من بلاد الحجاز الى الكوفة وانتهت المعركة بالنصر العسكري لدولة بني أمية” مضيفاً بالقول: “ولكن من ينظر إليها من جميع الإبعاد يرى أنها معركة حسمت لصالح الحق والإصلاح إذ وقعت بين عقيدتين مختلفتين بل وبين دولتين متضادتين ألا وهما دولة الحسين (عليه السلام) المتمثلة بثلة مؤمنه تحمل الإسلام المحمدي الأصيل والقيم والمُثل الإنسانية والإسلامية ودستورها القران الكريم وهدفها نشر العدل في بقاع المعمورة وبين دولة متجبرة تحمل الإرث الجاهلي والحقد الأموي على الإسلام وعلى النبي وأهل بيته (عليهما السلام) والتي بسطت نفوذها على بقعة جغرافية كبيرة”.

وفي قراءتها الفكرية لحقيقة النهضة الحسينية، تقول الباحثة الدكتورة ناهدة جليل الغالبي لوكالة نون: ان “من الظلم أن نجعل من القضية الحسينية حدثاً تاريخياً جرى في حقبة من الزمن ثمَ تلاشى، فالقضية الحسينية ستبقى خالدة ومستمرة مع استمرار اي انحراف في خط الرسالة والتي اختط منهجها جده الأكرم (صلى الله عليه وآله) الذي خاطب الأمة بقوله: (حسين مني وأنا من حسين)”، مؤكدة بأننا “يجب لا نرى في القضية الحسيني إلا جانباً واحداً فقط وهو الجانب المأساوي الحزين رغم قدسيته دون أن ندع جانب الفكر والموقف والقدوة ينطق ليشكّل تفاعلاً منسجماً بين الفكر والعاطفة، فهدف الإمام الحسين (عليه السلام) من واقعة الطف كان إصلاح هذه الأمة والعمل على تغيير الواقع السيئ الى واقع الإسلام الصحيح المبارك”.

وتضيف، “لقد كانت ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) قائمة على الوعي والإدراك الكاملين بضرورتها سواء عنده او عند أهل بيته أو لدى أصحابه (عليهم السلام)، فلها حقائق وماهيات متعددة ومختلفة وهي ليست أحاديه الكُنه والحقيقه، وتدعونا بالوقت ذاته إلى بحثها ودراستها دائماً”.

أما الباحث الدكتور محمود بهية الذي تجذبه دائماً قضية الإمام الحسين (عليه السلام)، فقد وصل إلى قناعة تامة ان نهضة الإمام الحسين (عليه السلام) قد حافظت على الدين الإسلامي من أعدائه، ويقول: ان “الأمة الإسلامية وما وصلت إليه من قوّة وانتشار فإن الفضل يعود إلى نهضة سيد الشهداء (عليه السلام) التي كانت دائماً ما ترعب الأعداء والطامحين إلى القضاء على الإسلام”، مشيراً إلى انه “لم يمضي سوى فترة وجيزة لا تتجاوز ربع قرن من عمر الخلافة حتى بدأت تلك التجربة تنهار تحت وقع الضربات الشديدة التي يوجهها أعداء الإسلام القدامى والجدد، حتّى كانت القضية الحسينية الحافظ لها”.

ويبيّن بهية ان “دور الإمام الحسين وبقية الأئمة المعصومين (عليهم السلام) عظيم في حفظ الأمة الإسلامية من هوى المغرضين وعبث العابثين، وقد اختارهم الله (سبحانه وتعالى) أمناء على الأمة بعد الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله)، حيث أن وجودهم ضرورة لابدّ منها”.

وكالة نون

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*