الإمام علي (عليه السلام) بين خيال الشاعر ورؤية الفيلسوف
390
شارك
الإمام علي (ع) بين خيال الشاعر ورؤية الفيلسوف أ.د. ابراهيم العاتي لقد الهمت سيرة أمير المؤمنين الامام علي بن ابي طالب (ع) وخطبه وقصار كلمه، قرائح الشعراء والادباء، كما استوحى من عمق مضامينها الفلاسفة والحكماء، ولكني وانا اتصفح ما كتبه المفكر والفيلسوف المصري الدكتور زكي نجيب محمود (ت 1993م) في كتابه (المعقول واللامعقول في تراثنا الفكري)، رأيته وهو ينقب في المخزون التراثي العربي فيكتشف ان هناك شخصية لامعة جمعت من الصفات التي يستحيل ان تجتمع في انسان واحد يقول:( فأما وجه الغرابة التي لا نألفها في حياتنا المعاصرة، فهو هذا الجمع العجيب – والجميل – في رجل واحد بين أن يكون هو الفارس الذي يجيد القتال بسيفه وجواده، وهو السياسي الذي يجادل ويقاول، وهو الأديب الذي يحسن صياغة اللفظ في أروع ما تكون الصياغة الأدبية، إن السياسي في يومنا هذا قد تكون له موهبة الكلام خطابةً وكتابةً، لكنه لا يضيف إلى ذلك مهارة القتال وشجاعة المحاربين، ثم لا يضيف إلى هذا وهذا وذاك حكمة الفلاسفة التي تنزع بصاحبها نحو ضم الكون كله في أحكام موجزة مركزة نافذة إلى صميم الحق. لكن اجمع هذه الأطراف كلها في رجل، يكن لك عليّ بن أبي طالب). ويضيف:( وبعد ذلك فقلّب معي صفحات الرائة الأدبية التي تسمى «نهج البلاغة» وقل لي: أين ينتهي الأديب ليبدأ الفيلسوف ؟ وأين ينتهي الفيلسوف الأديب ليبدأ الفارس، ثم أين ينتهي هذا ليبدأ السياسي ؟ إنه لا فواصل ولا فوارق ؟ في هذه المختارات خطب ورسائل وأحكام وحجاج وشواهد امتزج فيها الأدب بالحكمة، والحكمة بالأريحية، وهاتان بما نسميه اليوم سياسة يسوس بها الحاكم شعبه، أو يداور بها المفاوض خصمه ويحاوره. فلنقرأ للإمام علي هذه العبارات لنرى كيف صيغت الأحكام الفلسفية العامة في لفظ أخّاذ: • مَن ضاق عليه العدل فالجور عليه أضيق. • قلما أدبر شيء فأقبل. • كفى بالمرء جهلاً ألا يعرف قدره. • لسان الصدق خير من المال الموروث. • ما غزي قوم قط في عقر دارهم إلا ذلّوا. • لا رأي لمَن لا يطاع. • الوفاء توأم الصدق. • ليس مَن طلب الحق فأخطأه كمَن طلب الباطل فأدركه. • المنجم كالكاهن، والكاهن كالساحر، والساحر كالكافر، والكافر في النار. • إن أنصح الناس لنفسه أطوعهم لربه، وإن أغشهم لنفسه أعصاهم لربه. • ما كل ذي قلب بلبيب، ولا كل ذي سمع بسميع، ولا كل ناظر ببصير. • من عشق شيئاً أعشى بصره، وأمرض قلبه. • كم من منقوص رابح، ومزيد خاسر. • إن يد الله مع الجماعة، وإياكم والفرقة، فإن الشاذ من الناس للشيطان، كما أن الشاذ من الغنم للذئب. • الحكمة حياة للقلب الميت، وبصر للعين العمياء. • العامل بغير علم كالسائر على غير طريق). لكن لو دقق الدكتور زكي فيما خلفه الشعراء العرب وغيرهم من قصائد رائعة مدحوا بها الامام علي (ع) لوجد تفسيرا لتلك الظاهرة الفريدة، وخاصة عند الشاعر الشهير صفي الدين الحلي (ت 750هــ) في قصيدته التي مدح بها الامام علي (ع) حيث يقول:
جُمعت في صفاتك الاضدادُ فلهذا عزت لك الأندادُ زاهدٌ حاكمٌ حليمٌ شجاعٌ ناسك فاتكٌ فقير، جوادُ شيمٌ ما جمعن في بشرٍ قطّ ولا حاز مثلهنّ العبادُ خلُقٌ يُخجل النسيم من العطف وبأسٌ يذوب منه الجمادُ! وكذلك ابيات الشاعر المبدع الناشئ الصغير (ت 365هـ) احد مجددي الشعر العربي في العصر العباسي، وكفاه مرتبة في عالم الادب ان ابا الطيب المتنبي (مالئ الدنيا وشاغل الناس)، كما عبروا عنه، كان من تلامذته، وقد سجل لنفسه على ورقة ابياتا من قصيدة الناشئ الولائية الشهيرة التي مطللعها: (بآل محمد عرف الصوابُ…وفي ابياتهم نزل الكتابُ) وهي: كأن سنان ذابله ضميرٌ فليس عن القلوب له ذهابُ وصارمه كبيعته ب (خًمّ) معاقدها من القوم الرقابُ **** اما بيته الرائع الذي لخص فيه رؤية الدكتور زكي فقوله عن الامام علي (ع): هو البكاء في المحراب ليلا هو الضحّاك ان جدّ الضرابُ **** والسلام عليك يا امير المؤمنين يا من استشهدت في ليالي القدر العظيمة في محراب صلاتك، كما انبأك النبي الاكرم (ص) ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ د.زكي نجيب محمود: المعقول واللامعقول في تراثنا الفكري، ص54-55، ط3، دار الشروق، القاهرة 1981. الصورة المرفقة هي للفيلسوف المصري د. زكي نجيب محمود