ظاهرة الشيعة فوبيا .. أخطر داء يصيب الوعي العربي
من خلال متابعتي المستمرة لوسائل الإعلام المحلية والعربية لاحظت أنها تتعمد تغييب العقل والواقع في مقابل استحضار العاطفة والأسطورة عند مناقشة أي موضوع له علاقة بالشيعة.
حتى أصبح الشيعة في أذهان الكثيرين كائنات غريبة تختلف طبائعها عن طبيعة بقية البشر. فهم يتميزون بالقدرة الفائقة على التآمر الجماعي وعبر مئات السنين بدون أن ينكشف أمرهم بسبب استخدامهم مبدأ التقية. فهم يتظاهرون بالإسلام ويظهرون الاعتراف بالقرآن ويحرصون على حيازته ودراسته بهدف التمويه إلا أن لديهم قرآنًا آخر يسمى بمصحف فاطمة ولكنهم لا يظهرونه لأحد من غير مُلَّتهم حتى لا ينكشف أمرهم.
فالشيعة هم سبب بلاء هذه الأمة نتيجة لأحقادهم الدفينة ومؤامراتهم الخبيثة, فهم سبب كل الفتن التي ألمَّت بالمسلمين من زمن مؤسس مذهبهم عبد الله بن سبأ إلى اليوم, وهم سبب سقوط بغداد بيد المغول وهم من تعاون مع الصليبيين ضد صلاح الدين وهم سبب سقوط بغداد بيد الأمريكان. أما ما يقال عن مقاومة حزب الله الشيعي لإسرائيل فإن ذلك لا يعدو كونه تمثيلية تم الاتفاق عليها بين الشيعة واليهود من اجل خداع عامة اهل السنة والجماعة عبر إظهار الشيعة بمظهر المدافعين عن الإسلام من أجل أن يتسنى لهم هدم الاسلام من الداخل ونشر مذهبهم الضال. وعلى فرض صحة مقاومة حزب الله لإسرائيل فإن الهدف من ذلك ليس تحرير لبنان أو فلسطين وإنما بهدف خدمة المشروع الصفوي. والأمر لا يتعدى كونه تنافسًا بين الصفوية والصهيونية لفرض سيطرتهم على العرب من أهل السنة والجماعة. وبما أن الصهاينة قد تخلوا عن فكرة دولة إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات فإن المشروع الصفوي أصبح الآن أخطر من المشروع الصهيوني. وعليه فإن الأولوية أصبحت في مواجهة الصفوية حتى ولو تطلب الأمر التعاون مع الصهيونية.
إن هذه المفاهيم عن الشيعة وإيران أصبحت حقائق راسخة في وعي الكثير من العرب. وأصبحت هي الهاجس الرئيسي الذي يشغل الوعي العربي ويحركه. لذلك لم يعد مستغربًا ولا مستهجنًا أن يعبر الكثير من المسئولين والمثقفين العرب عن تخوفهم من تنامي نفوذ ايراني في العراق وفلسطين وكأن المشكلة لم تعد في الاحتلال الأجنبي وإنما في تنامي نفوذ إيران في البلدان العربية المحتلة. وقد لاقت تحذيرات سعود الفيصل من تدخلات إيران وتزايد نفوذها في العراق قبولا وتأييدا واسعا. وهكذا اصبحنا أمام وضع عربي شاذ يقبل باستخدام أراضيه لاحتلال دولة عربية و يتقبل التعايش مع هذا الاحتلال “كما هو الحال مع فلسطين والعراق والصومال” بينما يتحسس من وجود أي نفوذ لإيران في هذه الدول. حتى أصبح دعم إيران لصمود الشعب الفلسطيني أمام إسرائيل جريمة وتهمه تحاسب عليها إيران بدعوى أنها تتلاعب بعواطف الشعوب العربية لخدمة مشروعها ومصالحها, فيا ترى كيف يكون الموقف من إيران لو أنها هي من احتلت العراق أو أفغانستان أو الصومال.
ونتيجة لإصابة الوعي العربي بمرض الشيعة فوبيا بمعنى الخوف المرضي من الشيعة بدأت دول الخليج والدول العربية المعتدلة بعقد صفقات اسلحة بمليارات الدولارات بالتزامن مع الاعلان عن مساعدات عسكرية لإسرائيل بمليارات الدولارات بهدف اعداد الدول العربية وإسرائيل لمواجهة إيران وحلفائها في المنطقة.
يتضح لنا من ما تقدم أن أمريكا قد نجحت في تغييب خطر المشروع الصهيوأمريكي عن الوعي العربي ونجحت في غرس ما يسمى بخطر المشروع الصفوي مكانه. بل إن الأمر وصل حد خلق صورة إيجابية للمشروع الصهيوأمريكي في وعي العرب بكونه أصبح الوسيلة الوحيدة لحماية العرب من المشروع الصفوي.
ولعل تصريحات وزيرة الخارجية الاسرائيلية في مؤتمر الدوحة تعبر عن هذا الواقع الجديد حيث قالت: “نحن المعتدلين في المنطقة كلنا أعضاء في المعسكر نفسه لمواجهة التحدي نفسه الذي يرفعة امامنا المتطرفون”. والملفت انها استخدمت كلمة نحن لتعبير عن إسرائيل والعرب, اما الآخر الذي يجب مواجهته فتقصد به إيران وحلفاءها حيث قالت: ” من المصلحة المشتركة للمنطقة العمل معا ضد التطلعات النووية لإيران”. وقالت أيضًا: ” إيران تحاول تقويض أنظمة أخرى وتعمل مع عناصر شيعية مثل حزب الله كما تدعم حماس”.
رغم التعارض الصارخ بين مشهد تصريحات ليفني في مؤتمر الدوحة وهي تلقن المسؤولين العرب الدروس وبين مشهد الحصار والقصف الوحشي الذي تتعرض له غزة إلا أن هذا الواقع الشاذ أصبح مقبولا في الوعي العربي المرعوب من إيران والشيعة.
وهذا يؤكد أن مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي أعلن عنه بوش قبل غزو العراق قد تحقق ولم يفشل كما يعتقد الكثيرين.
وقد عبر الدكتور أبو بكر السقاف بشكل دقيق عن نجاح المشروع الأمريكي حين قال: لقد نحجت أمريكا في تعريب وأسلمة صراعها مع إيران.
بعد إبراز وتحديد ظاهرة الشيعة فوبيا نرصد العوامل التي ساهمت في تضخيم هذه الظاهرة. والتي يمكن تقسيمها إلى ثلاث مجموعات, عوامل نفسية مرضية وعوامل نفسية طبيعية بالإضافة إلى الخلل المعرفي حول الشيعة.
العوامل النفسية المرضية:
1- عندما تتعرض أي جماعة إنسانية للهزيمة وتتعمق لديها مشاعر العجز على الموجة فإنها تبحث عن مبررات لتبرير هزيمتها وعجزها في محاولة للهروب من تحمل المسؤولية وللحفاظ على شعور ولو زائف بالكرامة والكبرياء. فمثلا علق معظم المواطنين العرب آمالا كبيرة على انتصار العراق في حرب الخليج الاولى والثانية بدافع العاطفة القومية والدينية. ولأن المواطن العربي كان يجهل او يتجاهل انعدام مقومات النصر فقد كان وقع الهزيمة مؤلمًا لذلك تقبل المواطن العربي بسهولة دعوى تحميل الشيعة مسؤولية الهزيمة بسبب خيانتهم رغم أن انتفاضة الشيعة في جنوب العراق عام 92بدأت بعد أيام من توقيع اتفاق وقف اطلاق النار, ورغم أن احتلال أمريكا للعراق عام 2003 قد انطلق من البلدان العربية التي تحكمها حكومات سنية.
2- العامل النفسي الثاني هو عامل الحسد. فنتيجة للهزائم العربية المتكررة ونتيجة لاستمرار اختلال موازين القوى لصالح إسرائيل بدأت تنتشر ثقافة العجز الداعية للخضوع وتقبل الأمر الواقع بحجة استحالة القدرة على المواجهة. وفي ذروة ازدهار الخطاب الاستسلامي او الانبطاحي كما يحلو للبعض تسميته برزت على الساحة قوة جديدة ممثلة بإيران الثورة استطاعت بإمكاناتها المحدودة وبتخطيطها الجيد أن تثبت إمكانية القدرة على الصمود والمواجهة, بل إنها تحولت إلى كابوس مرعب يقض مضاجع إسرائيل التي طالما أرعبت العرب, وإلى تحدٍ قوي يهدد المشروع الامبراطوري الأمريكي برمته والقائم على السيطرة على الشرق الاوسط ومنابع النفط. لقد تسبب هذا البروز المفاجئ والناجح في إثارة نوعين متناقضين من المشاعر في وعي المواطن العربي. فقسم منهم تغلبت عليه مشاعر الأمل فأصبح من المؤيدين لإيران ومن الداعين لتقليد نموذجها والقسم الآخر تغلبت عليه مشاعر الغيرة و الحسد فأصبح من المعادين لإيران ومن الداعين إلى مواجهتها بحجة أنها تمثل خطرًا أكبر مما تمثله إسرائيل. ولعل أبرز مثال على مشاعر الغيرة والحسد هو ظهور فتاوي تحرم مجرد الدعاء لحزب الله في اثناء حربة مع اسرائيل بحجة أنه حزب شيعي مدعوم من إيران.
العوامل النفسية الطبيعية
وهي عوامل ذات أبعاد نفسية ولكنها طبيعية اذا لم تتجاوز حدودًا معينة ويمكن تقسيمها إلى عاملين:
1- نتيجة لدخول العديد من التقنيات الحديثة في صميم حياتنا من مواصلات واتصالات وإنترنت وتلفزيون وصحف ومجلات وكتب وغيرها فإنها قد ساهمت في زيادة مساحة التماس والاحتكاك المذهبي بين السنة والشيعة. وهذا ساهم بدوره في زيادة نسبة التحول المذهبي سواء من التشيع إلى التسنن أو من التسنن إلى التشيع. ونتيجة لاختلال ميزان التحول المذهبي لصالح الشيعة وبشكل ملفت ولأسباب عديدة لسنا في مجال ذكرها فإن هذا قد ولد مشاعر عدم الرضى عند السنة. وهذه المشاعر طبيعية حيث إنها تختلج نفوس أتباع أي مذهب أو ديانة. وما يخرج هذه المشاعر من حدودها الطبيعية إلى حدودها غير الطبيعية هو تحولها إلى تصرفات هستيرية. وأبرز مثال على ذلك هو تلك التصريحات والدراسات التي تحذر من انتشار المذهب الشيعي وتدعو إلى فرض حظر على الفكر الشيعي وتشديد الحصار والرقابة على أتباعه حتى لا ينتشر مذهبهم. وهذة التحذيرات تصدر أحيانا بصيغ صريحة مثل التحذير من الاختراق الشيعي لمناطق أهل السنة والجماعة, من تمدد الأخطبوط الشيعي, من الهلال الشيعي, من تمدد نفوذ إيران في المنطقة, وأحيانا أخرى تصدر بصيغ مشفرة غاية في الإبهام بحيث يصعب على المنصفين رصدها في الوقت الذي يسهل على المتعصبين فهمها من أجل العمل على تنفيذها, وأبرز مثال على ذلك هو ما أعلن عنه مجلس الوزراء السعودي برئاسة الملك عبد الله قبل أيام عن تصدي المملكة للأخطار المحدقة ببعض الأقطار العربية والتي تهدد وحدتها الوطنية وتعرضها للهيمنة الخارجية و الإقليمية, وتستهدف تغيير تركيبتها الاجتماعية. والمقصود بالهيمنة الخارجية والإقليمية هي إيران, أما التهديد الذي يستهدف تغيير التركيبة الاجتماعية لهذه الدول فهو انتشار التشيع.
2- عندما تتعود اي جماعة انسانية على امتيازات معينة على حساب جماعة إنسانية أخرى تشاركها العيش في نفس المحيط فإنه يصعب على تلك الجماعة قبول التنازل فجأة عن تلك الامتيازات حتى ولو كان ذلك من مقتضيات المساواة والعدالة. لذلك نلاحظ معارضة شعبية لنيل الشيعة حقوقهم ومساواتهم بغيرهم من المذاهب سواء في الدول التي يمثل الشيعة فيها الاقلية او الاغلبية. وهذه الممانعة هي نتيجة لمشاعر طبيعية ويمكن تجاوزها بمنح الشيعة حقوقهم بصورة تدريجية. وما يخرج هذه الممانعة من حدودها الطبيعية إلى حدودها المرضية هو تحولها إلى عقدة نفسية ترفض تقبل إعطاء الآخر أي حقوق حتى في أضيق الحدود.
محمد ناصر البخيتي / اليمن