الإمامة والخلافة بين الإقرار والرفض

342

قراءات في وصية الزهراء

السيد محمود المقدس الغريفي

 

الوصية آخر كلام المرء في الدنيا، يموت وتبقى تتكلم عنه، يستكشف منها عن مكنون رأيه، بما يختلج في صدره، وبيان سر اعتقاده وإيمانه الذي يعرج به إلى المولى عز وجل، فيقر فيها ويعترف كآخر شهادة له على آرائه ومعتقداته التي يؤمن بها.

وأيسر ما تتضمن وصية المسلم هو الاعتراف والشهادة لله عز وجل بالربوبية والوحدانية والعدالة، ولرسول الله محمد (صلى الله عليه وآله) بالعبودية والنبوة والرسالة، ثم الإقرار بالإمامة والخلافة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) للأئمة الاثني عشر المعصومين الهاشميين القرشيين (عليهم السلام) أولهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) ثم ولداه الحسن والحسين (عليهما السلام) ثم علي بن الحسين (عليه السلام) ومحمد بن علي (عليه السلام) وجعفر بن محمد (عليه السلام) وموسى بن جعفر (عليه السلام) وعلي بن موسى (عليه السلام) ومحمد بن علي (عليه السلام) وعلي بن محمد (عليه السلام) والحسن بن علي (عليه السلام) والخلف الهادي المهدي المنتظر (عجل الله تعالى فرجه). ثم الاعتقاد والإيمان بالمعاد ويوم القيامة للحساب، إضافة إلى بعض العقائد الإسلامية الثابتة.

وبمجمل هذه العقائد الإسلامية وردت وصية مأثورة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) عندما سئل كيف يوصي الميت؟… ثم قال (صلى الله عليه وآله) في آخرها لعلي (عليه السلام): (تعلمها أنت وعلمها أهل بيتك وشيعتك)(1). وهذا إرشاد منه (صلى الله عليه وآله) للمسلم أن لا يهمل ذكر هذه العقائد الإسلامية والإقرار بها في وصيته حتى يخرج من الدنيا وهو على العهد الذي آمن به وصدقه وفارق الناس عليه. ومن ثم يوصي بحاجاته ووصاياه وغيرها من الأمور، ويُشهد على ذلك بعض المؤمنين.

وقد ورد جملة من الوصايا المأثورة عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) تتضمن جملة العقائد الإسلامية الحقة ومن جملة هذه الوصايا المأثورة، وصية الزهراء (عليها السلام) إذ ضمنتها جملة من عقائد الإسلام وأصوله والإقرار بها تارة بالنص وأخرى بالملازمة أو التضمن.

فمما جاء في وصيتها (عليها السلام): (هذا ما أوصت به فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله)، أوصت وهي تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول عبده ورسوله)(2) أنه نص منها وإقرار بالشهادتين، وهما أصلان من أصول الدين الإسلامي وهما توحيد الله عز وجل وأنه لا شريك له، والإقرار بنبوة محمد (صلى الله عليه وآله) وعبوديته ورسالته التي تقر بكافة رسالات السماء وبعثة الأنبياء كافة (عليهم السلام)، وإن رسالة الإسلام آخر الرسالات السماوية حيث نسخت ما قبلها، وأن محمداً (صلى الله عليه وآله) آخر الأنبياء والرسل.

أما العدل الإلهي فقد أشارت إليه (عليها السلام) بدلالة الملازمة من خلال إقرارها بوصيتها: (إن الجنة حق والنار حق)(3) لأنه عز وجل قضى على نفسه أنه خلق الجنة لمن أطاع وأحسن ولو كان عبداً حبشياً، وخلق النار لمن عصاه ولو كان ولداً (سيداً) قرشياً كما روي عن الإمام زين العابدين (عليه السلام)(4)، كل بعمله واختياره وهذا مقتضى العدالة الإلهية (ذلك بما قدمت أيديكم وإن الله ليس بظلام للعبيد)(5) لأنه عز وجل يأمر بالعدل فلا ينقض غرضه وأمره، قال تعالى: (إن الله يأمر بالعدل والإحسان)(6) (ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئاً وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين)(7).

وهذا هو الأصل الثالث من أصول الدين الإسلامي ومذهب أهل البيت (عليهم السلام).

وأما الأصل الرابع في وصيتها (عليها السلام) (المعاد) فقد نصت عليه بقولها (عليها السلام): (وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور)(8). وما قيام الساعة وبعث من في القبور بأجسامهم إلا دلالة على المعاد وقيام القيامة للناس للوقوف بين يدي جبار السموات والأرض ورحيمهما للحساب. (الله لا إله إلا هو ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه ومن أصدق من الله حديثا)(9) (قل الله يحييكم ثم يميتكم ثم يجمعكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه ولكن أكثر الناس لا يعلمون)(10).

أما إقرارها بأصل الإمامة وبالخصوص اعترافها بإمامة إمامها وزوجها أمير المؤمنين علي (عليه السلام) فيستنبط من قولها (عليها السلام) في وصيتها مخاطبة الإمام علياً (عليه السلام): (يا علي، أنا فاطمة بنت محمد زوجني الله منك لأكون لك في الدنيا والآخرة، أنت أولى بي من غيري ــ غيرك ــ حنطني وغسلني وصلي عليّ وادفني بالليل ولا تعلم أحداً…)(11) في الحديث المتواتر وبدلالة التضمن.

حيث أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال في الحديث المتواتر يوم غدير خم الثامن عشر من ذي الحجة الحرام بعد رجوعه من حجة الوداع بأمر من الله عز وجل (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين)(12) فقام (صلى الله عليه وآله) خطيباً بالمسلمين وبعد خطبة طويلة سألهم:

(من أولى بكم من أنفسكم؟ فقال المسلمون: الله ورسوله، فرفع (صلى الله عليه وآله) يد علي بن أبي طالب (عليه السلام) حتى بان بياض إبطيهما وقال (صلى الله عليه وآله): من كنت مولاه فهذا علي مولاه، ثم دعا (صلى الله عليه وآله): اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله وأدر الحق معه حيث ما دار، ثم أفرد له خباءً وأمر المسلمين أن يبايعوه بإمرة المؤمنين، وكان ممن بايعه أبو بكر وعمر وهما يقولان له: بخ بخ لك يا علي أصبحت مولانا ومولى المؤمنين، فأنزل الله تعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً)(13) فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (الحمد لله على إكمال الدين وإتمام النعمة برضا الرب وبالولاية لعلي بن أبي طالب)(14).

ومن هذا الأمر الإلهي نستفيد أن فحوى كلامها (عليها السلام) إن ولايتك يا علي على عموم الناس بحكم كونك إمامهم، ولكن ولايتك عليّ لأمرين أولهما: كونك إمامي، إذ أنت أولى بالمؤمنين من أنفسهم كما نص رسول الله (صلى الله عليه وآله) الذي (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحي علمه شديد القوى)(15)، وفي الوقت نفسه تعد هذه صرخة مدوية وضوء أحمر في وجه الانحراف القائم آنذاك والناكب عن خط الرسالة من بنت صاحب الرسالة وبضعته الصديقة الطاهرة (عليها السلام) على من أنكر هذه الولاية وانقلب عليها، وغصب الخلافة وجر المسلمين من الخط السماوي إلى الخط القبلي.

وثانيهما: كونك زوجي، والولاية تكون لك في تجهيزي بعد الوفاة، كما هو معلوم من الفقه الإسلامي أن الزوج له الولاية في تجهيز زوجته دون غيره من أرحامها وغيرهم وتسقط مع قيام غيره بالتجهيز بإذنه، وقد أكدت (عليها السلام) على هذه الزوجية في وصيتها: (يا علي أنا فاطمة بنت محمد زوجني الله منك لأكون لك في الدنيا والآخرة)(16) وقد أشارت هنا إلى ما استفاض عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في قضية تزويجها من أمير المؤمنين علي (عليه السلام) وأنه كان بأمر من الله عز وجل وإرادته، وأنه عز وجل زوجها في السماء وأشهد الملائكة على ذلك، وأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يزوجها في الأرض ويشهد المسلمين على ذلك. فقام (صلى الله عليه وآله) خطيباً في المسجد وقال: معاشر المسلمين أن جبرئيل أتاني آنفاً فأخبرني أن ربي عز وجل جمع الملائكة عند البيت المعمور وأنه أشهدهم جميعاً أنه زوج أمته فاطمة ابنة رسوله محمد (صلى الله عليه وآله) من عبده علي بن أبي طالب (عليه السلام) وأمرني أن أزوجه في الأرض وأشهدكم على ذلك(17).

ومن هنا فإن الولاية على شخص بحكم الإمامة والزوجية معاً لا تجمع في شخص (غيري) أي غير فاطمة
الزهراء (عليها السلام) حينئذ. وهذا إقرار منها بالإمامة في الجملة، وبالخصوص إمامة أمير المؤمنين علي (عليه السلام).

وقد رأى العلامة الكبير السيد محسن الأمين أن قول: (من غيرك) هو الظاهر دون قولها (عليها السلام): (من غيري)(18).

وعلى هذا القول، إضافة لما سبق منا، نقول أن الولاية لعلي (عليه السلام) من حيث أنه إمامها وزوجها، يأتي أيضاً قول أن الصديقة لا يغسلها إلا صديق كما ورد عنهم (عليهم السلام)، ومن الثابت عند المسلمين أن فاطمة الزهراء (عليها السلام) صديقة مصدقة على لسان أبيها رسول الله (صلى الله عليه وآله)، منها ما روي أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال لعلي (عليه السلام): (أوتيتَ ثلاثاً لم يؤتها أحد ولا أنا، أوتيت صهراً مثلي ولم أوت أنا مثلك، وأتيت زوجة صدّيقة مثل ابنتي ولم أوت مثلها زوجة، وأوتيت الحسن والحسين من صلبك ولم أوت من صلبي مثلهم، ولكنكم مني وأنا منكم)(19).

ولأن الزهراء (عليها السلام) بضعة من رسول الله (صلى الله عليه وآله) كما استفاضت الأخبار وبضعة الشيء جزءه فكما أن الأصل (صلى الله عليه وآله) صادق مصدق صديق ومعصوم كذلك الجزء وبضعته، فإن أولوية تجهيزها على هذا القول أي قولها (من غيرك) ربما يقال أنه يشترك مع أمير المؤمنين علي (عليه السلام) ولداه الحسن والحسين (عليهما السلام) كونهما إمامين صدّيقين أيضاً، وفي اعتقادنا أنه لا يمنع صغر سنهما من ذلك، وقد جرى ـ بَعْدُ ـ مثل ذلك للإمام محمد الجواد (عليه السلام) والإمام المهدي (عليه السلام) في تجهيز والديهما الإمامين الرضا والعسكري (عليهما السلام) على الرغم من صغر سنهما، ولكنها (عليها السلام) خصت بوصيتها وجعلت الأولوية والولاية الكلية لأمير المؤمنين علي (عليه السلام) دون غيره، حيث قالت (عليها السلام): (وأن يغسلها ـ أي: أمير المؤمنين ـ في قميصها لا يكشفه عنها لأنها كانت قد اغتسلت قبل وفاتها بيسير ـ أي: بوقت قليل ـ وتنظفت ولبست ثيابها الجدد…)(20).

وقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام): حيث سأله المفضل من غسل فاطمة (عليها السلام)؟ قال (عليه السلام): (ذاك أمير المؤمنين ـ وكأني استعظمت ذلك من قوله ـ فقال (عليه السلام): لا تضيقن فإنها صديقة ولم يكن يغسلها إلا صديق، أما علمت أن مريم (عليه السلام) لم يغسلها إلا عيسى (عليه السلام))(21). ولكنهما (عليهما السلام) وإن اشتركا مع أبيهما أمير المؤمنين علي (عليه السلام) بالإمامة (الحسن والحسين إمامان إن قاما أو قعدا)(22) كما نص رسول الله (صلى الله عليه وآله)، إلا أن الولاية جارية لأبيهما فعلاً مع توقفها عنهما مادام حياً، وهذا ما نعتقد به، حيث أن الإمام اللاحق يأتمر بأمر الإمام السابق عليه مادام على قيد الحياة، فإن توفي جرت الولاية لمن بعده من الأئمة (عليهم السلام)، وهذا ما وجهت إليه في وصيتها (عليها السلام) إيماناً منها بالأئمة من بعد أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، في معرض وصيتها بحوائطها السبعة التي في المدينة جمع حائط أي البستان والتي كان ينفق منها رسول الله (صلى الله عليه وآله) على أضيافه والنائبة يلزمه فيها(23)، فأوقفها (صلى الله عليه وآله) على ابنته الزهراء (عليها السلام). فأوصت بها وقالت:

(بسم الله الرحمن الرحيم. هذا ما أوصت به فاطمة بنت محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله) أوصت بحوائطها السبعة (بالعواف والدلال والبرقة والميثب والحسنى والصافية ومال أم إبراهيم (مشربة أم إبراهيم) إلى علي بن أبي طالب فإن مضى علي فإلى الحسن فإن مضى فإلى الحسين فإن مضى الحسين فإلى الأكبر (الأكابر) (من ولده) من ولدي (دون ولدك). شهد الله على ذلك والمقداد بن الأسود والزبير بن العوام وكتب علي بن أبي طالب (عليه السلام))(24).

فكان هذا دلالة على إقرارها بأصل الإمامة بشخوصها الاثني عشر (عليهم السلام) من ولدها وإن لم تسم أغلبهم بعد أن ذكرت علياً ثم الحسن والحسين (عليهم السلام)، حيث أن أكابر أولادها بعد الحسين (عليه السلام)

وكبار بني هاشم والعلويين من ذريتها هم الأئمة التسعة من ولد الحسين (عليه السلام)، وهذا لا خلاف فيه بين المسلمين، فضلاً عن أنهم (عليهم السلام) أكبر الأولاد سناً بعد استشهاد آبائهم (عليهم السلام)، وأكابر القوم منزلة وعلماً وفضلاً و…، وإن خصتهم على رواية بولد الحسين (عليه السلام)، بعد أن خصتهم بولدها دون ولد الإمام علي (عليه السلام) على رواية أخرى.

فالإمام علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام) أكبر أولاد الحسين (عليه السلام) وكبير قومه، وهكذا ولده الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السلام) وجعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) وموسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) وعلي بن موسى الرضا (عليه السلام) ومحمد بن علي الجواد (عليه السلام) وعلي بن محمد الهادي (عليه السلام) والحسن بن علي العسكري (عليه السلام) والحجة المنتظر المهدي بن الحسن صاحب الأمر والزمان (عجل الله تعالى فرجه). إذ أن مواريث الأنبياء وأوقافهم والقيام بشؤونهم لابد أن توضع بيد أوصيائهم وخلفائهم الصديقين المعصومين، أي الإمام من بعد الإمام، والصديق من بعد الصديق، حيث تكون إشرافهم تحت ورعايتهم وتصرفهم وهكذا تدال حتى يرث الله الأرض ومن عليها.

على أنه لازم هذا الإقرار منها بإمامة زوجها أمير المؤمنين علي (عليه السلام) صاحب الحق الشرعي في وصيتها (عليه السلام)، رفضها وإنكارها على من غصب الخلافة والإمامة وتصدى لمقام ومنصب إلهي لم يكن أهلاً له مطلقاً، في وصيتها التي فجرت التساؤل عبر الأجيال إذا قالت لأمير المؤمنين علي (عليه السلام): (وأن لا يشهد أحد جنازتي من هؤلاء الذين ظلموني وأخذوا حقي فإنهم عدوي وعدو رسول الله (صلى الله عليه وآله)) ولا تترك أن يصلي عليّ أحد منهم (ولا من أتباعهم)(25)، بعدما سبقتها بخطبتيها العظيمتين وهي التي قال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله): (إن الله يغضب لغضبك ويرضى لرضاك)(26).

فجاءت كلماتها انتصاراً لإمامها أمير المؤمنين علي (عليه السلام) لأن نصرة الإمام (عليه السلام) واجبة على كل مكلف بكل ما يستطيع، وإعلاءً لكلمة الحق العليا وتعرية للظالمين الانقلابيين وفضحهم.

ومن هنا أقرت (عليها السلام) أنها مازالت على العهد من بيعتها لإمامها أمير المؤمنين علي (عليه السلام) يوم الغدير حتى فاضت روحها الطاهرة وهي على شريعة الإسلام الحنيف منهجاً وسلوكاً واقتداءً وتمسكاً بما قال أبوها رسول الله (صلى الله عليه وآله): (من مات ولم تكن في عنقه بيعة لإمام زمانه مات ميتة جاهلية)(27).

وهذا الحديث الشريف خير دليل يحتج به على بطلان خلافة أبي بكر وإمامته، لأن الزهراء (عليها السلام) كما هو الثابت الذي لا لبس فيه توفيت ولم تبايع لأبي بكر بل كانت ساخطة، غاضبة، واجدة عليه إلى وفاتها (عليها السلام)، وهي الصديقة بشهادة أبيها رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وشهادة عائشة بنت أبي بكر: حيث قالت: ما رأيت أحداً قط أصدق من فاطمة (عليها السلام) غير أبيها (صلى الله عليه وآله)(28). الطاهرة المطهرة التي أذهب الله عنها الرجس وطهرها تطهيرا بنص قوله تعالى: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا)(29) والتي يغضب الله لغضبها ويرضى لرضاها كما قال لها الصادق الأمين (صلى الله عليه وآله)(30)، وقال أيضاً (صلى الله عليه وآله): (فاطمة بضعة مني يريبني ما أرابها ويؤذيني ما آذاها)(31).

وأنها (عليها السلام) سيدة نساء العالمين وسيدة نساء أهل الجنة كما ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال لفاطمة: (ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة)(32)، وورد عن عائشة عن النبي (صلى الله عليه وآله) ـ وهو في مرضه الذي توفي فيه ـ قال: (يا فاطمة ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمين وسيدة نساء هذه الأمة وسيدة نساء المؤمنين)(33).

وبعد هذا فهل من المعقول أن ترضى الزهراء (عليها السلام) ـ حاشاها ـ أن تموت ميتة جاهلية وهي بنت الرسالة إذ ترعرعت بين أحضانها، وتعطرت بأريجها، وتغذت من رحيقها، لكنها أرادت (عليها السلام) أن تُعرف المسلمين ومن خُدع وانحرف منهم أو اشتبه عليه الواقع إن خلافة أبي بكر المزعومة غير صحيحة ولا شرعية لها.

وفي الوقت نفسه ترسل الصديقة الطاهرة (عليها السلام) شهادتها الزكية عبر التاريخ إلى الأجيال لتُعرفهم الحقيقة وتصورها لهم ناصعة كالشمس، وإلى (الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب)(34).

  ______________________________

(1) وسائل الشيعة، كتاب الوصايا، باب استحباب الوصية بالمأثور، ح1.
(2) بحار الأنوار، المجلسي، 43/214.
(3) المصدر السابق.
(4) ديوان الإمام زين العابدين علي بن الحسين (عليه السلام)، ص44، صنعة وتحقيق السيد محمود المقدس الغريفي.
(5) سور الأنفال/ الآية:51.
(6) سورة النحل/ الآية:90.
(7) سورة الأنبياء/ الآية:47.
(8) بحار الأنوار، المجلسي، 43/214.
(9) سورة النساء/ الآية:87.
(10) سورة الجاثية/ الآية:26
(11) بحار الأنوار، المجلسي، 43/214.
(12) سورة المائدة/ الآية:67.
(13) سورة المائدة/ الآية:3.
(14) الغدير، الأميني.
(15) سورة النجم/ الآية:3ـ5.
(16) بحار الأنوار، المجلسي، 43/214.
(17) الصواعق المحرقة، ابن حجر، ص74، كنز العمال، المتقي الهندي، 6/152، ذخائر العقبى، ص40.
(18) المجالس السنية، الأمين العاملي، 5/121.
(19) الرياض النظرة، المحب الطبري، 2/202.
(20) الأمالي، المفيد، ص281، الأمالي، الطوسي، 1/107.
(21) أصول الكافي، الكليني، 1/522.
(22) بحار الأنوار، المجلسي، 43/278.
(23) قال السمهودي في تاريخ المدينة 2/152، إن مخيرق اليهودي كان من أحبار يهود بني النظير، أسلم وقُتل يوم أحد، وأوصى بحوائطه السبع إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فأوقفها النبي (صلى الله عليه وآله) سنة سبع من الهجرة على خصوص
فاطمة (عليها السلام)، وكان يأخذ منها لأضيافه وحوائجه.
(24) الكافي، الكليني، 7/48، الأصول الستة عشر، عدة محدثين، ص23، البحار، المجلسي، 43/235، كشف الغمة، الأربلي، 2/122.
(25) روضة الواعظين، النيسابوري، ص151.
(26) مستدرك الصحيحين، الحاكم، 3/153.
(27) مستدرك مسلم، 6/22، كنز العمال، 6/52، الجامع الصحيح، الألباني، ح6229.
(28) مستدرك الصحيحين، الحاكم، 3/16، الاستيعاب، 2/701.
(29) سورة الأحزاب/ الآية:33.
(30) مستدرك الصحيحين، الحاكم، 3/153، كنز العمال، 7/111.
(31) صحيح البخاري، كتاب النكاح، مسند أحمد، 4/328.
(32) كنز العمال، 7/156.
(33) مستدرك الصحيحين، الحاكم، 3/156.
(34) سورة الزمر/ الآية:18.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*