المعالم الاقتصادية والعمرانية في حكومة الإمام المهدي (عج).. كثرة المال والسيولة النقدية

324

25-3-2014-6-d

 

الدكتور سعيد العذاري ..

من أهداف حكومة الامام المهدي(عج) إزالة الفقر والحرمان كمقدمة لتحقيق الرفاهية للجميع بعد طول المعاناة بسبب الظلم والاستغلال وسوء التوزيع .
فقبل قيامه يمن الله على الانسانية ببركات وخيرات تهيأ الاجواء للنمو الاقتصادي والعمراني ومنها الامطار الغزيرة المساعدة على استصلاح الارض وتنمية الثروة الزراعية والحيوانية وهي أساس النمو الاقتصادي .
وفي عهد حكومته تنتهي أسباب وعوامل الازمات الاقتصادية ويكثر المال والسيولة النقدية بحيث يكون في متناول الجميع .
وتخلق الحكومة أجواء تربوية تسمو بالانسان نحو المثل والقيم الروحية التي تتعالى على المادة .
وسياسة التوزيع الحكومية تقوم على أساس القسمة العادلة مع مراعاة الفوارق العقلية والبدنية ويكون نظام الرواتب والمخصصات متميزا ويساعد الاعلام على تشجيع المحتاجين لمراجعة دوائر الحكومة للحصول على حقهم وما يحتاجونه من خدمات.
ويرتقي الامام بالعمران بتطوير الثروات بجميع الوانها وأنواعها وتطوير الصناعة ووسائل النقل ليكون العمران واضح المعالم .
الانسان مخلوق مزدوج الطبيعة، فهو روح وعقل وغرائز وجسد متعدد الجوارح، ولهذا تعددت حاجاته الروحية والمادية، وهذا الأمر فطري لايختلف ولا يتخلّف من انسان لآخر ومن جيل لآخر، وهو بحاجة إلى الرفاهية في جميع مصاديقها وميادينها، فهو بحاجة إلى المأكل والملبس والمسكن الواسع وبحاجة إلى عصب الحياة وهو المال الذي ينفقه في أموره الكمالية والرفاهية.
وقد راعى المنهج الاسلامي هذه الحاجة فلم يعطلها أو يلغيها أو يحمّل النفس الانسانية مالا تطيق، لانّ اشباع الحاجات الاساسية للانسان يمنعه من الانحرافات التي يولدها الفقر، ويمنع من الأمراض النفسية والروحية كالحسد والحقد والطمع، والهمّ بسبب الفقر والحرمان، وقد اكدت الروايات الشريفة على الآثار السلبية للفقر والحرمان، كما ورد عن الامام علي(ع) أنّه قال:
«انّ الفقر مذلة للنفس مدهشة للعقل جالب للهموم».
«العسر يشين الأخلاق ويوحش الرفاق».
«العسر يفسد الأخلاق».
«انْ افتقر قنط ووهن».
«الفقر يخرس الفطن عن حجته» .
«الفقر الموت الأكبر» .
وقد وضع الاسلام منهجاً اقتصادياً متكاملاً يحقق التكافل العام، والضمان الدائم، ويحقق التوازن الاقتصادي، ويزيل الفقر والحرمان، ويشبع جميع الحاجات المشروعة للانسان، وهذا المنهج الاقتصادي سيكتب له النجاح التطبيقي الاكمل والأسمى في عصر ظهور الامام المهدي(عج) ; حيث تكون الظروف والأحوال الطبيعية والانسانية مهيئة لتحقيق الرفاهية والرخاء وازالة شبح الفقر والحرمان، وانّ (السعادة التي تعم البشرية تحت نظام تلك الدولة العالمية لا تشبهها ولا تقاس عليها أيّ سعادة سابقة لأي مجتمع بشري من الزوايا: الاجتماعية والاقتصادية والثقافية) .
وقد دلت الروايات الشريفة على هذه الحقيقة، وكما ورد عن رسول الله(ص) في حديثه عن عهد الامام المهدي:
«وتمطر السماء مطرها وتخرج الأرض بركاتها، وتعيش أمتي في زمانه عيشاً لم تعشه قبل ذلك» .
«وتنعم امتي في ولايته نعمة لم تنعمها قط» .
«يكون في امتي المهدي(عج) يملأها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، وتمطر السماء مطراً كعهد آدم(ع) وتخرج الأرض بركتها، وتعيش أمتي في زمانه عيشاً لم تعشه قبل ذلك في زمان قط» .
«يكون في امتي المهدي(عج) … تتنعم أمتي في زمانه نعيماً لم يتنعم مثله قط البر والفاجر» .
ويصل العمران في عهده إلى أقصى مراتبه، ولا يبقى في الأرض خراب إلاّ عمرّ كما جاء عن الامام محمد الباقر(ع) انّه قال: «القائم منّا منصور بالرعب مؤيد بالنصر… وتظهر له الكنوز، ولا يبقى في الأرض خراب إلاّ عمّر» .
ويتحقق العمران وتكثر الخيرات ويفيض المال ببركات وجود وظهور الامام المهدي(عج) ، وببركات التطبيق العادل للمنهج الاسلامي، وببركات الاخلاص لله تعالى من قبل انصار وأتباع الامام المهدي(عج) وعودة الناس إلى الاستقامة.
ممهدات العمران
قبل ظهور الامام المهدي(عج) وأثناء ظهوره تتنزل الرحمة الالهية لتمهد للعمران الاكمل وللرفاهية العظمى، وأول بوادرها نزول المطر بغزارة وهو أساس العمران الزراعي والصناعي والصحي وغير ذلك.
قال الامام جعفر الصادق(ع): «إذا آن قيامه مطر الناس في جمادي الآخرة وعشرة أيام من رجب مطراً لم ير الناس مثله» .
وعن سعيد بن جبير قال: (انّ السنة التي يقوم فيها القائم المهدي تمطر الأرض أربعاً وعشرين مطرة ترى آثارها وبركتها ان شاء الله) .
ووردت عدة روايات تنص على انّ الله تعالى يسقيه الغيث، كما ورد عن رسول الله(ص) أنّه قال: «يخرج في آخر امتي المهدي، يسقيه الله الغيث، وتخرج الأرض نباتها…».
وفي رواية: «… يرسل الماء عليهم مدراراً، ولا تدع الأرض شيئاً من نباتها إلاّ اخرجته». .
وغزارة المطر مقدمة لزيادة المياه وزيادة الأنهار، وكما جاء في الروايات.
عن رسول الله(ص) أنّه قال: «… وتزيد المياه في دولته، وتمدُّ الأنهار، وتضعف الأرض أكلها وتستخرج الكنوز كلّها» .
وفي رواية عنه(ص): «… تمدّ الانهار، وتفيض العيون، وتنبت الأرض ضعف أكلها»
وممهدات العمران تتحقق بالايمان بالله تعالى والتقوى والاستغفار والالتزام بالمنهج الالهي، وهذه سنة من سنن الله تعالى في الكون والحياة، وكما جاء في الآيات الكريمة:

Gوَلَوْ أنَّ أهْلَ القُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَات مِنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَF.
Gوَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إلَى قُوَّتِكُمْ…F.
Gفَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إنَّهُ كَانَ غَفَّاراً، يُرْسِلُ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً، وَيُمْدِدْكُمْ بِأمْوَال وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّات وَيَجْعَلْ لَكُمْ أنْهَاراًF.
Gوَأنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاًF.
ومن الطبيعي ان يكون المجتمع المترقب لظهور الامام(ع) متوجهاً للاستغفار والتوبة، ولتقوى الله، والالتزام بتعالميه وأوامره، والانتهاء عن نواهيه، وكذلك وجود الدولة والحكومة العادلة التي ترعى كل ذلك وتوجه المجتمع نحو الله تعالى ليسمو ويتكامل في ظل المفاهيم والقيم والموازين الالهية.
وستتحقق سنة الله تعالى التي تتبع تلك المقدمات، وتكون جزاءً لاخلاص الانسانية وتجردها لله تعالى بعد التمحيص الطويل الواقع في طريق العودة الى المفاهيم والقيم الالهية وجعلها الحاكمة على الأفكار والعواطف والممارسات.
وكثرة المياه تساهم مساهمة فعالة وأساسية في نمو الحركة العمرانية وفي مختلف جوانبها ومنها:
1. إصلاح الأراضي الزراعية.
2. نمو النباتات الطبيعية.
3. كثرة الماشية.
4. كثرة الطيور.
5. إزدياد الثروة السمكية.
6. إزدياد الطاقة الكهربائية.
7. توسع المواصلات البحرية.
8. توسع الصحة العامة عن طريق:
ـ القضاء على تلوث البيئة.
ـ الخضار العام يدخل السرور على النفس.
ـ توفير مجالات الاصطياف.
9. توفير فرص العمل لجميع العاطلين، وهذا يساهم في:
ـ استثمار الطاقات.
ـ القضاء على التنافس اللامشروع.
ـ زيادة الانتاج.
ـ الابداع وتحسين الانتاج.
10. توفر السيولة النقدية لدى جميع الوجودات:
ـ الفرد.
ـ الاسرة.
ـ المجتمع.
ـ الدولة.
أسباب الأزمة الاقتصادية والعمرانية قبل عصر الظهور
قال سبحانه وتعالى:
Gاللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ وَأنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي البَحْرِ بِأمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأنهَارَ، وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالقَمَرَ دَائِـبَـيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَألْتُمُوهُ وَإنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوهَا إنَّ الإنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌF. .
وفي الحديث الشريف عن الامام علي(ع) انّه قال: «كلكم عيال الله، والله سبحانه كافل عياله».
وقال أيضاً: «لايملك إمساك الأرزاق وإدرارها الاّ الرزاق».
وماتقدّم يدل دلالة واضحة على انّ الموارد الطبيعية كافية لاشباع حاجات الانسان،
فقد خلقها الله تعالى وسخرها لخدمة الإنسان، وتبقى كافية مهما ازداد عدد البشرية
لانّ الحياة بيد الله تعالى والرزق بيده، وهو تعالى يتكفل أرزاق عباده، وهذه حقيقة واضحة لمن يدقق النظر في واقعنا حيث يرى انّ الموارد الطبيعية متوفرة ولكن بحاجة الى استثمار،
ولا تزال ملايين الأراضي الزراعية بحاجة الى من يستثمرها، ولا تزال المعادن بحاجة الى
من يستخرجها وهكذا، فالازمة الاقتصادية والعمرانية في عصرنا هذا وفي عصر
ماقبل الظهور وفي جميع العصور تكمن في الانسان نفسه والذي عبّرت عنه الاية الكريمة (لَظَلُومٌ كَفَّارٌ).
وقد اكدّ العلماء على هذه الحقيقة (فظلم الانسان في توزيع الثروة وكفرانه للنعمة بعدم استغلال جميع المصادر التي تفضل الله بها عليه استغلالا تاماً هما السببان المزدوجان للمشكلة التي يعيشها البائس منذ أبعد عصور التاريخ).
ومن السخف (ان يقال انّ البشرية متجهة نحو المجاعة، وانّ زيادة النسل يؤدي حتماً الى قلة الارزاق في العالم، انّ ذلك انما يتحقق حين يكون الإخلاص ضئيلا والعمل مبعثراً والتشريع ظالماً).
وعلى ضوء ذلك فالانسان هو المسؤول عن الأزمة أو الأزمات الاقتصادية والعمرانية بسبب ظلمه في التوزيع وكفرانه في النعمة، ومن العوامل الدخيلة في الأزمة هي:
1. عدم استثمار الموارد الطبيعية.
2. جور وظلم الحكومات.
قال الامام علي(ع): «آفة العمران جور السلطان» .
3. جور وظلم الناس بعضهم بعضاً في الانفاق.
قال الامام علي(ع): «ماهلك مال في برّ ولا بحرّ إلاّ لمنع الزكاة منه».
وقال ايضاً: «إذا منعوا الخمس بلوا بالسنين الجدبة».
4. البغي والظلم.
قال الامام علي(ع): «البغي يسلب النعمة».
5. الذنوب.
قال الامام علي(ع): «ما كان قوم قط في غضّ نعمة من عيش فزال عنهم إلاّ بذنوب اجترحوها لأنّ الله ليس بظلام للعبيد، ولو انّ الناس حين تنزل بهم النقم وتزول عنهم النعم، فزعوا إلى ربهم بصدق من نيّاتهم، ووله من قلوبهم لردّ عليهم كلّ شارد، واصلح لهم كلّ فاسد» .
6. الأعمال السيئة.
قال الامام علي(ع): «أنّ الله يبتلي عباده عند الأعمال السيئة بنقص الثمرات وحبس البركات واغلاق خزائن الخيرات، ليتوب تائب، ويقلع مقلع، ويتذكر متذكر، ويزدجر مزدجر».
7. إهمال الدول والشعوب للمشاريع العمرانية.
8. الأمراض الجسيمة والنفسية.
9. تكديس الثروة.
10. الاحتكار.
11. الكسل والتواكل.
12. غياب الابداع والطموح بالتطور.
13. الربا.
14. الاسراف والتبذير.
15. الغش والاستغلال.
16. اتلاف المال بالمنكرات:
ـ شرب الخمر.
ـ لعب القمار.
ـ الملاهي.
ـ الانحراف الجنسي.
17. انفاق المال على السجناء.
18. انفاق المال والثروات على الاسلحة والحروب.
19. عدم الاهتمام بأصحاب الكفاءات.
20. كثرة الوسطاء في المشاريع الزراعية والصناعية والتجارية.
21. كثرة العاطلين عن العمل.
22. سوء الادارة السياسية والاقتصادية.
23. عدم الاخلاص في العمل.
24. طغيان القيم المادية على القيم الروحية.
25. الأنانية وحب الذات.
حقائق وأرقام من الواقع
انّ الموارد الطبيعية كافية لاشباع حاجات الانسانية إلاّ انّ الظلم بسوء التوزيع وكفران النعمة هو أهم عامل للأزمة الاقتصادية، وهذه حقيقة اكدتها وقائع الحياة المعاصرة، والتي سنتطرق إلى بعض منها:
وصلت ثروّة بعض الأميركيين إلى 10 مليارات دولار في حين لايتجاوز نصيب الانسان الافريقي دخله السنوي عن 40 دولار على أحسن تقدير .
وهنالك المئات من التجار والامراء والحكّام وذويهم يملكون عشرات المليارات من الدولارات، وهي كافية لاشباع حاجات المحتاجين والمعوزين والفقراء في جميع أنحاء العالم.
وفي سنة 1960 أُتلف مائة وخمس وعشرون مليون طن من الخبز في المخازن الامريكية، وكان هذا وحده يكفي لاشباع أكثر من خمسمائة مليون من الهنود لسنة واحدة.
وفي كل عام تتلف امريكا كميات كبيرة جداً من المواد الغذائية للاحتفاظ بذخائرها وقدرتها، وقد زاد في السنين الأخيرة ضغط الأجهزة الغربية لاستمرار القحط والجوع الموجودين في العالم.
وكتب الفيلسوف (برتراندراسل): بذلت أمريكا خلال أربع عشرة سنة أربع مليارات من الدولارات لشراء فاضل الحنطة من الفلاحين، وقد بقيت ملايين الأطنان من الحنطة والشعير والذرة والجبن والزبد في مخازن الحكومة حتى فسدت، وذلك من أجل الاحتفاظ بالاسعار في الأسواق العالمية على ما هي عليه.
وانفقت مئات المليارات على تصنيع وشراء الأسلحة التقليدية واسلحة الدمار الشامل.
وانفقت عشرات المليارات من الدولارات على الحيوانات الأليفة، وإلى ذلك أشارت رابطة شولمان قائلة: انّ أصحاب الكلاب والحيوانات الأليفة عموماً انفقوا 23 مليار دولار في العام 1998، ويتوقع ان يرتفع إلى أكثر من 28 مليار دولار في العام المقبل.
وفي اسبانيا كلفت حوادث المرور بسبب تناول الخمر خزينة الحكومة 4 مليارات دولار امريكي في سنة 1998.
وفي امريكا لوحدها يوجد 15 مليون مدمن على الكحول.
وافادت الاحصائية العالمية بأنّ عدد الاصابات بفايروس الايدز منذ بداية هذا الوباء وحتى الآن هي كالتالي:
مليون إصابة في امريكا الشمالية.
مليون إصابة في أمريكا اللاتينية والحوض الكاريبي.
نص مليون إصابة في أوروبا الغربية.
أكثر من ستة ملايين إصابة في أفريقيا.
مليون إصابة في جنوبي وجنوبي شرقي آسيا.
وهذه السعة من الاصابات تحتاج إلى مئات الملايين من الدولارات لمكافحتها، ففي روسيا لوحدها يحتاج التصدي لهذا المرض إلى 70 مليون دولار ولثمانين الف اصابة حسب الاحصاءات الرسمية.
والاصابة بالايدز تعني تعطيل الانسان عن العمل أولاً وانفاق الثروة على معالجته والوقاية منه والحد من انتشاره، وكذا الحال في بقية الأمراض الناجمة عن الانحراف والشذوذ الجنسي، اضافة إلى الامراض النفسية التي تكلّف ملايين الدولارات للعلاج.
وتنفق مليارات الدولارات على اللهو والمجون اضافة إلى تعطيل الطاقات وانصرافها للعمل في الملاهي ودور الدعارة، حتى اتخذ الملايين من النساء والرجال البغاء والدعارة حرفة.
وعلى الرغم من قدرة الدول على توفير فرص العمل إلاّ انها لم تتحرك تحركاً حقيقياً في علاج مشكلة البطالة، ففي تقرير لمنظمة العمل الدولية: انّ حوالي 820 مليون شخص من قوة العمل العالمية، عانوا من البطالة أو من البطالة الجزئية في نهاية عام 1994.
ولو كان المجتمع الدولي مجتمعاً صالحاً يتبنى الدين منهجاً له في الحياة لاستثمر جميع الأراضي وجميع الطاقات البشرية من أجل البناء والعمران، ولأنفقت الثروة في مجالات صلاح الارض والانسان.
وقد تنبأ مفكرو الغرب بانّ الرفاهية لا تتحقق إلاّ في ظل الاسلام، ومنهم المفكر
موري الذي قال: (بالاسلام سيصبح كوكبنا الأرضي جنّة نعيم، تغمر فيها السعادة الحقّة خلق الله جميعاً، بالغين في ظلها مايريد الله لهم من كمال الحياة بشطريها: المادي والروحي).
كثرة المال والسيولة النقدية
يمتاز عهد الامام المهدي(عج) بكثرة المال وتوفره، وهذا مادلت عليه الروايات الشريفة.
قال رسول الله(ص): «يكون في أمتي المهدي … فتنعم فيه أمتي نعمة لم ينعموا مثلها قط… والمال يومئذ كدوس».
والكدوس: المجموع الكثير.
وقال(ص): «… وحتى يكثر فيكم المال فيفيض، حتى يهم رب المال من يقبل صدقته، وحتى يعرضه فيقول الذي يعرض عليه لا أرب لي فيه».
وعن الامام جعفر الصادق(ع) انّه قال: «إنَّ قائمنا اذا قام أشرقت الأرض بنور ربّها… وتظهر الأرض من كنوزها حتى يراها الناس على وجهها، ويطلب الرجل منكم من يصله بماله ويأخذ منه زكاته، فلا يجد أحداً يقبل منه ذلك، واستغنى الناس بما رزقهم الله من فضله». .
وكثرة المال ظاهرة طبيعية في حكم عادل وحكومة عادلة على رأسها إمام معصوم يديرها أشخاص ممحصون مخلصون متفانون في خدمة الدين والانسانية.
ولكثرة المال أسباب وعوامل عديدة تدور مدار العدالة والادارة الكفوءة واخلاص المسؤولين والناس معاً، ومن هذه الأسباب والعوامل:
1. الاستيلاء على خزائن الدول الكافرة والجائرة.
2. الاستيلاء على المؤسسات الانتاجية للدول الكافرة والجائرة.
3. الاستيلاء على الثروة الناشئة عن: الربا والغصب والرشوة والاختلاس والسرقة والقمار ومراكز الفساد.
4. استيلاء الحكومة المهدوية على: الأراضي الموات، والأراضي المهجورة،
والمناجم، والبحار، والانهار، والمياه العامة، والجبال، والوديان، والغابات، والأحراش الطبيعية.
5. إستيلاء الحكومة المهدوية على الأموال المجهولة المالك.
6. إشراف الحكومة المهدوية على جميع المرافق الاقتصادية.
7. التنظيم المركزي للشؤون الاقتصادية والعمرانية.
8. إنتزاع الأرض من صاحبها اذا عطلها وأهملها حتى خربت.
9. نشر العلوم والفنون والمهارات بين الجميع.
10. التشجيع على الابداع والابتكار.
11. توفير فرص العمل للجميع والحث على العمل.
12. وضع وسائل العمل تحت تصرف جميع الاشخاص القادرين على العمل الفاقدين لوسائله.
13. مراعاة حرية إختيار نوع العمل.
14. الغاء دور الوسطاء في الاجارة والبيع والشراء.
15. الغاء الروتين والتقليل من الأعمال الادارية غير الضرورية وتحويل العاملين فيها الى عمّال منتجين.
16. القضاء الكلي على الربا.
17. منع الأعمال العقيمة كالمقامرة والسحر والشعوذة.
18. منع اللهو والمجون.
19. إستثمار الوقت.
20. منع اكتناز الذهب والفضة.
21. منع تركيز الثروة بيد طبقة دون اخرى.
22. إحلال التوازن بين الطبقات.
23. المنع من التسول.
24. المنع من الاسراف والتبذير.
25. أخذ الخمس والزكاة والخراج.
26. وضع الهدايا التي تعطى للامام المهدي(عج) أو ولاته ووزرائه وقضاته في بيت المال.
27. التدخل في تحديد الأسعار.
28. حماية الثروة من اللصوص والمستغلين.
29. تقييم أصحاب الكفاءات وتكريمهم.
30. قيام الحكومة بالخدمات المجانية في أغلب الميادين ممّا يوفرّ المال لدى الناس.
تداول الثروة وعلاقات التوزيع
في أجواء التربية المهدوية تتوجه العقول والقلوب نحو المفاهيم والقيم المعنوية، ويتعالى الانسان على اثقال الأرض متوجهاً نحو السمو والكمال ونحو رضوان الله تعالى ورضوان الامام المهدي(عج) ، فتصبح موازينه ومقاييسه غير قائمة على أساس ماديّ، ويكون الاقتصاد أو تداول الثروة مرتبطاً بالخلق الاسلامي الرفيع وبقيم التسامح والايثار ونكران الذات والتضحية في سبيل سعادة الآخرين، ويكون الكرم والعطاء نتيجة طبيعية للالتزام بهذه القيم.
وحينما ترى البشرية انّ القائد أو الحاكم الأعلى يعيش زاهداً في الدنيا ويعيش أصحابه كذلك، فانها ستقتدي به وستتنافس في أعمال الخير وفي العطاء وبذل المال والكرم وما شابه ذلك.
وأول المفاهيم انّ المال ليس ملكاً لأحد وانّما هو مال الله وكما جاء في القرآن الكريم:
Gللهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا فِيهِنَّF
وقال الامام علي(ع): «… انّما المال مال الله» .
ومن الايمان بهذا المفهوم والاعتراف بانّ المال الذي في ايدي البشرية هو من رزق الله، ينبثق البر والاحسان والتضامن بين عيال الخالق، والشعور بالاصرة الانسانية وبالاخوة، وبهذا المفهوم تتطهر النفس من الشح والبخل والطمع، وتتزكى بالبر والانفاق والبذل والاحسان.
والايمان بنعيم اليوم الآخر واستشعاره في أعماق النفس الانسانية يدفعها للانفاق والبذل، وما يدفع النفس الشحيحة الى الانفاق الاّ دافع أقوى من شهوة المال وثقلة الحرص، وهو العوض في اليوم الآخر.
قال الامام علي(ع): «انفقوا ممّا رزقكم الله عزّوجل، فانّ المنفق بمنزلة المجاهد في سبيل الله، فمن أيقن بالخلف جاد وسخت نفسه بالنفقة».
وقال(ع): «من تيقن انّ الله مخلف ماينفقه لم يمسك عن الانفاق»
وعلى ضوء التثقيف المستمر والتربية المتواصلة ستعود البشرية الى الموازين الاسلامية في التقييم والتفاضل والتكريم، فلا يبقى للمال وللثروة ايّ مجال للتفاضل أو الافتخار، بل يكون كذلك اذا أصبح متداولا بالانفاق والعطاء والبذل.
ومن هذه الموازين ما جاء في أقوال الامام علي(ع):
«العلم خير من المال، العلم يحرسك وانت تحرس المال، العلم يزكو على العمل، والمال تنقصه النفقة، العلم حاكم والمال محكوم عليه، وصنيعة المال تزول بزواله».
«ليس الخير ان يكثر مالك وولدك، ولكنّ الخير أن يعظم حلمك ويكثر علمك».
«ان المحروم من حرم خير ماله، والمغبوط من ثقل بالصدقات والخيرات موازينه واحسن في الجنة بها مهاده وطيب على الصراط بها مسلكه».
«السخاء أشرف عادة».
«الصدقة أفضل الحسنات».
«ازكى المال ما اشتري به الاخرة».
«فمن أتاه الله مالا فليصل القرابة، وليحسن منه الضيافة، وليفك به الأسير والعاني، وليعط منه الفقير والغارم، وليصبر نفسه على الحقوق والنوائب ابتغاءً لثوابه فإنّ فوزاً بهذه الخصال شرف مكارم الدنيا ودرك فضائل الاخرة».
والى جانب هذا الانفاق التطوعي أوجب المنهج الاسلامي على المسلمين إنفاق الفائض من أموالهم على الفقراء والمعوزين من اجل اشباع حاجاتهم ومن أجل احلال التوازن الاقتصادي بين الطبقات.
قال سبحانه وتعالى:
Gوَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللهِ الَّذِي آتَاكُمْF. .
والانفاق الواجب يصل احياناً الى حد الإجبار والاكراه في حال عدم الالتزام به أوتنفيذه، كدفع الخمس والزكاة والخراج وبعض الضرائب الاضافية، لكي لا تتكدس الثروة عند البعض دون البعض الآخر.
والتوازن الاقتصادي القائم على تداول الثروة يحقق جملة من الامور من أهمها:
1. التكافل العام.
2. الضمان الدائم.
3. ازالة الفقر.
4. تهذيب النفس.
5. المنع من الأمراض النفسية والروحية كالحسد والحقد والطمع.
والظاهر ان الاجبار والاكراه ان وقع انّما يقع في بداية عصر الظهور أو في بداية تشكيل الحكومة العالمية لوجود رواسب نفسية وسلوكية جاهلية عند البعض، والاّ فانّ الروايات تشير الى انّ البعض لايجد لصدقته ولزكاته أحداً يدفعها اليه، وذلك حينما تستقر الحكومة وتحقق بعض أهدافها عن طريق التثقيف والتربية المتواصلة الدؤوبة.
وبعد قطع أشواط من التثقيف والتربية تتجذر في النفوس والممارسات عقيدة الاستخلاف التي يقوم على أساسها المنهج الاقتصادي الاسلامي، والتي تتجسد بما يلي:
1. انّ الملكية والمال لله وحده.
2. انّ الله تعالى أعار هذه الملكية وهذا المال للانسان.
3. انّ الله تعالى سخر الملكية والمال لخدمة الدين والانسان.
4. انّ الانسان خليفة الله في الارض مع الرقابة عليه.
5. الملكية ليست مقياساً للتفاضل والتقييم.
6. محاربة المبدأ الخاطئ (المال غاية) واعتباره وسيلة.
وعلى ضوء هذه العقيدة سيتنافس الجميع في اعمال الخير والبر والاحسان والبذل والعطاء، وسيتخلى الجميع عن الطمع والجشع والشح وتكديس وتجميد الثروة، وستكون في متناول الجميع.
وسيصل التكافل والتراحم الى أقصاه كما جاء في رواية عن الامام محمد الباقر(ع): قيل له: أنّ أصحابنا بالكوفة جماعة كثيرة، فلو أمرتهم لأطاعوك واتّبعوك، فقال: يجي أحدهم الى كيس أخيه فيأخذ منه حاجته؟ فقيل: لا، قال: فهم بدمائهم أبخل، انّ الناس في هدنة تناكحهم وتوارثهم، ويقيم عليهم الحدود، وتؤدى أمانتهم، حتى اذا قام القائم جاءت المزايلة، ويأتي الرجل الى كيس أخيه فيأخذ حاجته لا يمنعه .
سياسة التوزيع الحكومية
سياسة التوزيع التي ينتهجها الإمام المهدي(عج) تكون تجسيداً حقيقياً للعدل والقسط، وستكون موضع قبول من الجميع; حيث لا يبقى محتاج أو محروم، ويحصل الجميع على حاجاتهم بسهولة ويسر، حيث انّ سياسة التوزيع قائمة على خطوات وانجازات يكمّل بعضها بعضاً وتتظافر لتحقق أُمنيات الجميع، ومن هذه الخطوات والانجازات:
القسمة المتساوية
تشير الروايات الشريفة الى انّ الامام المهدي(عج) يقسم المال بالسوية بين الناس، فلا تفاوت بين انسان وآخر، ولابين طبقة واخرى.
روي عن رسول الله(ص) انّه قال: «ابشركم بالمهدي يبعث على اختلاف من الناس…، فيملأ الأرض قسطاً وعدلا كما ملئت جوراً وظلماً، يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض، يقسم المال صحاحاً».
قيل له: ماصحاحاً؟
قال(ص): «بالسوية بين الناس ويملأ الله قلوب أمة محمد(ص) غناءً ويسعهم عدله».
وفي رواية: «يقسم المال بالسوية ويجعل الله الغنى في قلوب هذه الامة».
وعن الامام محمد الباقر(ع): «اذا قام مهدينا أهل البيت قسّم بالسوية وعدل في الرعية».
والتقسيم بالسوية له احتمالات عديدة ومنها:
1. التقسيم على الناس جميعاً.
2. التقسيم على العاملين في الجهاز الحكومي.
3. التقسيم على العاملين في الجهاز الحكومي وغيره.
وهذه الاحتمالات جميعها واردة لانّ المال سيكون كثيراً في عهد الامام المهدي(عج) وانّه يكفي للتقسيم على جميع الناس ويستوعبهم جميعاً.
وعلى جميع الاحتمالات فانّ تقسيم الأموال سيكون بالتساوي بلا تفاوت ولا تمييز بين عامل وآخر وموظف وآخر، ولا ينظر الى المهنة أو الاختصاص، فليس لها أي دخل بكمية المال المُعطى، فالطبيب كالمهندس وكالعامل وكالقاضي وكالموظف الاداري، فالاجور تعطى لهم بالتساوي لانهم يبذلون طاقتهم لخدمة الانسانية وخدمة الحكومة المهدوية بلا تقصير ولا خلل، وانّ التفاوت في الذكاء وفي الطاقة الجسدية أمر خارج عن إرادتهم، وهذا التساوي في الاجور له فائدته على الجميع، لانّ الانسان سيتوجه الى الاختصاص الذي يرغب فيه، أو الاختصاص الذي يساعده على الابداع وعلى خدمة الحكومة والمجتمع، على عكس مانلاحظه في واقعنا المعاصر، فالانسان يتوجه الى العمل أو الاختصاص الذي يعود له بكثرة المال والراحة والرفاهية.
وطريقة القسمة المتساوية تساعد على تجاوز كثير من الأخطاء والاشتباهات، وتجعل الانسان متفاعلا مع اختصاصه وعلى ضوء طاقته وقدرته، وقد تدفعه لتقديم خدمة اضافية في اختصاص آخر.
وهذه الطريقة لاظلم فيها بل هي عين العدل، لانّ حكومة الامام المهدي(عج) لا تقتصر على هذا العطاء، بل انّها تقدّم العطاء في مجالات اخرى ولا تبخل على أحد في العطاء، وفي هذه الحالة فانّ كلّ موظف في الحكومة أو كلّ عامل فيها أو في خارجها يمكنه الحصول على ما يحتاجه من المال من الحكومة نفسها.
والأهم من ذلك انّ الغنى هو غنى النفس حيث يصل التكامل الى مراحل متقدمة تسمو فيه النفس الانسانية وتتعالى على أثقال الأرض، وتتوجه الى المعنويات والمثاليات لتكسب الربح والأوفر وهو رضوان الله تعالى ورضوان الامام المهدي(عج) ، ومع هذه المعنويات لايجد ايّ إنسان غبناً في العطاء والتوزيع بهذه الطريقة المتساوية.
نظام الرواتب والمخصصات
النظام الذي يتبعه الامام المهدي(عج) يختلف عن بقية الأنظمة الادارية والاقتصادية المعمول بها في جميع العصور، حيث انّ التوزيع سيكون كلّ اسبوعين مرة، وهنالك عطاء ـ الظاهر انّه اكثر من المخصص ـ يوزع في السنة مرتين، أي كل ستة أشهر.
والتوزيع بهذه الصورة مرغوب فيه من قبل الانسان، حيث يحصل على ما يحتاجه كلّ اسبوعين يستطيع تنظيم مصروفاته على ضوئها وترتيب أوضاعه وأحواله دون قلق أو اضطراب.
روي عن الامام محمد الباقر(ع) انّه قال: «كأنني بدينكم هذا لا يزال موليّاً يفحص بدمه ثمّ لا يردّه عليكم إلاّ رجل منّا أهل البيت، فيعطيكم في السنة عطاءين، ويرزقكم في الشهر رزقين».
العطاء الجديد المتميّز
انّ عطاء الامام المهدي(عج) عطاء متميز، لم يشابهه أحد قبله من قائد أو حاكم أو رئيس أو تاجر، وهذا يعني انّ عطاءه غير محدود، وانّه لايردّ أحداً في الكم والنوع، ولا يبخل عليه بشي، وبالتالي فهو يشبع جميع حاجاته ورغباته.
روي عن رسول الله(ص) أنّه قال: «… يجمع اليه أموال الدنيا من بطن الأرض وظهرها، فيقول للناس: تعالوا الى ماقطعتم فيه الأرحام، وسفكتم فيه الدماء الحرام، وركبتم فيه ماحرّم الله عزّوجل، فيعطي شيئاً لم يعطه أحد كان قبله».
وروي عنه(ص) انّه قال: «يكون عند انقطاع من الزمان وظهور من الفتن رجل يقال له المهدي عطاؤه هنيئاً» .
العطاء بغير عدّ
اذا تتبعنا عطاء القادة والحكّام والرؤساء والفقهاء وغيرهم وجدنا انّه عطاء محدّد ومعدود، حيث يأمر المعطي باعطاء مبلغ محدّد لطالبه، ويسجل هذا العطاء في سجل خاص، وكذا الحال لو خصصت الحكومة مساعدات ومنح مالية في الاقاليم التابعة لها، فانها ستكون معدودة بعدد، وهذا اللون من العطاء لا وجود له في حكومة الامام المهدي(عج) حيث سيكون العطاء بلا عدّ، وهذه طريقة فريدة في العطاء يختص بها الامام المهدي(عج) كما ورد في الروايات الشريفة.
عن رسول الله(ص) انّه قال: «يكون في امتي خليفة يحثي المال حثياً لايعدّه عداً» .
والحثو: هو الحضن باليدين لكثرة المال.
وفي رواية: «يكون في آخر الزمان خليفة يقسّم المال ولا يعده».
وعنه(ص): «يخرج في آخر الزمان خليفة يعطي المال بغير عدد».
وفي رواية عنه(ص): «يخرج رجل من أهل بيتي عند إنقطاع من الزمان وظهور من الفتن يكون عطاؤه حثياً».
وقد يشكل البعض على ذلك العطاء بانّه حالة أو ظاهرة مثالية لا يساعد عليها الواقع وان كان في ظل حكومة الامام المهدي(عج) ، والجواب على ذلك: انّ أغلب الناس في ذلك الزمان يعيشون الغنى النفسي أولا والمادي ثانياً فلا يطلبون شيئاً من الامام أو من حكومته، وبالنتيجة انّ المحتاجين للمال سيكونون قلة قليلة، وهم مهما كثروا فانّ الأموال كافية لاشباعهم.
التشجيع على طلب الحاجات
روي عن رسول الله(ص) انّه قال: «ابشركم بالمهدي يبعث في امتي على اختلاف من الناس …، فيملأ الأرض قسطاً وعدلا كما ملئت جوراً وظلماً، يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض يقسم المال صحاحاً بالسوية بين الناس، ويملأ الله قلوب امة محمد(ص) غنى ويسعهم عدله، حتى يأمر منادياً فينادي، فيقول: من له في المال حاجة؟ فما يقوم من الناس الاّ رجل واحد، فيقول: أنا.
فيقول: اين السدان يعني الخازن، فقل له: انّ المهدي يأمرك أن تعطيني مالا.
فيقول له: احث حتى اذا جعله في حجره وابرزه ندم، فيقول: كنت أجشع أمة محمد نفساً أو عجز عني ما وسعهم، فيرده، فلا يقبل منه.
فيقول: انّا لا نأخذ شيئاً أعطيناه…».
والرواية تدل دلالة واضحة على تشجيع المحتاجين على طلب حاجاتهم احتياطاً في إشباعها، فلعل البعض يتردد في الطلب أو إبراز الحاجة، ولكنّه سيندفع حينما يجد كرماً ولطفاً ومنادياً ينادي باشباع الحاجات.
والنداء يحفظ للانسان كرامته أو ما يسمى ماء وجهه لانّه لم يكن إبتداءً من طالب الحاجة، وانّما استجابة لنداء الحكومة التي يدير شؤونها خير أهل الأرض في ذلك الزمان.
إجابة المحتاجين
روي عن رسول الله(ص) انّه قال: «انّ في امتي المهدي… فيجي اليه رجل فيقول: يامهدي اعطني اعطني، فيحثي له في ثوبه ما استطاع أن يحمله».
وفي رواية: «… فيقوم الرجل فيقول: يامهدي اعطني فيقول: خذ».
وفي رواية: «… يأتيه الرجل فيسأله فيحثي له».
وهذا الانجاز وغيره من الانجازات يساهم في إشباع حاجات جميع الناس فلا يعقل أن يبقى محتاج أو محروم، في ظل حكومة عادلة تعرض خدماتها على الجميع وتستجيب الى طلبات الجميع، وفي ظل مجتمع يتفاضل بالمفاهيم والقيم الصالحة، ويتنافس على أعمال البر والخير والاحسان.
وهكذا يتنعم الناس بنعمة فريدة من نوعها حيث الرفاهية والرخاء، والغنى النفسي والغنى المادّي.
إنتهاء الفقر
قال الامام علي(ع): «امّا وجه الصدقات فانّما هي لأقوام ليس لهم في الإمارة نصيب ولا في العمارة حظّ ولا في التجارة مال ولا في الاجارة معرفة وقدرة، ففرض الله في أموال الأغنياء ما يقوتهم ويقوم به أودهم».
والظاهر من الروايات ان هذه الأصناف لا وجود لها في حكومة الامام المهدي(عج) ولا وجود للمحتاجين للصدقة، فلا يبقى فقير ولا محروم ولا محتاج.
قال رسول الله(ص): «تصدقوا فانّه يوشك أحدكم أن يخرج بصدقته فلا يجد من يقبلها منه».
وقال(ص): «… وحتى يكثر فيكم المال فيفيض، حتى يهم ربّ المال من يقبل صدقته، وحتى يعرضه فيقول الذي يعرض عليه لا أرب لي فيه».
وقال أيضاً: «ليأتين على الناس زمان يطوف الرجل فيه بالصدقة من الذهب، ثم لايجد أحداً يأخذها».
وانتهاء الفقر نتيجة طبيعية للتطبيق العادل في ظل حكومة الامام المهدي(عج) ووصول البشرية الى مراتب متقدمة من الايمان والاخلاص والا رتباط بعالم الغيب والدنو من المعنويات والتعالي على أثقال الأرض.
والرفاهية التي يتمتع بها الناس في عهد الظهور نتيجة طبيعية لكثرة المال وكثرة الخيرات وتوفر المواد الغذائية والا ستهلاكية، وفي ذلك يقول ابن كثير: (وفي زمانه تكون الثمار كثيرة، والزروع غزيرة، والمال وافر، والسلطان قاهر، والدين قائم والعدو راغم، والخير في أيامه دائم).
ووفرة المواد والمال معاً يؤديان الى انخفاض السعر، وبالتالي زيادة القدرة الشرائية.
ومن العوامل المؤثرة في الأسعار:
1. قانون العرض والطلب.
2. تدخل الدولة.
3. سياسة التجّار.
4. أساليب الاستهلاك.
وهذه العوامل تؤثر متظافرة على الأسعار، وفي أجواء الايمان والسمو والتكامل تنطلق السياسة العادلة ويتوجه الجميع نحو تطبيق القيم الصالحة ومنها إشباع حاجات المحتاجين، وينتهي الطمع والجشع لدى التجار، وتكون علاقات التوزيع والاستهلاك عادلة، وبالتالي تقل قيمة الأسعار.
وحول قانون العرض والطلب فان المعادلة الاقتصادية تكون كالتالي:
قيمة السلعة = ندرة السلعة × الرغبة في الطلب.
والسلع في ظل حكومة الامام المهدي(عج) متوفرة بشكل واسع، ويكون الطلب
عليها قليلا جداً، بمعنى انّه طلب طبيعي، وكل سلعة ستكون في متناول اليد لوفرتها وقلة قيمتها النقدية.
والظاهر أنّ المفاهيم والقيم الاسلامية ستكون حاكمة على جميع العلاقات والممارسات، وحينما تكون المعنويات سائدة في المجتمع فانّ كثيراً من القوانين الاقتصادية والتجارية ستتغيرّ أو لا يعمل بها، ومنها: قوانين مرونة العرض، وقوانين مرونة الطلب.
المقياس العددي لمرونة العرض = الزيادة النسبية في الكمية المعروضة
الزيادة النسبية في السعر
المقياس العددي لمرونة الطلب = الزيادة النسبية في الكمية المطلوبة
النقص النسبي في السعر
حيث انّ السلع متوفرة بشكل واسع، وبالتالي معروضة بشكل واسع، اضافة إلى انّ الحكومة تقوم بخدمات مجانية، أو أن انخفاض السعر يصل إلى حد المجّان وخصوصاً إذا كان الإخاء هو السائد في العلاقات الاقتصادية وانّ الانسان يبحث عن الثواب والحصول على الحسنات قبل بحثه عن المال.
شبهة وجواب
إذا كان الامام المهدي(عج) يعطي من لم يسأله ومن يسأله ويشبع جميع حاجات الانسان، وانّ المال متوفر بشكل واسع وان الاسعار منخفضة جداً، فانّ جميع ذلك يدفع الانسان إلى عدم العمل والكسل وانعدام الابداع والابتكار مادام يحصل على مايريد حيث تموت فيه روح المنافسة فيخلد للراحة وللرخاء لانه يحصل على حاجاته سواء بذل جهداً أم لم يبذل!
والجواب: انّ التربية التي تسود في عهد الامام المهدي(عج) تجعل العمل وظيفة شرعية ومسؤولية دينية يتوجه اليها الانسان بشوق وإندفاع ذاتي، وتتعدد دوافع العمل ودوافع الابداع والابتكار ومنها:
1. الدافع الشرعي وهو طاعة الامام المهدي(عليه السلام) وطاعة الحكومة المهدوية العادلة.
2. الحصول على رضوان الله تعالى ورضوان الامام المهدي(عليه السلام).
3. اعتبار هذه المسؤولية كمسؤولية الجهاد حيث انّ الناس يتوجهون للجهاد بأموالهم وأنفسهم من أجل اداء التكليف الشرعي والمسؤولية الشرعية، فمن الأولى التوجه إلى العمل والابداع والابتكار.
4. الدافع الانساني للعمل لتأمين الغذاء والسلع والخدمات لأبناء دينه وأمته ومدينته.
5. الحب الذاتي للعمل وللاختصاص وللمهنة.
6. إحترام الأعراف الاجتماعية السائدة.
7. الانقياد للموازين الاسلامية المتحكمة في الحياة والتي تقدّم منفعة الناس على المنافع الشخصية والذاتية.
والدوافع المعنوية والروحية للعمل تجعله يختلف عن العمل بدافع الحصول على اجور مادية، فهو يتميز عنه في أغلب الأحيان بنقطتين أو بميزتين:
1. الإخلاص في العمل.
2. الإتقان في العمل.
امثلة من الواقع
وفاءً منّا للمخلصين وللصالحين نذكر نماذج عملية من واقعنا عاشت الاخلاص للعمل والاخلاص للدين والاخلاص للقيم دون ان تبحث عن اجر من أُجور الدنيا، وهذه النماذج تتكرر كل حين وكل زمن وتصل إلى القمة في عهد الامام المهدي(عليه السلام) بعد التمحيص الذي تمر به الانسانية:
1. الكثير من التجّار الايرانيين رفدوا الجبهة بأموالهم، واشتركوا في الخطوط المتقدمة لها حباً للثواب وحباً للامام الخميني(رضي الله عنه) وإخلاصاً للدين والوطن.
2. الكثير من قوات التعبئة الايرانية كانوا ينفقون مخصصاتهم الشهرية على المحتاجين من اخوانهم المجاهدين.
3. الكثير من المجاهدين العراقيين المتطوعين في قوات الشهيد الصدر في معسكر «غيور أصلي» في الثمانينات كانوا لايستلمون المساعدات والمعونات المقدّمة لهم لأنّهم يرون انهم لايحتاجونها وهم في الخطوط الأمامية للجهاد، وان الشهادة هي هدفهم.
4. الشهيد أبو علوي الموسوي كان يتبرع براتبه ـ قبل الزواج ـ للمحتاجين من المجاهدين، وقد وصلت له هدية من أخيه في فرنسا تعادل ثلاثين ضعفاً لراتبه الشهري، فتبرع بها.
5. المجاهد «عدنان الأسدي» أبو غسان يترك محلّه في السوق ويلتحق هو وإبناؤه وأبناء أخيه بجبهات القتال ويفضل التضحية على الحياة الرغيدة، فيقدّم ولديه شهيدين في سبيل الله، وهو قادر على ان يصبح من الرأسماليين المتقدمين بمساعدة ولديه له، ولكنّه توجه للجهاد بلا أجور أو باجور لا تعادل عُشر مايحصل عليه من العمل.
6. حينما خرج إقليم كردستان العراق عن سيطرة الحكومة المركزية بقي الموظفون من اطباء ومهندسين ومعلمين وعمّال وشرطة وغيرهم يعملون في دوائرهم دون أُجور لعدة أشهر حباً منهم للعمل، وهم غير مضطرين للعمل وبامكانهم الخروج من كردستان، ولكنّهم اثروا خدمة شعبهم على الاجور.
7. الكثير من المعلّمين يقومون بتدريس طلاب الابتدائية والمتوسطة والثانوية في العطلة الصيفية وبلا اجور لارتباطهم النفسي والعاطفي بحب التعليم، ونذكر منهم السيد طالب جواد المرعبي.
8. عشرات بل مئات بل آلاف المبلغين الذين يبلّغون للاسلام مجاناً، بل يقدمون أنفسهم وأرواحهم من أجل تبليغ المفاهيم والقيم الاسلامية.
المعالم العمرانية
في عصر الظهور يصل العمران إلى مراحل متقدّمة في جميع المجالات والميادين، وتتظافر الجهود من أجل الإحياء والبناء وعمران الأرض والحياة، وتساهم جميع العوامل المؤثرة في دفع حركة العمران نحو الأمام، ومن هذه العوامل:
1. الرعاية الالهية.
2. وجود القائد المعصوم.
3. وجود الممّحصين المخلصين.
4. الاندفاع الذاتي.
5. الإخلاص.
6. طواعية الطبيعة.
وفي جميع الأحوال فانّ أي أمر يمكن تحققه بدون معجزة، فهو يتحقق تبعاً للظروف والأحوال والقوانين الطبيعية التي أو دعها الله في الكون والحياة، وليس من الضروري أن تكون الأمور قائمة بالمعاجز، فقد يصل الوعي الانساني إلى قمّته فيكون قادراً على الابداع والابتكار وتذليل الطبيعة وتسخيرها بما ينفع البشرية وينسجم في نفس الوقت مع الثوابت الشرعية.
وفيما يلي نستعرض المعالم العمرانية في عهد الظهور:
أولاً: الثروة الزراعية
في عصر الظهور ستصلح جميع الأراضي لتكون قابلة للزراعة أو غير الزراعة كما ورد عن الامام محمد الباقر(ع) انّه قال: «… ولا يبقى في الأرض خراب إلاّ عمر».
ووردت روايات تتحدث عن عودة أرض العرب مروجاً وأنهاراً وذكرت أرض
العرب باعتبارها معهودة في اذهان أبناء المدينة آنذاك، بالاضافة إلى انّها تملك صحاري شاسعة.
قال رسول الله(ص): «لا تقوم الساعة حتى يكثر المال ويفيض حتى يخرج الرجل زكاة ماله لا يجد أحداً يقبلها منه، وحتى تعود أرض العرب مروجاً وأنهاراً».
ووردت روايات عديدة عنه(ص) حول إخراج الأرض نباتها، وهي اشارة إلى نمو الثروة الزراعية بشكل واسع.
قال(ص): «يخرج المهدي في أمتي يبعثه الله غياثاً للنّاس تنعم الامة، وتعيش الماشية، وتخرج الأرض نباتها ويعطي المال صحاحاً» .
وفي رواية قال(ص): «فيبعث الله عزّ وجلّ رجلاً من عترتي فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً; يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض، لا تدخر الأرض من بذرها شيئاً إلاّ اخرجته، ولا السماء من قطرها شيئاً الاّ صبته عليهم مدراراً… تتمنى الإحياء الأموات ممّا صنع الله عزّ وجلّ بأهل الأرض من خيره».
ووردت عملية اخراج الأرض للنبات بصيغ اخرى، منها: قوله(ص): «… ولا تحبس الأرض شيئاً من نباتها» .
وقوله(ص): «… وتخرج الأرض بركاتها».
وقوله(ص): «… وتنبت الأرض ضعف اكلها».
وقد وصف الامام علي(ع) إزدهار الثروة الزراعية قائلاً: «لو قد قام قائمنا لأنزلت السماء قطرها، ولأخرجت الأرض نباتها… حتى تمشي المرأة بين العراق إلى الشام لاتضع قدميها إلاّ على النبات…» .
وفي رواية: «حتى تمشي بين العراق والشام لا تضع قدماً إلاّ على النبات» .
ثانياً: الثروة المائية
قال رسول الله(ص): «… وتزيد المياه في دولته، وتمدّ الأنهار».
وفي رواية عنه(ص): «… تمدّ الأنهار وتفيض العيون».
وزيادة المياه ناجمة عن زيادة المطر، وينجم عنها زيادة الأنهار وتوسعها طبيعياً.
وأحياناً تكون التوسعة بأمر من الامام المهدي(عج) وكما ورد عن الإمام محمد الباقر(ع) أنّه قال: «… ثم يأمر من يحفر من ظهر مشهد الحسين(ع) نهراً يجري إلى الغريين حتى ينزل الماء في النجف، ويعمل على فوهته القناطير والارحاء…».
وزيادة المياه تساعد على انشاء المراكب للنقل وللسياحة وللنزهة أو العمل، وما شابه ذلك.
قال الامام علي(ع): «ثم يأمر المهدي بانشاء مراكب فيبني أربعمائة سفينة في ساحل عكا».
وحفر الانهار وانشاء السفن لا يقتصر على ماذكرته الرواية، فلعلّها ذكرت ذلك من باب المثال، أو ذكرت مصداقاً من مصاديق العمران، وإلاّ فانّ التوسعة في العمران ستكون ممتدة في جميع بقاع الأرض.
ثالثاً: الثروة الحيوانية
توفير المياه والنبات يؤدي إلى نمو الثروة الحيوانية، فمن الطبيعي ان تكثر الحيوانات الأليفة والصالحة للأكل، وقد دلت الروايات على ذلك.
قال رسول الله(ص): «يخرج المهدي في أمتي يبعثه الله غياثاً للناس تنعم الامة وتعيش الماشية وتخرج الأرض نباتها ويعطي المال صحاحاً».
وقال(ص): «يخرج في آخر امتي المهدي، يسقيه الغيث، وتخرج الأرض نباتها، ويعطي المال صحاحاً، وتكثر الماشية وتعظم الامة» .
ولكثرة الماشية أسباب وعوامل ممكنة وهي اهتمام حكومة الامام المهدي(عليه السلام)بهذا الأمر ووجود رغبة عند الكثير من الناس لاقتناء الماشية وتكثيرها، وليس ببعيد ان يقوم الانسان بتربيتها أو تنميتها في بيته، وقد دلت الروايات على أهمية هذا العمل، وعلى ايجابيات تدجين الحيوانات، واقتنائها في البيوت، وخصوصاً إذا آمنا بانّ البيوت ستتوسع في مساحتها وشكلها، أو قد يملك الانسان بيتين أحدهما للسكن والثاني لتربية الماشية.
وقد يصبح تدجين الحيوانات وتربيتها، أو يصبح الرعي ظاهرة مدنية وحضارية في نظر أهل ذلك الزمان، لانه يقع في طريق خدمة الناس.
رابعاً: الثروة المعدنية
قال رسول الله(ص): «المهدي من ولدي… يستخرج الكنوز، ويفتح مدائن الشرك».
وقال(ص): «وتقيء الأرض أفلاذ كبدها أمثال الاسطوان من الذهب والفضة، فيجيء القاتل فيقول: في هذا قتلت، ويجيء القاطع فيقول: في هذا قطعت رحمي، ويجيء السارق فيقول: في هذا قطعت يدي، ثم يدعونه فلا يأخذون منه شيئاً».
وعن الامام جعفر الصادق(ع) انّه قال: «… وتظهر الأرض من كنوزها حتى يراها الناس على وجهها».
وفي رواية عن رسول الله(ص) قال: «… ويظهر الله له كنوز الأرض ومعادنها».
وظهور المعادن أو اكتشافها أو استخراجها أمّا ان يكون بشكل اعجازي في بعض الأحيان وهذا ممكن، وأمّا ان يكون عن طريق العمل والبحث، وأحياناً تصبح لدى الناس خبرة بالأرض التي تحتوي على المعادن عن طريق شكل الأرض أو بعض العلامات.
وظهور وكثرة المعادن ظاهرة طبيعية، فالامام الهدي(عج) كقائد للحكومة سيأمر باستخراج المعادن فيتوجه المهندسون والعمّال لهذا العمل، وأحياناً يفسح المجال لعموم الناس لاستخراج المعادن، وفي كلتا الحالتين فانّ العمل سيكون قائماً في هذا المجال بعد توفر التسهيلات من قبل الحكومة، وبعد تظافر الجهود والطاقات للعمل معاً.
خامساً: البناء والتعمير
قال الامام جعفر الصادق(ع): «انّه إذا تناهت الامور إلى صاحب هذا الأمر رفع الله تبارك وتعالى كل منخفض من الأرض، وخفض كل مرتفع منها حتى تكون الدنيا عنده بمنزلة راحته، فايّكم لو كانت في راحته شعرة لم يبصرها».
وهذا الترتيب في الأرض امّا ان نحمله على العمل الاعجازي وهو ممكن أو نحمله على العمل الطبيعي، أو نحمله على كليهما، حيث يأتي الاعجاز في المجالات التي يتوقف عليها حين يعجز الانسان عن عملها، وإلاّ فكل أمر مقدور من قبل الانسان يترك له للعمل بلا حاجة إلى معجزة.
وكذا الحال في الخبر المرفوع عن عبد الله بن عمرو بن العاص: (يخرج رجل من ولد الحسين من قبل المشرق، لو استقبلته الجبال لهدمها واتخذ فيها طرقاً).
ومن انجازات الامام المهدي(ع) في مجال البناء بناء أوسع مسجد في العالم.
قال الامام جعفر الصادق(ع): «إذا قام قائم آل محمد(ع) بنى في ظهر الكوفة مسجداً له ألف باب، واتصلت بيوت أهل الكوفة بنهري كربلاء».
ولا مبالغة في مساحة هذا المسجد; لأنّ الناس سيقدمون من جميع أنحاء العالم للصلاة خلف الامام المهدي(عج) ، ومع كثرتهم لايسعهم إلاّ مسجد كهذا له ألف باب، اضافة إلى ذلك فانّ الكوفة ستصبح عاصمة للعالم، وهذا يستلزم كثرة السكان فيها، وكثرة المسافرين والزوّار اليها، ففيها الامام المهدي(عج) وفيها الصالحون من أنصاره، وفيها مقام الامام علي(ع) ومقام الامام الحسين(عليه السلام) حيث تتصل الكوفة بكربلاء، وفيها مقام العشرات من الأولياء والصالحين.
ومن انجازاته(عج) كما ورد عن الامام الباقر(ع): «إذا قام القائم(عج) سار إلى الكوفة وهدم بها أربع مساجد، ولم يبق مسجد على وجه الأرض له شرف إلاّ هدمه وجعلها جماً، ووسع الطريق الاعظم، وكسر كل جناح خارج في الطريق، وأبطل الكنف والميازيب، ولا يترك بدعة إلاّ ازالها، ولا سنة إلاّ أقامها»
وفي رواية عن الامام الباقر(ع) قال: «… ويوسع الطريق الاعظم فيصير ستين ذراعاً، ويهدم كل مسجد على الطريق».
وقال الامام جعفر الصادق(ع): «إذا قام القائم(عج) هدم المسجد الحرام حتى يردّه إلى أساسه، وحوّل المقام إلى الموضع الذي كان فيه».
وفي رواية اخرى عنه(ص) انّه قال: «القائم يهدم المسجد الحرام حتى يردّه إلى اساسه، ومسجد الرسول(ص) إلى أساسه، ويرد البيت إلى موضعه، واقامه على اساسه…».
سادساً: التطور التقني
عن الامام جعفر الصادق(ع) قال: «انّ قائمنا إذا قام مدّ الله لشيعتنا في أسماعهم وأبصارهم، حتى لا يكون بينهم وبين القائم بريد يكلمهم فيسمعون وينظرون اليه، وهو في مكانه».
وقال(ع): «انّ المؤمن في زمان القائم وهو بالمشرق ليرى أخاه الذي في المغرب، وكذا الذي في المغرب يرى اخاه الذي في المشرق».
وهذه الأخبار كان ينظر اليها كأمور اعجازية إلى وقت قريب، ناهيك عن عصر صدورها، امّا في زماننا الحاضر فانّ الامر معقول جداً بعد انتشار الانترنيت وما يرتبط به من تطورات، إضافة إلى النقل المباشر عبر الفضائيات، والظاهر من الروايات ان هذا التطهور التقني سيدخل في كلّ بيت وليس محدوداً كما هو الحال في هذا العصر، فهو محدود لعدم قدرة الجميع على شرائه في ظروف الفقر والجوع والحرمان، وسيكون التطور التقني في عصر الظهور رحمة للناس جميعاً، وأول الرحمة انهم يرون إمامهم ويكلمّونه.
ووردت روايات عديدة حول التطور التقني، ظاهرها الحمل على الأمر الاعجازي، ويمكن حملها على التطور التقني، ويمكن الجمع بينهما.
عن الامام جعفر الصادق(ع) قال: «إذا أذن الامام دعا الله باسمه… فاتيحت له صحابته الثلاثمائة وثلاثة عشر قزع كقزع الخريف وهم أصحاب الألوية، منهم من يفقد عن فراشه ليلاً فيصبح بمكة، ومنهم من يرى يسير في السحاب نهاراً…».
وفي رواية عن الامام محمد الباقر(ع) يشير فيها إلى طي الأرض قائلاً: «… وتصير اليه شيعته من اطراف الأرض، تطوى لهم طياً حتى يبايعوه».
وعن عبد الله بن عجلان قال: ذكرنا خروج القائم عند أبي عبد الله(ع) فقلت: كيف لنا ان نعلم ذلك؟
قال: «يصبح أحدكم وتحت رأسه صحيفة عليها مكتوب (طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ)».
وعن الامام جعفر الصادق(ع) قال: «إذا قام القائم بعث في أقاليم الأرض كلّ اقليم رجلاً يقول: عهدك في كفّك، فإذا ورد عليك مالا تفهمه ولا تعرف القضاء فيه، فانظر إلى كفك واعمل بما فيها».
وقال(ع): «ويبعث جنداً الى القسطنطينيّة فاذا بلغوا الى الخليج كتبوا على أقدامهم شيئاً ومشوا على الماء، فاذا نظر اليهم يمشون على الماء قالوا: هؤلاء أصحابه يمشون على الماء فكيف هو؟ فعند ذلك يفتحون لهم باب المدينة فيدخلونها فيحكمون فيها بما يريدون».
وهذه الاخبار امّا ان تحمل على ظاهرها وتفسر بالمعجزة، وامّا أن تحمل على التطور التقني، وقد أشارت اليه الروايات بلغة الرموز لعدم استيعاب عقول ذلك الزمان لهذا التطور، وعدم إدراكهم لحقيقته.
وفي جميع الأحوال فانّ التطور التقني حقيقة موضوعية، وانّ الحياة متوجهة نحو التطور عن طريق الابداع والابتكار، والتطور ضروري في عهد الامام المهدي(عج) لقيام الحكومة الواحدة وهي بحاجة الى سرعة المواصلات والاتصالات.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*