“الموندو” الإسبانية تكشف خفايا وأسرار معركة النجف “الطاحنة” عام 2004

939

31-3-2014-2-d

نشرتْ صحيفة الموندو الإسبانية تقريراً حول الأحداث التي دارت ورافقت معركة النجف وصدور طبعة جديدة من كتاب “وأخيراً الحرب”، الذي يدور عن إرسال القوات الإسبانية إلى الحرب في العراق قبل 10 أعوام وكيف سقط في تلك المعركة 250 قتيلاً ومن ثم تغطية رؤوس الكثير من العراقيين بأكياس. هذه رواية المعركة الأكثر أهمية للقوات الإسبانية في النصف الأخير من القرن .

وقع هذا المشهد في أحد مباني الديوانية، في العراق، يوم 23 شباط 2004 حيث يجتمع مجلس المحافظة برئاسة المحافظ المعين من قبل سلطة الائتلاف المؤقتة (CPA)، الإدارة المؤقتة في البلاد التي نصبتها القوى المنتصرة في الحرب التي شنها جورج دبليو بوش وتوني بلير، وبموافقة خوسي ماريا أثنار، في نيسان 2003. والمحافظ، بالمناسبة، ضابط اميركي سابق يسكن محصناً في قاعدة لا يخرج منها إلا وهو محاطاً بأفراد حمايته المدججين بالسلاح، وهم مرتزقة مأجورون من شركة بلاك ووتر.

وفي الاجتماع يكون هناك في الغالب شخصيات عراقية، ومن بين المسؤولين عن الأمن في المحافظة، ضابط مقدم اميركي وضابط رائد في الحرس المدني، والذي من بين مهمات عمله إدارة قوات الشرطة في محافظات القادسية والنجف، وكلاهما تقعان تحت مسؤولية لواء بلاس ألترا متعدد الجنسيات، والذي يقوده، في ذلك الوقت، الجنرال الإسباني فولجنسيو كول .

يتم تقديم القهوة على الطريقة العراقية: بكوب واحد فقط، ويشرب منه أولاً الشخص ذو الرتبة الكبيرة (وفي هذه الحالة، هو المحافظ) ومن ثم يمرر الكوب إلى جميع الحضور. وعندما يصل إلى الضابط المقدم الاميركي، يرفض هذا العرض من التقديم، ما يؤدي إلى التعليق كثيراً فيما بعد، وليس تحديداً في صالحه.. فمن الممكن أن الضابط الاميركي يشعر بالحيرة، ولا شك في ذلك، بل إنه يراعي أيضاً لائحة النظام، التي تنص عليه عدم الشرب مما هو ليس له. ولم يقبل قط تدخين النرجيلة التي يحتفظ بها كبار المسؤولين العراقيين في مكاتبهم، والتي تشكل جزءا من عادات التقديم للزائرين .

الرائد آنذاك والمقدم اليوم نونييز، والذي يدعى كذلك بضابط الحرس المدني، يتذكر هكذا تلك الاجتماعات: “حتى في قصر المحافظ تتنقل أنت بحماية رتل، ولكنك تتركه عند باب المبنى، وعليك أن تتوغل عبر ممرات وممرات بمرافقة اثنين من الحرس للشركة الأمنية الوحيدة. فهم، باختصار، يقدمون أمام أي هجوم محتمل
وأخيراً تصل إلى الصالة التي يجتمع فيها الوجهاء والمحافظ. كان هناك العديد من الناس الغرباء، وهم مسلحون تسليحاً خفيفاً. وإذا تفكر بأن الأمور سيئة، وأنت في أيديهم، فمن الأفضل أن تظهر لهم بأنك لا تخافهم. لذلك فإن ما اعتدت القيام به هو، أني بمجرد ما أصل وقبل الجلوس، أقوم بخلع خوذتي، وسترتي، وأترك بندقية القتال متكئة على الجدار وأخرج منها الشاجور. “إذا يقتلوني”، أقول لنفسي، “فعلى الأقل لا يعملون ذلك بسلاحي”. أما بالنسبة للحرس فكنت أتركهم خارج الصالة .”

في المقابل، كان ذلك الاميركي برتبة مقدم يجلس بكامل فرقته، مسلحاً ومع رقيب ضخم أسود يحمل بندقية جاهزة تغطي ظهره. إجراء احتياطي والذي، بالمناسبة، لم يمنع قتله في كمين عند الخروج من واحدة من تلك الاجتماعات. إن الظهور بلا خوف وبالثقة، حسب ما يؤكد نونييز، كان أكثر فعالية بكثير، لأنه ينفع باستمالة العراقيين. حيث قال له أحد العراقيين: “أنتم مثلنا، لستم كالأمريكان، تتمازحون، وتسترخون، وتطلقون اللحى، وتتكلمون عن النساء، ويعجبكم تناول الطعام، لستم كالأمريكان، فهم لا يسترخون مطلقاً .”

يظهر نونييز، وهو يشير إلى تلك الأيام بعد عشر سنوات، مقتنعاً بأن التصرف هكذا “بعض الشيء في خطة الفيلق، ودون أي غطرسة تجاه العراقيين”، كان من أفضل الأمور. أما ذلك العراقي، على سبيل المثال، فقد أجابه بنبرة المشاركة بالجريمة: “يا رجل، مضت قرون طويلة على الأندلس، ولا تنسى بأننا كنا نتبع في البداية الخلافة في بغداد .”

يعد التاريخ واحداً من المواد الجديدة المدرجة في إعادة طبعة كتاب “وأخيراً، الحرب” (المنقحة والموسعة، دار نشر كريتيكا، 2014) والذي قمنا بإعداده أنا مؤلف هذه السطور ولويس ميغيل فرانسيسكو بمناسبة الذكرى العاشرة لنهاية الإسبان من تلك المغامرة العراقية المثيرة للجدل، بالانسحاب الذي تم في أواخر شهر أيار 2004 بأمر من حكومة رودريجيز ثاباتيرو .”

وربما هذا الإجراء يفيد للتفسير، جزئياً، لماذا ذلك المشروع، مشروع إعادة الإعمار والتطلع إلى دمقرطة العراق، خرج بهذا القدر من السوء (أكثر من 6000 قتيل في أعمال العنف الطائفي خلال عام 2013)، ولماذا جهود القوات العسكرية الإسبانية التي نشرت على تلك الأرض، حيث كانت لدينا القناعة في كثير من الأحوال بأنها صادقة ومعقولة، إلا إنها برزت فاشلة في الأخير.”

معركة النجف
وقد حدثت نقطة تحول في مهمة الكتيبة الإسبانية في العراق يوم 4 نيسان 2004، والتي يمكن تسميتها أحسن بمعركة النجف، وهو العمل العسكري الأكثر أهمية الذي واجهته القوات الإسبانية في النصف الأخير من القرن، عندما هاجم المتمردون من قبل جيش المهدي، بقيادة مقتدى الصدر، هاجمت بقوة قاعدة الأندلس الواقعة في النجف وهذا الحادث الذي كانت له خلفيات من المفيد أن نتذكره من جديد، لنفهم بشكل أفضل ديناميكية ونتيجة ذلك التدخل.

منذ أشهر قبل ذلك الحادث كان يلاحظ الصدر في النجف، وبشكل أكثر تحديداً في مسجد الأمام علي، المقدس لدى الشيعة، ووجود المحاكم الإسلامية التي كانت تطبق الشريعة، والتي بها كان مقتدى الصدر يوسع سلطته على السكان.

وكان الأمريكان يحضون اللواء الخاضع تحت قيادة إسبانيا إلى تحييدهم. ونظراً لحساسية الأمر، كانت العملية التي تم التخطيط لها من أجل هذا الغرض، والتي تقررت أخيراً يوم 20 شباط 2004، بأن تترك الصدارة للشرطة العراقية، وذلك بهدف عدم التسبب بإساءة تتمثل بدخول الجنود الأجانب وغير المؤمنين في الأماكن المقدسة.

ومع ذلك، وعند ساعة التنفيذ الحاسمة، رفضت الشرطة العراقية، المخترقة كثيراً من قبل التمرد الشيعي، القيام بذلك العمل وفي تلك اللحظة، أمر الجنرال في القيادة الاميركية ريكاردو سانشيز الجنرال الإسباني كول بأن يستخدم قواته للسيطرة على الوضع بالقوة. وكان أسلوب العمل المعتاد لدى الأمريكان، أنهم لا يزالون يرون أنفسهم في حالة حرب، وأنهم عندما يواجهون مقاومة (وهذا ما أظهروه في الفلوجة، على سبيل المثال) كانوا يهاجمون بضراوة وبكل ما أوتوا من قوة.

قام كول بالاتصال بمدريد للتشاور مع رؤسائه في وزارة الدفاع، الذين سألوه فيما إذا كان هذا العمل قد يؤدي إلى وقوع خسائر بالأرواح. ولم يكن لدى كول، الضابط ذوي الخبرة والمعرفة بالأرض التي يطأ عليها قدمه، بُداً من الاعتراف بذلك الاحتمال. ومن مدريد، وفي وسط الحملة الانتخابية، تم رفض الإذن وعندما علم الأمريكان بأن الإسبان ينسحبون، اغتاظوا.. وقرروا مسك زمام الأمور في ذلك الوضع.

انطلقت قوات الفقمة البحرية Navy SEALS، وهي نفس القوات التي قضت بعد سنوات على حياة بن لادن، في فجر يوم 3 نيسان بعملية ليلية على النجف والتي أفضت باعتقال اليعقوبي، نائب مقتدى في المدينة.

أما أتباعه، الذين نسبوا العملية إلى القوات الإسبانية، فقد حضروا غاضبين إلى قاعدة الأندلس للمطالبة بالإفراج عنه أما الإسبان، الذين كانوا يجهلون تلك العملية الاميركية في الأراضي الواقعة تحت مسؤوليتهم من الناحية النظرية، فقد نفوا تورطهم باعتقال الرجل الذي كانوا يتفاوضون معه، على وجه التحديد، حتى وقت قريب من أجل السيطرة على الوضع.

لم يجدِ نفعا.ً. ففي صباح يوم 4 نيسان ابتدأ الهجوم على القاعدة، والذي استمر طوال النهار وأجبر 200 من الإسبان الذين يشكلون الحامية العسكرية إلى استخدام أسلحتهم حتى استنفدوا تقريباً ذخيرتهم. وكان على الرتل بقيادة الملازم جيسادو عمل اثنين من المخارج، عِبْر مدينة معادية، لإنقاذ الجنود السلفادوريين الذي كانوا قد حوصروا في شوارعها، ما جعلهم يعيشون مشاهد عظيمة من فيلم بلاك هوك داون، حيث تقدموا بكامل السرعة بمدرعاتهم بينما كانوا يطلقون النار بمدافع رشاشة على أسطح المنازل التي منها كانت تنطلق عليهم نيران الرشاشات وقاذفات القنابل اليدوية.

وتم استلام طوال النهار تعزيزات من الوحدات الاميركية، وكذلك مرتزقة شركة بلاك ووتر الذين انضموا إلى الموجودين في القاعدة، وكانوا يضعون الشارات البيض لجنود مشاة البحرية المارينز ومروحيات الأباتشي التي استخدمت تماماً ضد المتمردين، كما اضطروا إلى استخدام المدرعات الإسبانية لفوج فارنسيو الذي كان يدافع عن محيط القاعدة.. وتدخل في القتال كذلك رماة الدقة الإسبان، الذين تسببوا بايقاع عدد غير محدد من الخسائر بالأرواح بين المسلحين، وليست باليسيرة: فمن العادة طلقة قناص تساوي قتيلاً.. ومع كل هذه المشاهد، وكيف كانت المعركة من الجانب العراقي، وبفضل شريط فيديو ضُبط بعد أسابيع من الأمريكان يصور المتمردين، نقدم معلومات وفيرة غير منشورة في هذا الكتاب.

وابتداء من هناك، لم يحدث شيء مماثل، حتى الانسحاب. فإذا حتى ذلك الوقت كانت قدرة على العمل في الأمن وإعادة الإعمار، فمنذ ذلك الحين لم يكن الإسبان مناسبين إلا للمعاناةمن الكمائن والهجمات بقذائف الهاون على قواعدهم، حيث اضطروا لصدها كما تتطلب هذه العمليات من ذلك النوع: بعيدة كل البعد عن مهمات حفظ السلام الخاصة، وتوتر المقاتل الذي يذهب بعين حذرة وبين الفينة والأخرى يضطر للقتل لكي لا يقتلوه.

وفي هذا السياق يجب وضع معاملة السجناء في قاعدة إسبانيا، والفضيحة التي أثارتها صور نشرتها صحيفة الباييس في آذار 2013 عن انتهاكات إساءة المعاملة. على الرغم من أننا لا نملك أدلة تشير إلى المسؤولين عن تلك الأفعال، التي تخضع لتحقيق قضائي وما زال مستمراً، يوصف في الكتاب وبالتفصيل جميع بروتوكولات معاملة السجناء، بما في ذلك تلك الأكياس التي تغطي الرأس والتي غالباً ما تلفت الانتباه.. يثير القشعريرة وقد يبدو غير إنساني وضع كيس يغطي رأس شخص ما لكي لا يرى أين هو، ولكن إذا يؤخذ بعين الاعتبار أن المعتقل هو مشتبه به في قصف بقذائف هاون القاعدة التي تم احتجازه فيها، فسوف نفهم بشكل أحسن أن هذا لا يسهل عليه التحقق من تصميم القاعدة الداخلي. ويمنعه من ذلك كيس الرأس، المصنوع من نسيج فيه مسامات كافية، ما يسمح له بالتنفس.

ومع كل ذلك، لا تزال في هذا الفصل نقاطاً للتوضيح: فإلى جانب سوء المعاملة في شريط الفيديو، هناك دعاوى بالتعذيب تقدم بها (ف . م) المقاول والمترجم المتهم بالتواطؤ في قتل سبعة من عملاء جهاز المخابرات الإسبانية والذي بعد قضاء مدة في سجن أبو غريب أطلق سراحه من قبل الأمريكان.

وقد نشر (م)، وخصوصاً من خلال المراسل جرفاسيو سانشيز، روايته للأحداث، والتي نجمعها أيضاً، ولكن في إعادة الطبعة هذه يتم تقديم وللمرة الأولى شهادة قوات الجيش الإسباني التي كان يحصل تحت مسؤوليتها تعذيب المعتقلين في قاعدة إسبانيا والذين عاملوا (م) أثناء احتجازه. وبين حين وآخر، يعود الأمر للقارئ لصياغة حكمه على الأحداث.

وهذا ينطبق على كل التاريخ. وقبل عشر سنوات، ألقيت قوات إسبانية في خضم حرب بعيدة، واضطروا لاستخدام أسلحتهم. وقد قمنا بتجميع الحقائق: الحكم، والذاكرة المناسبة، حيث آن الأوان أن يعود الحكم إلى المجتمع الإسباني.

خارج النص
عن الائتلاف، تسببت معركة يوم 4 نيسان بمقتل شخصين فقط وهما الجندي السلفادوري ناتيبيداد وعنصر من الميليشيا العراقية.. وعن المتمردين فكان دائماً من الصعب إعطاء عدد محدد، ولكننا تحدثنا مع العديد من الجنود الإسبان الواثقين بأنها كبدت خسائر بالأرواح.. وشهادة الرائد نونييز، الذي كان حينئذ رئيس الشرطة العراقية، واستناداً إلى بيانات المستشفيات، ينشر اليوم الرقم الأكثر موثوقية: 250 قتيلاً.

النخيل

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*