السِّيَاسَةُ الأَمَوِيَّةُ لاَ زَالَتْ فَاعِلَة

198

8-4-2014-3-d

    فِي مَطلَعِ عَامِ 2013 خَرجَتْ المُظَاهراتُ، مِن مُحافَظةِ الأَنبَارِ و نينَوى و صَلاحِ الدّينِ، و ديَالى و مدينةِ سامراءَ المُقدَّسَةِ، و كانَ المُتظاهرونَ يُطالِبونَ الحُكومَةَ، بعِدَّةِ مَطالِب. قِسمٌ مِنها مشروعٌ، و الآخَرُ لا يُمكنُ للحُكومَةِ تَحقيقَهُ، لأَنّها مَطالبُ تَحتاجُ الى تَشريعاتٍ قَانونيَّة، و قامَتْ الحكومَةُ العراقيَّةُ، بتنفيذِ المَشروعِ مِنها. و شَكَّلَتْ عِدَّةَ لِجانٍ، للوصُولِ مع المتَظاهرينَ، لصيغةٍ من التَّفاهُمِ لإِنهاءِ الأَزمَة. لكنَّ الموقفَ كانَ يسيرُ نَحو التَّأجيجِ، بسببِ وجودِ عناصِرَ، مِن تَنظيمِ القَاعدةِ الإِرهابيّ، ضِمنَ جُموعِ المتَظاهرينَ، الّذينَ اعتَصَموا على الطَّريقِ الدُّوليّ، في مُحافَظةِ الأَنبَار.

 فِي 5/1/2013 شَاهَدّْتُ تَسجيلاً مُصوَّراً، بُثَّ مِن على فَضائيَّةِ (وصَالّ) السَعوديَّة. كانَ التسجيلُ للمَدعُو (طه حامد الدليمي)، و سرعانَ ما قامَ هذا الشَّخْصُ، بتَكفيرِ و شَتمِ الشِّيعةِ، بأَقذَعِ الأَلفَاظِ. و لَمْ يكتَفِ هَذا المَسْعُورُ بذلك فَحسّبْ، و إِنَّما هدَّدَ بقَطعِ ميَاهِ نَهرِ الفُراتِ، عَن الشِّيعَةِ المُتواجدينَ في منطقةِ، الفُراتِ الأَوسَطِ و جَنوبِ العِراق. لأَنَّ الشِّيعَةَ كما وصَفَهُم، بأَنَّهُمْ قَذاراتٍ، (رابطُ الفِديو مَوجُودٌ أَسفَلَ المَقَال). و في حينها ظهرَتْ شَخصيَّاتٌ من الأَنبَارِ، استَنكرَتْ كلامَ هذا الجِّلْفِ المَسعُورِ، و طَمأَنَتْ هذهِ الشَّخصيَّاتُ، أَهالي الوسَطِ و الجَنوبِ، بأَنَّ مثلَ هذا الحَالِ، لا يحصَلّ أَبداً.

 لكنْ معَ الأَسفِ، وقعَ ما لمْ يكُنْ في الحُسبَانِ، و تمَّ قَطعُ ميَاهَ نَهرِ الفُراتِ، مِن سَدَّةِ شَمَالِ الفَلوجَةِ، في يومِ السبتِ 5/4/2014. وفي يومِ الأَحدِ  6/4/2014، أَعلنَ مِن فَضَائيَّةِ العِراقيَّةِ، الخَبيرُ في شُؤونِ الميَاهِ الأُستاذُ (عَون ذياب)، أَنَّ حجمَ مأسَاةِ مناطقِ الفُراتِ الأَوسطِ و جَنوبِ العِراقِ، كبيرةٌ جدّاً، بَعدَ قَطعِ ميَاهِ نَهرِ الفُراتِ عنْها. و منَ المَعلومِ أَنَّ حجزَ الميَاةِ، بهذهِ الطريقَةِ سيؤدّي الى ثلاثِ كوارثَ هي:
1.جفافُ نَهرِ الفُراتِ في مناطِقِ وَسطِ و جنوبِ العِراق. الأَمرُ الّذي سيُلحِقُ الضَّرَرَ بالسُكّانِ، و الثَّرَواتِ الزِّراعيَّةِ و الحَيّوانيَّة.
2.تَوقُفُ محطَّتيَ المُسيَّبِ و النَّاصريَّةِ الكهربائيتيّنِ، بسببِ انخفاضِ ماءِ نَهرِ الفُرات.
3.ستَتَعرضُ المنَاطِقُ الواقِعَةُ، شَمالَ سَدَّةِ الفَلوجَةِ للغَرقِ، بسَببِ ارتفاعِ منسوبِ ميَاهِ نَهرِ الفُراتِ فيها.
و مِن نَاحيَتي، لا أَدري بأَيّ بَابٍ، سَيَضَعُ شُيوخُ عَشائِرِ مُحافَظَةِ الأَنبَارِ و أَهاليها، هذا العَمَلَ الدَّنيء و اللاإِنسانِيّ، و ما هو مُوقِفُهم مِن هذا الحَدَث؟.

 كنتُ مُتوقِّعَاً أَنَّ كُلَّ أَهَالي الأَنبَارِ، سَيَهِبُّونَ هبَّةَ رَجُلٍ واحدٍ، و بِدونِ تَدَخُّلِ الحُكومَةِ أَيضاً، للانقِضَاضِ فَوراً، على تَنظيمِ داعشٍ الإِرهابيّ، و مَن تحَالَفَ معَه. لتَخليصِ السَدَّةِ مِن سَيطرَةِ الإِرهَابيّينَ، و إِعَادَةِ مِيَاهِ نَهِرِ الفُراتِ، لتَروِي محافظاتِ الفُراتِ الأَوسَطِ و جَنوبِ العِراقِ، لكنَّ ذلكَ لمْ يَحصَل.

 صحيحٌ أَنَّ التَّاريخَ يعيدُ نفسَهُ، فعمليَّةِ حِرمانِ الانسانِ مِن المَاءِ، مَنهجٌ ابتكرَهُ معاويَةُ بنَ أبي سُفيانَ، عِندمَا منعَ في أَحدِ حُروبِهِ، معَ الإِمَامِ عليّ بن أَبي طالبٍ(ع)، جَيشَ الإِمامِ مِنَ الوصولِ، الى نَهرِ الفُراتِ لأَخذِ، ما يَحتاجُ  إِليه الجَيشُ مِن مَاء. و لمَّا كَرَّ الإِمامُ(ع)، على جَيشِ معاويَةَ، و سَيطرَ على النَّهرِ، طَلَبَ معاويةُ مِن الإِمامِ، أَنْ يَسمحَ للجَيشِ الأَمَويّ، بأَخذِ احتياجاتِهِ مِن الماءِ، فَسَمَحَ لَهُم الإِمامُ(ع) بذلك. لأَنَّ مُروءَةَ و نُبلَّ الإِمامِ عليّ(ع)، لا تَسمحَانِ بأَنْ يُستَخدَمَ الماءُ، سِلاحاً في المَعركة. و في عَامِ 61 ه، تَكرَّرتْ حادِثَةُ قَطّْعِ المَاءِ، و كانَ ذلك معَ الإِمامِ الحُسيّنِ(ع) في مَعركةِ كربلاء.

 إِنَّ مَنهجَ أَبو سُفيَانَ و مُعاويَةَ و يَزيدَ، في تَطبيقِ العُقوبَاتِ الجَماعيَّةِ، منهجٌ له جذورَهُ في التَّاريخِ الإِسلاميّ. ففي السَّنَةِ العَاشِرَةِ قَبلَ الهِجرَةِ الشَّريفةِ، فُرِضَ على بَني هاشمٍ، حِصَارُ شِعبِ أَبي طالبٍ، الّذي دَامَ ثَلاثَ سَنوات. وفي عَامِ 63ه ، انتهكَ يَزيدُ بن معاويَةَ، في واقعَةِ الحَرَّةِ ، حُرمَةَ مدينَةِ الرَّسولِ(ص)، و استباحَ أَعرَاضَ المُهاجرينَ و الأَنصارِ فيها. و كذلك قَامَ يَزيدُ، بهَدمِ الكَعبَةِ و ضَربَها بالنّارِ و الحجارَةِ، لاعتِصامِ عَبدِ اللهِ بن الزُبَيّرِ فيها.

 وفي تاريخِنَا المعَاصِرِ، طبَّقَ المَقبورُ صَدَّامُ المَهزومِ، سِلسِلَةً مِن الجَرائمِ الفَضِيعَةِ، عَن طريقِ تطبيقِ نِظَامِ العُقوبَاتِ الجَماعيَّةِ، ضِدَّ العِراقيّينَ مِن أَبنَاءِ مُحافظَاتِ الفُراتِ الأَوسَطِ، و جَنوبِ العِرَاق. فَفِي آذارَ مِن عامِ 1991، قَصَفَ جَيشُ صدَّامٍ، بالمدفَعيَّةِ الثَّقيلَةِ، مُدُنَ الفُراتِ الأَوسَطِ و جَنوبِ العِراقِ، و منها مدينَتيَ النَّجفِ الأَشرَفِ، و كربلاءَ المُقدَّسَتيّن. كمَا أَنَّهُ لَمْ يُراعِ أَيَّهِ حُرمَةٍ، لمقَامِ الإِمَامِ الحُسَينِ و أَخيهِ العبَّاسَ(ع)، فقَامَ بقَصفِ ضَريحَيّهِمَا، بمدفعيَّةِ الدَّبَابَاتِ و المَدفعيَّةِ الثَّقيلَة أَيضَاً. كمَا أَقدَمَ على تَجفيفِ الأَهوارِ، في جَنوبَ العِراقِ عامِ 1992.
و طبَّقَ الإِرهابيونَ التكفيريونَ، نَفسَ المَنهجِ الأَمَويّ اليَزيديّ الصَدَّاميّ، في الحَاقِ أَكبرِ الأَذى بالأَبريَاءِ العِراقيينَ. و لا زالَتْ ذاكرةُ العِراقيينَ، تَحتَفِظُ بصُوَرِ الإِبادَةِ الجَّماعيَّةِ، الّتي تَقومُ بها هذهِ الجَماعَاتُ المُنحرفَةُ، في كُلِّ مَرَّةٍ، بِدءً بتَفجيرِ جِسْرِ الأَئمَّةِ فِي 30/8/2005. و إِقدامُ هذهِ الزُّمَرِ المتَوحِشَةِ، بتَدّْنيسِ مُقدَسَاتِ أَبنَاءِ وسَطِ و جَنوبِ العِراقِ، حينما أَقدَموا على تَفجيرِ، ضَريحيّ الإِماميّنِ العَسكريّينِ(ع)، فِي مَدينةِ سَامْراءَ في 20/6/2006. و لا زالتْ الإِبَادَةُ الجَماعيَّةُ، ضِدَّ العِراقيّينَ الأَبريَاءِ، مُستمرَّةً مِن قِبَلِ هذهِ الزُمَرِ التَّكفيريَّةِ الضَّالَة.

 إِنَّ المُسلمينَ جَميعاً، مَسؤولونَ أَمامَ اللهِ تَعَالى، عَن الدِّفاعِ عَن سُمعةِ الإِسلامِ، و معنييّنَ جَميعَاً، فِي مُحاربَةِ البِدَعِ التَّكفيريَّةِ، الّتي تَرعاهَا الصِّهيونيَّةُ العالميَّةُ، مَدعومَةً بالمَالِ الخَليجيّ. إِنَّهُ مُخطَطٌ بَاتَ مَكشُوفَ المعَالِمِ، للقَاصِي و الدَّانِي. الهَدَفُ مِنهُ اضعَافُ الإِسلامِ عَالميَّاً، على مُستوى الفِكْرِ و العَقيدَةِ و السُلوك. ليكونَ الطَّريقُ مُمهَّداً، أَمَامَ مُؤامَراتِ التَّخاذُلِ العَربَيّ، السَّاعِيَةُ لتَدميرِ الهَويَّةِ الإِسْلامِيَّة. و الدَّفعُ باتّجاهِ التَّنازُلِ عَن كُلِّ حُقوقِ المُسلمينَ، لصالِحِ المُستعمرينَ و المُتغتَصِبين.

 ولعلّي أَجِدُ خَيّرَ شَاهدٍ على مَا أَقولُ، مَا نَشَرتْهُ الكاتِبَةُ اليَهوديَّةُ اليَمنيَّةُ (نجاة النَّهاري)، مؤخراً على صَفحَاتِ (الفيس بوك). و الّتي ذَكرَتْ فيهِ النُّقاطَ التّاليَةَ، الّتي تُعبِّرُ عَن خيّبَةِ المُسلِمينَ، و فُقدَانِهِم لمِصداقِيَّةِ الدَّعوَةِ للإِسلام. قالتْ (نجاةُ النَّهاري):

(بعث لي أحد الأصدقاء قصة جميلة عن النبي محمد و يهودي، كان يسكن جواره و يلحق به الأذى و النبي يصبر عليه، و عندما مرض اليهودي زاره النبي، فخجل اليهودي من اخلاقه و دخل الاسلام… عندما قرأتها فهمت أن تصرفات و اخلاق النبي محمد، كانت هي مقياس اليهودي للاعجاب بالاسلام و اعتناقه، قبل حتى أن يقرأ ما في القرآن.. و لحظتها تساءلت مع نفسي: يا ترى المسلمون اليوم بماذا سيغرون اليهودي لدخول الاسلام..!؟. …..

المسلمون اليوم مذاهب متعددة، و كل مذهب يعتبر الآخر “كافر” ويحلل قتله.. فلو أردت – كيهودية- دخول الاسلام فهل أدخله من باب “السنة” أم “الشيعة” أم المذاهب الأخرى؟. و أي منها أعيش فيه بسلام، و لا يحلل قتلي أنصار مذاهب الاسلام الأخرى!؟.

المسلمون اليوم يتقاتلون بينهم البين في كل مكان، و يذبحون بعضهم البعض بطرق بشعة جداً.. فكيف يقتنع اليهودي بدخول الإسلام، إذا وجد المسلم يقتل أخيه بسبب الدين نفسه، بينما لا يمكن أن يسمع أحدكم، بأن اليهود يقتلون بعضهم البعض بسبب الدين، بل على العكس اسرائيل اقامت دولتها بسبب الدين.)(انتهى).

أقول:

لقدّ صَدَمَني مقالُ الكاتِبَةِ (نجاة النَّهاري)، الّتي وضعَتّنا في مَوضِعِ إِعادَةِ التَّقييمِ لأَخلاقِنَا، كمَا جَعَلَتّنَا كمُسلمينَ، نَستَشْعِرُ عَظِيمَ خيبَتِنَا. لقَدّْ فَشِلنَا لِكي نُقدِّمَ المثالَ الجيّدَ لعَقيدَتِنا. و كيّفَ أَنَّنَا مَكنَّا الأَعداءَ مِن التَّشفّي بنَا، بسَببِ سُقوطِنَا فِي حَضِيضِ الفِتنَةِ، و غَضِّ طَرفِ الكَثيرِ مِنّا، عَن تلكَ الإِسَاءَآتِ، بسَبَبِ التَّعصُبِ للطَّائِفَةِ و المَذْهَب.

كُلُّ ذلكَ، بسَبَبِ جَهلِ السَّوادِ الأَعطمِ، مِن المُسلِمينَ بأُصولِ عَقيدَتِهِمْ، و التَّسَامُحِ مِن قِبَلِهِمْ، في تَمْكينِ زُعمَائِهِمْ السِّياسِيّينَ، مِن المُنتَمينَ للمشَاريعِ الاستِعمَاريَّة. فمَكَّنُوهُمْ مِن امْتِلاكِ مَقاليْدِ أُمُورِهِمْ، تَحتَ عِنوانِ (السَمْعُ و الطَّاعَةُ للأَميْر). و أَخَذَ هَؤلاءِ الزُعمَاءُ، يَقُودونَ الأُمَّةَ حَسبَ أَهوائِهِمْ، و غايَاتِهِمْ و رَغبَاتِهِمْ المَشبوهَةِ، و الأُمَّةُ عَنهُمْ سُكُوتْ. فَذَهَبَتْ أَموَالُ المُسلِمينَ بَدَدَاً، و ضَاعَتْ قُوَّتُهُمْ فَنَداً، و تَمَزَّقَتْ وِحدَتُهُمْ عَدَدا. و لا حوّلَ ولا قُوَّةَ إِلاّ باللهِ و هُوَ المُستَعَان.

مُحَمَّد جَواد سُنبَه/  كاتِبٌ وَ بَاحِثٌ عِرَاقي

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*