قنوات إباحية تغذي عقول أطفالنا

216

12-4-2014-4-d

نداء آل سيف..
دهشت بشدة عند وقوفي على الدراسات العلمية التي أجرتها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة «يونيسكو» حول معدلات مشاهدة الأطفال العرب للتلفاز، التي أفادت بأن الطفل العربي يقضي أمام شاشة التلفاز قبل بلوغه الثامنة عشر من عمره نحو 22 ألف ساعة، مقابل 14 ألف ساعة يقضيها في المدرسة خلال المرحلة نفسها.
والمفارقة الأكثر وايلاما هنا، هي أن القنوات المخصصة للأطفال باتت اليوم أقرب إلى «دس السم في العسل» فقد ولت إلى غير رجعة أيام «افتح يا سمسم والمناهل والسيارة بومبو والرغيف العجيف وزينة ونحول»، لتحل محلها ظاهرة القنوات الهابطة التي باتت مدرسة في العنف والإباحية فيما يغط معظم الاهالي في سبات عميق، غير واعيين لمخاطر الغزو الفكري الذي يداهم أطفالهم، مكتفين بطأطأة روسهم متمتمين بأنها «كراتيين للجهال» ليست إلا.
ويتناسى الأهل في زحمة الحياة ومشاغلها أن مرحلة الطفولة هي التي يتشكل فيها الطفل من خلال ما يكتسبه وما يراه وما يشاهده، فكل المدخلات تترسب في شخصيته لتنعكس على سلوكياته وقيمه وأخلاقياته وتقترن به حتى آخر عمره.
تناقل الأهالي خلال اليومين الماضيين على برنامج التواصل الاجتماعي «واتساب» بعضا من المقاطع التي تعد فضائح لقنوات «كرتون نتورك» و«mbc» والتي تضمنت صوراً إباحية ولقطات تخدش الحياء وتشوه الثقافة الجنسية الغائبة/المغيبة أصلا عن أطفالنا بحجة الحياء، بعض من هذه المقاطع لقطات لاخ يقبل أخته في فمها، بين آخر يطلب منه التوقف ويذكره بالنسب بينهما وأنها أخته وليست عشيقته!! وغيرها الكثير مما يؤكد فعلا خطورة هذه الرسوم المتحركة التي نظن بها خيراً وأنها ليست إلا وسيلة لتعليم أطفالنا اللغة العربية الفصحى، علاوة على شغل اوقات فراغهم.
تشير الدراسات التربوية إلى أن تعرض الطفل للمحتوى الإباحي يؤثر سلبياً على شخصيته، ويوجّهه نحو مناطق تفكير أكبر من سنه، لا يقدر نموه العقلي على استيعابها، ويطلق بداخله نوعاً من الخلل والاضطراب ويؤدي إلى الاغتراب بين الطفل وأسرته ومجتمعه، وما يزيد الأمر خطورة هو حب الطفل للتقليد والمحاكاة لما يشاهده فليس مستغرباً إذا قلد ببراءته هذه التصرفات الإباحية مع أخته الأصغر منه أو صديقته في رياض الأطفال أو حتى صديقه من نفس الجنس في المدرسة، لاسيما إذا اتيحت له ظروف محفزة.
وبحسب إطلاعي المتواضع على هذه القنوات وسمومها، واستفساري من بعض الامهات اللواتي يراقبن ما يشاهده صغارهن تبين لي إن الإعلانات التجارية والروابط الدعائية على شبكة الانترنت هي «مشكلة خطيرة في حد ذاتها» فالطفل يكون منسجماً في مشاهدة أحداث مسلسله المفضل الذي شاهدته الأم مسبقاً واطمأنت من عدم وجود أيا من اللقطات أو العبارات الإيحائية بالجنس أو العنف على حد سواء وإذا بها تفاجأ بإعلان أو رابط فضائحي!! وهذا ما يثبت أن المواد الإباحية في كثير من الأحيان يتم فرضها على الأطفال.
وتؤكد على ذلك الدراسة التي أعدها الدكتور ريتشارد ويلكنز مدير معهد الدوحة الدولي للدراسات الأسرية والتنمية والتي مفادها «بأن 44% من الأطفال على شبكة الانترنت يشاهدون عن عمد المواقع التي تحمل المواد الإباحية، و66% من الأطفال الذين يستخدمون الانترنت تُفرض عليهم مشاهدة هذه المواد: بمعنى أنهم كانوا يتفصحون مواقع أخرى».
هنا نحن بحاجة إلى ممارسة الضغط على مثل هذه القنوات للحد من البث غير اللائق نفسيا واجتماعيا ودينيا لأطفالنا، ولعل بعض الدول الغربية ومنها السويد والنرويج وفنلندا واليونان والبرتغال وبريطانيا والدانمارك، ورغم ما يعتري بيئاتهم الاجتماعية من مشاهد إباحية قد راعت هذا الجانب المهم فأصدرت حكوماتها قوانين تمنع بث الإعلانات التجارية قبل وبعد الفترة المخصصة لبرامج الأطفال.
كما تفرض بعض الدول التي تؤمن بمخاطر التلفاز على نفسية وشخصية الطفل وإيماناً بأهمية وقاية الطفل من هذه المشاهد فأنها سنت قوانين تفرض وضع تحذيرات للمشاهد بأن ما سيعرض قد يحتوي على مشاهد إباحية أو حتى مشاهد عنف لا تناسب من هم أقل من الثامنة عشر أي العمر المحدد للطفولة.
من هنا تبرز الحاجة لوجود مؤسسات رقابية لحماية الطفل من كل ما تبثه هذه القنوات، وسن القوانين التي تجرم هذه التجاوزات وفرض الغرامات على أصحاب القنوات الفضائية المخالفة، كما تبرز الحاجة الأكبر في انتاج قنوات عربية يشرف علها علماء نفس واجتماع وتربويين وأخصائي تربية ومربي أطفال وعلماء دين وإعلاميين من شأنها إنتاج برامج كرتونية هادفة للأطفال حتى يتم الحفاظ على هوية الأطفال وثقافتهم.
واختتم مقالتي بمقولة لأحد علماء النفس في هذا الجانب قد تختصر كل المعاني وهي «إذا كان السجن هو جامعة الجريمة، فإن التلفزيون هو المدرسة الاعدادية لانحراف الأحداث».

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*