المنتَج الوطني … بين الاستيراد العشوائي والإهمال الحكومي
يشهد السوق العراقي اليوم الكثير من البضائع المختلفة المنشأ والمتشابهة الأشكال، ولكن بجودة ومتانة مختلفة حيث يطغى عليها المنشآن الصيني أو التايلندي والأرجحية للبضاعة الصينية، اضافة الى ان التغييرات المناخية في العراق لها تاثير كبير على انواع السلع والبضائع خصوصاً الملابس التي تشهد عروضا متعددة في الأسواق الكبيرة والرئيسية التي يرتادها المئات من المتبضعين يوميا. فعند مرورنا يوم الجمعة الفائت بالسوق العربي الذي يقع وسط العاصمة بغداد في منطقة الشورجة لاحظنا حجم البضائع المستوردة التي تملأ الأكشاك والبسطيات والمحال التجارية المختصة ببيع الجملة والمفرد، أصوات الباعة ومن مختلف الأعمار تتعالى للإعلان عن بيع قميص مستورد بخمسة آلاف دينار فقط، اوبنطال كاوبوي تركي بعشرة آلاف دينار، قطع كارتونية كتب عليها تنزيلات 50%، أصوات لايمكن ان تخرق سمعك دون ان تجعل نظرك يتجه الى رؤية البضائع المرمية حتى على الارض بعد ان فرشت تحتها أكياس نايلون هي ذاتها تغلف تلك الملابس المختلفة الألوان والرخيصة الأسعار، والسؤال الذي يتبادر الى الذهن هو أين المنتوج المحلي وسط هذه البضائع؟ ولماذا اختفت الصناعة الوطنية؟ وان وجدت فهي لاتروق للمستهلك العراقي. ولولا الازدحام الكبير الذي واجهنا في الطريق الذي نسلكه للوصول الى مبتغانا لما استطعنا رؤية هذه البضائع المنتشرة بشكل كبير.
لا توازي المنتجات الاجنبية
بداية جولتنا في السوق كانت مع ابو حيدر ، تاجر ملابس اكد للمدى ان الصناعة العراقية كانت تتميز بالكفاءة والأداء الجيد والجودة والقوة في الصنع ، وتوازي المنتوج الأجنبي ، لكن الآن أصبحت تعاني من التحجيم وقلة الانتاج وعدم تقديم المساندة والدعم لهذا القطاع الحيوي من قبل الدولة ما أدى الى ضعف انتاجها وتهميش المعامل الأهلية وحتى الحكومية والتي لم تبق منها غير عروض بسيطة لشركة المنتجات الجلدية وأسعارها مرتفعة جدا ، وما نقصده هنا (والكلام للتاجر) هو الصناعات الجلدية التي مازالت تحافظ على رونقها وعروضها البسيطة في معارضها الواقعة في منطقة الكرادة ، مؤكدا ان الصناعة هي عنصر حيوي ومهم للتطور وتحسين المستوى الاقتصادي للفرد وهي تحتاج الى الدعم المباشر من قبل الدولة وذلك من خلال التمويل او القروض.
بضائع أسعارها مرتفعة
بائع الملابس (محمد) بين للمدى “ما يحدث الآن هو ان السوق العراقية اصبحت مفتوحة لدخول انواع مختلفة من البضائع الرخيصة الثمن ومن مناشئ مختلفة خصوصا من الصين التي أصبحت مركز التسوق الرئيسي للتجار العراقيين، واستدرك قائلاً “ان البضائع التي تصنع في الصين ليست جميعها رخيصة الثمن انما هناك منتجات غالية واسعارها تنافس المنتوج العالمي”، بينما علق احد بائعي الملابس والذي كان يفترش بسطية بالملابس الرجالية المختلفة ويدعى محمد قائلا “التنزيلات في فصل الصيف والشتاء تكسبنا المال الوفير والبضائع الرخيصة التي نبيعها تجذب إقبالا كبيرا من المتبضعين وهي جيدة الصنع حتى لو كان سعرها لايتعدى العشرة الاف او الخمسة الاف دينار عراقي لان الكثير من العوائل وخصوصا المتوسطي الدخل يواظبون على التبضع منها” .
إنتاجنا بكميات محدودة
اما التاجر ابو مهند وهو صاحب معمل لصناعة القمصان فقال “حقيقة ان المنتوج المحلي اصبح عملة نادرة بسبب ارتفاع اسعاره وهو موجود في الاسواق لكن بكميات محدودة لان اسعاره مرتفعة وذلك لارتفاع سعر التكلفة للمنتوج ،فهناك الكثير من المعامل استمرت بصنع وخياطة الملابس وتحمل علامة تجارية متميزة ومازالت تعلن عنها ويستمر عرضها في اسواق معينة مثل شارع النهر والسوق العربي، ولدينا زبائن يأتون لشراء الملابس والدشاديش العراقية الصنع وتحمل ليبل (صنع في العراق )”، واكد ابو مهند “أن المعامل والصناعة العراقية بكاملها تأثرت إبان الحصار الاقتصادي الذي فرض على العراق في التسعينات لعدم تمكن المعامل وصناعتها بالحصول على المواد الاولية الجيدة فالبضائع العراقية كانت تصدر للخارج واغلب دول الجوار تفضل البضائع والملابس العراقية على منتجات دول اخرى لان الملابس العراقية تتميز بالجودة .
ارتفاع الرسوم على المواد الخام
ايضا ، لايخلو السوق العربي من محال بيع الأقمشة وان كانت لاتتعدى عدد أصابع اليد حيث أوضح حسن علي وهو صاحب محل لبيع الأقمشة المختلفة وبنوعيها الرجالي والنسائي ،ان الحكومة هي التي دفعت الصناعة العراقية والمنتوج المحلي للتتراجع الى الوراء وترك المستهلك العراقي ليجد مبتغاه في المنتوج الاجنبي الذي يقل سعره ويكون شكله مقبولا ومناسبا لأعمار كثيرة ،سابقا اغلب المستهلكين العراقيين يفضلون خياطة الملابس واختيارهم الموديل لان اسعارها تكون ارخص من الجاهز. وما حدث هو ان الرسوم والضريبة وضعت على الأقمشة الخام المستوردة والتسهيلات تقدم للمنتوج الأجنبي المستورد الجاهز ،اذن المستهلك هنا سوف يفضل اقتناء الملابس الأجنبية على ان يقوم بالخياطة او حتى شراء المنتوج المحلي الجاهز فالتكلفة تكون اقل بنسبة دولارين اي ان سعر القميص اذا كان 7 دولارات فان المنتوج العراقي يكون بـ 9 دولارات وهذا يشكل فارقا للمستهلك ذي الدخل المحدود .
اللجنة الاقتصادية: الخسائر مستمرة
يذكران عضو اللجنة الاقتصادية البرلمانية نورة البجاري قال ان: القطاع الاقتصادي في العراق يعتبر منهارا بشكل كبير بسبب قلة الخطط وعدم وجود تسهيلات مالية لاصحاب المعامل وعدم منحهم القروض . وأكدت “الأمر يحتاج الى اجراء تغييرات كبيرة وليس فقط وضع قوانين وتطبيقها كحبر على ورق . و كشفت بالأرقام ماسيخسره القطاعان الخاص والعام في العراق بسبب ما يجري من احداث عسكرية في الرمادي. حيث يوجد في محافظة الانبار منفذان حدوديان مهمان هما الوليد الذي يربط العراق بسوريا وطريبيل مع الاردن وهذان المنفذان يغطيان ثلثي احتياج السوق العراقية من البضائع “، موضحة ان”العراق يستورد من هذين المنفذين ما مقداره /270/ مليون دولار للقطاعين الخاص والعام”.
واضافت ان ” التجارة الخارجية مع سوريا وايران والاردن تقدر بـ /64 / مليار دولار في السنة وسوف يتأثر ثلثا هذه التجارة نتيجة اغلاق الطريق الدولي في الانبار بسبب ما يجري من احداث عسكرية في تلك المنطقة”، مبينة ان” تجار البضائع سريعة التلف كالفواكه والخضر سيكونون اكثر التجار تعرضا للخسائر المالية نتيجة اغلاق الطريق الدولي”.
اللجنة الاقتصادية البرلمانية: السياسة اثرت على الاقتصاد من جانبه ، اكد عضو لجنة الاقتصاد والاستثمار البرلمانية
محما خليل اوضح ان الانتاج الوطني العراقي تأثر بشكل كبير بالظروف السياسية وعانت قطاعاته من الإهمال وعدم الاعتناء بها ما جعل الصناعة الوطنية متأخرة، والقوانين التي صدرت مؤخرا فيما يخص الضرائب والتعرفة الكمركية لابد ان تفعَّل بشكل جدي لان ذلك سوف يضمن لنا توفير الحماية للمنتوج الوطني وبكل الأحوال فان الاقتصاد العراقي شانه شان الاقتصاد العالمي يتأثر بكل التقلبات والمتغيرات التي يتعرض لها البلد، واذا لم يتم وضع خطط وبرامج مستقبلية للنهوض بالصناعه العراقية فان الأمر سيكون مأساويا ويبقى المستورد هو من يسد حاجة المستهلكين (على حد وصفه.)
اللجنة الاستثمارية النيابية: القطاعات تلاشت بسبب الاهمال
فيما أكدت النائبة ناهدة الدايني عضو لجنة الاستثمارالنيابية “أن القطاع الصناعي العراقي بكامله يحتاج الى الاهتمام والدعم وإعادة فتح المعامل والمصانع وإعطاء القروض للصناعيين لتنمية الصناعة الوطنية والنهوض بالواقع الصناعي بكامله، وبينت أنه” اذا استمر هذا الإهمال الحكومي للقطاعات الصناعية فسوف تنقرض الصناعة الوطنية، لذا فان الأمر يحتاج الى دراسة ،و في المرحلة الراهنة فان الصناعة مثل بقية المؤسسات الاخرى تأثرت بشكل سلبي بالظروف التي رافقت عملية سقوط النظام وما بعدها، إلا ان هذا الأمر انعكس ليزيد من تلك المشاكل التي يواجهها هذا القطاع وفي مقدمتها انحسار الدعم المادي والشروط الموضوعية لازدهار الصناعة الوطنية ،والمنتج العراقي يحمل مواصفات جيدة ولدينا طاقات بشرية مبدعة “متسائلة” لماذا لا نستغلها في دعم الاقتصاد الوطني؟”.
المدى