مقتبس من كتاب (في رحاب العقيدة) لسماحة آية الله العظمى المرجع الديني الكبير السيد الحكيم (مدّ ظله)
نحن في الوقت الذي نؤكد فيه أن الأولى بالمسلمين ـ بدلاً من تشهير بعضهم ببعض وانشغالهم بتراشق الطعون والتهم بينهم ـ أن يهتم كل منهم..
أولاً: بتحقيق الحقائق الدينية بموضوعية كاملة مع التجرد عن التراكمات والعصبيات، من أجل الخروج عن المسؤولية أمام الله تعالى، والأمن من خذلانه في الدنيا، وعقابه في الآخرة.
وثانياً: بتأكيد وحدتهم تحت راية الإسلام العظيم، وما يشتركون فيه من عقائد حقة، والتعاون بينهم من أجل رفع كلمة الإسلام وخدمة الأهداف المشتركة.
في الوقت الذي نؤكد فيه ذلك نقول لمن همه تراشق التهم والطعن على الشيعة والتشنيع عليهم: عليكم أن تختاروا من التهم ما يضرّ بالشيعة وحدهم، من دون أن يضر بالإسلام عموماً وبمقدساته ورموزه المشتركة.
مثلاً: اتهام الشيعة بالغلوّ اتهام قاسٍ ظالمٌ، إلا أنه يخصّ الشيعة ويضرّ بهم وحدهم. فإما دافعوا عن أنفسهم وتخلصوا من تبعة الاتهام المذكور، أو عجزوا عن ذلك ـ ولو لضعفهم إعلامياً ـ فنلتم ما تريدون وشفيتم غيظكم.
أما اتهام الشيعة بأنهم يقولون بتحريف القرآن الشريف، فهو لا يضرّ بالشيعة وحدهم، بل يضرّ بالقرآن الكريم الذي هو كتاب المسلمين عامة، ومعجزة الإسلام الخالدة، لأنه يسجل نقطة ضعف عليه، وأنه ليس بنحو من الوضوح والظهور بحيث يفرض نفسه ويتسالم عليه المسلمون بأجمعهم.
بل هناك طائفة كبيرة من المسلمين لا تقره وتراه محرفاً، كما حرفت بقية الكتب السماوية. وهو أمر يستغله أعداء الإسلام والقرآن، الذين يتربصون بهما الدوائر، ويبغونهما الغوائل.
وإذا كان الأشخاص الذين يطلقون هذا الاتهام يحاولون تقليل شأن الشيعة وعزلهم عن الكيان الإسلامي، فذلك أمر لا يقره الواقع القائم. فإن موقع الشيعة في الكيان الإسلامي ومركزهم من الأهمية والظهور بحدّ لا تنفع معه المكابرات والمغالطات. ولولا ذلك لما قامت هذه الحملة الإعلامية، ولما حصلت هذه الضغوط التي نشهدها اليوم ضدّ التشيع.
على أن الأعداء الذين يحلو لهم أن يستغلوا هذا الاتهام ضدّ القرآن المجيد والإسلام العظيم يتجاهلون ـ عاجلاً أو آجلاً ـ هذه المحاولة من أجل تضخيم نقطة الضعف المذكورة ضدّ الإسلام والقرآن.
وحتى لو دافع الشيعة عن اتهامهم بالقول بتحريف القرآن الشريف، واثبتوا كذبه، فإن العدوّ المشترك لا يسمع ذلك منهم، ويبقى متشبثاً بالاتهام المذكور، ويحاول تضخيمه ما وجد له سبيلاً.
أما لو أراد بعض الشيعة أن يرد بالمثل، ويتحرى من يظهر منهم القول بالتحريف من السنة، فالخطر أعظم، حيث يستغل العدوّ حينئذٍ إجماع الشيعة والسنة على تحريف القرآن، من أجل النيل من كرامة القرآن، وعظمة الإسلام، ويتجاهل الإجماع العملي الذي سبقت الإشارة إليه، وتصريحات أعلام المسلمين، وجميع ما يذكرونه من الشواهد على عدم التحريف، ليقضي مآربه ومقاصده الظالمة.
وإذا كانت التهم المتبادلة بين طوائف المسلمين فيما مضى تنتشر بينهم في إطار ضيق، ولا تتجاوزهم، فإنها ـ اليوم بسبب وسائل الإعلام المتطورة ـ تنتشر بين أعداء الإسلام وتصل إليهم، كما تنتشر بين المسلمين، بل أكثر بكثير، وذلك يسهّل على العدو تسجيل نقاط الضعف على الإسلام، وتكثيرها واستغلالها.
فليعرف الذين يجندون أقلامهم للطعن بالشيعة في مثل هذه الأمور الحساسة، التي تضرّ بمقدسات المسلمين جميعاً، ماذا يجنون على الإسلام ومقدساته. ولينتبه المسلمون عموماً للخطر المحدق بهم وبدينهم ومقدساتهم، وليحسنوا التصرف، ويتحملوا مسؤوليتهم إزاء ذلك كله.
وقد حدث لنا قبل سبع سنين تقريباً نظير ذلك. فقد ضاق جماعة من شباب الشيعة المثقفين بحملة التهريج ضدّ الشيعة في قضية تحريف القرآن الكريم، وحاولوا البحث عما عند السنة في هذا الموضوع، وجمع أكبر عدد ممكن، ليردوا بالمثل. وفعلاً قد عثروا على أحاديث للسنة في ذلك عجيبة، وآراء غريبة، وشطحات فظيعة.
لكن حاولنا التخفيف من غلوائهم، وكبح جماحهم، وتنبيههم لواقع المشكلة، وقلنا لهم: لا تحاولوا نشر ما تطلعون عليه بصورة موسعة، واكتفوا بتنبيه المهاجمين والمتحرشين بصورة فردية إلى خطئهم، حذراً من أن يجرّ تراشق التهم، وتبادل الطعون، وجمع التصريحات الشاذّة، ونشرها بصورة موسعة، في هذه المسألة الحساسة، إلى النيل من كرامة القرآن الشريف، من حيث نشعر أو لا نشعر.
وقلنا لهم: إن ظلم الشيعة والطعن عليهم أهون من الطعن بالقرآن المجيد والنيل من مقامه الرفيع. فصبروا على مضض. والحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه، وإنا لله وإنا إليه راجعون [والعاقبة للمتقين] سورة القصص. الآية: 38.