الحوار: السبيل الناجح من العنف الفاضح
بقلم الشيخ ستار الحميد العبادي ..
الحمد لله رب العالمين والصلاه والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين .
ان الاسلوب الامثل والناجح للتخلص من العنف والتكفير والقتل والطعن والتوهين والسباب هو الحوار الهادئ والمفيد يخدم الشريعه والدين والمجتمع الاسلامي بل يحفظ المجتمعات الانسانيه ككل نلاحظ
هناك علاقة تبادلية بين الحوار الجاد والهادف والعنف بانواعه، بمعنى أنه كلما كان الحوار نشطاً وإيجابياً وصحياً كلما قلت نزعات العنف، وكلما انسدت قنوات الحوار أو ضاقت أو تقلصت كلما ازدادت نزعات العنف. ولكي تتضح هذه العلاقة فسنستعرض بإيجاز بعض التعريفات والآليات والمحددات للعنف والوسائل الوقائية منه ثم نتبع ذلك باستعراض بعض مفاهيم وأنماط الحوار في حالاته السلبية والايجابية، وذلك سعيا لتحقيق أكبر قدر ممكن من الحوار الصحي النشط الذي يثرى الوجود البشرى ويجنبه الآثار السلبية لنزعات العنف بانواعه
في اللغه عنف العُنْف بالضم ضد الرفق .تقول منه : عَنُفَ عليه بالضم (عُنْفاً) ،و(عَنُفَ) به أيضاً و (التعنيف) التعيير واللوم ويتضح من التعريف اللغوي أن العنف لم يقتصر على الإيذاء الجسدي بل هو شامل للإيذاء الجسدي واللفظي على حد سواء، في الاصطلاح- العنف هو أي سلوك اوحركه موجه بهدف إيذاء شخص أو أشخاص او مجتمع او طائفه او مذهب او قوميه والمقابل لا يرغب في ذلك ويحاول تفاديه باي طريقه إشكاليات التعريف :- على الرغم من تعدد تعريفات العنف في الثقافات المختلفة إلا أنه يبقى هناك تساؤلات كثيرة حول وصف سلوك معين بأنه عنفاً ، لأن ذلك غالباً ما يرتبط بالسياق الذي تم فيه هذا السلوك ، فالعنف الذي يمارس من أجل سلب الآخرين حقوقهم أو قهرهم لقبول وضع معين يختلف تماماً عن العنف الذي يكون الدافع إليه دفع باطل أو إحقاق حق أو دفاع عن النفس أو العرض أو الوطن أو العقيدة …الخ، وهناك بعض التعريفات التي تقصر العنف على الإيذاء الجسدي دون اللفظي ، وأغلب التعريفات لا تبرز العنف السلبي كالصمت والعناد والمكايدة بل تتعدها
آليات العنف :
للعنف آليات كثيرة ومتشابكة تتضافر مع بعضها لتؤدي إلى انطلاق نزعات العنف .. ورغم تعدد وتشابك الأسباب إلا أن كثيرين من علماء النفس يرون أن الإحباط خلال مسيرته العمليه هو أهم عامل منفرد يؤدى إلى العنف ويفسرون العلاقة بين العنف والإحباط علاقه ترابطيه كما سوف نذكر النظريات القائله فيه من خلال اطلاعنا عليها بدقه من خلال كتابات ومقالات كثيره منها
نظريات العنف : (Theories of aggression)
(1) العنف سلوك غريزي :
” كان فرويد يعتقد – في كتاباته المبكرة -أن سلوك الإنسان ينشأ بشكل مباشر أو غير مباشر مما أسماه غريزة الحياة (Eros)، وأسمى طاقة هذه الغريزة “الليبيدو” (Libido)، وقال بأنها موجهة نحو تدعيم الحياة ونمائها. وأن العنف من هذا المنظور ينشأ من إحباط أو سد منافذ هذه الطاقة . ولكن بعد الأحداث المأساوية التي عاصرها في الحرب العالمية الأولى ، كتب عن وجود غريزة أخرى هائلة هي غريزة الموت (Thanatos)، وتنطلق هذه الغريزة وتتوجه نحو التدمير وإنهاء الحياة . وذهب فرويد إلى أن سلوك الإنسان يتحدد بالتفاعل بين هاتين الغريزتين.
” أما لورنز (Lorenz, 1966) فيرى أن العنف ينشأ مما أسماه “غريزة العراك” (Fight instinct) والتي يشترك فيها الإنسان مع باقي الكائنات، وأن العنف في الإنسان طبقا لهذا المفهوم شيئا لا يمكن تفاديه فهو سلوك حتمي.
(2) العنف كسلوك مكتسب :
ويرى أصحاب هذا الرأي وخاصة ألبرت باندورا (Bandura,1973) أن العنف يعتبر سلوكاً مكتسباً في الوسط الاجتماعي من خلال :-
أ- اكتساب استجابات العنف خلال التجارب الحياتية السابقة (مثل اعتداء الآخرين عليه ومحاولة الدفاع عن نفسه).
ب- التدعيم الذي يلقاه الشخص حين يمارس العنف (كأن يصبح مهابا بين الناس أو يصبح فتوة الحارة أو يصبح بطلا في نظرهم).
ج- وجود ظروف اجتماعية وبيئية خاصة تستثير العنف بشكل مباشر.
(3) العنف نتيجة عطب عصبي تشريحي في المخ :
وأصحاب هذا الرأي يقولون بأن هناك ارتباط قوي بين سلوك العنف وإصابات الرأس، ويرون أن نسبة كبيرة ممن يقومون بالسلوك العنيف قد تعرضوا في فترة من فترات حياتهم للاعتداء عليهم مما أدى إلى إصابات متفاوتة لخلايا المخ.
محددات العنف : (Aggression Determinants)
المحددات الاجتماعية : –
(1) الإحباط : ويعتبر هو أهم عامل منفرد او جماعي لانه ليس الاحباط يصيب فقط الافراد بل بعض الاحيان يصيب المجتمعات في استثارة العنف لدى الإنسان وليس معنى هذا أن كل إحباط يؤدي إلى العنف ، أو أن كل عنف هو نتيجة إحباط ولكي يؤدي الإحباط إلى العنف فلابد أن يتوفر عاملان أساسيان :
أولهما : أن الإحباط يجب أن يكون شديدا ، وثانيهما : أن الشخص يستقبل هذا الإحباط على إنه ظلم واقع عليه وانه مظلوم وخلاف العدل ويجمل الشريعه السبب بذلك ولايعرف ان الحياه فيها صعود ونزول وتغير احوال.
(2) الاستثارة المباشرة من الآخرين :- وربما تكون هذه الاستثارة بسيطة في البداية كلفظ غير مالوف جارح غليظ أو مهين ولكن يمكن أن تتضاعف الاستثارات المتبادلة لتصل بالشخص إلى أقصى درجات العنف اللفظي والتسقيط.
(3) التعرض لنماذج عنف : وهذا يحدث حين يشاهد المشاهد نماذج كثيره ومنوعه للعنف في التليفزيون أو السينما ، فإن ذلك يجعله أكثر ميلا للعنف من خلال آليات ثلاثة هي
أ- التعلم بالملاحظة : (Observational Learning) :
حيث يتعلم الشخص من مشاهد العنف التي يراها طرقاً واساليب جديدة لإيذاء وتحقير الآخرين لم يكن يعرفها من قبل .
ب- الانفلات (Disinhibition) : بمعنى أن الضوابط والموانع التي تعتبر حاجزا بين الإنسان والعنف تضعف تدريجيا كلما تعرض لمشاهد عنف يمارسها الآخرون أمامه على الشاشة .
ج- تقليل الحساسية (Desensitization) : حيث تقل حساسية الشخص للآثار المؤلمة للعنف وللمعاناة التي يعانيها ضحية هذا العنف كلما تكررت عليه مشاهد العنف، فيصبح بذلك أكثر إقداما على العنف دون الإحساس بالألم أو تأنيب الضمير .
” المحددات البيئية (Enviromental Determinants) مثل تلوث الهواء والضجيج والازدحام … إلخ
” المحددات الموقفية (Situational Determinants) :
1- الاستشارة الفسيولوجية العالية : مثال لذلك المنافسة الشديدة في المسابقات، أو التدريبات الرياضية العنيفة، أو التعرض لأفلام تحوي مشاهد مثيرة.
2- الاستثارة الجنسية : فقد وجد أن التعرض للاستثارة الجنسية العالية (كأن يرى الشخص فيلماً مليئا بالمشاهد الجنسية) يهيئ الشخص لاستجابات العنف .
3- الألم : فحين يتعرض الإنسان للألم الجسدي يكون أكثر ميلا للعنف نحو أي شخص أمامه.
“ المحددات العضوية : (Organic Determinants)
1- الهرمونات والعقاقير : تعزو بعض الدراسات العنف إلى ارتفاع نسبة هرمون الأندورجين (الهرمون الذكري) في الدم ، وإن كانت هذه الدراسات غير مؤكدة حتى الآن.
ويؤدي استعمال العقاقير كالكحول والباربتيورات والأفيونات إلى زيادة الاندفاع نحو العنف.
2- الناقلات العصبية : بشكل عام ترتبط زيادة الدوبامين ونقص السيروتونين بالعنف، في حين أن زيادة السيروتونين والـ GABA تؤدي إلى التقليل من السلوك العنيف.
3- الصبغيات الوراثية : أكدت دراسات التوائم زيادة نسبة السلوكيات العنيفة في توأم أحادي البويضة إذا كان التوأم الآخر متسما بالعنف . وأكدت دراسات وراثية أخرى زيادة العنف في الأشخاص ذوي الذكاء المنخفض ، وفي أولئك الذين لديهم تاريخ عائلي للاضطرابات النفسية وهناك احتمال لم يتأكد بشكل قاطع أن الأشخاص ذوي التركيب الكروموسومي XYY يميلون لأن يكونوا أكثر ميلا للعنف .
* العنف العائلي :
1- تصور الخاطئ الرجل عن المرأة والعكس
2- الإحباط عموماً والإحباط في العلاقات الزوجية بوجه خاص
3- إزاحة العنف :
أ- من الخارج إلى الداخل : حيثما يوجد الاستبداد السياسي والعنف الدولي أو الاجتماعي يوجد الاستبداد والعنف داخل الأسرة وخاصة من الرجل نحو المرأة
ب- من الداخل إلى الداخل : إزاحة العنف المتجه أساساً نحو الزوج أو الزوجة إلى الأولاد
* العلاقة بين الاستبداد السياسي والعنف العائلي :
كتب قاسم أمين في كتابه “المرأة الجديدة” عام 1900 يقول : “يوجد تلازم بين الحالة السياسية والحالة العائلية في كل بلد. ففي كل مكان حط الرجل من منزلة المرأة وعاملها معاملة الرقيق حط نفسه وأفقدها وجدان الحرية . وبالعكس في البلاد التي تتمتع فيها النساء بحريتهن الشخصية يتمتع الرجال بحريتهم السياسية، فالحالتان مرتبطتان ارتباطاً كلياً. وإن لسائل أن يسأل : أي الحالتين أثرت في الأخرى ؟ نقول : إنهما متفاعلتان، وأن لكل منهما تأثيراً في مقابلتها، وبعبارة أخرى : إن شكل الحكومة يؤثر في الآداب المنزلية والآداب المنزلية تؤثر في الهيئة الاجتماعية، ففي البلاد الشرقية تجد أن المرأة في رق الرجل، والرجل في رق الحاكم، فهو ظالم في بيته مظلوم إذا خرج منه”
الوقاية والعلاج :-
1) توجيه العناية نحو الفئات الهشة (الأكثر قابلية لاستثارة العنف) للتعرف على مثيرات العنف لديها ومحاولة خفض هذه المثيرات.
2) دراسة حالات العنف دراسة علمية مستفيضة لاستكشاف الجوانب العضوية والنفسية والاجتماعية التي تحتاج إلى علاج.
3) الحوار الصحي الإيجابي لإعطاء الفرصة لكل الفئات للتعبير عن نفسها بشكل منظم وآمن يقلل من فرص اللجوء إلى العنف.
4) التدريب على المهارات الاجتماعية، حيث وجد أن الأشخاص ذوي الميول نحو العنف لديهم مشكلات كثيرة في التواصل والتفاعل الاجتماعي مما يضعهم في كثير من الأحيان في مواجهات حادة وخطرة مع من يتعاملون معهم، وهذا يستثير العنف لديهم . لذلك فإن برنامجاً للتدريب على المهارات الاجتماعية كمهارة التواصل ومهارة تحمل الإحباط وغيرها . يمكن أن يؤدي إلى خفض الميول العدوانية لدى هؤلاء الأشخاص .
5) العقاب : أحياناً يؤدي العقاب المناسب (خاصة إذا كان قريباً من الفعل العنيف زمنيا) إلى تقليل حدة وتكرار السلوكيات العنيفة من خلال الارتباط الشرطي بين العنف والعقاب. ولكن إذا كانت هناك فترة زمنية طويلة بين الفعل العنيف وبين توقيع العقوبة، أو كان العقاب غير متناسب مع الفعل العنيف فإن العقاب ربما يؤدي إلى نتيجة عكسية فيزيد من احتمالات زيادة العنف، وهذا ملاحظ في الحالات التي تتعرض للإيذاء الجسدي والنفسي العنيف حيث يصبحون أكثر ميلاً نحو العنف، بل ويزداد عنفهم خطورة.
6) الاستجابات المغايرة : وهذه الطريقة تقوم على مواجهة السلوك العنيف بسلوك مغاير تماما يؤدي إلى إيقاف العنف والتقليل من معاودته. وكمثال على ذلك إذا وجد الشخص ذوي الميول العنيفة أن الشخص المقابل يعامله بحب وتعاطف وشفقة فإن ذلك يقلل من اندفاعاته العنيفة، وهذا مصداق للآية “ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم” ومثال آخر : أن تقابل الميول العنيفة بالدعابة من الطرف الآخر، وقد وجد فعلا بالتجربة أن الدعابة والطرافة في المواقف الحادة تقلل من احتمالات العنف . ووجد أيضاً أن إيقاظ الإحساس بالذنب أو الانغماس في نشاط ذهني معرفي، أو التعرض لبعض المثيرات المحببة للشخص ، كل هذا يمكن أن يؤدي إلى انخفاض نزعات العنف.
7) العلاج الدوائي : وهذا العلاج يصبح ذو أهمية خاصة في الحالات المرضية كالاضطرابات العضوية أو النفسية وحتى في غير هذه الحالات وجد أن لبعض الأدوية مثل الليثيوم وأدوية الصرع والمهدئات الجسيمة أثراً على نزعات العنف.