نساء الريف في النجف الأشرف تحت طائلة القهر والمعاناة
547
شارك
الحكمة (خاص): آلاء الشمري
أيامها متشابهة كأجنحة مروحة لا تنفك عن التوقف.. تبدأ بالعمل المبكر وتنتهي بالنوم المبكر لغرض النهوض المبكر أيضاً ..وهكذا تستمر الدوامة اليومية وتدور المرأة فيها طوال اليوم دون كلل أو جزع فهي حياتها التي اعتادتها ولم تجد بديلا عنهاً .. لم تعتد الشكوى أو التوقف لالتقاط الأنفاس فهي مطالبة بالعمل وتحمل المسؤولية باستمرار ومنذ طفولتها. إنها المرأة المنزوية بين النخيل والزرع والماشية لإنجاب الأطفال وإدارة شؤون المنزل والخروج في الوقت نفسه إلى الحقل لتمارس مهام الرجل الخشنة.. وعزاؤها الوحيد في حياتها هو رؤية أولادها يكبرون وينجبون .. وخلال تلك الرحلة تواجه المرأة الريفية معوقات وواقعا مأساويا ربما كان السبب في منحها الصلابة والصبر فضلا عن سمرة مكتسبة من حرارة الشمس وخشونة في اليدين ووعيا وبصيرة تلقائيين.. في الوقت الذي تترك فيه آلاف النساء الحضريات بصماتهن على خارطة التطور في المجتمعات كافة.
تقول (فاطمة) ان: “معيشتي بهذا الشكل لا تمثل مشكلة بالنسبة لي فقد تربيت منذ الصغر على مساعدة أهلي وطاعتهم طاعة عمياء وخدمة أشقائي دون مناقشة لأنهم ذكور ولا يمكن للمرأة أن تتفوق عليهم بأي شيء”.
ورغم ان طموحا متواضعا نما لدى فاطمة حين بلغت المرحلة المتوسطة بإكمال دراستها والعمل كمحامية لإعجابها بالمحاميات في المسلسلات والأفلام العربية لكن عدم وجود مدرسة متوسطة للفتيات في منطقتها الريفية في أطراف النجف منعها من الاستمرار ..فضلا عن الأعراف العشائرية التي يؤمن بها أهلها والتي تقضي بان مكان المرأة الحقيقي هو المنزل وواجبها الرئيسي هو خدمة الزوج وتربية الأولاد .. وهكذا التحقت فاطمة بركب فتيات قريتها فانتظرت الزوج الذي لا يخرج حتما عن دائرة أبناء عمومتها وبدأت معه حياة شبيهة بحياة والدتها وجدتها من قبلها.
من جانبها تعترض الحاجة الريفية أم حميد على مقارنة الحاضر بالماضي فهي ترى أن: “الريف الحالي يختلف كثيرا عن ريف الماضي فلم تكن هناك حنفيات للماء النقي أو تيار كهربائي كما أن الحالة المادية في الأرياف اختلفت فضلا عن التأثر بالحضارة في المدينة فامتلأت المنازل الريفية بالأجهزة الكهربائية المختلفة التي سهلت عمل النساء”.
مضيفة ان: “النساء الريفيات الآن متبطرات وكسولات لاعتمادهن على الطباخ الغازي والتنور الغازي والغسالة”.
مؤكدة ان: “الريف العراقي فقد طعمه وجماله منذ أن زحفت نحوه مظاهر الحضارة”.
ويقول الباحث الاجتماعي محمد الموسوي ان: “ظاهرة (النهوة) هي من الحالات السيئة الموروثة وقد مورست بكثرة في الأرياف ومازالت موجودة رغم التطور العلمي والثقافي ورفض القوانين الحديثة لهذه الظاهرة المجحفة”.
مضيفا ان: “للنهوة آثارا سلبية عديدة فهناك مثل شائع تردده النساء المرغمات على الزواج في الأرياف وهو «من الباب للكوسر فرج» والمقصود به ان يطرأ طارئ مفاجئ يغير الأمور لصالح العروس وتجد نفسها فجأة وقد تخلصت من الزوج الذي أرغمت عليه لتختار نصيبها بنفسها”.
نديمة واحدة من الفتيات التي وجدت نفسها ضحية لمبدأ (النهوة) حين تقدم ابن خالتها لخطبتها إذ اعترض ابن عمها لأنه أولى بها .. وتحول الأمر الى ما يشبه التهديد ثم فوجئ الجميع بمطالبة ابن عمها بمبلغ كبير يدفعه له ابن خالتها ليمنحها حريتها ورغم استهجان الجميع لأسلوب «التسول» و«الابتزاز» الذي مارسه ابن عمها فقد وافق ابن خالتها في الحال وعادت لنديمة حريتها بينما حصل ابن عمها على مبلغ لم يكن يحلم به ليتزوج بدوره من فتاة اخرى.
ويؤكد أحد وجهاء عشيرة الجبور ان: “مثل هذه الحالات المنبوذة واستخدام النهوة كوسيلة للابتزاز موجودة حيث يطلب ابن العم مبلغا معينا من الراغب في الزواج من ابنة عمه مقابل موافقته على زواجه منها حتى لو كان طالب الزواج هذا لا يناسبها فالمهم هو الكسب المادي في هذه الحالة”.
موضحا ان: “انتشار هذه الظاهرة قد تضاعف مع تزايد العنف وتسلل الخوف الى أهالي القرى والأرياف عندما غاب القانون وعاد مبدأ القوة ليصبح فيصلا بين الناس”.
مضيفا انه: ” يصعب ايجاد جانب ايجابي لمبدأ (النهوة) مادام يعبر عن الإرغام والإكراه ويقود الى عواقب وخيمة أحيانا لكن هناك نوع من الايجابية للنهوة في بعض الاحيانإذ يمكن اعتبارها نوعا من الاعتزاز ببنت العم والحرص عليها في حالة كون الزوج غير مؤهل وعليه شوائب كثيرة.. ففي العرف العشائري يؤخذ عامل النسب بعين الاعتبار وفي حالة ارتباط المرأة بشخص لا يمتلك نسبا أصيلا او توجد مؤشرات سلبية على سلوك عشيرته أو عائلته فمن حق أقارب الفتاة الاعتراض ومنعها من الزواج منه”.
لكنه في الوقت ذاته يرفض في كل الأحوال ارغام الفتاة على الزواج ويعتبر ذلك «بيعا لها» ولا يتناسب مع مروءة وشهامة أبناء العشائر ويفضل إقناعها وجعلها تدرك ان ارتباطها بأبناء عمها أفضل لها.
وجوه أخرى للزواج مازال ريفنا العراقي يزخر بها ومنها تزويج المراة وفق نظام (المقايضة) أو (البدل) أو (كصة بكصة) كما يطلق عليه في العراق اذ يلجأ بعض الآباء الى هذا الزواج لإدامة الصلة بين الأشقاء بتزويج أولادهم وبناتهم فيما بينهم ويستخدمه أحيانا شباب يقيمون علاقات مع شابات من قريتهم او قرى مجاورة ولتجنب (نهوة) أبناء العم يزوجون شقيقاتهم لأشقاء حبيباتهم كنوع من (البدل) ولا ينجح مثل هذا الزواج غالبا اذ يتزوج أحد الطرفين بناءً على علاقة عاطفية بينما يجبر الطرف الثاني على الزواج لإرضاء الأشقاء فقط وعندما يختلف أحد الطرفين أو يحصل طلاق يتضرر الطرف الثاني حتى لو كان على وفاق ويحصل الطلاق للجميع فيكون الكل ضحايا وأولهم أطفال الطرفين”.
وترى الباحثة الاجتماعية سلمى جابر ان: “ظاهرة زواج البدل التي تنتشر في الأرياف تعود بالضرر غالبا على طرف دون الآخر وسبب لجوء البعض لهذا الزواج هو محاولة زيادة التماسك الاجتماعي بين العوائل أو اختصار النفقات لكن النوايا الطيبة التي تختفي خلف هذا الزواج سرعان ما تنتهي وتتحول أحيانا إلى عداوات بسبب المساوئ الناتجة عن زواج البدل وابرزها انهيار زواج دون الآخر أو انهيارهما معا فضلا عن تساوي المهور وطريقة تجهيز العرسان وفي هذا ظلم للعرائس اللواتي ينتظرن أيام الزواج بلهفة لتحقيق أحلامهن في شراء ما يرغبن به ويتميزنبه عن سواهن.
وتقترح جابر: “قيام المنظمات والجمعيات الحكومية بتنظيم ندوات وجولات في القرى والمناطق الشعبية لتوعية السكان بضرورة نبذ العادات البالية في ما يخص الزواج لأن الضحايا دائما هم جميع الاطراف بمن فيهم الأولاد”.
كما دعت إلى تضمين المناهج الدراسية الجديدة مواد عن حقوق المرأة والمعاناة التي تواجهها بسبب التقاليد البالية وتوعية الطلبة بكيفية محاربة هذه التقاليد لئلا يكون احدهم يوما ضحية لأحدها.