رسالة يسوع حول لحم الخنزير

348

3-9-2014-3-d

لربما حرم يسوع لحم الخنزير إما اعتمادا على ما جاء في التوراة التي اقرّها ولم ينسخها كما نرى ذلك واضحا في إنجيل متى 5: 17 ((لا تظنوا أني جئتُ لأنقضَ الناموس. . ما جئت لأنقض بل لأكمل)).
والناموس أو التوراة صريحة وواضحة جدا في تحريم لحم الخنزير ولكل مشتقاته. فاكتفى يسوع بذلك حيث يقول الناموس كما في سفر التثنية 14: 8 (( والخنزير فهو نجسُ لكم. فمن لحمها لا تأكلوا وجثثها لا تلمسوا)).
أو انه حرّمهُ في الإنجيل ، ولكن النص ضاع بضياع الإنجيل كله.
ولما دوّن التلاميذ سيرة يسوع ، لم يذكروا حلالا ولا حراما أبدا فلا (معاملات ولا عبادات ) ولذلك نرى الإنجيل يخلو من أي ذكر للأمور الاجتماعية أو السياسية أو الاقتصادية ، بل حفل الإنجيل فقط ببعض ما قام به يسوع وشاهده التلاميذ من أعمال.
(هكذا قال يسوع ، هكذا فعل، أخرج شياطين . أولى معجزاته صناعة الخمر. اخذ حمارا وجلس عليه شفى بعض الأمراض دعى على شجرة التين فيبست يسحبه الشيطان ليختبره . حتى أنه لم يعلمهم الصلاة ولا الصوم) باعتراف هذه الكتب نفسها كما نقرأ ذلك واضحا في إنجيل لوقا 11: 1 (( وإذ كان يُصلي في موضع، لمّا فرغ، قال واحدُ من تلاميذه: يارب علمنا أن نُصلي كما علُم يوحنا أيضا تلاميذه)).
فإذا كان يسوع لم يُعلّم تلاميذه حتى الصلاة ، فهل يُعقل أن ينهاهم عن المحرمات الأخرى . ولذلك ترى انه لا شيء حرام في المسيحية.
ولكن مع كل هذه الفوضى كنت اقلب الرأي دائما حول نص ورد في كل من إنجيل متى، لوقا ، مرقص . هذا النص عبارة عن رسالة وجهها يسوع إلى الناس حول خطورة لحم الخنزير وانه غير صالح للأكل لأنه مأوى كل المفاسد التي لا تصلح أن يتناولها الإنسان لأنها تقوم بتخريب داخلي في شخصيته وتعطيل مروّع لغرائز الغير والشرف والشهامة ، ولكن هذه الرسالة مع الأسف لم يستطع التلاميذ نقلها كما هي بل ان صياغتها بالطريقة التي نقلها التلاميذ شوشت هذه الرسالة.

ولذلك نرى نفس الرسالة نقلها مرقس لا كما نقلها متى ، وأما لوقا فقد خربط أحوال الرسالة وجعلها غير صالحة للبحث ، ولكن بتجميع الأنقاض المتبقية يظهر لنا من خلالها تفسيرا مفاده أن يسوع ترك رسالة مهمة حول حرمة ونجاسة لحم الخنزير وخطورته .
سألت بعض الآباء المقدسين ، فلم أجد عندهم شيئا لا بل لم أجد لهم علما حتى أن بعضهم أكد لي بأنه لم يخطر في باله أن يكون هذا النص له علاقة بتحريم لحم الخنزير، وان بحثي فيه فاجأ الكنيسة.
ولكن الأب غسان أيوب روبير راعي كنيسة القوش أيد رأيي عندما قلت له : لماذا اختارت الأرواح النجسة والشياطين أن تدخل في الخنازير ، ولم تختر الدخول في الأغنام والأبقار أو الحمير حيث كانت موجودة في المكان . هل هي رسالة من يسوع لنا علينا أن نفك رموزها ؟
فقال : تفسير منطقي جيد استمري فيه واعرضي النتائج علي لأراها.
فماذا ورد في هذه الرسالة ؟
أولا تعال معي أخي القارئ لترى الاضطراب في النقل بين الأناجيل .
متى في إنجيله يقول بأن الذي استقبل يسوع اثنين من المجانين كانا يسكنان في المقابر .
في حين أن مرقس يقول أنه مجنون واحد خرج ليسوع من المقابر.
وأما لوقا فقال انه مجنون واحد ولكنه خرج من المدينة وهو يعيش في القبور.

النص يقول كما في إنجيل متى 8 : 30 ((ولما جاء ـــ يسوع ـــ إلى كورة الجرجيسيين، استقبلهُ مجنونان خارجان من القبور هائجان جدا، حتى لم يكن أحدٌ يقدرُ أن يجتاز من تلك الطريق. صرخا قائلين : ما لنا ولك يا يسوع ابن الله ؟ أجئت إلى هنا قبل الوقت لتعذبنا؟ وكان بعيدا منهم قطيع خنازير كثيرة ترعى. فالشياطين طلبوا إليه قائلين: إن كنت تخرجنا، فأذن لنا أن نذهب إلى قطيع الخنازير . فقال لهم امضوا. فخرجوا ومضوا إلى قطيع الخنازير ، وإذا قطيع الخنازير كله قد اندفع من على الجرف إلى البحر ومات في المياه)).
طبعا المسيحية برمتها لا تستطيع أن تعطينا تفسيرا لتصرف الخنازير هذا ، لماذا انتحرت الخنازير وألقت بنفسها في البحر بمجرد دخول الأرواح النجسة فيها ؟؟؟؟؟!!!!
أما في إنجيل مرقس فيقول بأن في هذا المجنون روح نجس كما في 5 : 2 ((استقبله من القبور إنسان به روح نجس)).
مما تقدم نفهم أن يسوع أرسل رسالة إلى أتباعه مفادها أن أجساد الخنازير فيها قابلية استقبال (الشياطين ، والأرواح النجسة الشريرة) ولربما هو رمز للبكتريا والفايروسات الخطيرة (1) لأن كلمة شياطين والجن تعني كل مستتر لا يُرى بالعين إما لكونه متناهي الصغر أو لخاصية في ذاته.
وأن الإشارة إلى أن الخنازير بعد أن دخلتها هذه الخبائث رمت نفسها بالبحر وانتحرت وماتت . هذا رمزُ إلى انه يجب رمي هذه اللحوم وعدم أكلها لما فيها من ضرر بالغ على جسم الإنسان.
ولذلك ترى ان الخنزير يقترن ذكره دائما بالأماكن النجسة الغير طاهرة والموحشة كما نرى ذلك في سفر إشعياء 65: 4 (( يجلس في القبور، ويبيتُ في المدافن. يأكلُ لحم الخنزير)). فجمع النص بين القبور والمدافن ولحم الخنزير.
لقد كان المؤمنون الأولين ملتزمين جدا بالشريعة حتى لو عُذبوا العذاب الشديد فإنهم لا يقربون لحم الخنزير لأنه محرم عليهم فكانوا يُفضلون الموت على أكل لحم الخنزير ، فكان الملوك يُعذبوهم بالمقارع والسياط ويلقونهم في الطواجن والقدور الحامية ويتم قطع لسان من لا يأكل لحم الخنزير ويُسلخ جلد رأسه وتُجدع أطرافه ويُقلى بالزيت وهو حي . (2)
فعلا بعد أن أتممت البحث أرسلته للأب غسان، الذي أجابني بعد حين بقوله: (( أنا لا أفتي بحرمته ولكني لا آكله بعد الآن)).
المصادر والتوضيحات ــــــــــــــــ
1- في موقع الخدمة العربية للكرازة بالإنجيل يقول القس قاسم إبراهيم في معرض رده على سؤال : هل إن لحم الخنزير يُسبب بعض الأمراض فيقول : إن لحم الخنـزير يتأثر بالبكتريا، أي الجراثيم أسرع من غيره، فإنه يعطب قبل غيره من اللحوم. وعندها فإن تناوله يضرّ الصحة، وقد يسبب أحياناً بعض الأمراض الخطيرة. ، والمعروف أن أحد الأمراض الشائقة التي يسببها لحم الخنـزير المريض “هو التريشينويز” الذي يؤثر على الجهاز العصبي عند الإنسان، وقد تكون الإصابة به خطيرة إن لم يعالج جيداً.
2- انظر سفر المكابيين الثاني 7: 1 (( فأخذ الملك يُكرههم على تناول لحوم الخنزير المحرمة، ويُعذبهم بالمقارع والسياط. فانتدب أحدهم للكلام وقال: إنا لنختار أن نموت ولا نُخالف شريعة ــ الله ــ فحنق الملك وأمر بإحماء الطواجن والقدور، وان يُقطع لسان الذي تكلم ، ويُسلخ جلد رأسه وتُجدع أطرافهُ امر بأن يؤخذ إلى النار وفيه رمق من الحياة ويُقلى)).

إيزابيل بنيامين ماما اشوري

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*