السبب في تكذيب الجمهور للشيعة
مقتبس من كتاب (في رحاب العقيدة) لسماحة المرجع الديني الكبير السيد الحكيم (مد ظله)
لا يلام الجمهور على إعراضهم عن أهل البيت (عليهم السلام) وميلهم إلى أعدائهم، إذ من الطبيعي أن تضيق صدورهم مما يرويه الشيعة من فضائل أهل البيت (عليهم السلام) ومثالب أعدائهم، ويقطعون عليهم بالكذب والافتراء، فالناس أعداء ما جهلوا.
بعض الطرائف في تكذيب الجمهور للشيعة
ولهم في ذلك طرائف..
1 ـ فقد تقدم أن يحيى بن معين كذب أبا الأزهر أحمد بن الأزهر، لأنه روى قول النبي (صلى الله عليه وآله) لأمير المؤمنين (عليه السلام): «أنت سيد في الدنيا، سيد في الآخرة…».
تكذيب الشخص لأنه يروي مثالب معاوية
2 ـ وقال الذهبي: «إبراهيم بن الحكم بن ظهير الكوفي شيعي جلد. له عن شريك. قال أبو حاتم: كذاب. روى في مثالب معاوية، فمزقنا ما كتبنا عنه»(1).
فانظر إلى أبي حاتم كيف كان يوثق إبراهيم بن الحكم حتى كتب عنه. لكنه لما روى مثالب معاوية قطع عليه بالكذب، فمزق ما كتب من حديثه. وكأن الضرورة قامت على أن معاوية خير لا شر فيه، حتى يقطع على من يروي مثالبه بالكذب! بينما تقدم قريباً عن أحمد بن حنبل في حق معاوية ما تقدم. بل أمره أظهر من ذلك.
حديث: «علمني ألف باب…»
3 ـ ويقول الذهبي أيضاً: «ابن حبان، حدثنا أبو يعلى، حدثنا كامل ابن طلحة، حدثنا ابن لهيعة، حدثني حيي بن عبدالله، عن أبي عبد الرحمن الحبلي، عن عبدالله بن عمرو: أن رسول الله(ص) قال في مرضه: ادعوا لي أخي. فدعي له أبو بكر، فأعرض عنه. ثم قال: ادعو لي أخي، فدعي له عثمان، فأعرض عنه، ثم دعي له علي، فستره بثوبه، وأكب عليه. فلما خرج من عنده قيل له: ما قال؟ قال: علمني ألف باب، كل باب يفتح ألف باب.
هذا حديث منكر، كأنه موضوع».
ثم قال بعد كلام طويل: «فأما قول أحمد بن عدي في الحديث الماضي ـ علمني ألف باب يفتح كل باب ألف باب ـ: فلعل البلاء فيه من ابن لهيعة، فإنه مفرط في التشيع. فما سمعنا بهذا عن ابن لهيعة، بل ولا علمت أنه غير مفرط في التشيع، ولا الرجل متهم بالوضع. بل لعله أدخل على كامل، فإنه شيخ محله الصدق، لعل بعض الرافضة أدخله في كتابه ولم يتفطن هو. فالله أعلم»(2).
فانظر إليهم كيف استنكروا الحديث، لأنه تضمن فضيلة لأمير المؤمنين (عليه السلام) زويت عن غيره. ولو انعكس الأمر لسارعوا للتصديق به.
ثم لما لم يجد الذهبي مطعناً في سند الحديث ضاق صدره به، فبدلاً من أن يذعن له تشبث باحتمال أن يكون قد أقحم من قبل بعض الرافضة في كتاب كامل من دون أن يتفطن كامل لذلك. وهكذا يتشبث الغريق بالطحلب!
4 ـ وأطرف من ذلك قوله: «الحسن بن محمد بن محمد بن يحيى بن الحسن بن جعفر بن عبيد الله بن الحسين بن زين العابدين علي بن الشهيد الحسين العلوي ـ ابن أخي أبي طاهر النسابة ـ عن إسحاق الدبري. روى بقلة حياء عن الدبري عن عبدالرزاق بإسناد كالشمس: علي خير البشر.
وعن الدبري عن عبد الرزاق عن معمر عن محمد بن عبد الله الصامت عن أبي ذر مرفوعاً. قال: علي وذريته يختمون الأوصياء إلى يوم الدين.
فهذان دالان على كذبه، وعلى رفضه(عفا الله عنه). وروى عنه ابن زرقويه وأبو علي بن شاذان.
وما العجب من افتراء هذا العلوي. بل العجب من الخطيب، فإنه قال في ترجمته: أخبرنا الحسن بن أبي طالب، حدثنا محمد بن إسحاق القطيعي… عن جابر مرفوعاً: علي خير البشر، فمن أبى فقد كفر. ثم قال: هذا حديث منكر. ما رواه سوى العلوي بهذا الإسناد، وليس بثابت.
قلت: فإنما يقول الحافظ: ليس بثابت في مثل خبر القلتين، وخبر: الخال وارث. لا في مثل هذا الباطل الجلي. نعوذ بالله من الخذلان. مات العلوي سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة. ولولا أنه متهم لازدحم عليه المحدثون، فإنه معمر»(3).
حديث: «علي خير البشر…»
فانظر إليه كيف قطع بكذب الحديث الأول بهذا النحو الصارم، وكيف اعتبر الخطيب مخذولاً، لأنه لم يقطع بكذبه مثله، مع أن هذا المضمون قد روي بطرق أخر عن جماعة من الصحابة والتابعين(4) ، ورفعه بعضهم للنبي (صلى الله عليه وآله).(5).
وبعض المؤلفين من الجمهور يحاول رده بضعف السند. وبعضهم يحاول تأويله وحمله على أنه خير البشر في زمانه حين بيعة الناس له(6) ، أو خير البشر بعد الخلفاء الثلاثة الذين تقدموا عليه(7)… إلى غير ذلك مما لا يناسب القطع بوضعه.
مضافاً إلى أنه معتضد بكثير من الشواهد، مثل ما ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله) أن أمير المؤمنين (عليه السلام) سيد المسلمين، أو المؤمنين، وإمام المتقين(8) ، وأنه أعظم الناس عند الله مزية(9).
وقوله (صلى الله عليه وآله): «علي سيد العرب»(10).
وحديث الطائر المشوي الذي يأتي التعرض له قريباً.
وقوله (صلى الله عليه وآله) لابنته الصديقة فاطمة (صلوات الله عليها): «يا فاطمة أما ترضين أن الله عزوجل اطلع إلى أهل الأرض، فاختار رجلين أحدهما أبوك، والآخر بعلك»(11).
وقوله (صلى الله عليه وآله): «لو لم يخلق علي ماكان لفاطمة كفؤ»(12) ، وغير ذلك مما لا يسعنا استقصاؤه.
كما روي عن عبد الله بن مسعود أنه قال: «كنا نتحدث أن أفضل أهل المدينة علي بن أبي طالب»(13) ، وقال: «قرأت على رسول الله(ص) سبعين سورة، وختمت القرآن على خير الناس علي بن أبي طالب (رضي الله عنه)»(14)… إلى غير ذلك.
وقد تقدم قبل قليل عن أحمد بن حنبل قوله: «ما جاء لأحد من أصحاب رسول الله(ص) من الفضائل ما جاء لعلي بن أبي طالب». وعن القاضي إسماعيل والنسائي وأبي علي وغيرهم: أنه لم يرد في حق أحد من الصحابة بالأسانيد الجياد ـ أو بالأحاديث الحسان ـ ما جاء في علي.
حديث: «علي وذريته يـختمون الأوصياء إلى يوم القيامة»
وكذا الحال في الحديث الثاني، فإن وصية أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) عن النبي (صلى الله عليه وآله) من المشهورات في الحديث وفي ألسنة الصحابة والتابعين، كما تقدم في جواب السؤال الرابع.
وإذا كان هو (عليه السلام) وصياً للنبي (صلى الله عليه وآله) فليس عزيزاً أن تكون الوصية في ذريته من بعده. وبهم ختام الوصاية عن الأنبياء.
ولا تفسير ـ مع كل ذلك ـ لموقف الذهبي الشديد من الحديثين الشريفين، ومن الشريف العلوي الراوي لهما، إلا التعصب.
حديثا: «النظر إلى وجه علي (عليه السلام) عبادة، وفرض حبه على الأولاد»
5 ـ ومثله في ذلك قول ابن حبان: «الحسن بن علي بن زكريا أبو سعيد العدوي، من أهل البصرة، سكن بغداد. يروي عن شيوخ لم يرهم، ويضع على من رآهم الحديث. كان ببغداد في أحياء أيامنا، فأردت السماع منه للاختبار، فأخذت جزءاً من حديثه، فرأيته حدث عن أبي الربيع الزهراني ومحمد بن عبد بن الأعلى الصنعاني. قالا: ثنا عبد الرزاق، أنبأ معمر، عن الزهري، عن عروة، عن أبي بكر الصديق، قال: قال رسول الله(ص): النظر إلى وجه علي (عليه السلام) عبادة.
وهذا شيء لا يشك عوام أصحاب الحديث أنه موضوع. ما روى الصديق هذا الخبر قط، ولا الصديقة رواته، ولا عروة حدث به، ولا الزهري ذكره، ولا معمر قاله. فمن وضع مثل هذا على الزهراني والصنعاني ـ وهما متقنا أهل البصرة ـ لبالحري أن يهجر في الروايات.
وروى عن أحمد بن عبدة الضبي، عن ابن عيينة، عن أبي الزبير، عن جابر، قال: أمرنا رسول الله(ص) أن نفرض أولادنا على حب علي بن أبي طالب.
وهذا أيضاً باطل. ما أمر رسول الله(ص) بهذا مطلقاً، ولا جابر قاله، ولا أبو الزبير ولا ابن عيينة حدث به، ولا أحمد بن عبدة ذكر بهذا الإسناد. فالمستمع لا يشك أنه موضوع. فلم أذهب إلى هذا الشيخ، ولا سمعت منه شيئاً…»(15).
وقد يكون له وجهة نظره في ضعف سند الحديثين. أما القطع عليهما بالوضع فلا يتضح لنا سبب له غير النصب. ولاسيما وأن الحديث الأول روي بأسانيد متعددة(16) ، ويناسبه أحاديث أخر(17) ، أما الحديث الثاني فقد ورد ما يشبهه في أحاديث أخر(18) ، ويناسبه ما استفاض بل تواتر في حبه وبغضه (عليه السلام).
حديث الطائر المشوي
6 ـ وحديث الطير المشهور الذي صححه جمع من الحفاظ المتضمن أنه أهدي لرسول الله (صلى الله عليه وآله) طائر مشوي، فدعا الله تعالى أن يؤتيه بأحب خلقه إليه يأكله معه، فجاء أمير المؤمنين (عليه السلام) مرتين، فرده أنس خادم رسول الله (صلى الله عليه وآله)، رجاء أن يأتي رجل من قومه من الأنصار، فينال هذه الفضيلة، وفي الثالثة أمره رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يفتح له الباب، فدخل (عليه السلام) وأكل معه (صلى الله عليه وآله) (19).
هذا الحديث يقول عنه الذهبي: «وحديث الطير ـ على ضعفه ـ فله طرق جمة، وقد أفردتها في جزء، ولم يثبت، ولا أنا بالمعتقد بطلانه»(20).
ويقول ابن كثير: «وبالجملة: ففي القلب من صحة الحديث هذا نظر، وإن كثرت طرقه»(21).
وما أدري هل يقفان هذا الموقف منه لو ورد بهذه الطرق في حق غير أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) من الأولين؟!
أما عبد الله بن أبي داود ـ الذي سبق عند الكلام في طعن الأقران بعضهم في بعض بهوى، أنه أنكر حديث الغدير ـ فقد أغرق في رد حديث الطير، حيث قال: «إن صح حديث الطير فنبوة النبي(ص) باطل، لأنه حكى عن حاجب النبي(ص) خيانة، وحاجب النبي لا يكون خائناً»(22).
وقد رد الذهبي على هذه العبارة بشدة، حيث قال: «هذه عبارة رديئة، وكلام نحس، بل نبوة محمد(ص) حق قطعي إن صح حديث الطير وإن لم يصح، وما وجه الارتباط؟!…» ثم استطرد ببيان هفوات بعض الصحابة.
لكنه حاول التخفيف من جناية ابن أبي داود، بل مدحه، حيث قال: «وقد أخطأ ابن أبي داود في عبارته وقوله. وله على خطئه أجر واحد. وليس من شرط الثقة أن لا يخطئ، ولا يغلط، ولا يسهو. والرجل فمن كبار علماء الإسلام، ومن أوثق الحفاظ. (رحمه الله تعالى)ـ»(23).
مع أنه هو الذي سبق من الذهبي نفسه ـ عند الكلام في طعن الأقران بعضهم ببعض بهوى ـ أن حكى طعن جماعة فيه، منهم أبوه، وأنه قال: «ابني عبدالله كذاب». فراجع. والحديث في ذلك طويل. وعلى هذه فقس ما سواها.
__________________________________________________