البطالة في العراق .. الواقع والانعكاسات
البطالة أو العطالة، والكلمتان لهما نفس المعنى: البطالة من الباطل وهو الشر والضلال، ولفظة العاطل أصلها من العطل وهو الفساد والسوء والخلل. ربما كانت لغتنا العربية تنفرد بهذا المعنى التي تعبر عنه اللغات اللاتينية بألفاظ حيادية تعني عدم العمل لا غير(1) .
أما منظمة العمل الدولية ILO فتعرف العاطل عن العمل بأنه:”كل من هو قادر على العمل، وراغب فيه، ويبحث عنه، ويقبله عند مستوى الأجر السائد، ولكن دون جدوى”.
إن ظاهرة البطالة تعني العجز عن إيجاد فرص عمل مناسبة للحصول على دخل ذي مستوى معيشي لائق، فلكل شخص الحق في العمل و حرية اختياره كما أن له حق الحماية من البطالة، فالعمل ليس لغرض زيادة الإنتاج وتحسين نوعيته فقط بل هو حق من حقوق الإنسان و تلبية لحاجة من حاجاته الأساسية.
وفي ضوء التحولات والتغييرات الجديدة في العراق والتي تستدعي جهودًا استثنائية للعمل من أجل الرقي الاقتصادي والاجتماعي، فمن خلال انعكاسات حوادث الماضي والرؤية المستقبلية للظاهرة فالبطالة هي سياسة إفقار، إذ لم يعد خافيًا على أحد أضرار هذه الآفة وعلى امتداد السنوات الماضية كثيرا ما أطنبت الجهات الرسمية والمنظمات في الحديث عن هذه المعضلة وحاول العدد من الباحثين والمختصين تشخيص وتفسير البطالة بهدف التحكم أو السيطرة عليها.
إلا أن البطالة أصبحت من أخطر المشكلات التي تهدد المجتمعات المعاصرة عمومًا وإحدى التحديات الراهنة والمستقبلية التي نواجهها، وقد كثرت البطالة بصورة مدهشة في العراق ولم تنفع كل المساعي للحد من هذه الظاهرة وتأثيراتها المدمرة لفئات واسعة من أبناء المجتمع وعلى الأخص الشباب منهم مما أدى إلى استشرائها إلى حد لم يعد بالإمكان تحمله أو السكوت عليه.
فشيوع البطالة وشحة فرص العمل مقارنة بنسبة الراغبين بالعمل، وتفاقم البطالة يومًا بعد يوم، سيكون لها آثار وانعكاسات اجتماعية واقتصادية وسياسية سلبية، ودون أدنى شك تشكل هذه الآثار خطرًا على المجتمع عند ارتفاع نسبة العاطلين عن العمل وتركهم دون مصدر رزق وما يترتب على هذه الآثار من انعكاسات اجتماعية وأخلاقية واقتصادية وسياسية، فاجتماعيًّا تؤدي إلى سوء العلاقات الاجتماعية، وأخلاقيًّا الانحراف والجريمة والعنف، واقتصاديًّا الفقر وما يترتب عليه من سوء الرعاية الصحية وانخفاض المستوى التعليمي وبالتالي انخفاض مستوى الإنتاجية، وسياسيًّا ما يترتب عليها من تهديدات وتوترات على النظام السياسي القائم، وهذه الأبعاد متفاعلة فيما بينها فالبطالة تؤدي إلى الفقر وهو بدوره يؤدي إلى الصراعات الاجتماعية وارتفاع نسب الجريمة والعنف وبالتالي فإن هذه الأبعاد تؤدي إلى عدم استقرار الدولة.
فمن تداعيات الاحتلال وغياب الدولة والقانون ودخول البلد في حالة من الفوضى وانعدام الأمن وتردي الأوضاع الاقتصادية وارتفاع نسبة البطالة، وكثرة الجرائم، إذ غالبًا ما ترتفع نسبة البطالة أوقات الحروب والأزمات مما تشكل خطرًا على المجتمع لأن ذلك يمكن أن يؤدي ببعض العاطلين إلى الانحراف ومزاولة أعمال غير شرعية وفي هذه الحالة يجب أن توضع الحلول والمعالجات المناسبة لها.
وإن عدم وجود معالجة حقيقة وملموسة لتشغيل العاطلين وإنقاذهم من ضنك العيش وخلق مصدر مستقر للرزق لهم، إلا أن ذلك لم يأتِ بمعالجات سريعة وملموسة في تطويق البطالة، حتى وصل الحال إلى أزمة بطالة تخيم على المجتمع العراقي بأسره، والسؤال الذي تمليه هذه الظاهرة يتعلق بالأسباب الحقيقية والانعكاسات الكامنة وراءها.
وعليه يتحدد هدف البحث في بيان واقع البطالة وأسبابها فضلا عن أنواع البطالة التي يعاني منها الفرد العراقي، وكذلك بتسليط الضوء على الانعكاسات الاقتصادية والاجتماعية والنفسية الناتجة عن استمرار البطالة وكيفية وضع حد لها عبر بعض الاقتراحات في معالجة لأسبابها ودوافعها لاستيعابها ومعالجاتها بسرعة من خلال اجتثاث هذه الآفة قبل أي شيء آخر، أما مشكلة البحث فتشير تقديرات عديدة إلى أن نسبة البطالة، التي كانت أصلا مرتفعة في عهد النظام السابق، وبلغت حاليا مستوى عاليًا وما لذلك من تداعيات جسيمة، ومن أهمها ما يشهده العراق من اضطرابات في الأوضاع السياسية و الاقتصادية والاجتماعية.
وبناءً على ما سبق فإن الفرضية التي يقوم عليها البحث هي أن هذه الشريحة الهامة من المجتمع يمكن أن تصبح عامل عدم استقرار في حال تواصل البطالة نتيجة فقدان مصدر الرزق الذي يؤمن الاحتياجات الأساسية للأسرة وما ينتج عن ذلك من شعور العاطل بالإحباط واليأس، ما ينذر بحدوث كارثة اجتماعية واقتصادية بل وأيضاً سياسية، أو على العكس قد تساهم هذه الشريحة في رفع مستوى الأداء الاقتصادي العراقي وتحقيق التنمية الشاملة.
أولاً : واقع و أسباب البطالة في العراق
يبلغ عدد سكان العراق25.609 مليون نسمة تقريبًا ، وتقدر الفئة العمرية في سن العمل 15-65 للسكان بحوالي 56.2% وتبلغ نسبة القوة العاملة من مجموع السكان 27.3%، بينما تقدر نسبة البطالة بنحو 30%من القوة العاملة بحسب الإحصائيات الرسمية، بينما تشير تقديرات أخرى إلى أنها تصل نحو 80% لكن في الوقت نفسه إن هذه النسبة ليست بالضرورة أن تكون دقيقة كما أشارت بعض التقارير، على أن التفاوت بين النسب المحددة في نسبة البطالة يعود إلى عدم توافر إحصائيات ومسوحات ديمغرافيه دقيقة عن السكان، وعدم شفافية البيانات المتعلقة بالبطالة، إلا إنها تدل على مدى حجم الطاقة البشرية المهدورة والمهمشة ويجسد خطورة البطالة باعتبارها مشكلة اجتماعية واقتصادية وسياسية بكل أبعادها ومضاعفاتها وهي تزداد اتساعًا طالما أن فرص العمل الجديدة تعجز عن استيعاب الأعداد المتزايدة من طالبي العمل(2).
ولهذا فخارطة البطالة في العراق غير واضحة المعالم إلا أنها تدل على وجود منخفضات شاسعة للعاطلين عن العمل وتنوع في تضاريس البطالة، وفي مسح لوزارة التخطيط والتعاون الدولي العراقية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في العراق، أكد ارتفاع نسبة البطالة في العراق.
ومن الأفضل لنا أن نحدد الأسباب الخاصة بالبطالة في العراق وأنواعها والتي من خلالها تم تطور السياسات المناسبة التي تعالج المشكلة.
أسباب البطالة
لو قارنا نسبة البطالة في العراق مع الدول العربية ندرك حجم المشكلة التي نعيشها فعلى سبيل المثال لا الحصر في الأردن وصلت إلى 15% وفي إيران14% وفي مصر 9.2% وفي الكويت 1.1% من القوة العاملة، و يمكن ملاحظة هذا التباين مع باقي دول العالم من خلال الاطلاع على الإحصائيات الدورية أو السنوية التي تنشرها بعض المنظمات ذات العلاقة التابعة لها.
وهذا يدفعنا في تحليل ودراسة الأسباب والعوامل التي أدت إلى بروز المشكلة بهذا الارتفاع الكبير قياسًا بباقي الدول فعلى العموم يمكن حصرها في التالي:
1- عجز النظام السابق عن توفير فرص عمل جديدة للقادرين على العمل، لأسباب كثيرة منها التراجع في قدرة القطاع العام على التوظيف وضعف القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي مما أدى إلى أن يكون معدل البطالة تراكمي.
2- عدم قدرة الدولة الحالية في إيجاد فرص العمل، سواء في القطاع الحكومي نتيجة التشبع الوظيفي وبالتالي اللجوء إلى تقليص فرص العمل، وكذلك بسبب عدم توفر التسهيلات الكافية إلى هذه الفترة للقطاع الخاص وللاضطرابات الأمنية أدت إلى التردد في تدفقات الاستثمارات الأجنبية وكذلك عدم توفر العمالة المؤهلة لاستخدام التكنولوجيا الحديثة التي تعتمد عليها هذه الاستثمارات.
3- عدم موائمة مخرجات التعليم كمًّا مع احتياجات سوق العمل ونوعًا في مواكبة التطورات العلمية والتكنولوجية والتحولات الاقتصادية الجديدة، وبالتالي تؤدي إلى ارتفاع نسبة العاطلين من حملة الشهادات الجامعية من جملة العاطلين.
4– كذلك ضعف الاقتصاد وتراجع معدلات النمو.
5– تتسم البطالة في العراق بأنها مشكلة مستفحلة مقابل اقتصاد بسيط يحاول النهوض، كما أن السياسة المالية والنقدية التي تحفز الإنتاج والإنتاجية و ترفع من مستوى النمو الاقتصادي وتشجع القطاع الخاص الذي يسهم في استحداث فرص عمل جديدة إضافية، ضعفت وليست بالمستوى المطلوبة للمرحلة الحالية.
6- ارتفاع نسبة الداخلين لسوق العمل وخصوصًا الشباب منهم ، وبالمقابل قصور في جانب الطلب عن استيعاب المعروض من القوة العاملة.
7- النظرة الدونية لبعض المهن ولعمل المرأة بالخصوص وبالتالي ارتفاع نسبة بطالة الإناث والذكور.
8- عدم توفر البيانات عن القوة العاملة والبطالة.
في ضوء الاستنتاجات السابقة قد يكون من المهم الأخذ في الاعتبار المقترحات الآتية كاستراتيجيات للتعامل مع الظاهرة بأسلوب علمي، و التي يمكن من خلالها الحد من وجود البطالة واتخاذ تدابير اجتماعية في معالجة الكثير من المشاكل النفسية والاجتماعية المترتبة عن هذه الظاهرة وانتشارها.
1. إن مشكلة البطالة يجب أن تحظى بأولوية قصوى من قبل الحكومة الجديدة وأهمية تضافر الجهود في إيجاد المزيد من الوظائف للحد من البطالة المرتفعة حيث إن خلق المزيد من فرص العمل سيكون له الأثر في تحسين الوضع الأمني.
2. وفي زحمة البحث عن مخارج لائقة لإشكاليات البطالة فمشكلة تحتاج إلى برنامج استراتيجي متعدد الأبعاد وطويل الأجل لبناء سياسات وخطط استراتيجية تربط التنمية الشاملة والعمالة، إذ إن قضية البطالة وإعادة هيكلة أسواق العمل تشكل أهم التحديات التي تواجه الجهود المبذولة من قبل الحكومة خاصة فيما يتعلق بخطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
3. إن تحقيق النمو الاقتصادي أمر لا غنى عنه من أجل تحقيق التنمية المستدامة والقضاء على البطالة والفقر في العراق والنمو الحالي يبين ضعف المستوى، ولن يتسنى تحقيق ذلك دون أن يكون هناك نمو في القطاع الخاص كأداة أساسية ورئيسية للنمو الاقتصادي ولتوليد فرص العمل، وإزالة كل ما يعترضه من عقبات وضرورة التركيز على المشروعات الصغيرة والمتوسطة والتي من شأنها تشغيل أكبر عدد ممكن من العاطلين عن العمل.
4. إن زيادة الاستثمارات في العراق تدفع إلى حل مشكلة البطالة التي يمكن أن تزيد من فرص العمل ولاشك أن وجود عمالة متعلمة يعد مفتاحًا للمساهمة في عالم يتسم بالعولمة، فخلق وظائف هي أولوية لا تسبقها أولوية ومن أجل توسيع الفرص لابد من خلق المناخ الذي يتمكن فيه القطاع الخاص و الاستثمارات الأجنبية في الإسهام للقضاء على هذه الظاهرة وتأمين فرض عمل للعراقيين ولابد من وضع شرط للقبول في قانون الاستثمار الجديد، وذلك بمنع الشركات الأجنبية من استخدام الأيدي العاملة الأجنبية والاقتصار على العمالة الأجنبية المتخصصة و التي يحتاجها سوق العمل في الوقت الحاضر لحين إعداد وتدريب كوادر عراقية، وعلى أن تعتمد على استخدام كثافة الأيدي العاملة في المشاريع.
5. إنشاء هيئة أو مركز متخصص بالسكان النشطين اقتصاديًّا وإيجاد قاعدة معلومات متكاملة توفر كافة البيانات عن سوق العمل وإجراء بحوث مسحية وإعداد الدراسات الخاصة بالظاهرة حاليًّا و بناء التصورات المستقبلية والتي تساعد على وضع سياسات خاصة بالعمالة ولمجابهة المشكلة والإسراع في وضع الاستراتيجية لضمان توفر فرص العمل مستقبلاً وتحليل الآثار المختلفة للظاهرة وبرامج الحد منها.
6. ضرورة مساهمة مؤسسات المجتمع المدني في تدعيم شبكات الأمان الاجتماعي وعقد ندوات فكرية وثقافية لتعريف المواطن بالآثار السلبية لتزايد حجم البطالة على مختلف جوانب الحياة، وكذلك أهمية دور وسائل الإعلام المختلفة.
7. تمكين المرأة وتوظيف قدراتها ومشاركتها في الحياة العامة لتصبح عضوًا فاعلا في المجتمع وزيادة مجالات فرص عمل المرأة باعتبارها طاقة كامنة مهدورة.
8. تشجيع التعليم الفني المهني لكلا الجنسين وبيان أهمية التعليم المهني في تنمية المهارات والقدرات البشرية المعرفية والتقنية للعمالة وسيكون له دور هام في تجهيز العمالة العراقية لمواجهة التغيرات الهيكلية والتحولات التي طرأت على طلب اليد العاملة في سوق العمل، كما يتطلب فتح مراكز تدريب لتمكين الاقتصادي للفرد العراقي وخصوصًا فيما يخص الحاسوب واللغة والذي يساعدهم في الحصول على عمل.
9. ودون ريب هنالك مستقبلات بديلة، كذلك من المتوقع تزايد حدة مشكلة البطالة مستقبلاً خاصة أن قوة العمل البشرية في تزايد أكثر وذلك نتيجة النمو السكاني مستقبلا.
د. هدى زوير الدعمي/ مركز إنماء للبحوث والدراسات