واقعة الطف .. بين التشابيه والمسرح والسينما

301

24-10-2014-3-d

كم من الناس يتسلقون قمم الخلود والسمو وكم من هؤلاء الذين يغيرون قوانين الزمان والمكان. ليكونوا ملكاً للانسانية
أولئك هم عظماء الحياة، وأبطال الإنسانية، ولذلك ستبقى مسيرة الحياة، تسير الخطى نحوهم، وما أروع الشموخ إذا كان صنعه الايمان بالله، وصاغته عقيدة السماء. الحسين بن علي (عليه السلام) قمة من قمم الإنسانية الشامخة، وبيرق من بيارق البطولة والفداء. كل الاشياء تقف صامتة في حضرة الحسين وتركع لتنهل من اساطير التضحية والفداء. الفكر يتشتت وتخرس الالسن أمام وجود هائل من التألق، كوجود الحسين… وأمام إيمان، كإيمان الحسين… وأمام سمو شامخ عملاق كسمو الحسين… وأمام حياة زاهرة بالفيض والعطاء كحياة الحسين..
لايمكن ان نلج هذا العالم الرحب عالم السمو والشهادة ولايمكننا ان نسبر اغوار هذه الملحمة الانسانية الرائعة.. من يريد ان يعرف الحسين عليه اولا ان يفهم الحسين وان يذوب في بودقة الحسين ويسير على هدى الحسين .الحسين فكرة تجلت باروع المعاني الانسانية واكتسحت كل المفاهيم الدنيوية.. كيف يمكن ان نوصل فكرة الحسين بصورة بهية بعيدا عن المغالاة… التشابيه الحسينية صورة من صور الايصال بطريقة فنية ممسرحة اخذت طابعا فنيا عفويا. إن التشابيه الحسينية التي تقدم في أيام محرم ضمن الشعائر الدينية التي تقام في مثل هذه الإيام تعمق ذكرى النهضة الحسينية ومبادئها في نفوس المشاهدين لها وتبقى صورة الحادثة ماثلة أمام الناس. فمعركة الطف من خلال هذه التشابيه تمسرح بشكل أحتفالي ضخم يصل أحيانا إلى تجسيد المأساة بكل تفاصيلها. فهنالك ساحة القتال والفريقان المتحاربان، في جانب الإمام الحسين والجانب الآخر جنود يزيد وعلى محيط ساحة الحدث تحتشد الجماهير لتجد التاثير والحزن على وجوه الحاضرين. ويلبس المؤدون لهذه الأدوار ملابس خاصة بهم وهو يمتطون الخيول  ويحملون الرايات والسيوف ويلبسون لباس الحرب ويسيرون في موكب عزائي ترافقهم الطبول والأبواق حتى ينتهي هذا العزاء بذكر مصاب هذه الشخصية التي يؤدون دورها على مسامع الحاضرين لينتهي الموكب بعزاء اللطم وذكر الأشعار التي تؤبن هذه الشخصية المقدسة.لم تاخذ هذه التشابيه البعد المسرحي الكامل اي انه لم يقدم حتى الان عملا مسرحيا يتناول واقعة الطف بشكل مفصل وهنا لابد ذكر عدة اسباب منها:
بسبب ان هناك ما يؤخذ على الفنان العراقي انه كان متخوفا او هناك محاذير كثيرة كانت تفرضها الحكومات السابقة وايضا ما كان يمكن ان يسبب حساسية تجاه السلطات السابقة، طبعا واقعة الطف تلك المرجعية العظيمة عملت واشتغل عليها في معظم مسارح البلدان المجاورة للعراق ولكن علينا ان ننتبه في هذا الوقت تحديدا إلى كيفية الافادة من هذه التجربة والمرجعية الكبيرة في تقديمها بعرض مسرحي خصوصا ان هذه الواقعة قدمت شعبيا ما يسمى بـ(التشابيه) التي هي شكل من اشكال العرض المسرحي الذي كان يقدم مطلع الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي والتي تعتمد فقط على الهواة وتقديم الملحمة بشكل فوتوغرافي.
الفن موضوع آخر ممكن ان يستخرج من واقعة الطف آلاف القصص والرؤى على ان لا تخرج من المتن الحقيقي للواقعة وضرورتها وايضا تأثيرها في المجتمع العراقي، واذا اراد الفن ان يستخرج من الواقعة ما يمكن ان يؤسس لمنظومة عرض مسرحي جمالي متطور عليه ان لا يأخذ من الواقعة شكلها والمتن الحكائي السردي المتعارف عليه الذي اصبح معروفا حتى لدى الاطفال والجانب الوجداني العاطفي هو الوحيد المتمسك بمثل هكذا عروض (التشابيه) وحتى العاملون في مثل هذه العروض يكون عندهم التأثير في الناس هو معيار نجاحهم.

قضية كربلاء في السينما:
حول بروز قضية كربلاء في السينما (كانت قضية الإمام الحسين ((ع)) من أهم المواضيع التي تم طرحها في السينما العربية والإسلامية على أكثر من صعيد. فهناك بعض التجارب العربية المتمثلة عند بعض المخرجين المصريين، فضلاً عن استعداد للمخرج العراقي (قاسم حول) الذي لم تسعفه المادة والدعم لعمل ذلك الفيلم، حيث كان من المقرر إخراجه في العراق وخصوصاً في كربلاء.
وأما في التجربة الإيرانية فقضية الإمام الحسين (ع) كانت «موتورة» بمعنى وقوفها عند تجربة فيلم (الواقعة) بصورة مباشرة، وفيلم عبدالله الأنصاري بصورة غير مباشرة. أبرز المعوقات التي تمنع ظهور الفيلم الحسيني تتمثل في عدم تركيز الجهود على الرؤية التاريخية والإخراجية الكفيلة بإخراج الفيلم أو المسلسل بسبيل يوصل الرسالة بطريقة إبداعية ومؤثرة، فإذا كانت قصة كربلاء تثير الشجن عند قراءتها فما عساك تتخيل عند مشاهدتها. فضلاً عن نقص الدعم المالي، إذ أن عقلية الدعم للأفلام الرسالية لم تترسخ بعد، وهذا يستدعي توجهاً مدروساً من أصحاب الخطاب الديني الملتزم من جهة، وتقديم دراسات اجتماعية واقتصادية متخصصة من جهة أخرى.أما بخصوص الموقف المطلوب من قبل التجار أو الحوزات الدينية الموقف المطلوب من التجار هو توضيح الجدوى الاقتصادية في حال تبني المشروع والقيام به، وتبيان الأهمية الدينية كمصداق لدعم القضية الحسينية وإحياء الشعائر. أما بالنسبة لموقف الحوزات الدينية، فالمطلوب هو العمل على البحث من النواحي الشرعية للأمور المتعلقة بشؤون السينما والفن، ونشره للمهتمين، وإقامة ندوات مفتوحة لمناقشة مثل هذه المشاريع أو إقامة ندوات متخصصة تجمع التجار وعلماء الدين وأولي الاختصاص تحت مظلة واحدة.

اختلاف الرؤى حول النص التاريخي
وبخصوص إمكانية وجود نصوص إسلامية متفق عليها أدبياً وتاريخياً لتقديم مأساة كربلاء بصورة ترضيّ جميع الطوائف الإسلامية هذا السؤال يفترض حالة مثالية نأمل الوصول إليها، بينما دونها الكثير من التفاصيل التاريخية التي يعتمدها أهل الطوائف والمؤرخين على اختلاف مشاربهم. وأن كنت لا أبحث أبداً عن نص واحد للحادثة، فلكل حدث تاريخي الزاوية التي يمكن للمؤرخ أن يرصدها برؤية خاصة. كما أنه لكل عدسة مخرج يسلط عدسته على الحدث الذي يريد تقديمه وصياغة رؤيته من خلاله، فاختلاف الرؤى في الأحداث التاريخية كفيل بتوليد أفلام ونصوص متعددة للحدث الواحد).
(ليس صعبا ان تقوم هوليوود بانتاج فيلم عن واقعة الطف إذا توفرت إرادة قوية بهذا الاتجاه، فسوف تتيح السينما العالمية لنا نقل صورة من صور كربلاء، بحيث يستلهم الناس من خلالها أداة عالمية حديثة قادرة على التواصل فيما بينهم وإيصال رؤية واضحة بخصوص واقعة كربلاء. وتوجد مشاريع صغيرة ينبغي نقدها وتشجيعها حتى تستطيع أن تثبت أقدامها، وتمتلك أدوات الفعل الفني والإبداعي لترتقي في مجال تقديم الصورة الفنية والإبداعية لشخصية الإمام الحسين (ع).

محسن إبراهيم

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*