خرجتُ أنا وأبنائي لأكثّر السواد في صفّ الإمام الحسين (عليه السلام)

225

4-12-2014-S-07

    أمّ حيدر امرأةٌ عراقيةٌ في الأربعينيات من العمر، وهي أمٌّ لولدين وكثيرة الاطّلاع, دائمةُ التفكير بدورها في هذه الحياة، لطالما تبادَرَ الى ذهنها هذا السؤال, ما هي رسالتي في القضية الحسينية؟؟

ولكن قبل عشرة أعوام من الآن وفي مثل هذه الأيام، وجدت أمّ حيدر ضالّتها, حينما كانت تتصفّح أحد الكتب الدينية في مكتبة البيت الصغيرة, وقعت عيناها على رواية عن واقعة كربلاء, ونصّها: (حين تجييش الجيوش لقتل الإمام الحسين(عليه السلام) كان بنو أمية يُحاولون جرّ أكبر عددٍ ممكن للوقوف ضدّ الإمام.. فكان أحدهم مؤمناً بالحسين وبأهل البيت(عليهم السلام) فطلبوا منه الحضور والمشاركة، فاحتار وقضى الليل قلقاً غير نائم لا يدري ما الذي يفعله ليتخلّص من هذه الدعوة الباطلة التي ستقوده الى الجحيم المحتّم! أصبح الصباح وذهب هناك بنيّة أن لا يضرب ولا يشارك وإنّما يختفى خلف الرجال حتّى تنتهي العملية ويعود الى أهله غير مذنب!!

دارت رحى المعركة وحصل ما حصل وانتهت أقصر وأعظم معركة في التأريخ… وقد تحاشى المشاركة.. فلم يضرب بسيف ولم يطعن برمح ولم يؤذِ أحداً من معسكر الحسين(عليه السلام).

نام في الليل.. فرأى في المنام أنّ القيامة قد قامت، وأنّ رسول الله(صلّى الله عليه وآله) جالس وأمامه طست (طشت) كبير فيه دمٌ أحمر قان.. وبيده مكحل. فأمر بجلب الرجل (الحالم) اليه قائلاً: “إيتوني به” وهو غاضب (أي الرسول “صلى الله عليه وآله”).. فمسكه الرجالُ وسحبوه بالقوّة الى الرسول(صلى الله عليه وآله) وقربوه أكثر، فوضع الرسول(صلى الله عليه وآله) المكحل في الطست وأخرجه وكحّل عينيه فصرخ الرجل من حرارة المكحل والدم في عينيه! وفقد بصره! فسأل الرسول(صلى الله عليه وآله): “ماذا عملت أنا يا رسول الله؟! وأنت أعلم بأنّي لم أضرب بسيفٍ ولم أطعن برمح!”..

هنا قال له الرسول غضباً: “لقد أكثرت السواد على ولدي الحسين”!!!

فهبّ من نومته وعيونه مازالتا تُحرقانه وهو في شدّة الألم ولم يزل أعمى!!.. هنا قالت له زوجته: “استغفر” فاستغفر وتاب حتى عاد بصره!!).

فتبادر إليها تساؤل وهو: كيف أستثمر هذه الرواية؟ وكيف نترجم حبّنا لسبط النبيّ الذي أُريقتْ دماؤه الطاهرة لتكوّن نهرَ العشق في القلوب المخلصة حتى صارت هائمةً في حبّه؟.

فكّرتْ وتوصّلت لنتيجةٍ مفادها أنّنا لا نملك في هذه الأيّام سوى أنفسنا وأبنائنا الذين نربّيهم على خطى الحسين(عليه السلام) لتكون من النفوس التي يفخر بها وتكون ثمرة لدمائه الطاهرة التي أُريقت على أرض كربلاء المقدّسة.

ثمّ قرأتْ روايةً عن الإمام الحسن العسكري(عليه السلام) قال: (علامات المؤمن خمس: صلاة إحدى وخمسين، -أي الفرائض اليوميّة وهي سبع عشرة ركعة والنوافل اليوميّة وهي أربعٌ وثلاثون ركعة-، وزيارة الأربعين، والتختّم باليمين، وتعفير الجبين –بالسجود-، والجهر بـ”بسم الله الرحمن الرحيم”).

4-12-2014-S-08

تقول أمّ حيدر: “اجتمعت لديّ دعوتان للمشاركة في هذه الزيارة، الأولى أن أحقّق علامة من علامات المؤمن والثانية إكثار السواد في صفّ الإمام الحسين(عليه السلام) لرهبة أعداء الدين”.

واسترسلت بالقول: “كما أنّ الحضور في زيارة الأربعين عند الإمام الحسين(عليه السلام) يُعدّ دورةً تدريبية إيمانية سنوية تُعيد من ابتعد عن دين محمدٍ(عليه وآله أفضل الصلاة والسلام) وتُرجعه الى الخطّ القويم الذي رسمه لأمّته وثبّت أركانَه الأئمةُ الكرامُ بدمائهم الطاهرة”.

قرّرتْ عندها تحضير ولديها للسير مع الجموع الموالية الى كربلاء المقدسة، وسمعت من المقرّبين أصواتاً تحدّ من عزيمتها لأنّ ولدَيْها ليسا بصحةٍ جيدة. لكنّ يقينها هو: (قل لن يصيبنا إلّا ما كتب الله لنا)، وشعارها هو: (ما كان لله ينمو)… وسارت صوب كربلاء لتكثّر السواد وتكون من المؤمنين.

كلّها عزيمةٌ وابناها ولدان بعمر ثمان سنوات وعشر سنوات، لكنّهما رجلان بحبّهما للحسين(عليه السلام) ورغبتهما بمرافقة تلك الأمّ وحمايتها من مخاطر الطريق، لكثرة ما سمعا منها عن غيرة الإمام الحسين وأخيه أبي الفضل العباس(عليهما السلام) على حرم رسول الله، وقد زرعت فيهما شيئاً من هذه الغيرة لحمايتها، وقد رافقاها غير آبهين بعظم التحدّي الذي يواجهان وكلّ سائر في هذا الطريق.

فمعاوية وأحفاده متمثّلون بالإرهاب بكلّ أنواعه الذي يُحيط بالعراق لسنوات ولازالوا يكيدون بآل البيت ومواليهم غدراً وانتقاماً ولن ينتهي حقدهم حتى ظهور الإمام الحجة بن الحسن(عليه وآبائه أفضل الصلاة والسلام).

سارت الأمّ وكلّها عزيمةٌ وكأنّها سائرةٌ في ركب الحسين الى كربلاء، مقدِّمةً ولدَيْها قرباناً لهذا الذبيح. لا يمرّ على بالها سوى أنّها وولديها نقاطٌ مضيئة تزيد في لوحة العشق الحسيني بهاءً واكتمالاً ورهبةً في صدر كلّ ناصبيّ لآل بيت المصطفى. تفكّر كيف تزيد في تثبيت هذا العشق الحسيني في قلب ولديها؟، كيف تجعلهم رجالاً وتهيّئهم لدولة العدل الإلهي؟. فالحجة بن الحسن يريد رجالاً وقلوباً ثابتة مليئةً بالحبّ والولاء والتضحية في سبيل رفع راية دين محمد(عليه وآله أفضل الصلاة والسلام) بعد أن حاول آل أمية ومَنْ والاهم طمس هذه الراية، ولولا دماء الحسين الطاهرة لما بقي موحّدٌ في هذه الأمة.

واستمرّت الأعوامُ عاماً بعد عام وكبر الصغار وصاروا رجالاً. عشر سنوات سيراً الى الإمام الحسين(عليه السلام) رحلةٌ مليئةٌ بالمخاطر والتحدّيات ومواجهة الموت في كلّ خطوة، ولم يزدهم ذلك إلّا عزيمةً وإصراراً للوصول وتجديد العهد مع الحسين(عليه السلام) وإثبات أنّ المُوالي مستعدٌّ لتقديم حياته رخيصةً في طريق سيد الشهداء، ولسان حالهم يقول: (يا ليتنا كنّا معكم سيدي فنفوز فوزاً عظيماً).

شبكة الكفيل العالمية

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*