الموسوي: المتشاعرات يتسيَّدن الإبداع النسوي
فيما تنتظر الشاعرة العراقية المقيمة في المملكة المتحدة ورود الموسوي، صدور مجموعتها الشعرية الثالثة “لا أسمعُ غيري”، تحدثت عن الوطن باعتباره “الكتاب” الأول الذي ينهل منه الإنسان، مهما كان انفصاله عنه.
وفي خضم تجربتها الحياتية والإبداعية في المغترب، أبرزت الشاعرة “سلوكيات أولئك الذين انغمسوا في الحياة الغربية حد الانصهار، ومنهم مَن بات (حاقداً) على جذوره العربية أو الشرقية، ويحاول بشتى الطرق أن يبدوَ غربياً أكثر من الغربيين أنفسهم وذاك بمظهره أو بما يصرّح به من أفكار”، وفق حديثها لـ”الصباح”.
وقالت الموسوي ان “هذا النوع لا ينبتُ له فرع قوي، لأن جذره ضعيف، والإبداع الجاد يحتاجُ جذراً ضارباً في العمق، سواء أكانَ المبدعُ عربياً أو شرقياً، أو غربياً، وما ان يتخلى المبدع عن جذوره الأم حتى يتزعزع، لذاكَ نجد المستشرقين جميعهم، مهما انغمسوا بالحياة الشرقية أو العربية ومهما أتقنوا تفاصيلها، ومهما كتبوا عنها سلباً أو ايجاباً، يظلّ ينظر لها من زاويته الغربية ويحللها من زاويته الأولى التي انطلق منها في رحلة اكتشاف الشرق، بينما الذي يغترب بالمعنى الأكاديمي لهذه الكلمة، فللأسف يتطرف كثيراً ولا أبخسُ حق المعتدلين بكل تأكيد، الذين أفادوا من الفكر الغربي وطوّعوه في أعمالهم”.
التواصل
وعدت الموسوي أن “التواصل مع الأدباء لم يعد صعباً كما السابق بسبب الثورة المعلوماتية”، ونبّهت في الوقت نفسه، إلى أن”واحدة من فوائد التغيير في العراق دخول الشبكة العنكبوتية بشكل باتَ يُعدُّ أساسياً في حياة الفرد العراقي، فما بالك بالمبدع والأديب الذي عانى من التهميش والانعزال والانفصال عن أخيه في البلدان العربية والعالمية”. وتقول الشاعرة أيضا “الفرق بين من يعيش خارج العراق وداخله، أنّ أدباء الداخل فاعلون أكثر بسبب لقاءاتهم المتعددة وبسبب الندوات والأمسيات والمهرجانات التي يُقيمونها ليلتقوا أولاً وليعرضَ كلٌّ بضاعته، وهذا بكل تأكيد يصنعُ حراكاً ثقافياً حقيقياً مما تنتج عنه قصائد مجنونة بجمالها وصياغتها ودقّة بنائها.. أما نحنُ في الخارج فمتفرقون”. وعما تبوح بها نافذتها على الوطن، استرسلت في الحديث “أستمع لقصائد الذين يعيشون في الداخل، فأرى خيطاً واضحاً يشتركون به جميعاً وهو المناخ البيئي الذي يعيشون به، وهذا الجو العام أو المناخ العام بالضرورة سيؤثر في الجميع، إذ ان اللغة واحدة والاستعارات واحدة وأحياناً التراكيب واحدة، لكن لكل شاعر تطويعاته لها، واستخداماته لها، ويظل المناخ العام للقصائد واحداً، أما المنتج الذي يُكتب خارج العراق فهو يختلف مناخياً وبيئياً عن أخيه”.
وبدت الموسوي على دراية في تفاصيل الحياة الشعرية في العراق بأجياله المختلفة. وتتحدث الموسوي عن “شأن ثقافي في الداخل، يعيشُ حالةً صحيّةً جداً في حراكه المتواصل”. واعتبرت الموسوي في هذا الصدد ان هناك “تنافسا رائعا ومتميزا ومدهشا في الشعر، لمجموعة جديدة من الشباب الذين يكتبون النص العمودي الجديد”.
القصيدة العمودية
وبحسب الشاعرة، فان “المتابع لحركة القصيدة العمودية منذ منتصف التسعينيات صعوداً الى اليوم، يلحظ أنها مرّت بمراحل تطويرية عديدة حيث تطورت على يد شعراء أصبحوا عرّابينَ لهذا المضمون الجديد من الكتابة”.
وتابعت.. “بعدهم جاء جيل آخر، ليكمل المسيرة لنصل اليوم الى قصائد تبتكرُ صورها بطريقة تُدهشُ المتلقي بقدرتها على سحب الشكل العمودي وتطويعه لدرجة نسيانك انها قصيدة عمودية”. واستطردت… “في سفرتي الأخيرة حيثُ فعاليات مهرجان المربد في مدينة البصرة، تعرفتُ على أسماء جديدة، ممن بدؤوا يكتبون منذ فترة وجيزة لكنهم استطاعوا اثبات حضورهم بشدّة”. وفيما يتعلق بقصيدة النثر، قالت “أرى تقدماً في كتابتها على المستوى الخاص، وهناك أسماء تستحق تسليط الضوء لا يسعني الحديث لحصرها، لكن ربما أفردُ لهم بحثاً نقدياً لتناول تجاربهم الإبداعية”. واعترفت الموسوي انها “مصابةٌ بداءٍ مزمنٍ اسمه العراق”..
أنصاف المتعلمات
تحدثت الموسوي، في صراحة متناهية عن “مشهد ثقافي نسوي في الداخل تتسيّده أنصاف المتعلمات وأنصاف المثقفات وأنصاف الشاعرات، أما الشاعرات الحقيقيات لا أدري أين، وأعرفُ أن في العراق شاعرات حقيقيات لم ألتقِ بهنّ بعد لكنهن مكبّلاتِ بالكثير”.
وفي تقييمها للأدب النسوي، قالت الموسوي ان “الأدب النسوي العربي أفضلُ حالاً منه في العراق، أما شعرياً فالعالم العربي عموماً والعراق خصوصاً يعاني من المتشاعرات، وأكرر (لا أتحدث عن الشاعرات الحقيقيات) فهنّ محط اعتزازي وتقديري”.
وأردفت “فما يُرتكب بحق الشعر مجزرةٌ حقيقية يساعد بها أنصاف المثقفين لإيصال سين من الناس التي لا تملك أولى مقومات الشعر (اللغة) إلى سدّة المنصّة الشعرية لتقرأ بكل ثقة نصّاً لا يخلو من الأخطاء النحوية والإملائية أيضاً..! هذه التي تصدّقُ نفسها لا أعتب عليها، لأنها صدّقت ناقداً يطبّل لها، وآخر يدعوها للمهرجان الفلاني لتقرأ”. وفي سياق انتقادها لهذه الظاهرة السلبية، وجهت الموسوي العتب “الى المؤسسة الثقافية التي ترعى هذه النماذج وتربيها وتربت على كتفها لتُنظّر فيما بعد وتقول مثل قولي هذا أن لا شواعر في العراق وتنسى نفسها لأنها أصبحتْ بنظر الضاحكين على الذقون شاعرة”.
المرأة والشعر
ونصحت الموسوي كل امرأة تحاول الخوض في غمار الشعر في العراق وفي العالم العربي أن “تتعب كثيراً على ذائقتها لتميز الخبيث من الطيب من القول، وأن تكون مثقفة بحق وتكتب بوعي ودراية وفهم وأن تقرأ بدقة منذ أول شاعرٍ خلقه الله حتى آخر شاعر، وأن تكون على اطلاع جيد على النظريات النقدية، وأن تقرأ في النثر إن كانت تكتب نثراً وفي بناء الجملة، وفي الاستعارة و في البلاغة، وفي علم البيان، وأن تمتلك قاعدة لغويةً سليمة كي لا تقع في محذور ما، أو في الأقل تدافعُ عن نصّها لو اعترض عليه أحد”.
وزادت “شخصياً أرهقني ما وصل إليه حال (الشواعر) حتى باتت كلمة شاعرة لا تشرّفني على ما رأيته يُرتكب باسم الشعر”.
المسلة