هل أصبحت أوروبا مصدِّرة للإرهاب
مفارقة، ولكنها بحاجة إلى مزيد من التدقيق لفهم أبعادها. دولة الإمارات تعتبر أحد أهم التجمعات الإسلامية في السويد (الرابطة الإسلامية في السويد) منظمة إرهابية، في حين هم ينفون أي علاقة لهم بأي جماعة سياسية، إضافة إلى ذلك تم تصنيف جمعية الإغاثة الإسلامية ضمن المنظمات الإرهابية، علماً بأنها تتلقى أموالاً من دافع الضرائب السويدي عبر وكالة التنمية السويدية. وهكذا فإن الدولة التي تعد من بين الدول الأكثر علمانية واللا دينية في العالم هي اليوم في موقع الشبهة بخصوص وجود أنشطة داعمة للإرهاب على أراضيها.
ردود الفعل الأولية على ذلك تشير إلى حيرة وعدم فهم، ولكن وفي السياق الأوسع وضمن أوروبا ككل، وبغض النظر عن الموقف من قائمة الإمارات، فإنه لا يمكن إغفال أن القارة بمجملها أصبحت بالفعل مركزاً للتجنيد بالنسبة للمنظمات التي توجه المقاتلين إلى سوريا والعراق، للالتحاق بتنظيم «داعش» وأخواته. أما السويد فتعد بحسب الدراسات من أهم مراكز جمع التبرعات والتمويل للجماعات الإرهابية المرتبطة بـ”القاعدة”. ومن المهم الإشارة هنا إلى أن أحد أهم قادة «حركة الشباب الصومالية» فؤاد شنغولي يحمل الجنسية السويدية، وكان مقيماً لسنوات طويلة في السويد، تمكن خلالها من جمع الكثير من التبرعات. وفي نظرة سريعة على عموم القارة الأوروبية يتكرر المشهد بدرجات مختلفة. وفي إحصائيات صادرة مؤخراً، كانت نسب التجنيد الأعلى لصالح الجماعات المقاتلة في سوريا، هي في بلجيكا قياساً إلى عدد السكان، ولكن فنلندا الاسكندنافية كانت الأعلى في نسبة التجنيد بين أبناء الجاليات المسلمة فيها. أما كوبنهاغن عاصمة الدنمارك فقد أوقفت الشرطة فيها قبل أسابيع أشخاصاً يبيعون تذكارات وميداليات تحمل شعارات «داعش». وخلصت تقارير أمنية أوروبية إلى أن فيينا أصبحت قبلة جهاديي أوروبا ونقطة تجمعهم في طريقهم إلى سوريا عبر البلقان ثم تركيا.
ولا يتوقف التجنيد في أوروبا على الجاليات المسلمة، بل إن عدداً لا بأس به من الأوروبيين الأصليين الذين اعتنقوا الإسلام حديثاً تطوعوا للقتال. وقد يكون السبب في ذلك هو الرغبة في اختصار المراحل ودخول الجنة بسرعة، حسبما يقول بعض الباحثين.
المحصلة أن ما كانت تأمل فيه دول أوروبا مع نهايات عام 2013 في خفض معدلات تدفق الجهاديين إلى سوريا من أوروبا لم يتحقق، بل على العكس، إذ يبدو أن معدلات التأييد لـ”داعش” ومحاولات الالتحاق به أصبحت أكبر في هذه الفترة. السلطات الأوروبية شعرت ببعض التفاؤل بسبب النجاحات الجزئية لبرامج إعادة دمج وتأهيل الجهاديين العائدين من القتال إلى بلدانهم، حيث تأمل تلك البرامج في إزالة الخطر المحتمل لأولئك العائدين، و”نزع راديكاليتهم”، ولكن التدفق لم يتوقف.
المشكلة في النظرة الأوروبية للمسألة أنها قاصرة كلياً عن فهم ذهنية التنظيمات الإرهابية، وما زالت معظم الاستراتيجيات الأوروبية تتعامل مع «داعش» من ناحية الخطر الذي تشكله على تلك البلدان نفسها. والواقع أن التنظيمات السلفية الجهادية رغم كونها متقاربة فكرياً ولديها القدرة على التحالف والاندماج والإمداد المتبادل، إلا أنها تختلف في التعقيد اللوجستي والتقني والمالي، عدا عن التغيير في النظرة الميدانية العملياتية. فتنظيم «القاعدة» تراجع كثيراً إلى الخلف، إلى الحد الذي يمكن القول فيه إن أيمن الظواهري أصبح زعيماً فخرياً لا فعلياً، حيث لم يستطع أن يملأ الفراغ الذي خلفه أسامة بن لادن. الطبيعة تكره الفراغ، ولهذا ظهرت قيادات ميدانية مختلفة ، بعضها نما إلى حجم إعلان خلافة مثل البغدادي، فيما بعضها الآخر ما يزال صغيراً. ومع ذلك فإن التطور المهم من ناحية أهداف تلك التنظيمات تمثل في الانتقال من استهداف أمريكا والغرب في فترة قوة «القاعدة» إلى هدف السيطرة على الأرض وفرض سلطتها على ساكني تلك الأرض وحكمهم ضمن الأيديولوجيا المتشددة لتلك التنظيمات، والاستفادة من خيرات تلك الأرض ونفطها وثرواتها. وهكذا فإن جهد «داعش» وغيره من المجموعات السلفية الجهادية غير منصب في هذه المرحلة على إيذاء الغرب، وإن كان من غير المستبعد تنفيذ بعض العمليات المتفرقة كنوع من الانتقام أو التكتيك المرحلي.
الأوروبيون يرون في تجربة سوريا والعراق خطراً مستقبلياً يماثل ما واجهوه عند انتهاء حرب أفغانستان، أي عودة جماعية للمقاتلين وانخراط نسبة منهم في عمليات إرهابية في أوروبا. ولكن تلك النظرة لا تلاحظ بشكل كاف ما يعانيه سكان المنطقة نفسها معاملين ينجحان في دفع المزيد من الشباب الأوروبي إلى سوريا والعراق هما ما يتعرض له الشعب الفلسطيني من قبل إسرائيل من ناحية، والصراع السني ـ الشيعي من ناحية أخرى. وقد أصبح من الشائع أن ترى في مساجد بعض المدن الكبيرة – وحتى الصغيرة – شعارات تتعلق بـ”أهل السنة والجماعة” وهو ما لم يكن يجري التطرق إليه سابقاً.
اليوم ومع وصول المقاتلين الأوروبيين في سوريا إلى عدة آلاف، ومع وجود دعاة يقومون بالتجنيد بشكل مستمر في كل أنحاء القارة، ومع تحول عاصمة الموسيقى فيينا إلى نقطة تجمع للمقاتلين الذاهبين إلى سوريا، فيما عاصمة اللادينيين استوكهولم من أكبر مراكز تجميع الأموال للإرهاب وبروكسل عاصمة الاتحاد الأوروبي تشهد أعلى نسبة تجنيد في أوروبا، في ضوء كل ذلك يمكن القول وبكل ثقة أن أوروبا تحولت بالفعل إلى مصدّرة للإرهاب.ن ويلات «داعش» وغيره. وفي حالات معينة مثل حالة الأيزيديين ومسيحيي الموصل وأكراد كوباني كان هناك اهتمام كبير، ولكن النسبة الكبرى لضحايا «داعش» هي من سكان المناطق السنية التي يسيطر عليها هذا التنظيم، لم تحظ بكثير اهتمام. كما أن النظرة الأوروبية عاجزة عن التعامل مع أسباب نجاح التجنيد على أراضيها، وما تزال غير قادرة على التعامل مع شيوخ ودعاة يقومون علناً بتشجيع الشبان على الالتحاق بالقتال. وإلى جانب عوامل كثيرة متفرقة فإن أهم عاملين ينجحان في دفع المزيد من الشباب الأوروبي إلى سوريا والعراق هما ما يتعرض له الشعب الفلسطيني من قبل إسرائيل من ناحية، والصراع السني ـ الشيعي من ناحية أخرى. وقد أصبح من الشائع أن ترى في مساجد بعض المدن الكبيرة – وحتى الصغيرة – شعارات تتعلق بـ”أهل السنة والجماعة” وهو ما لم يكن يجري التطرق إليه سابقاً.
اليوم ومع وصول المقاتلين الأوروبيين في سوريا إلى عدة آلاف، ومع وجود دعاة يقومون بالتجنيد بشكل مستمر في كل أنحاء القارة، ومع تحول عاصمة الموسيقى فيينا إلى نقطة تجمع للمقاتلين الذاهبين إلى سوريا، فيما عاصمة اللادينيين استوكهولم من أكبر مراكز تجميع الأموال للإرهاب وبروكسل عاصمة الاتحاد الأوروبي تشهد أعلى نسبة تجنيد في أوروبا، في ضوء كل ذلك يمكن القول وبكل ثقة أن أوروبا تحولت بالفعل إلى مصدّرة للإرهاب.
علاء الفزاع
كاتب أردني مقيم في السويد