ملايين الأرامل والأيتام خلفهم الإرهاب .. وغياب للدور الحكومي

218

أيتام

مع كل تفجير لسيارة مفخخة أو انتحاري بحزام ناسف أو عبوة وما شابه، ترتفع أعداد الأيتام والأرامل في العراق، وتتصاعد وتيرة المعاناة حدة، وتزداد الأمراض الاجتماعية فتكاً بهذا البلد وأهله يوماً تلوَ آخر.

الحاجة الستينية “خالدة سلمان” واحدة بين آلاف بل ملايين الضحايا التي خلفتها العمليات الإرهابية وغيرت مسار حياتها بالكامل. فبينما كانت منعمة في أحضان أسرة لها ربٌّ يكدح الليل والنهار لتأمين عيشها بكرامة، أصبحت بعد استشهاده وعوقها هي وإحدى بناتها من جراء انفجارٍ ساقه إليهم القدر بين بغداد والمحمودية، حائرة مهمومة تتحمل بمفردها أعباء الجري وراء لقمةٍ مُرة لإعالة بناتها الثلاث(نبأ 6 سنوات وزينب 14 سنة وهدى 15 سنة) وولديها(محمد 10 سنوات وأمين 5 سنوات) وحمايتهم إلى جانب تربيتهم وتعليمهم في ظل ظروف الفقر وجفاء الأهل وفقدان الأحبة وخذلان الأصدقاء.

وبرغم السعي والكدّ ومحاولة التكسب بمزاولة بعض الأعمال المنزلية البسيطة ومساعدة أهل الإحسان، ودعم المؤسسات الخيرية ومنظمات المجتمع المدني، بقي أولاد الحاجة “خالدة” يحلمون بالدخول إلى المدرسة وتعويض السنوات التي فاتتهم جراء التحول الخطير في حياتهم وهم ما يزالون بعمر الزهور للسبب ذاته.. الفقر والحرمان زائداً فقدان المربي والمعيل، وهي أيضاً النتيجة بعينها.

وتصف “أم هدى” وضعها الحالي بأنه لا يصدق وتجد نفسها غريقة في بحر من الأزمات لا آخر له على ما يبدو. فقد هجرت بيتها ببغداد مكرهة على أثر النكبة التي أصابتها بزوجها وتعرضهم للاستفزاز والتهديد بالقتل من قبل إرهابيين على خلفية طائفية وحملت ما خفّ من أغراض ومؤنٍ وملابس وجاءت إلى كربلاء لتلوذ من جور الزمان بحرم الإمام الحسين وأخيه العباس عليهما السلام.

ورغم المعاناة الشديدة والإحساس بالغربة والتخوف مما يخبئه لها الغد من مفاجآت أكثر نحوسة، استقر بها وأيتامها المقام بهذه المدينة المقدسة وسط أهلها الطيبين ـ كما تقول ـ وهي حالياً تسكن شقة في حي البناء الجاهز استأجرتها بمعونة “أهل الخير” على حد وصفها إذ أخذ بعضهم على عاتقه دفع بدل الإيجار للشهر الأول ومقداره 300 ألف دينار عراقي وآخرون تكفلوا بدفعه لعدة شهور أخرى وطلبوا منها عدم تسميتهم طمعاً في ضمان الأجر عند الله تعالى.

لكن الحاجة “خالدة” تمر الآن وقد اقترب موعد الدفع لصاحب الشقة بشيء من القلق مخافة عدم تمكنها من تأمين المبلغ فهو كبير جداً بالقياس إلى ظروفها العصيبة وترجو منه تعالى أن يبعث لها بواحد من أولئك الخيرين الذي وقفوا معها في محنتها طلباً للآخرة فيخفف عن كاهلها ذلك الحمل الثقيل ويزيل عن قلبها جزءاً من الهم.

في جانب آخر من صورة المأساة، تحذر منظمات إنسانية عديدة من تحول العراق البلد الغني بالنفط والمياه والفكر والحضارة إلى موطن للأرامل والأيتام، بعد أن فاق عددهم 8 ملايين بحسب إحصاءات غير رسمية.

وذكر تقرير منظمة الأمم المتحدة لرعاية الأمومة والطفولة “اليونيسيف” أن عدد الأيتام في العراق يقدر بأكثر من 5 ملايين و700 ألف طفل. فيما أكدت دراسة أجرتها الأمم المتحدة ومراكز أبحاث أخرى أن عدد الأرامل في العراق قد بلغ 3 ملايين امرأة.

إلا أن تقريراً لمجلس السلم والتضامن أفاد بأن وزارة الشؤون الاجتماعية العراقية لا تستطيع تحديد عدد الأرامل والأيتام نتيجة الزيادات المضطردة وعدم تسجيل معظم الحالات التي تتسبب بها حوادث العنف والعمليات الإرهابية المستمرة، ثم إن المنظمات الدولية يصعب عليها القيام بإحصاء عام للتأكد من هذه الأرقام.

ويدق خبراء اجتماعيون ناقوس الخطر من تنامي أعمال العنف في المجتمع العراقي، الأمر الذي سيتأثر به حتماً هؤلاء الأيتام في غياب الدور التربوي لأحد الأبوين أو كليهما. ولا شك في أن أطفالاً عديدين سيجنحون إلى الجريمة ويتعرضون للاستغلال بأبشع أنواعه على أيدي القتلة والمجرمين وستجد فيهم الجماعات المتطرفة ضالتها لتنفيذ مخططاتها العدوانية ضد العراق.

وأشارت دراسة حديثة للـ”يونيسيف” إلى أن ثلث الأطفال العراقيين لا يتوجهون إلى مقاعد الدراسة وإنما يزج بهم في العمل ويحرمون من أبسط مقومات الحياة.

ويرى مراقبون أن الأسر التي تعيلها امرأة في مجتمع رجولي كالمجتمع العراقي ، تكون عرضة للانهيار النفسي وتفشي السلوكيات الشائنة. فمن الصعب على المرأة أن تجد عملاً يصونها وأسرتها من الفاقة، وإذا وجدته يكون بأجور زهيدة وتكون عرضة للمضايقات والتحرش.
وفي ظل هكذا ظروف ينتظر العراقيون أن تتوحد جهود حكومتهم والسياسيين الفاعلين وناشطي المجتمع المدني للحد من معاناتهم وإلا فسيبقى العراق مرشحاً لارتقاء المنصة الأولى عالمياً في عدد الأرامل والأيتام والمشردين بلا مأوى.

المصدر: وكالة نون / حيدر السلامي

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*