إضاءات من حياة الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)
ألقابه عليه السلام
للإمام الحسن العسكري عليه السلام ألقاب كثيرة جاءت بها النصوص المأثورة عن أهل بيت العصمة عليهم السلام وألقاب أطلقها عليه الرواة عنه، كما وردت في كتب الرجال.
ألقابه عند أهل البيت عليهم السلام
«العسكري، الرفيق، الزكي، الفاضل، الأمين، الميمون، النقي، الطاهر، الناطق عن الله، المؤمن بالله، المرشد إلى الله، الصادق، الصامت، الأمين على سرّ الله، العلاّم، ولي الله، سراج أهل الجنة، خزانة الوصيين».
العسكري
روى الحرّ العاملي عن الفضل بن شاذان في كتاب الرجعة بسنده عن أبي خالد الكابلي، قال: دخلت على مولاي علي بن الحسين عليهما السلام وفي يده صحيفة، فقلت: ما هذه الصحيفة؟ فقال: «هذه نسخة اللوح الذي أهداه الله تعالى إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وفيه اسم الله تعالى ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم و…. وابنه الحسن العسكري…».
ألقابه المشهورة في الكتب
اشتهر أيضاً بألقاب شريفة، كلّ لقب يمثّل صفة بارزة من صفاته الحميدة عليه السلام: كالهادي والمهتدي والمضيء والشافي، والمرضيّ، والخالص، والخاص والتقي والشفيع والموفي والسخي والمستودع.
النص على إمامته عليه السلام
روي عن الإمام علي الهادي عليه السلام في النص على إمامة ولده الحسن العسكري روايات كثيرة منها:
1. روى الشيخ الطوسي عن سعد بن عبد الله، عن جعفر بن محمد بن مالك، عن سيار بن محمد البصري، عن علي بن عمر النوفلي قال: كنت مع أبي الحسن العسكري في داره، فمرّ علينا أبو جعفر فقلت له: هذا صاحبنا؟
فقال: «لا، صاحبكم الحسن عليه السلام»( الغيبة: ص 120، إثبات الهداة: ج 3، ص 394 . البحار: ج 5، ص242، ح 8. الكافي: ج 1، ص 325. كشف الغمة: ج 3، ص 194).
2. عن أحمد بن عيسى العلوي من ولد علي بن جعفر، قال: دخلت على أبي الحسن عليه السلام بـ«صريا» فسلّمنا عليه، فإذا نحن بأبي جعفر وأبي محمد قد دخلا، فقمنا إلى أبي جعفر لنسلّم عليه. فقال أبو الحسن: «ليس هذا صاحبكم، عليكم بصاحبكم وأشار إلى أبي محمد»( الغيبة: ص120. إثبات الهداة: ج3، ص394، ح21. البحار: ج50، ص242، ح10).
سمو مقامه عليه السلام ومنزلته في عصره
1. مقامه الرفيع عند والده عليه السلام
إنّ أول من عاصره وعرفه حقّ معرفته والده الإمام الهادي عليه السلام، فإنّه وإن حجب ولده عن الناس ولم يُطلع أحداً على مقامه الرفيع إلاّ خاصة أوليائه؛ حفظاً على بقاء نسل الإمامة، غير أنّه قال عليه السلام:
ما يعكس شيئاً من حقيقته، فنراه يعرّف ولده الحسن العسكري عليه السلام للفهفكي حينما سأله عن القائم مقامه قائلاً عليه السلام: «أبو محمد أنصح آل محمد غريزة وأوثقهم حجة، وهو الأكبر من ولدي، وهو الخلف، وإليه تنتهي عُرى الإمامة وأحكامها، فما كنت سائلي فسله عنه، فعنده ما يُحتاج إليه»( الكافي: ج1، ص327. إثبات الهداة: ج3 ، ص392، ح9).
2. مقامه عند علماء عصره
اكتسب الإمام العسكري عليه السلام مقاماً رفيعاً بين علماء عصره وقالوا فيه ما يحيّر العقول، فمن الذين عاصروا الإمام من العلماء هو أبو عمرو الجاحظ، وقال فيه:
«ومن الذين يعدّ من قريش، أو من غيرهم، ما بعد الطالبيين في نسق واحد، كلّ منهم عالم زاهد ناسك، شجاع، جواد، طاهر، زاكٍ، فمنهم خلفاء، ومنهم مرشحون، ابن ابن ابن ابن هكذا إلى عشرة، وهم الحسن بن عليّ بن محمد بن عليّ بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي، وهذا لم يتّفق لبيت من بيوت العرب ولا من العجم»( الحياة السياسية للإمام الرضا: ص403، نقلاً عن آثار الجاحظ: ص235).
مناقبه عليه السلام ومعالي أموره
شدة خوفه من الله عز وجل
ومن جملة معالي أموره والصفات البارزة فيه عليه السلام شدّة خوفه من الله عز وجل في صباه، فإنّه وإن كان القارئ قد يستغرب مما يقرأ بأنّ الإمام حينما ينظر إلى الحطب والنار يبكي خوفاً من الله ثمّ يغشى عليه وهو صبي، ولكن ذلك ليس بغريب ولا بعجيب من أهل بيت العصمة والطهارة عليهم السلام.
روى الشبلنجي عن درّة الأصداف قال: «وقع للبهلول معه أنّه رآه وهو صبي يبكي والصبيان يلعبون، فظنّ أنّه يتحسر على ما بأيديهم فقال له: أشتري لك ما تلعب به؟
فقال: يا قليل العقل ما للّعب خُلقنا، فقال له: فلماذا خلقنا؟
قال: للعلم والعبادة. فقال: من أين لك ذلك؟ فقال من قوله تعالى:(أفحسبتم إنما خلقناكم عبثاً وانك إلينا لاترجعون)( سورة المؤمنون، الآية: 115).
ثمّ سأله أن يعظه موعظة فوعظه بأبيات ثمّ خرّ الحسن عليه السلام مغشيّاً عليه، فلمّا أفاق قال له: ما نزل بك وأنت صغير ولا ذنب لك؟
فقال: «إليك عنّي يا بهلول إنّي رأيت والدتي توقد النار بالحطب الكبار فلا تتقد إلاّ بالصغار، وإني أخشى أن أكون من صغار حطب جهنم»( نور الأبصار: ص 183، الصواعق المحرقة: ص 207).
وأضاف في إحقاق الحق عن كتاب وسيلة المآل الأبيات التي لم يذكرها الشبلنجي فقال: «فقلت: يا بنيّ أراك حكيماً فعظني وأوجز، فأنشأ يقول:
أرى الدنيـــا تجهز بانطلاق
مشمّرة على قــدم وســاق
فــلا الدنـيـا بـبـاقيـة لحيّ
ولا حيّ على الدنيـا بـبــاق
كأنّ الموت والحدثان فيها
إلى نفس الفتى فرسا سباق
فيا مغرور بــالدنيـا رويــدا
ومنها خذ لنفسك بالوثاق
(إحقاق الحق: ج 12، ص 473)
زهده عليه السلام
روى الطبري بسنده عن أبي نعيم، قال: وجّهتِ المفوّضةُ كاملَ بن إبراهيم المزني إلى أبي محمد الحسن بن علي عليه السلام يباحثون أمره.
قال كامل بن إبراهيم: قلت في نفسي أسأله لا يدخل الجنة إلاّ من عرف معرفتي وقال بمقالتي. فلما دخلت على سيدي أبي محمد عليه السلام نظرت إلى ثياب بياض ناعمة عليه.
فقلت في نفسي: وليّ الله وحجته يلبس الناعم من الثياب ويأمرنا نحن بمواساة الإخوان وينهانا عن لبس مثله؟!! فقال مبتسماً: يا كامل بن إبراهيم! وحسر عن ذراعيه، فإذا مسح أسود خشن، فقال: يا كامل! هذا لله عز وجل وهذا لكم فخجلت…( دلائل الإمامة: ص 273، إثبات الهداة: ج 3، ص 415، غيبة الطوسي: ص 148).
حبسه واضطهاده عليه السلام
حاله عليه السلام في حبس صالح بن وصيف
تعرض الإمام الحسن العسكري عليه السلام للحبس مرات عديدة على أيدي طغاة بني العباس فقد روى المفيد بسنده عن محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن موسى بن جعفر قال: دخل العباسيون على صالح بن وصيف عندما حُبس أبو محمد عليه السلام فقالوا له: ضيّق عليه ولا توسّع، فقال لهم صالح: ما أصنع به وقد وكّلت به رجلين شرّ من قدرت عليه فقد صارا من العبادة والصلاة والصيام إلى أمر عظيم، ثمّ أمر بإحضار الموكّلين فقال لهما: ويحكما ما شأنكما في أمر هذا الرجل؟
فقالا: ما نقول في رجل يصوم النهار ويقوم الليل كلّه، لا يتكلّم ولا يتشاغل بغير العبادة، فإذا نظرنا إليه ارتعدت فرائصنا وداخلنا ما لا نملكه من أنفسنا، فلمّا سمعوا ذلك ــ العباسيون ــ انصرفوا خائبين(الإرشاد: ص 344، إثبات الهداة: ج 3، ص 406. البحار: ج 5، ص 308).
حاله عليه السلام في حبس النحرير
وعنه عن الكليني عن علي بن محمد، عن جماعة من أصحابنا قالوا: «سُلّم أبو محمد عليه السلام إلى نحرير، وكان يضيّق عليه ويؤذيه، فقالت له امرأته: اتّق الله فإنّك لا تدري من في منزلك. وذكرت له صلاحه وعبادته وقالت: إنّي أخاف عليك منه، فقال: والله لأرمينّه بين السباع، ثم استأذن في ذلك، فأذن له، فرمى به إليها فلم يشكّوا في أكلها، له فنظروا إلى الموضع ليعرفوا الحال فوجدوه عليه السلام قائماً يصلي وهي حوله، فأمر بإخراجه إلى داره(الإرشاد: ص 344، إعلام الورى: ص 360. البحار: ج 50، ص 309).
حاله عليه السلام في حبس علي بن جرين
لما حبس المعتمد العباسي الإمام عند علي بن جرين في سنة ستّين ومائتين كان يسأل عليّاً عن أخباره في كل وقت، فيخبره أنه يصوم النهار ويصلي الليل(مهج الدعوات: ص 275. البحار: ج 50، ص 313).
صومه عليه السلام في السجن
وعن أبي هاشم الجعفري قال: كنت في الحبس المعروف بحبس صالح بن وصيف الأحمر، أنا والحسن بن محمد العقيقي ومحمد بن إبراهيم العمري وفلان وفلان إذ دخل علينا أبو محمد الحسن وأخوه جعفر… وكان الحسن عليه السلام يصوم النهار، فإذا أفطر أكلنا معه من طعام كان يحمله مولاه إليه في جؤنة مختومة، وكنت أصوم معه(إثبات الهداة: ج 3، ص 416).
استشهاده عليه السلام
استشهد عليه السلام مسموماً في اليوم الثامن من شهر ربيع الأول سنة 260 هـ(تاريخ بغداد: ج 7، ص 366. الأئمة الاثنا عشر، ص 113. مصباح الكفعمي: ص 510. الدروس: ص 154) وقد سمه المعتمد العباسي(البحار، ج 50، ص 335. مصباح الكفعمي: ص 510).