السيرة المختصرة للإمام موسى بن جعفر الكاظم(ع)

288
323554

                                                        

الإسم: موسى بن جعفر عليه السلام.

أبوه: الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام.

أمه: حميدة بنت صاعد-ساعد- المغربيّ، المعروفة بـ “حميدة المصفّاة”.

ولادته: ولد بالأبواء ـ بين مكة والمدينة ـ يوم الأحد في السابع من شهر صفر سنة 128هـ، وأولم الإمام الصادق عليه السلام عند ولادته فأطعم ثلاثة أيام.

كنيته: أبو إبراهيم، ابو الحسن، أبو علي، أبو إسماعيل.

ألقابه: العبد الصالح، الكاظم، الصابر، الصالح، الأمين، باب الحوائج، ذو النفس الزكيّة، زين المجتهدين، الوفيّ، الزاهر، المأمون، الطيب، السيد.

أولاده: علي الرضا، إبراهيم، العباس، القاسم، إسماعيل، هارون، أحمد، محمد، حمزة، عبد الله، إسحاق، عبيد الله، زيد، الحسن، الفضل، سليمان.

بناته: فاطمة الكبرى، فاطمة الصغرى، رقيّة، حكيمة، أم أبيها، رقيّة الصغرى، كلثم، أم جعفر، لبابة، زينب، خديجة، عليّة، آمنة، بريهة، عائشة، أم سلمة، ميمونة، أم كلثوم، كما جاء في إرشاد الشيخ المفيد.

ملوك عصره: المنصور، محمد المهديّ، موسى الهادي، هارون الرشيد.

عاش فترة من عمره الشريف في ظلمات السجون، فقد سجنه المهدي العباسيّ، ثمّ أطلقه وسجنه هارون الرشيد في البصرة عند عيسى بن جعفر، ثمّ نقله إلى بغداد عند الفضل بن الربيع، ثمّ عند الفضل بن يحيى، ثمّ عند السندي بن شاهك.

شهادته: استشهد يوم الجمعة في الخامس والعشرين من شهر رجب، سنة 182 أو 183هـ متأثراً بسمّ دسّه إليه هارون الرشيد.

عمره الشريف: خمس وخمسون سنة.

مدة إمامته: خمس وثلاثون سنة.

قبره: دفن إلى جانب الكرخ، في مقابر قريش.

من أصحابه: حماد بن عيسى الكوفيّ البصريّ، أبو عبد الله عبد الرحمن بن الحجاج البجلي الكوفيّ، بياع السابريّ، عبد الله بن جندب البجليّ الكوفيّ، أبو محمد علي بن المغيرة البجليّ الكوفيّ الثقة.

النص على إمامته عليه السلام: لقد نصّ على إمامته الإمام الصادق عليه السلام في أكثر من موقع ومناسبة.

فقد ورد عن محمد بن الوليد: سمعت علي بن جعفر بن محمد الصادق عليه السلام يقول: سمعت أبي جعفر بن محمد عليه السلام، يقول لجماعة من خاصته: استوصوا بابني موسى خيراً، فإنّه أفضل ولدي، ومن أخلفه من بعدي وهو القائم مقامي، والحجة لله تعالى على كافة خلقه من بعدي.

إكمال للدور:

لقد استمرّ الإمام موسى بن جعفر عليه السلام على نفس المحور، والتخطيط الذي ابتدأه الإمام الصادق عليه السلام في مواجهة الانحراف في المجتمع، فقسّم مواجهته هذه إلى أنحاء:

النحو الأول: استمرار المواجهة الفكريّة من خلال التوعية، ودفع الشبهات، والعقائد المنحرفة، والنزعات التي لاقت انتعاشاً في زمن حكومة بني العباس، مثل:

 الشعوبيّة1، والزندقة2، والعنصريّة، والنحل الدينيّة.

خطورة الأفكار المشبوهة:

وكان من أخطرها الدعوة إلى الأفكار الإلحاديّة، والتي أخذت تنشط في نفوس الناشئة، وكان موقف الإمام هو التصدي، والنقد لها بالأدلة المقنعة المنطقيّة الواضحة والصريحة، وبالمقابل تبيان تهافت طروحات الطرف المقابل، وهشاشة فكره، وبعده عن المنطق والعقل. حتى نرى كثيرين يعترفون بعد الدخول بمحاورات معه؛ بانحرافهم ويعلنون توبتهم، وبراءتهم والالتحاق بركب الإمام، والتمسّك بمبادئه عليه السلام.

ذاعت قدرة الإمام العلميّة، حتى دان بها قسم كبير من المسلمين، وقد صعب هذا الأمر على المسؤولين ورجال الحكم؛ فتصدوا لذلك بالاضطهاد والتنكيل والتهديد بالقتل، ومنعوا من الكلام في مجالات العقيدة. وهذا ما جعل الإمام يستعمل التقيّة، واضطر إلى أن يبعث إلى أصحابه آمراً بالسكوت، فمثلاً بعث إلى هشام بن الحكم (وهو أحد أصحابه)، أن يكف عن الكلام نظراً لخطورة الموقف، فنرى الإطاعة من أصحاب الأئمة، فيتوقف هشام عن ذلك إلى أن هلك المهدي.

علم الإمام عليه السلام لا ينضب:

وكان الإمام أينما حلّ، اجتمع حوله أصحاب العلم، والمثقفون، والمتعطشون للعلوم؛ لينهلوا من معين الإمام موسى عليه السلام الذي لا ينضب؛ فنرى أثناء إقامته في يثرب إلتفاف جمع غفير من كبار العلماء، ورواة الحديث حوله ممّن تتلمذوا في جامعة أبيه الكبرى، وكانوا لا يفارقونه، ولا يفترقون عنه، يسجلون أحاديثه وأبحاثه وفتاواه، فقد روى السيد ابن طاووس أنّ أصحاب الإمام وخواصه، كانوا يحضرون مجلسه ومعهم في أكمامهم ألواح آبنوس وأمبال، فإذا نطق بكلمة أو أفتى في نازلة بادروا إلى تسجيل ذلك.

لكل مقام مقال:

النحو الثاني: أو الأسلوب الثاني للإمام؛ كان الإشراف المباشر على قواعده الشعبيّة ومواليه، وأمرهم بإتخاذ المواقف المناهضة تجاه الحكم؛ لإضعافه سياسياً، ومقاطعته وعدم الاتصال به، وعدم الترافع إلى مجالس قضائه.

فنراه في حديثه مع أحد أصحابه، صفوان الجمّال يقول له عليه السلام: يا صفوان كل شيء منك حسن جميل، ما خلا شيئاً واحداً، فيقول صفوان: جعلت فداك أي شيء؟
قال: إكراؤك جمالك من هذا الطاغية ـ هارون ـ قال: ما أكريته أشراً ولا بطراً، ولا للصيد ولا للهو، ولكن أكريته لهذا الطريق ـ طريق مكة ـ ولا أتولاه بنفسي، ولكن أبعث معه غلماني، فقال له الإمام: يا صفوان أيقع كراك عليهم؟

قال: نعم، جعلت فداك، قال: أتحب بقاءهم حتى يخرج كراك قال: نعم، فقال: من أحب بقاءهم فهو منهم، ومن كان منهم فقد ورد النار، ونرى هنا الإطاعة الصادقة منه ـ رض ـ فيذهب فيبيع جميع ما لديه من جمال إلتزاماً بالأمر وإطاعة للإمام عليه السلام.

الإشراف المباشر:

وكان الإمام يوزّع المصالح بنفسه، فنراه ينهى أحد أصحابه عن الإلتحاق بالحكم والعمل فيه، كما قال لصفوان، وكذلك قال لزياد بن أبي سلمة عندما سأله العمل معهم: يا زياد لأن أسقط من شاهق فأتقطع قطعة قطعة، أحبّ إليّ من أن أتولّى عملاً أو أطأ بساط رجل منهم. ولكنّه في الوقت نفسه يسمح لعلي بن يقطين بالعمل معهم؛ إلى أن أصبح أحد الوزراء المرموقين في حكومة هارون، وقد طلب من الإمام الإذن في ترك المنصب، والاستقالة منه، فينهاه عن ذلك ويقول له: لا تفعل فإنّ لنا بك أنساً، ولإخوانك بك عزاً، وعسى الله أن يجبر بك كسراً أو يكسر لك ثائرة المخالفين عن أوليائه، يا علي كفارة أعمالكم، الإحسان إلى إخوانكم، أضمن لي واحدة، أضمن لك ثلاثاً: أضمن لي أن لا تلقى أحداً من أوليائنا، إلا قضيت حاجته وأكرمته، وأضمن لك أن لا يظلك سقف سجن أبداً، ولا ينالك حد السيف أبداً، ولا يدخل الفقر بيتك أبداً، يا علي من سرّ مؤمناً فبالله بدأ، وبالنبي وبنا ثلث.

كلمة حق أمام سلطان جائر:

النحو الثالث: إحتجاجه العلني، بالأسلوب المقنع؛ فنراه في إحدى جلساته في مسجد النبي صلى الله عليه وآله، يدخل هارون الرشيد، لزيارة مرقد النبي صلى الله عليه وآله، ومعه حشد غفير من الأشراف، والقوّاد وقادة الجند، وكبار الموظفين في الدولة، فيبدأ هارون الرشيد بالزيارة قائلاً بصوت مسموع من الجميع:” السلام عليك يا ابن العم “، كي يعلم الآخرون قرابته، ومدى صلته بالنبي صلى الله عليه وآله، كي يثبت أحقيته بالخلافة، فنرى الإمام موسى بن جعفر عليه السلام يبتدر السكون داخل المسجد قائلاً بصوت مسموع من الجميع: ” السلام عليك يا أبت “، هنا يفقد الرشيد رشده، ويضل صوابه.

فقال هارون: لم قلت إنّك أقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله منا؟

فأجابه الإمام برد مفحم، لو بعث النبي صلى الله عليه وآله حيّاً، وخطب منك كريمتك، هل كنت تجيبه إلى ذلك؟

فقال هارون: سبحان الله، وكنت أفخر بذلك على العرب والعجم.
فانبرى الإمام قائلاً: لكنّه لا يخطب مني، ولا أزوّجه؛ لأنّه والدنا لا والدكم، فلذلك نحن أقرب إليه منكم.

تأثير الأسلوب على الظلمة ومثل هذه الوقفة وغيرها من المواقف، جعلت الخطر كبيراً على هارون الرشيد من بقاء الإمام سلام الله عليه حراً طليقاً. -ولعدم وجود منطق حوار، والدليل والبرهان- أمر باعتقال الإمام، وزجّه في السجن.

مواقف الإمام مع هارون الرشيد كثيرة لا حدود لها، ولا يسعنا ذكرها واستعراضها؛ لأنّها خلاف الوعد، وهو الاختصار. ولكن نذكر من هذه المواقف: أنه سأل هارون الرشيد يوماً موسى بن جعفر عن فدك وحدودها؛ لكي يرجعها إليه، فأبى عليه السلام أن يأخذها إلا بحدودها، فقال الرشيد: ما حدودها؟.

فقال: إن حددتها لم تردها، فأصرّ هارون عليه أن يبينها له، ولم يجد الإمام بداً من إجابته، فقال: أما الحد الأول فعدن، والحد الثاني سمرقند، والحد الثالث أفريقيا، والحد الرابع فسيف البحر مما يلي الجزر وأرمينية، فثار الرشيد، ولم يملك أعصابه، قائلاً: لم يبق لنا شيء، فقال: قد علمت أنّك لا تردها.

وأراد الإمام بردّ فدك ردّ الخلافة، ولم يكن الإمام في صدد تحديد فدك جغرافياً، وإلا فحدود أرضها أقل من ذلك3.

وإنّما أراد الإمام كما قال عمر لأبي بكر: لو تعطيها اليوم فدكاً، فعليك أن تعطي الخلافة غداً.

القيادة المسلمة:

النحو الرابع: التشجيع للثورات التي كان يقوم بها بنو الحسن من العلويين، ومباركة ثوراتهم وانتفاضاتهم. والتشجيع من قبل الإمام؛ لا يعني الوقوف موقف المتفرج عليهم لخوف أو غيره، بل لعدم وجوج ثقة أمين، يمكن الإعتماد عليه والاطمئنان إليه، فمثلاً عندما عزم الحسين بن علي بن الحسن ـ صاحب وقعة الفخ المشهورة ـ أقبل إلى الإمام عليه السلام يستشيره في ثورته، وعرض عليه فكرة الثورة، فالتفت إليه الإمام عليه السلام قائلاً: إنّك مقتول فأحد الضراب.

فإنّ القوم فسّاق يظهرون إيماناً، ويضمرون نفاقاً وشركاً فإنّا لله وإنّا إليه راجعون وعند الله أحتسبكم من عصبة.

فعندما سمع بمقتله، بكى وأبّنه قائلاً: إنّا لله وإنّا إليه راجعون، مضى والله مسلماً صالحاً صوّاماً قوّاماً، آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر، ما كان من أهل بيته مثله.

مثل هذه الكلمات دلّت على الرضا بما فعله والتأييد لما قام به؛ لذلك نرى أصحابه عليه السلام يأتونه مسرعين فزعين يشيرون عليه، أن يختفي عن الأنظار، ليسلم من شر الطاغية، فيبتسم ويتمثل بقول الشاعر كعب بن مالك:

زعمت سخينة4 أن ستـغـلـب ربـهـا وليغلبن معـالب الغلاب

الخوف لدى الحكّام وسبل علاجهم له:

وأصبح الإمام يشكّل خطورة على هارون الرشيد، وهو حر طليق من الحسّاد تارة، والطامعين أخرى والمتضررين من وجوده من جهة ثالثة. فسعى يحيى البرمكي به إلى هارون، فعبّأه على الإمام بأحقاده، وأفهمه أنّ الإمام يعمل على طلب الخلافة لنفسه، وأنّه كتب إلى قواعده في سائر الأقطار الإسلاميّة؛ يدعوهم ويحفزهم على الثورة ضد الحكومة.

فقام هارون بسجن الإمام أولاً، للتخفيف من خطورته، ولفصله عن القاعدة الشعبيّة ثانياً، وللحد من تحركاته ثالثاً، وعزله عن شعبيته ومؤيديه رابعاً، فقضى الإمام عليه السلام زمناً طويلاً.

وفي نهاية المطاف:

قام يحيى بن خالد البرمكي؛ إرضاء لهارون الرشيد بالذهاب إلى بغداد، ثمّ دعا السندي ـ رئيس الشرطة ـ فأمره فيه بأمره، ثمّ دفع إليه رطباً مسمومة، وأمره بتقديمها لموسى عليه السلام، وعدم الخروج من عنده إلا بعد أكلها فقدمها إليه.

وبرواية السندي بن شاهك: أنّه بعث إليه بالرطب، ثمّ أتاه ليرى ما فعل، فوجد أنّه تناول عشراً منها. فطلب منه أن يستوفيها، فقال عليه السلام: حسبك قد بلغت ما يحتاج إليه في ما أمر به.

شهادة الزور:

ثمّ إنّ السندي أحضر القضاة والعدول قبل وفاته بأيام، وأخرجه إليهم، وقال: إنّ الناس يقولون: إنّ أبا الحسن في ضنك وضرر، وها هو ذا لا علة به ولا مرض.

فالتفت الإمام عليه السلام، وقال: إشهدوا عليّ أنّي مقتول بالسم منذ ثلاثة أيام، واشهدوا أنّي صحيح الظاهر، ولكنّي مسموم، فقضى بعد ذلك، ثمّ أخرج إلى جسر بغداد، فكشفوا عن وجهه، ونادوا: هذا موسى بن جعفر، الذي تزعم الرافضة أنّه لا يموت فانظروا إليه.

فسلام عليه يوم ولد، ويوم استشهد، ويوم يبعث حيّاً.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1-الشعوبيّة: حركة ثقافيّة حضاريّة مناهضة للعرب، كان العراق مسرحها الذي ظهرت فيه، لأنّه كان ملتقى العنصر العربيّ الغالب، بالعنصر الفارسيّ المغلوب، بدأت في النصف الثاني من القرن الأول الهجريّ، وقويت هذه الحركة في زمن العباسيين لتسلمهم مقاليد الحكم.

2- الزندقة: اختلف الباحثون في أصلها: فمن قائل: إنّه إغريقيّ، وآخر آراميّ، وثالث: إنّه فارس معرب من زنديك، ولعلّ الرأي الأخير هو الأصحّ من حيث أنّ كلمة زنديك كانت تطلق بمعناها الأصلي على المؤمن المخلص من أتباع ماني، والزرادشتيّة يعتبرونهم ملحدين، ويؤيّد بروان: كلمة زنديق صفة فارسيّة معناها الزند ـ الشروح القديمة للأفستا وهو كتاب زرادشت ـ وقد سمّي المانوية زنادقة لميلهم إلى تأويل الكتب المقدسة للديانات الأخرى وشرحها حسب آرائهم وأهوائهم. ومن أراد المزيد فليراجع: كتاب الزندقة والشعوبيّة في العصر العباسيّ الأول.

3- فدك: قرية من الحجاز بينها وبين المدينة يومان، وقيل ثلاثة.

4- سخينة: طعام يتخذ من الدقيق؛ كانت قريش تعير به حتى صار لقباً لها.

المصدر : أبنا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*