مصر تستعيد روحها وتكتب التاريخ الجديد
الفرصة الأخيرة. منحتها القوات المسلحة للرئيس محمد مرسي حتى يستجيب الى مطالب الشعب (أي الرحيل).
البيان صدر عن المؤسسة لا عن مجلسها الأعلى (حتى لا ترجع الذاكرة الى المرحلة الانتقالية الاولى الفاشلة). البيان إعلان مجدد بأن حكم مرسي أصبح قيد النهاية، ومهلة الـ48 ساعة ليست إلا «غطاءً بروتوكولياً»، فالرئيس الإخواني معزول، ولا أحد يرد عليه منذ 28 حزيران في قيادات الجيش ولا المسؤولين خارج مجموعته «الإخوانية». كما أن مكتب الإرشاد وقادة الجماعة والجماعات المتحالفة يشعرون بأنهم في «المصيدة «، وهو ما ينذر إما بالاستسلام لصفقة «خروج آمن» أو بقفزة انتحارية الى المجهول.
بيان قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح السيسي موجّه الى «الجميع». لكن «الجميع» فهم أن الرسالة موجهة الى محمد مرسي المقيم وحده تحت إقامة شبه جبرية في دار الحرس الجمهوري. بيان السيسي جاء في موعده، فقد أتى انقضاء مهلة الأسبوع التي سبق أن حددها في تحذير سابق، وقد استقبلته جماهير الثورة في الميادين بفرحة عارمة صاحبتها مروحيات تحمل علم مصر، كأنها إعلان لنهاية الرئيس… أما الإخوان فتعاملوا مع البيان على مستويين: – الرئاسة: سربت مصادرها تفسيراً يختصر البيان في أنه دعوة إلى الحوار الوطني. – الجماعة: اعتبرته انقلاباً عسكرياً (قالت إنه ناعم)، وهذا وصف موجه إلى الراعي الأميركي وإلى جمهور يتم حشده في إطار تفعيل السيناريو اليمني (شعب ضد شعب) والتهديد بالجزائري (إرهاب ضد الجيش والشعب دفاعاً عن السلطة). الجيش أسرع في إعلان النهاية «الرحيمة» بعدما وصلته إشارات مجددة بالعداء والاختراق (من بينها اتصالات لقادة الأفرع تحرضهم أو تتوعدهم). وتعلن الآن جهات قريبة من القيادات العسكرية عن مخططات كاملة للإخوان وحلفائهم (بداية من اغتيالات للإعلاميين، وتجهيز عناصر إسلامية بزي عسكري، الى جانب تحول الطرق الصحراوية الى ممرات أسلحة). هذه هي المرة الاولى التي يطارد فيها حزب السلطة من قوات الأمن، بينما الرئيس لم يتخل بعد عن السلطة أو يدخل في إجراءات تسليمها. وهذه هي المرة الأولى التي يشاهد فيها الحاكم احتفالات برحيله وهو ما زال رسمياً صاحب مقاليد السلطة.
ــ 2 ــ اختار الصدام. بعد آخر اجتماع يوم 29 حزيران بين مرسي وقائد الجيش وقائد الشرطة، ظهر أن مرسي اختار الصدام، وأكد اختياره باجتماع مع الحلفاء (قادة الأحزاب الإسلامية). قرر مرسي أو جماعته خوض المعركة بمنطق «غزوة الأحزاب الإسلامية». وبعد اتساع الفجوة مع الجيش، لم يعد أمام الجماعة إلا استغلال الساعات في الضغط على الراعي الدولي (بعد بيان السيسي تتالت رنات تلفون سفارات أميركا وأوروبا بكلمات استغاثة من الرئاسة والإرشاد: الحقونا الجيش عمل انقلاب… وظهر المتحدث العسكري ليشرح: هذا ليس انقلابا). التسخين في محيط رابعة العدوية، والدعوات الى الاستشهاد، هي غطاء إما لضغوط الساعات الأخيرة، أو لعمليات هروب شبه جماعية لقادة الجماعة. ولأنه لا يمكن إشعال حرب أهلية بين جماعة (أو جماعات) وشعب قرر أن يبيت غدا في الشارع انتظارا لانتهاء مهلة الـ48 ساعة، فإن التهديد بالصدام، حماقة جديدة، ترفع سقف المطالب الى المحاكمات (هكذا فعلت حركة «تمرد» حين أعلنت مهلتها 24 ساعة فقط، وبعدها ستتحرك الى قصر القبة، حيث تدير الرئاسة أعمالها الآن). حماقات الإخوان يمكن أن تفيد شعبيا أو تمنح غطاء لفكرة إقصاء الاخوان أو إبعادهم كجماعة، لكنها قد تربك مخطط الجيش أو خريطة طريقه، خاصة بعد الضغط الاميركي الذي قد يفرض وجودا معلقا للرئاسة الاخوانية. الجيش تحدث عن خريطة طريق، ولكي يرسل إشارات التحول والاختلاف عن مرحلة المشير (المجلس العسكري والانتقالية الاولى) فسر مندوبوه في الفضائيات أن الخريطة هي تقريباً مشروع «تمرد» لما بعد رحيل مرسي، أي: – فترة انتقالية ثالثة. – رئيس رمزي (رئيس المحكمة الدستورية). – رئيس حكومة توافقي مع حكومة تكنوقراط بصلاحيات كاملة. – العودة الى ما قبل 19 آذار (أي إلغاء الدستور وحل مجلس الشورى). هذه الخطة هي إنهاء لمسار اتفق عليه العسكر والاخوان في مرحلة المشير. هل ينقلب عليه العسكر في مرحلة السيسي؟ ام ان تغيير الأجيال في قيادات الجيش سيكون عاملا مؤثرا في فهم طبيعة الثورة ومزاجها الشاب؟ أسئلة قبل الأوان ربما.. المهم الآن، كيف ستنتهي المهلة؟ والاهم، هل ما زال في الاخوان بقية؟ 3 هي مرحلة أفضل.. ولكن أخطر. هذا اذا وصلت 30 يونيو الى هدفها: إبعاد الاخوان أو إعادتهم الى حجمهم الطبيعي. تقريبا انتهى بعد 30 يونيو مشروع الاخوان المسلمين. لم تخسر الجماعة بخروج المصريين الرئاسة ولا الحكم فقط، ولكن مشروع تحويل المصريين الى «شعب» دولة الحاكم الخليفة وأمير المؤمنين. 85 سنة من ابتزاز المجتمع المصري باسم الدين/ الابتعاد عن الله/ الجاهلية منذ أن قرر حسن البنا تشكيل جماعة/عصابة يجهز عناصرها في معسكرات كشافة ليكونوا «وكلاء الله». محمد بديع في رسالته الأخيرة وضع عنواناً «كن مع الله»، وكأن الله يحارب معهم، وهم رسله، وأن على الشعب أن يندرج في قطعانهم بمنطق «السمع والطاعة». لم يكن الاخوان كيانا سياسيا، لكنهم استخدموا السياسة ليصلوا الى مركز إدارة الدولة الحديثة ليدمروها من داخلها.
الاخوان قبيلة/طائفة تفرض مصالحها على المجتمع كله، باعتبارها «صاحبة رسالة» وتحمل «الخلاص» الذي من أجله لا بد أن يقدم المجتمع فروض الإذعان.
قبيلة محتلة أرادت ترتيب المجتمع حسب دليل استخدامها الذي يضع القبيلة /الإخوان في قمة وحدها، وتليها القبائل الاخرى من التيار الإسلامي، ثم تسمح لمن تعتبرهم أقليات سياسية بالوجود ولكن وفق شروط الأقلية.
وفي المجتمع على الأقباط والأقليات الدينية، كما على المرأة الوجود وفق مستوى أدنى، وبشرط إظهار حسن السير والسلوك.
هذه هي صورة المجتمع الذي لا يمكن قبول إيمانه إلا بالإذعان والخضوع لقبيلة «الطليعة المؤمنة» والجماعة التي تضع سرها في «مكتب الإرشاد»…. وهذا ما تحطم أمس بدرجة مذهلة.
سقوط الاخوان كان في خروج الملايين بأعدادها (التي كونت جسما كبيرا غطى الارض وفاض على الشوارع) وتنوعها (الديني والسياسي والاجتماعي والثقافي والخاص بالإيمان بالثورة أو كراهيتها وبالدولة القديمة والتخلص منها). هذا الخروج التاريخي هو استرداد المجتمع لا الثورة فقط من جماعات نشر الكآبة والقتل والإرهاب باسم الله والإسلام
.
وبعيدا عن إيمان هذه الملايين بالثورة، فإن روح الثورة وحدها منحت القوة لمقاومة مشروع الاخوان قبل حكمهم وسلطتهم، ولتحطيم أسطورتهم قبل إزاحة رئيسهم.
الاخوان عبر الابتزاز التاريخي (نشر فكرة الذنب: المجتمع الكافر الجاهلي البعيد عن الدين) والتهديد (بالعنف والسلاح والميليشيات وقوة جيش المؤمنين) لم يبق منهم غير رئيس مسجون تحت إرادة حرسه الجمهوري، منتظرا إرادة مكتب الإرشاد… وقناص يقتل حتى آخر رصاصة الغاضبين على الرمز.
المصدر: “السفير” – وائل عبد الفتاح