العراق ينفذ مشاريعه بالدفع الآجل ويمهد الطريق للخصخصة
405
شارك
يجب اعتماد سلسلة إصلاحات في خطة تشمل المصارف الحكومية، ولا تقتصر على إنقاذ المصارف المتعثرة من الإفلاس
الحكمة – متابعة : يعاني العراق من أزمة سيولة مالية في ظل تراجع موارده الناجمة عن تدني أسعار النفط بنسبة تزيد عن 50 دولار للبرميل، وارتفاع الإنفاق العسكري لمواجهة حرب “داعش”، مما دفع حكومة بغداد إلى اعتماد سياسة تقشف بالضغط على النفقات الواردة في موازنة العام الحالي والبالغة 102 مليار دولار وتحمل عجزاً بنحو21.4 مليار دولار، وهي تعتمد بنسبة 94% على تصدير النفط.
وبعدما لجأت الحكومة مؤخراً إلى إصدار سندات خزينة بقيمة 12 مليار دولار لدفع مستحقات شركات النفط الأجنبية عن عام 2014، واجهت مشكلة تمويل تنفيذ بعض المشاريع الضرورية لخدمة المواطن، سواء باقتراض الأموال اللازمة أو بالتعاقد مع الشركات لتنفيذها بطريقة ” الدفع الآجل”، وقد فوض مجلس الوزراء إلى الوزارات المختصة ومؤسسات الدولة المعنية، التفاوض مع المقاولين والشركات المنفذة للمشاريع بسقف أعلى لا يتجاوز الملياري دولار، على أن توضع أولوياته بالتنسيق مع وزارتي التخطيط والمال لتأمين الأموال اللازمة من طريق “الدفع الآجل” أو أي وسيلة متاحة للاقتراض بالتنسيق مع الوزارة أو الجهة المعنية.
وسبق لشركات عالمية أن أعلنت استعدادها لتنفيذ مشاريع استراتيجية بطريقة “الدفع الآجل”، لكنها لم تحصل في حينها على الموافقة الحكومية، فلجأت إلى الدفع المباشر الذي سبب باستشراء الفساد المالي والاداري والمماطلة في المراحل التنفيذية.
ومن هنا يرى المعنيون بالقطاع الاستثماري أن الدفع الآجل سيحفز الشركات على العمل وتنفيذ المشاريع وفق المواصفات المتفق عليها والمدة المحددة لها.
إصلاح. وخصخصة
يبدو أن خطوة “الدفع الآجل” ستمهد الطريق نحو تنفيذ إصلاح اقتصادي، وفق استراتيجية أطلقها رئيس مجلس الوزراء حيدر العبادي للسنوات 2015 – 2030، وتهدف إلى تنشيط القطاع الخاص، بدءاً بتطوير القطاع المصرفي الذي ينتظر أن يقوم بدور فاعل في تمويل تنفيذ المشاريع وتنويع مصادر الدخل. وتشمل الاستراتيجية أربعة محاور رئيسية:
أولاً: تحديد شركات القطاع الخاص وطبيعة عملها والمشاريع التي يمكن أن تنفذها، والخدمات والمنتجات التي تقدمها في الأسواق الداخلية والخارجية.
ثانياً : تحسين بيئة الأعمال التي تتمحور حول القوانين والأنظمة والتعليمات والإجراءات المتقادمة التي تعيق تطوير القطاع الخاص.
ثالثاً : تنفيذ برنامج تطوير الشركات الصغيرة والمتوسطة من خلال توسيع المناطق الصناعية الحالية وتحسين خدماتها، وافتتاح مناطق صناعيه جديدة لتتمكن جميع الشركات من العمل بعد توفير القروض الميسرة لها، والبرامج التدريبية والاستشارات ودراسات الجدوى المطلوبة.
رابعاً : تشكيل مجلس لتطوير القطاع الخاص، مهمته الإشراف على تنفيذ الاستراتيجية، ويرفع تقاريره إلى مجلس الوزراء.
ويشكل القطاع الخاص العراقي حالياً 1.8% من الناتج المحلي الإجمالي، وهي نسبة ضئيلة جداً، وتستهدف الاستراتيجية أن ترتفع إلى 18% خلال السنوات العشر القادمة.
وإذا كان الرئيس العبادي يهدف من خطته تطوير القطاع الخاص، مع إبقاء السيطرة للقطاع العام على المفاصل الاساسية للاقتصاد العراقي، فإنه في الوقت نفسه يواجه دعوات متعددة لاعتماد الخصخصة والتحول إلى اقتصاد السوق، وقد اعتبر وزير التخطيط والتعاون العراقي السابق مهدي الحافظ أن التخصيص موضوع جدير بالاهتمام من وجهة نظر الاصلاح الاقتصادي والتنمية الوطنية عموما، خصوصاً في وقت يمر فيه العراق بظروف اقتصاديه صعبه.
ويأخذ الحافظ على القطاع العام في العراق “احتكاره أهم المفاصل الاقتصادية الأساسية في معظم القطاعات والنشاطات الخدمية، وهي ظاهرة ليست جديدة بل شهدها العراق منذ فترة طويلة، كما أن بعض الدراسات يفيد بأن القطاع العام يضم أكثر من أربعة ملايين موظف ومستخدم، وهي نسبة عالية قياساً إلى حجم السكان بالنسبة إلى الكثير من الدول، فضلاً عن أنها تتناقض من حيث الكلفة المالية مع حاجات الاستثمار الوطني”.
ودعا إلى “درس خيارات التخصيص في سياق التنمية الوطنية، وطرحِ برنامج عملي للتحويل من الملكية العامة إلى الخاصة لعدد كبير من المؤسسات، وإلى تنفيذ إجراءات منها خلق بيئة اقتصادية مساندة للمُلكية الخاصة ضمن شروط ومتطلبات المصلحة الوطنية الواسعة، وخلق بنك معلومات شامل من شأنه المساعدة في فهم الحقائق والتعقيدات في الاقتصاد الوطني، لاسيما في مجالات الضريبة والمعونات المالية وعواقبها على المصلحة العامة، ووضع برامج للتدريب وتوفير مختصين في الأبعاد الفنية لمشكلة التخصيص، أي توفير أشخاص مؤهلين وملمين بالأساليب الفنية لعمليات التحويل للملكية الخاصة”.
ويبدو أن طرح موضوع الخصخصة في العراق وتحويل اقتصاده العام إلى اقتصاد السوق، ليس جديداً، وهو يعود إلى العام 2003، عندما أصدر بول بريمر الحاكم المدني الأميركي الذي عينته حكومة واشنطن لإدارة العراق المحتل، الأمر رقم 39 الذي شرع لخصخصة شركات القطاع العام، ومنذ ذلك الوقت حتى اليوم عقدت مؤتمرات وندوات عدة، وشهدت ورشات عمل متعددة ومتنوعة، ولكنها لم تؤد إلى نتائج فعلية وخطوات تنفيذيه، وبقيت في اطار الكلام على الورق.
القطاع المصرفي
لقد باع البنك المركزي العراقي في عامي 2013 و2014 نحو 106 مليارات دولار على شكل حوالات أو نقداً، وكلها تمر عبر النظام المصرفي الذي تسيطر عليه مصارف عامة حكومية، في حين تعمل مصارف القطاع الخاص على هامشها بحصة ضئيلة وتكاد لا تذكر، ولذلك أكدت استراتيجية تطوير القطاع الخاص التي أطلقها رئيس مجلس الوزراء على ضرورة البدء بتطوير القطاع المصرفي.
وقد حذر خبراء اقتصاديون من خسائر فادحة لحقت بالمصارف خصوصاً بعدما نزح معظم العملاء الذين رفضوا دفع المبالغ المستحقة عليهم، وعدم قدرتهم على سداد الديون، الأمر الذي ينذر بالخطر جراء تردي الوضع الأمني وعدم قدرة إدارة على ملاحقة المتخلفين عن الدفع، مما يهدد عدداً منها بالإفلاس، مع الاشارة إلى أن هذه الديون ليست فقط متعثرة بل تجاوزت ذلك إلى وضع “غير قابل للدفع″ ، ويطالب الخبراء البنك المركزي بوضع خطة انقاذ شاملة ليس فقط للقطاع المصرفي بل لمختلف قطاعات الاقتصاد العراقي .
ويوجد في العراق 55 مصرفاً و 49 مؤسسة مالية واستثماريه، وبينها 16 مصرفاً عربياً وأجنبياً، وبشهادة اتحاد المصارف العربية، فقد تطورت أنشطة القطاع المصرفي العراقي بقفزات نوعية خلال السنوات (2003-2014) ، بالرغم من الظروف المعقدة التي عاشتها العراق في شتى المجالات والاقتصادية منها بشكل خاص، حيث هذه المصارف تشير البيانات المالية لنتائج أعمال العام 2013 ، بالمقارنة مع السنوات السابقة ولا سيما عام 2011، كسنة أساس، إلى حصول نسب نمو واضحة في مجموعة الموجودات 33%، ورؤوس الأموال بـ 47.5 في المئة ، والائتمان النقدي الممنوح بـ 60 في المئة ، والودائع بـ 1.6 في المئة (باستثناء ودائع الحكومة المركزية والودائع ذات الطبيعة التجارية)، كما بلغت مساهمة القطاع المصرفي في الناتج المحلي الاجمالي 8%، ولكن لا بد من الإشارة إلى وجود تشوهات بنيوية في القطاع المصرفي العراقي، منها أن المصارف الحكومية وعددها سبعة مصارف تسيطر على 90% من موجودات القطاع، تاركة فقط 10% لنحو 48 مصرفاً في القطاع الخاص، ولا تكتفي المصارف الحكومية بودائع القطاع العام، بل تسيطر على 63% من ودائع القطاع الخاص، وتشكو المصارف الخاصة من قيود الحكومة التي تنحاز إلى مصارفها في النشاط المالي، إضافة إلى امتناع إدارات الدولة عن قبول الصكوك التي تزيد قيمتها عن 25 مليون دينار والمسحوبة على مصارف القطاع الخاص لتسديد أية مبالغ مستحقة لهذه الإدارات، وحصرها بصكوك صادرة عن المصارف الحكومية، ومن أهم الصعوبات التي تواجهها معظم المصارف عجزها عن استرداد القروض من المدينين، بل وتعذر الاسترداد في معظم الأحيان، حتى لو ربح المصرف قراراً قضائياً ببيع الضمانات، وذلك لأسباب تتعلق بالوضع الامني والضغوط الاجتماعية.
ويبرز تلكؤ الشعب العراقي في اللجوء إلى العمل المصرفي، في أن عدد سكان العراق يقدر بـ 35 مليون نسمة، منهم 80 في المئة لا يمتلكون حسابًا مصرفياً، ويوجد 900 فرع مصرفي متمركزة جغرافيًّا في عواصم المحافظات وبعض المدن الرئيسية، وتدل البيانات على أن الفرع الواحد يخدم نحو 38 ألف شخص في العراق ، مقارنة بلبنان الذي يخدم فيه كل فرع أربعة آلاف شخص، ولمعالجة هذه الاختلالات والتشوهات البنيوية، يجب اعتماد سلسلة إصلاحات في خطة تشمل المصارف الحكومية، ولا تقتصر على إنقاذ المصارف المتعثرة من الإفلاس.