قتل المدنيين في اليمن.. المبدأ الإنساني
جميل عودة إبراهيم
الحكمة – متابعة : يتضمن القانون الدولي الإنساني العديد من القواعد الدولية التي تنظم سير الأعمال العدائية ومراعاة مقتضيات الضرورات الإنسانية والعسكرية، سواء كان ذلك بحظر اللجوء إلى أساليب محددة في القتال أو حظر أو تقييد استخدام أنواع معينة من الأسلحة، تطبيقاً لمبدأ قانون الحرب الذي يقيد من سلطة أطراف النزاع في اختيار وسائل الأضرار بالعدو.
وهناك مبدآن أساسيان في مجال سير الأعمال العدائية الأول هو المبدأ الإنساني الذي يقتضي توفير حماية خاصة للإنسان ويدعو إلى تجنب أعمال القسوة والوحشية في القتال، فقتل الجرحى أو الأسرى أو الاعتداء على النساء والأطفال أو على المدنيين غير المشاركين في الأعمال القتالية بوجه عام كلها أمور تخرج عن إطار أهداف الحرب، ومن ثم تعد أعمال غير إنسانية.
والمبدأ الثاني هو مبدأ الضرورة العسكرية، ويقصد بمبدأ الضرورة العسكرية التزام أطراف النزاع المسلح باستخدام القوة الضرورية لتحقيق هدف القتال الذي يتمثل بشل قوة الخصم والانتصار عليه، ومن ثم فإن كل استخدام للقوة المسلحة يتجاوز تحقيق الهدف من القتال كتدمير الأعيان والمواد التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين أو مهاجمة الأهداف التي تحتوي على قوى خطرة حتى إذا كانت هدفاً عسكرياً في بعض الأحيان يصبح دون مسوغ من مسوغات الضرورة العسكرية، ومن ثم يعد عملا غير مشروع.
بناء على مبادئ وقواعد القانون الدولي الإنساني، كيف نقيم الأعمال الحربية التي يقوم بها التحالف بقيادة السعودية ضد اليمن؟ وما هي الآثار التي خلفتها على المدنيين والأعيان المدنية؟ وما هو المطلوب فعله وفقا لقواعد القانون الدولي الإنساني من أجل حماية المدنيين والأعيان المدنية؟
بدأ التحالف العربي الذي تقوده السعودية قصف اليمن بحجة “إزاحة المتمردين الحوثيين” الذين استولوا على العاصمة صنعاء في شهر سبتمبر الماضي. وقد أدت الهجمات إلى مقتل العديد من المدنيين.
تنقل شبكة الأنباء الإنسانية “إيرين” التابعة لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إنه “مع امتداد القصف الجوي في اليمن إلى مشارف الأسبوع الثالث واستمرار الحرب الأهلية في دفع البلاد نحو مزيد من التدهور، يتزايد عدد المدنيين المحاصرين في مرمى النيران. ويتحمل اليمنيون العاديون، الذين لا يزالون منذ فترة طويلة بين أشد الناس فقراً في منطقة الشرق الأوسط، على نحو متزايد وطأة الضربات الجوية التي تقودها المملكة العربية السعودية…”.
وذكرت بريا جيكوب، القائمة بأعمال المدير القطري لمنظمة إنقاذ الطفولة “أن أكثر من 60 بالمائة من سكان اليمن بحاجة إلى مساعدات. وأن 850,000 طفل يعانون من سوء التغذية الحاد، وتعاني نسبة صادمة تصل إلى 41 بالمائة من الأطفال اليمنيين من التقزم في أفقر بلد عربي”.
تركزت الضربات الجوية السعودية والدول المتحالفة معها أولا على التجمعات المدنية ذات الكثافة السكانية، الأمر الذي أدى إلى قتل أعداد كبيرة من المدنيين بما فيهم الأطفال. ففي إحدى البلدات، قال محمد رزق، أحد السكان المحليين، “كنا نائمين، وفجأة سمعنا صوت انفجار صاخب جداً رفعنا من فوق مراتبنا. وسمعنا رجالاً ونساءً يطلبون المساعدة، فركضنا لإنقاذهم،” وأفاد رزق، مضيفاً أن جميع الضحايا الـ13 الذين لقوا مصرعهم خلال هذه الغارة كانوا من المدنيين” وأضاف قائلاً: “رأيت أحد جيراني، صالح الجحافي، الذي وافته المنية اليوم بسبب الحروق، يرمي ابنته البالغة من العمر 12 عاماً من النافذة لإنقاذها من النار وتبين أن ابن الجيران، عبد الله صالح الجحافي، الطالب البالغ من العمر 16 عاماً الذي يظهر في الصورة المقابلة، كان نائماً بجوار أشقائه عندما التهمت النيران منزلهم”
كما قامت الطائرات السعودية أيضا بضرب مخيمات النازحين اليمنيين الذين كانوا قد نزحوا إلى المخيمات خلال الحروب الأخيرة مما أدى إلى قتل العديد من اليمنيين. فقد تعرض مخيم المزرق في محافظة حجة شمال اليمن القريب من الحدود مع المملكة العربية السعودية للقصف. تقول المنظمة الدولية للهجرة إن 45 شخصا لقوا حتفهم حتى الآن في الهجوم. وقدر عيسى، وهو أحد سكان المخيم، عدد القتلى بما يتراوح بين 30 و40 شخصاً. من جهته، أخبر بابلو ماركو، مدير برنامج الشرق الأوسط في منظمة أطباء بلا حدود شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) أن 29 شخصاً وصلوا إلى المستشفى الذي تديره المنظمة في بلدة حرض المجاورة وكانوا قد فارقوا الحياة. وأضاف أن المستشفى استقبل 34 جريحاً كذلك.
لم تقتصر الضربات الجوية السعودية على المدنيين والمواقع المدنية بل استهدفت ناقلات الوقود ومحطات البنزين. ففي محافظة إب التي تقع في وسط البلاد، استهدفت الغارات الجوية حوالي 12 ناقلة وقود ومحطتي وقود، مما أدى إلى ظهور سلسلة من الكرات النارية الهائلة. وقال السعوديون أنهم كانوا يستهدفون الأشخاص الذين ينقلون السلاح إلى الحوثيين، ولكن عندما زارت شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) أماكن القصف، كان عدد القتلى المدنيين شديد الوضوح.
وبالنظر لكثرة الضحايا المدنيين فإن المستشفيات والعيادات التي تتكفل بعلاج أعداد غفيرة من الجرحى من أنحاء مختلفة كثيرة باليمن قد بدأت تنفد مواردها من الأدوية والمعدات المنقذة للحياة. وفي أنحاء عديدة من البلد، يعاني السكان أيضا من نقص في الوقود والمياه، في الوقت الذي يتناقص فيه أيضا المخزون الغذائي بسرعة. ويسقط كل يوم عشرات القتلى والجرحى. والشوارع تعج بالجثث في عدن والناس يخشون الخروج من منازلهم.
ونتيجة للأوضاع المزرية طالبت (اللجنة الدولية للصليب الأحمر) بوقف القتال فورا لأغراض إنسانية وبفتح جميع الطرق الجوية والبرية والبحرية دون أي إبطاء بهدف إيصال المساعدات للأشخاص العالقين بسبب الغارات الجوية الكثيفة والقتال البري الضاري في البلد كله. حيث قال السيد روبير مارديني، رئيس العمليات لدى اللجنة الدولية في الشرق الأدنى والأوسط: “إننا نحتاج عاجلا إلى وقف فوري للقتال لكي تتمكن العائلات الموجودة في أشد المناطق تضررا، مثل عدن، من الخروج لشراء المواد الغذائية والمياه أو للحصول على الرعاية الطبية. ولا بد من السماح لمساعداتنا الإغاثية وفرقنا المتخصصة في الجراحة بأن تدخل البلد وتصل بأمان إلى المناطق الأشد تضررا لتقديم المساعدة. وبصراحة، إن لم نتمكن من ذلك فسيموت مزيد من الناس. أما الجرحى فإن بقاءهم على قيد الحياة متوقف على عملنا وموتهم مسألة ساعات وليس أيام.”
وبناء على ما تقدم، وبموجب قواعد القانون الدولي الإنساني نعتقد:
1- أن الأعمال العدائية التي قامت بها السعودية والتي أدت إلى قتل إعداد كبيرة من المدنيين اليمنيين، والاعتداء على النساء والأطفال أو على المدنيين غير المشاركين في الأعمال القتالية هي أعمال تخرج عن إطار أهداف الحرب، ومن ثم تعد أعمالا غير إنسانية.
2- أن الأعمال العسكرية التي قامت بها السعودية تعد تجاوزا للحدود التي لا يقرها القانون الدولي الإنساني ولا يوجد لها مسوغ من مسوغات الضرورة العسكرية، ومن ثم يعد عملا غير مشروع.
3- على أطراف النزاع السماح بوصول المساعدات الإنسانية إلى المحتاجين لها. ويجب على القوات المسلحة السعودية والجماعات المسلحة ألا تتعمّد عرقلة إيصال إمدادات الإغاثة. وحتى الأشخاص الخاضعين لسيطرة جماعات المعارضة يحق لهم الحصول على الغذاء والأدوية الحيوية الضرورية لبقائهم على قيد الحياة.
4- على أطراف النزاع احترام الحياد الطبي ومنح العاملين في المجال الطبي والمعدات والمركبات الطبية إمكانية المرور الآمن. ويملي القانون أيضا على هذه الأطراف السماح للمدنيين الراغبين في مغادرة منطقة النزاع بالقيام بذلك في أمان.
وأخيرا فان الضرورة الإنسانية تقتضي أن يتوقف أطراف النزاع اليمني فورا عن الأعمال القتالية العسكرية، وتجنب المزيد من الدماء والاحتكام إلى قانون العقل وإلا فالنتيجة المتوقعة سفك المزيد من الدماء وتدمير البنى التحتية اليمنية وهي جريمة حرب لا شك.
ض ح