العراق يفرض إجراءات مشددة على المصارف الأجنبية للحد من منافستها للمحلية

317

فرض العراق على فروع المصارف الأجنبية فيه مضاعفة رأسمالها عشر مرات من 7 ملايين دولار إلى 70 مليون دولار لكل فرع
فرض العراق على فروع المصارف الأجنبية فيه مضاعفة رأسمالها عشر مرات من 7 ملايين دولار إلى 70 مليون دولار لكل فرع

الحكمة – متابعة: في الوقت الذي قرر فيه البنك المركزي العراقي، وفي خطوة غير مسبوقة، إقراض المصارف الحكومية القطاعية والأهلية مبلغ خمسة مليارات دولار، بهدف إدارة عجلتها الاقتصادية وتمكينها من النهوض، اتخذ إجراءات مشددة تفرض على فروع المصارف الأجنبية مضاعفة رأسمالها عشر مرات من 7 ملايين دولار إلى 70 مليون دولار لكل فرع، وذلك في محاولة منه للحد من المنافسة الأجنبية للمصارف المحلية، فضلاً عن الاستفادة من الفارق الكبير في توظيفه في مشاريع داخل العراق.

ولكن اللافت أن إجراءات البنك المركزي العراقي جاءت في ظل استمرار العمليات العسكرية والتي تشمل مساحات واسعة من العراق لمكافحة الإرهاب ضد تنظيم “داعش”، وما ينتج عنها من قطع التواصل بين المناطق ونزوح عدد كبير من المهجرين إلى المناطق الأكثر أمنًا، وتراجع في الحركة التجارية وركود اقتصادي، وبالتالي تراجع كبير في نشاط المصارف وأعمال الصيرفة الشاملة، فضلاً أن عدداً كبيراً من العملاء تعرضوا إلى خسائر كبيرة، ومعظمهم رفض دفع المبالغ المستحقة عليهم بسبب عدم قدرتهم على سداد ديونهم المصرفية، الأمر الذي ينذر بالخطر من جراء تردي الوضع الأمني وعجز المصارف عن ملاحقة المتخلفين عن الدفع، مع الإشارة إلى أن بعض هذه الديون ليست فقط متعثرة، بل تجاوزت ذلك إلى وضع ” غير قابل للدفع″، ويطالب الخبراء البنك المركزي بوضع خطة إنقاذ شاملة للقطاع المصرفي بخاصة، ولمختلف قطاعات الاقتصاد العراقي بعامة.

وتركت إجراءات البنك المركزي العراقي – بحسب وكالة الأناضول – استياءً لدى المصارف العربية وخصوصاً اللبنانية العاملة في العراق، وبرزت شكواها من قصر المهلة المحددة للتنفيذ، وهي على مرحلتين: الأولى زيارة رأسمال كل فرع من 7 ملايين إلى 35 مليون دولار قبل نهاية حزيران (يونيو) القادم، ثم إلى 70 مليوناً قبل نهاية العام الحالي، وهي مهلة غير كافيه لإنجاز ترتيبات الزيادة المالية، وطالبت المصارف بتمديد المهلة لثلاث سنوات، وإلغاء ربط رأسمال المصارف الأجنبية بنسبة 30 في المئة من رؤوس أموال المصارف التجارية العراقية، لأن هذا الربط يلزمها بزيادة رأسمالها مع كل زيادة تقررها المصارف العراقية. وشددت المصارف اللبنانية مخاوفها من خطورة عدم استقرار التشريع المصرفي، حيث تصدر عن السلطات العراقية قرارات وتشريعات بوتيرة متسارعة، ما يفرض على المصارف الأجنبية تغيير سياساتها أكثر من مرة في السنة الواحدة، وكان بعض المصارف اللبنانية قد وجه انتقادات إلى السلطات العراقية بعد فرضها التقدم بضمانات مقابل التسليفات، مع علمها أن القوانين تمنع تملك الأجانب، ما يعني أن أي تسليف مقابل رهن عقاري، لا يسمح للمصرف باسترداد العقار في حال التخلف عن السداد.

وإذا كانت اجراءات البنك المركزي العراقي تهدف إلى زيادة نشاط المصارف الأجنبيه العاملة في العراق ورفع المنافسة بينها وبين المصارف المحلية، فإن بعض إدارات المصارف اللبنانية أبدت مخاوفها من تداعيات سلبية لهذه الإجراءات يمكن أن تدفع بالمصارف العربية والأجنبية إلى الخروج من السوق العراقي، مع العلم أنه في حال تخلف المصرف الأجنبي المعني عن رفع أمواله الخاصة إلى المستوى المطلوب، لا يبقى أمامه سوى إقفال فرعه وتصفيته.

ولكن حرصاً منها على استمرار نشاط المصارف اللبنانية في العراق، طلبت جمعية المصارف في لبنان من حاكم البنك المركزي رياض سلامه التنسيق مع البنك المركزي العراقي لإدخال تعديلات على تلك الاجراءات تساعد في تسهيل تنفيذها من قبل المصارف اللبنانية.

سياسة الانفتاح

لقد سبق للبنك المركزي العراقي في العام  2008 أن منح اجازات بموجب القانون رقم 94 إلى أكثر من 18 مصرفاً أجنبياً للعمل في العراق، وذلك في إطار سياسة الحكومة في انفتاح القطاع المصرفي على الاستثمارات الأجنبية، بينها تسعة مصارف لبنانية، وخمسة مصارف تركيه ومصرفان إيرانيان، ومصرف إماراتي هو بنك أبو ظبي الإسلامي، إضافة إلى مصرفي ” سيتي بنك” و “ستاندرد تشارترد” البريطانيين.

وبعد خروج العراق من البند السابع للأمم المتحدة والذي فرض عليه عقوبات أممية إثر غزوة للكويت، أبدت مصارف عربيه وأجنبية رغبتها في فتح فروع لها في العراق، وقد لاقت هذه الرغبة ترحيبا واسعا في الأوساط الاقتصادية العراقية لأسباب عدة أهمها:

أولًا : ستساهم هذه المصارف في دفع عجلة الاقتصاد العراقي والنهوض بالقطاع المصرفي، خصوصاً وأنها تتمتع بخدمات جيدة ستكسب ثقة المواطن العراقي.

ثانيًا: القطاع المصرفي العراقي لم يواكب التطور العالمي، والعراق في أشد الحاجة إلى دخول المصارف الأجنبية ذات المستوى العالي والتي تتعامل بتكنولوجيا حديثة، تشجع الفرد العراقي على إيداع أمواله فيها، ومن شأن ذلك أن يدفع المصارف العراقية إلى النهوض بواقعها والاقتداء بها، لكنها لن تصل إلى درجة منافستها .

ويوجد في العراق 55 مصرفاً و 49 مؤسسة مالية واستثمارية، وبينها 18 مصرفا عربيا وأجنبيا، وبشهادة اتحاد المصارف العربية، فقد تطورت أنشطة القطاع المصرفي العراقي بقفزات نوعية خلال السنوات (2003 -2014)، بالرغم من الظروف المعقدة التي عاشتها العراق في شتى المجالات والاقتصادية منها بشكل خاص، حيث تشير البيانات المالية لنتائج أعمال العام 2013 ، بالمقارنة مع السنوات السابقة ولا سيما عام 2011، كنسبة أساس، إلى حصول نسب نمو واضحة في مجموعة الموجودات 33%، ورؤوس الأموال 47.5%، والائتمان النقدي الممنوح 60%، والودائع 1.6% (باستثناء ودائع الحكومة المركزية والودائع ذات الطبيعة التجارية).

واستناداً إلى تقارير مصرفية، بلغت الأرباح الصافية التي حققتها المصارف التجارية 1.3 مليار دولار في العام 2014، منها 56% لمصلحة المصارف الحكومية.

إصلاحات بنيوية

لا شك في أن عدد المصارف في العراق لا ينسجم مع عدد السكان، ويبرز تخلف الشعب العراقي في اللجوء إلى العمل المصرفي، في أن عدد السكان  يقدر بـ 35 مليون نسمة، منهم 80% لا يمتلكون حساباً مصرفيًّا، ويوجد 900 فرع مصرفي متمركزة جغرافيًّا في عواصم المحافظات وبعض المدن الرئيسية، وتدل البيانات على أن الفرع الواحد يخدم نحو 45 ألف شخص في العراق، مقارنة بلبنان الذي يخدم فيه كل فرع أربعة آلاف شخص.

وفي هذا المجال لا بد من الإشارة إلى وجود تشوهات بنيوية في القطاع المصرفي العراقي، منها أن المصارف الحكومية وعددها سبعة مصارف تسيطر على 90% من موجودات القطاع، تاركة فقط 10% لنحو 48 مصرفاً في القطاع الخاص، ولا تكتفي المصارف الحكومية بودائع القطاع العام، بل تسيطر على 63% من ودائع القطاع الخاص، وتشكو المصارف الخاصة من قيود الحكومة التي تنحاز إلى مصارفها في النشاط المالي، إضافة إلى امتناع إدارات الدولة عن قبول الصكوك التي تزيد قيمتها عن 25 مليون دينار، والمسحوبة على مصارف القطاع الخاص لتسديد أية مبالغ مستحقة لهذه الإدارات، وحصرها بصكوك صادرة عن المصارف الحكومية، ومن أهم الصعوبات التي تواجهها معظم المصارف عجزها عن استرداد القروض من المدينين، بل وتعذر الاسترداد في معظم الاحيان، حتى لو ربح المصرف قراراً قضائياً ببيع الضمانات، وذلك لأسباب تتعلق بالوضع الامني والضغوط الاجتماعية.

ووفق تقرير رابطة المصارف الخاصة، تتركز خطة التطوير لدى المصارف في محورين رئيسيين:

الأول ، يتركز على بناء البنية التحتية للقطاع المصرفي بإشراف مباشر من قبل البنك المركزي، عن طريق تعديل التشريعات القانونية وخاصة القانون رقم 94 لسنة 2004 والذي ينظم عمل المصارف ، وقوانين أخرى ذات العلاقة، مثل قانون الشركات، وقانون الضرائب، وقانون مكافحة غسل الاموال ، واصدار قانون للبنوك الإسلامية.

الثاني: يتمثل بجهود المصارف في التطوير ووضع الخطط، مع التركيز على استخدام التكنولوجيا الحديثة في العمل المصرفي.

وكان البنك المركزي العراقي يأمل أن تكون البنية التحتية للجهاز المصرفي مهيأة في النصف الأول من العام 2015، لاستقبال كافة الخدمات الحديثة والمتطورة في آخر تطبيقات المصرفية في العالم، ولكن يبدو أن حالة عدم الاستقرار الأمني والسياسي واستمرار العمليات العسكرية، لم تسمح بتحقيق هذا الهدف.

ض ح

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*