الإمام الحسين (عليه السلام) .. قبس من صفاته وسيرته
الحكمة – (خاص) :
د. مرتضى عبد النبي الشاوي / كلية التربية / جامعة البصرة
تجليات في صفاته (ع) :
الحسين (ع) سبط رسول الله (ص) ، لقّبه بذلك كما جاء في الحديث عنه : ( من سرّه أن ينظر إلى سيد شباب أهل الجنة فلينظر إلى الحسين بن علي ).
واشتهر عنه وعن أخيه الحسن (ع)من عدة طرق أنهما سيدا شباب أهل الجنة( 1 ) ، كما لقب الحسين (ع) بالسبط وأنه سيد الأسباط ( 2 ) .
وهكذا بَدَت في الإمام الحسين (ع) ملامح جده الرسول الأعظم (ص) .
فكان (ع) يحاكيه في أوصافه (ص) ، كما كان يحاكيه في أخلاقه التي امتاز بها على سائر النبيين (ع).
وقد وصف بأنّ جسد الحسين (ع) يشبه جسد رسول الله (ص) .
وقيل: إنّه كان يشبه( 3 ) النبي (ص) ما بين سُرَّتِه إلى قدميه .
وقد وصفه الرسول الأكرم بأنه إحدى الثمرتين كما جاء في قوله ( أنا شجرة ، وفاطمة فرعها ، وعلي لقاحها ، والحسن والحسين ثمرتها ، فالشجرة أصلها في جنة عدن ، والأصل والفرع واللقاح والثمر والورق في الجنة ) ( 4 ) وفي هذا المعنى قال أحد الشعراء ( 5 ):
يا حبذا دوحة في الخلد نابتة ما مثلها نبتت في الخلد من شجر
المصطفى أصلها والفرع فاطمة ثم اللقاح عليّ سيد البشر
والهاشميان سبطاه لها ثمر والشيعة الورق الملتف بالثمر
إنّ بحبهم أرجو النجاة غداً والفوز في زمرة من أفضل الزمر
هذا مقال رسول الله جاء به أهل الرواية في العالي من الخبر
وقال الإمام علي(ع): ( مَن سَرَّهُ أن ينظر إلى أشبه الناس برسول الله (ص) ما بين عنقه وثغره فلينظر إلى الحسن ) ، وَمَن سَرَّهُ أن ينظر إلى أشبه الناس برسول الله (ص) ما بين عنقه إلى كَعبِهِ خَلقاً وَلَوناً فلينظر إلى الحسين)( 6 ).
فقد بدت على وجهه الشريف أسارير الإمامة ، وكان الحسين (ع) هو الخليفة المنصوص من الرسول ( 7 ) ، فكان (ع) من أشرق الناس وجهاً ، فكان كما يقول الشاعر أبو كبير الهذلي :
وَإِذا نَظرت إلى أَسِرَّة وجهه بَرقت كَبَرقِ العَارض المُتَهَلِّل .
فالحسين (ع) هو الخليفة الشرعي بايعه الناس أو لم يبايعه فبيعة الناس ليست شرطاً في الإمامة وإنما على الناس أن يبايعوا من أرادته النفوس ولا تصح للإمامية بيعة غيره ولا تقع من أحدهم إلا اضطراراً ( 8 ) .
جماله (ع) :
وصفه بعض المترجمين له بقول أحدهم : كان (ع) أبيض اللون ، فإذا جلس في موضع فيه ظلمة يُهتَدى إليه لبياض حسنه ونحره .
وبقول آخر: كان له (ع) جَمالٌ عظيم، ونورٌ يتلألأ في جبينه وخَده، يضيء حَواليه في الليلة الظلماء، وكان (ع) أشبه الناس برسول الله (ص).
قيل أتت فاطمة الزهراء (ع) بابنيها إلى رسول الله (ص) في شكواه التي توفي فيها فقالت : يا رسول الله هذان ابناك فورثهما شيئاً فقال : أما فإنّ له هيبتي وسؤددي وأما الحسين فإنّ له جرأتي وجودي( 9 ) وفي رواية ( أما الحسين فإنّ له جودي وشجاعتي )( 10 ).
ووصفه بعض الشهداء من أصحابه في يوم الطف قائلاً :
لَهُ طَلعةٌ مِثل شَمس الضّحى لَهُ غرَّة مِثل بَدرٍ مُنير
هَيبته (ع) :
وكانت عليه سِيمَاء الأنبياء (ع)، فكان (ع) في هَيبته يَحكي هيبة جَدِّه المصطفى(ص) التي تَعنُو لَها الجِبَاه .
روي أنّ إعرابياً سلم على الحسين بن علي (ع) فسأله حاجة وقال : سمعت جدك رسول الله (ص) يقول : إذا سألتم حاجة فاسألوها من أحد أربعة : إما من عربي شريف ، أو مولى كريم ، أو حامل القرآن ،وذي وجه صبيح . فأما العرب فشرفت بجدك ، وأما الكرم فدأبكم وسيرتكم ، وأما القرآن ففي بيوتكم نزل ، وأما الوجه الصبيح فإني سمعت جدك رسول الله (ص) يقول : إذا أردتم أن تنظروا إليَّ فانظروا إلى الحسن والحسين( 11 ) ….
ووصف عظيم هيبته بعض الجَلاَّدين من شُرطة ابن زياد بقولهم : لَقَد شَغَلَنا نُورُ وجهِهِ وجَمالُ هَيبتِه عن الفكرة في قتله .
ولم تحجب نور وجهه يوم الطف ضربات السيوف ، ولا طَعنات الرماح ، فكان كالبدر في بَهائه ونَضَارته ، وفي ذلك يقول الشاعر الكعبي :
وَمُجَرَّحٌ ما غيَّرت منه القَنا حُسناً ولا أخلَقْنَ منه جَديدا
قَد كان بدراً فاغتَدَى شمسُ الضّحى مُذْ ألبَسَتْه يد الدماء بُرودا
وَلما جِيءَ برأسه الشريف إلى الطاغية ابن زياد بُهِر بنور وجهه ، فانطلق يقول: ما رأيتُ مثل هذا حُسناً !!.
وحينما عُرِض الرأس الشريف على يزيد بن معاوية ذُهِل من جمال هيبته وطفق يقول : ما رأيتُ وجهاً قط أحسنُ مِنه !!.
ولما تشرف عبد الله بن الحر الجعفي بمقابلته (ع) امتلأت نفسه إكباراً وإجلالاً له ، وراح يقول : ما رأيتُ أحداً قَط أحسَنُ ، ولا أملأُ للعين من الحُسَين (ع).
فقد بدت على ملامحه (ع) سيماء الأنبياء (ع)، وبهاء المُتَّقين ، فكان (ع) يملأ عيون الناظرين إليه ، وتنحني الجباه خضوعاً وإكبارًا له (ع).
تجليات عاطفته :
لم تجف عاطفة الإمام الحسين (ع) في هذه المدة الطويلة ولم يتجرد عنها ويدعها جانباً كما قد يحصل لكثير من ذوي التصميم والإصرار على الدخول في الصراعات المضنية ومقارعة الأهوال ، بل كان (ع) كسائر أهل بيته متكامل الإنسانية فهو أشد عاطفة وأرقهم قلباً يتفاعل مع الآلام والمصائب التي تنزل عليه ، وتستثيره المناسبات الشجية حسرة وعبرة ، كما يظهر بمراجعة تفاصيل الواقعة تاريخياً ( 12 ).
ونجد ذلك حين أنشد (ع) تلك الأبيات في الليلة العاشرة من المحرم إذ قال( 13 ) :
يا دهرُ أفٍ لَـكَ مِنْ خليــلِ كم لَكَ بالإشراقِ والأصـيلِ
مِنْ صاحبٍ أو طالبٍ قتيلِ والدهــرُ لا يقنــعُ بالبديـلِ
وإنّــما الأمــرُ إلى الجــليلِ وكلُّ حـيٍّ ســالكٌ ســبيلِ
لكن عاطفته (ع) مهما بلغت لم تمنعه من المضي في طريقه ، ومن تصميمه على الوصول للنهاية المفجعة ، كل ذلك لفنائه (ع) في ذات الله ولأن هدفه الأسمى رضاه جل شأنه( 14 )
إذ قال (ع) ( 15 ) :
فَــإِنْ تَكُـنِ الدُّنْيـا تُعَــدُّ نَفيسَــةً فَــدارُ ثَــوابَ اللهِ أَعْـلى وَأَنْبَــلُ
وَإِنْ تَكُنِ الأْبْدانُ لِلْمَوْتِ أُنْشِئَتْ فَقَتْلُ امْرِىءٍ بِالسَّيْفِ فيِ اللهِ أَفْضَلُ
وَإِنْ تَكُــنِ الاْرْزاقُ قِسْـماً مُقَدَّراً فَقِلَّةُ حِـرْصِ الْمَـرْءِ في الرِّزْقِ أَجْمَلُ
وَإِنْ تَكُـنِ الأْمْوالُ لِلتـَّرْكِ جَمْعُهـا فَـما بالُ مَــتْرُوك بِهِ الْمَــرْءُ يَبْخَـلُ
فالإمام الحسين (ع) مظهر للمصاب والألم …. ألم من أجل الدفاع عن حرية الإنسان فهو شهيد وشاهد وقربان وقف في وجه الباطل وتقبل الآلام لنفسه وعياله فكانت آلامه وتضحيته في سبيل القيم الأخلاقية ( 16 ) .
من مظاهر العاطفة الجود بالمال لقضاء حاجة مسلم، إذ جاء رجل من الأنصار يريد أن يسأل الإمام أبي عبد الله الحسين (ع) ، فقال له الإمام الحسين (ع) :
يا أَخَا الأْنْصارِ ! صُنْ وَجْهَكَ عَنْ بَذْلَةِ الْمَسأَلَةِ ، وَارْفَعْ حاجَتَكَ في رُقْعَة ، فَإِنّي آت فيها ما سارُّكَ إِنْ شاءَ اللهُ . فكتب : يا أبا عبد الله ! إنّ لفلان عليّ خمسمأة دينار ، وقد ألحّ بي ، فكلّمه ينظرني إلى ميسرة .
فلمّا قرأ الحسين (ع) الرقعة دخل إلى منزله فأخرج صرّة فيها ألف دينار، وقال (ع) له : أَمّا خَمْسُمِائَة فَاقْضِ بِها دَيْنَكَ ، وَأَمّا خَمْسُمِائَة فَاسْتَعِنْ بِهْا عَلى دَهْرِكَ ، وَلا تَرْفَعْ حاجَتَكَ إِلاّ إِلى أَحَدِ ثَلاثَة : إِلى ذي دين ، أَوْ مُرُوَّة ، أَوْ حَسَب ، فَأَمّا ذُو الدّينِ فَيَصُونُ دينَهُ ، وَأمّا ذُو الْمُرُوَّةِ فَإِنَّه يَسْتَحْيي لِمُرُوَّتِهِ ، وَأَمّا ذُو الْحَسَبِ فَيَعْلَمُ أَنَّكَ لَمْ تُكْرِمْ وَجْهَكَ أَنْ تَبْذُلَهُ لَهُ في حاجَتِكَ فَهُوَ يَصُونُ وَجْهَكَ أَنْ يَرُدَّكَ بِغَيْرِ قَضاءِ حاجَتِكَ . ( 17 )
أخلاق الإمام.. أخلاق رسول الله :
نشأ في ظل جده الرسول الأعظم (ص) فكان هو الذي يتولى تربيته ورعايته ، فقد( روى أنّ شاعراً مدح الحسين بن علي (ع) ، فأحسن عطيته ، فعوتب على ذلك ، فقال : أترون أني خفت أن يقول إني لست ابن فاطمة بنت رسول الله (ص) ولا ابن علي بن أبي طالب ؟ ولكن خفت أن يقول : لست كرسول الله (ص) ، ولست كعلي ، فيصدق ويحمل عنه ، ويبقى مخلداً في الكتب ، وملفوظاً على ألسنة الرواة ، فقال الشاعر : أنت والله ابن رسول أعلم بالمدح والذم مني ، وقد وقع الحسن بن زيد بن الحسين بن علي في بعض ما قال جده ، قال فيه ابن عاصم المديني ، واسمه محمد بن حمزة الأسلمي :
له حق ، وليس عليه حقّ ومهما قال فالحسن الجميل
وقد كان الرسول يرى حقوقاً عليه لأهلها وهو الرسول )([18])
امتداد العاطفة إلى البعد الإنساني الخاص :
روي للإمام الحسين (ع) شعر في التودد العاطفي تجاه امرأته وابنته([19] ):
لعمرك إنني لأحبّ داراً تحلّ بها سكينة والرباب
أحبهما وأبذل جلّ مالي وليس لعاذل عندي عتاب
ولست لهم وان عتبوا مطيعاً حياتي أو يغيبني التراب
وقد تكون المخاطبة خاصة تمتد إلى إذراف الدمع ممزوجة بالبكاء والنحيب وهو يتكلم مع بنته سكينة(20) :
سيطول بعدي يا سكينة فاعلمي منك البكاء إذا الحمام دهاني
لا تحرقي قلبي بدمعك حسرة ما دام مني الروح في جثماني
فإذا قتلت فأنت أولى بالذي تأتينه يا خيرة النسوان
والأبيات التي رثى بها أخاهُ الحسن (ع) خير دليل ( 21 ) :
أأَدْهُنُ رَأْسي أَمْ أَطيبُ مَحاسِني وَرَأْسُكَ مَعْفُورٌ وَأَنْتَ سَليبٌ
أَوْ اسْتَمْتِعُ الدُّنْيا لِشَيْء أُحِبُّهُ أَلا كُلُّ ما أَدْنى إِلَيْكَ حَبيبٌ
فَلا زِلْتُ أَبْكي ما تَغَنَّتْ حَمامَةٌ عَلَيْكَ ، وَما هَبَّتْ صَبا وَجَنُوبٌ
مروءته :
جنى بعض مواليه جناية توجب القصاص والتأديب فأمر بتأديبه ، فقال يا مولاي ، إنّ الله يقول : والكاظمين الغيظ ، فقال الإمام (ع) : خلوا عنه فقد كظمت غيظي ، فقال : والعافين عن الناس ، فقال ( ع ) : لقد عفوت عنك ، فقال : والله يحب المحسنين ، فقال الإمام (ع) : أنت حر لوجه الله وأعطاه ما يكفيه في حياته ( 22 ) .
وتبدو هذه الملامح في شخصية الحسين (ع) بارزة للإنسانية جمعاء لا شك فيها ، والحسين (ع) رافد كله عطاء وحيوية فسواء كانت مواقفه إنسانية عامة أو خاصة لا تقل شأناً عن غيرها من مواقفه الأخرى وهو مضحياً بدمه وأبنائه وإخوته وأصحابه في دعم التوهج الروحي لأبناء الأمة من أجل زرع الأمل في النفوس و بث روح التفاؤل وحب الحياة والتواصل الاجتماعي والتعامل الإنساني.
المصادر
[1] – مقتل الحسين للخوارزمي : 142 .
[2] – مع الحسين في نهضته : أسد حيدر: 15 .
[3] – أدعية الإمام الحسين (ع) ( الصحيفة الحسينية ) ، محمد علي دخيل : 4 .
[4] – مقتل الحسين للخوارزمي : 102 .
[5] – المصدر نفسه .
[6] – المصدر نفسه: 139 .
[7] – ينظر : الإمام الحسين والمناوئون : علي الروحاني : 13 .
[8] – المصدر نفسه : 17 .
[9] – مقتل الحسين للخوارزمي : 158 .
[10] – مناقب آل أبي طالب / ابن شهر آشوب : ج 3 / 165 .
[11] – مقتل الحسين للخوارزمي : 225-226 .
[12] -: فاجعة الطف : السيد محمد سعيد الطباطبائي الحكيم : 49 .
[13] – مقتل الحسين – أبي مخنف : 52 .
[14] – فاجعة الطف للقزويني: 5 .
[15] – مقتل الحسين للخوارزمي : 2 / 38 .
[16] – جدل ومواقف في الشعائر الحسينية ، إعداد : حيدر حب الله : 461 .
[17] – : تحف العقول عن آل الرسول/ ابن شعبة الحراني : 272.
[18] – العمدة في نقد الشعر وتمحيصه/ بن رشيق القيرواني ( ت 463هـ ) : 2 / 450 .
[19] المصدر نفسه: 1 / 26 ، ديوان الإمام الحسين بن علي : 75 – 77 .
[20] – مقتل الحسين لأبي مخنف : 92 .
[21] – مقتل الحسين للخوارزمي : 205 .
[22] – سيرة الأئمة ألاثني عشر: هاشم معروف الحسني : 2 / 31 .
(مجلة ينابيع / العدد 57-58)
ض ح