فاطمة الأربش!… هل سمعتم بهذا الاسم من قبل؟ لابد أنَّكم سمعتم به عقب الجريمة التي استهدفت مسجد الإمام الحسين (عليه السلام) في حي العنود بالدمام الأسبوع الماضي. إنها أمٌّ بحجم أمة. رمز حي للأنثى السعودية والعربية، عندما تتعملق قامتها لتجاري نخيل القطيف والأحساء والقصيم والمدينة المنورة، طولاً.
فاطمة لم تثمر الرطب أو الزهور، لتساهم في إنتاج دورة الحياة غذاء، على طريقة النخيل. فاطمة أثمرت ثلاثة أقمار، ستظل تضيء ليالينا الحالكة، لتلعن الظلام كل يوم… وعلى طريقتها الخاصة. الشهداء: عبد الجليل، محمد، ومحمد.. وتظل فاطمة أبداً هي كلمة السر، وهي المفتاح، وهي الشعلة… وهي مصدر الطاقة.
يحق لكن يا نساء بلادي أن تفخرن بمواطنتكن، وهي تغادر خانة الأشخاص، لتلتحق بدائرة الرموز. ها أنتن أخيراً تستخدمن أصابع ابنة جنسكن فاطمة، لتقلبن الطاولة في وجه كل ذكوري مريض. يحق لكن الآن أن تقلن إن الوطن، أي وطن، هو أنثى تنجب وتعد الرجال الذين لا يتوانون عن فداء المجموع بأرواحهم الطاهرة.
أتراكِ يا فاطمة حبلت بأطفالك – رجالك، أم تراك حبلت بوطن جميل يرفض القسمة على اثنين؟. قولي لي بالله عليك: بماذا كنت تتوحمين عندما حملت البطلين في أحشائك؟ هل كنت تتوحمين على خارطة وطن، يأبى إلا أن يضرب أعظم أمثلة البطولة والفداء، أم كنت تتوحمين على قناديل لا يخفت ضوؤها إلا ليشتعل من جديد؟. هل لنا يا فاطمة، يا صاحبة السر، أن نطلع على سرك؟ أم أن السر سيظل وديعةً عند شهدائك.. شهودك؟
فاطمة: أومن أن البطولة ليست ابنة الصدفة، فالبطولة وإن كانت حالة استثنائية، فإنها تظل نتيجة ظروف ومقدمات وتراكمات طويلة. الأبطال لا تنجبهم إلا الأوطان ذات التاريخ العريق. وخارطة الأوطان يا فاطمة، ترسمها وتحدد معالمها، بطون الأمهات قبل حدود الجغرافيا نفسها.
أعرف أنك الآن ثابتة، ربما أكثر مما كان عليه الحال قبل استشهاد أولادك الثلاثة. أعرف أن أشلاء الأبطال التي تناثرت دفاعاً عن وطن أراد له الحاقدون أن يتمزق، هي مصدر فخر لك. لكنني أعلم يا فاطمة أنك أم، صحيحٌ أنك أصبحت أمّاً بحجم أمة، لكنك تشعرين الآن ولابد، بكل مشاعر الأم الثكلى المغدورة. أتعاطف معك وأشعر بك، بقدر ما أتعلم منك. لكنك يا فاطمة اخترتِ الثانية من بين الاثنتين: اخترت أن نتعلم منك، ولم تهتمي كثيراً بأن نتعاطف معك أو أن نشاركك البكاء. لقد أردتِّ أن تكوني أمّاً لنا جميعاً حتى من هو أكبر منك كثيراً في العمر، والأم لا تسعى إلى أن يشاركها أبناؤها البكاء. إنها تضيء لياليهم بالحب، بالإيثار، بالعطاء، وحتى بحكايات ما قبل النوم.
بمناسبة الحكايات يا فاطمة، أود أن أعرف ماذا كنت تقصين على أبطالك الفدائيين وأنت تساعدينهم للولوج إلى عالم النوم. هل كنت تمنينهم في سياق حكاياتك، بالنوم الطويل؟ هل كنت تزينين لهم راحة النوم ولذته، بعد مشوار قصير في مطاردة الوحش الذي يريد أن يرسل جموع الناس، إلى نومة قسرية طويلة؟ أكيدٌ أن شهداءك الثلاثة لهثوا كثيراً أثناء ملاحقة المجرم، فماذا قلت لهم كي يلحقوا به ويتمكنوا من احتضانه، وهو الذي ألهمه الجبن سرعة تجاري أو ربما تفوق، سرعة الضوء نفسه؟!
ربما كنت تقرئين عليهم ملاحم البطولة، لا حكايات النوم التقليدية. ربما كنت تتلين عليهم قصائد الشعر التي جعلتهم يحولون سيرتهم إلى أجمل قصيدة!
أيّاً يكن ما كنت تقرئينه عليهم يا فاطمة، فإن الأبطال الثلاثة استوعبوا واستشعروا ما كنت تبثينه فيهم، بدقة. فهنيئاً لك بهم، وهنيئاً لنا بك، وهنيئاً للوطن وللأجيال القادمة، بهم وبك معاً.
أنا ابنك الذي قد يكون أكبر منك سنّاً يا فاطمة، فاعذريني. اعذريني؛ لأنني لم أتمكن من سماع صوتك وهو يروي لي طفلاً، حكايات ما قبل النوم.