زواج الفصلية.. انتهاك لحقوق الإنسان وأمر مستنكر أخلاقا وشرعا
الحكمة – متابعة: في «ليلة دم» اصطحبت علياء (25 عاماً) إلى بيت شقيق المقتول لتكون زوجته بموجب التقليد الذي تمليه العادات العشائرية العراقية لحقن دماء العشائر المتخاصمة بلغة السلاح والدم.
لم تكن علياء من محافظة السماوة 280 كلم، جنوب غربي العاصمة بغداد، تعرف أنها ستدفع حياتها ثمناً لخطأ أخيها الذي قتل أحد أبناء القرية الريفية التي كانوا يسكنونها.
بعد ثلاثة أشهر على الحادثة، قضى العرف العشائري بدفع عائلة علياء «ديّة» قدرها 75 مليون دينار عراقي (يقارب 50 ألف دولار)، لعائلة المقتول مع امرأة «فصلية» فكانت علياء الضحية، فزُفّت إلى عش الزوجية مكرهة.
«زواج الدم» أو ما يعرف بـ«زواج الفصلية» عُرفٌ عشائري لا يزال سائداً في عموم مدن العراق، حيث تُقدم المرأة فيه كـ«ديّة» لجريمة ارتكبها أحد ذويها أو فرد من عشيرتها.
ورغم حالات التطور الإنسانية، إلا أن قسما من العشائر العراقية بقيت متمسكة بالعديد من الأعراف والعادات البالية والسلبية في الوقت ذاته، واتخاذها وسيلة وأداة لتسوية النزاعات العشائرية، ولاسيما مع ضعف الثقافة الدينية الصحيحة والقوانين المدنية الرادعة.
وعلى الرغم من أن القانون العراقي المنصوص عليه في دستور عام 1958 الذي ألغى سلطة القبيلة وحوّلها إلى هيئة اجتماعية ريفية يمكن للمرء الرجوع إليها للمشورة، لا يزال سارياً ومعمولاً به من قبل الحكومة العراقية لتضييق الخناق والحد من التقاليد العشائرية ومنعها من تسيّد المشهد القانوني، إلا أن الفراغ السياسي والفوضى الخلاقة التي غاب فيها القانون لمدة عشر سنوات متتالية، أقحم العشائر كقوة تضاهي المعترك القانوني والقضائي وأعاد نفوذها من جديد.
أخيراً ضج العراق، بما أقدمت عليه عشيرة «آل شاوي» التي قدمت 50 امرأة إلى عشيرة «الكرامشة» في منطقة الدير في محافظة البصرة نتيجة اشتباك بين العشيرتين بالرصاص الحي، أسفر عن مقتل 3 وجرح أكثر من 8 أشخاص من «الكرامشة». أبرز ردود الفعل على الحادثة «المشينة» جاءت من المرجعية في النجف.
ممثل المرجعية في محافظة كربلاء، السيد أحمد الصافي، شدد في خطبة الجمعة الماضية على أن «لجوء بعض العشائر إلى أخذ النساء من عشيرة أخرى لفض النزاعات العشائرية وهو ما يعرف بـ(الفصلية) أمر مستنكر أخلاقاً وشرعاً»، لافتاً إلى أنه «لا يجوز بأي حال من الأحوال أن تجبر الفتاة على الزواج ممن لا تريد».
أما سياسيو العراق فاكتفوا ببيانات الاستنكار والاستهجان دون العمل على تشريع قوانين جديدة تحد من إقحام المرأة في التقاليد العشائرية.
رئيسة لجنة «المرأة والأسرة والطفولة» في مجلس النواب، رحاب العبودة شددت في حديث إلى «الأخبار»، على أن «ما تتعرض له المرأة في العراق من ممارسات غير إنسانية وغير أخلاقية من جهات متعددة يتطلب مواقف وإجراءات حازمة للحد منها»، مبينةً أن «الاكتفاء بالإدانة والاستنكار لن يجدي نفعاً بدون إجراءات ملموسة».
أستاذة كلية الإعلام والناشطة في مجال حقوق الإنسان، إرادة زيدان قالت في حديث إلى «الأخبار» إن «من يقتل فتاة مغتصبة بداعي غسل العار هو نفسه يقدمها للاغتصاب لإنهاء نزاع لم تكن هي طرفا فيه، بل كانت ضحية عادات سوداء جعلتها أرخص من الدواب عند عشيرتها».
تؤكد إرادة أن «زواج الفصلية يعتبر انتهاكاً للفقرة الثانية من المادة 16 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان» ودعت إلى ضرورة أن يقف العراقيون ويثوروا على أفعال من عصر الجاهلية، مشددةً على ضرورة وجود «روادع قانونية لإيقافها لأن التوعية تحتاج إلى وقت طويل سيكلفنا ضحايا جديد».
الخبير القانوني طارق حرب أوضح أن «المادة (9) من قانون الأحوال الشخصية (1988) لسنة 1959 تنص على محاسبة من يكره شخصاً، ذكراً كان أو أنثى، على الزواج من دون رضاه، بالحبس لمدة لا تزيد على خمس سنوات»، مستدركا أن «جريمة زواج الفصلية تدخل ضمن قانون الإتجار بالبشر الذي يحاسب مرتكبيها بالسجن المؤبد».
يذكر أن «زواج الفصلية» عرف عشائري لا يزال سائداً في عموم مناطق العراق، رغم اختلاف عادات وتقاليد عشائره في الشمال والغرب عن نظيراتها في الجنوب والوسط، وينص على تزويج إحدى بنات العشيرة المعتدية إلى الشخص المعتدى عليه أو أحد أقاربه بعنوان «الثأر»، لتجد نفسها زوجة دون إرادتها حينما تقع فريسة لما يطلق عليه «زواج الدم» بعيداً عن وصايا القانون والشرع. عاد هذا العرف بقوة إلى الساحة العراقية، بعدما اضمحلت منذ عقد الخمسينيات من القرن الماضي بفعل قوة القانون الذي تبنّته الدولة آنذاك.
(حسن الشنون-الأخبار)