“الفسنجون” و”القيمة” أكلتان تميزت بهما موائد الإفطار النجفية في ليالي القدر المباركة

1٬292
مرقة ال
مرقة الفسنجون من أفضل الأكلات التي يفضلها النجفيون على جميع الأكلات لا سيما في شهر رمضان المبارك (الصورة خاصة بالحكمة)

النجف الأشرف – خاص بالحكمة – عبد الكريم الحيدري: قبل شهر رمضان بأيام يتسوق النجفيون ما يحتاجونه في الشهر الفضيل من مواد غذائية, لاسيما تلك المتعلقة بـ”الفسنجون” و”القيمة” وهما الطبختان اللتان اشتهرت بطبخهما العوائل والأسر النجفية دون غيرها, ويتفاخر النجفيون بمجالسهم الرمضانية كلاً بأن أسرته هي الأفضل بطبخ هذه الأكلات, وأهم مواد الفسنجون هي ماء حب الرمان (الحامض) وعصير الجوز الخالص ولحم الطيور المهاجرة, فيما يتألف قدر القيمة بصورة رئيسة من الللحم والحمص فضلا عن معجون الطماطم والدارسين, ويتم طهيها و”تهديرها” على نار هادئة وتحضيرها في المائدة الرمضانية لاسيما في أواخر الشهر.

تقول أم محمد(68 عام) إن “أكلة الفسنجون يتم التحضير لها قبل حلول شهر رمضان المبارك من خلال شراء ماء حب الرمان الحامض جدا,وشراء أحسن أنواع الجوز المستورد من إيران أو تركيا.

وتابعت “نتحضر لطبخها منذ الصباح الباكر بذبح عدد من الطيور الداجنة أو المهاجرة ويفضل الديك الرومي(الفسيفس) أو دجاج المحلي أو الخضيري, بعدها نقوم ببرش لب الجوز وتحضير ماء حب الرمان, وتقطيع الطيور إلى قطع متوسطة الحجم ووضعها على النار, بإضافة البهارات والملح, وفي هذه الفترة يضاف إليها ماء حب الرمان الحامض, ويترك حتى غليانه, ومن ثم يضاف لب الجوز المهروس, ويترك لمدة ساعتين على نار هادئة لتهديره ليكون جاهزا لمائدة الفطور مع رز العنبر المعطر بالزعفران”.

وعن سبب اشتهار وتذوق أهالي النجف دون غيرهم من المحافظات العراقية لمرقة الفسنجون قالت “يعود ذلك لتعلق الأهالي بتقاليدهم التراثية القديمة التي ورثوها عن آبائهم, حيث اعتادت الأسر والعوائل النجفية على طبخ الفسنجون في ليلة القدر, (يعتبر المسلمون الشيعة أن ليالي القدر تبدأ في ليلة 21 من رمضان والليالي التي تليها), وتوزيعه على الجيران والأقارب فضلا عن فقراء المدينة أو أولئك الذين لا يستطيعون طبخها بالصورة التي اعتاد النجفيون عليها”.

وأضافت أن “ضيوف أهالي النجف الذين يفدون إلى النجف لزيارة المرقد العلوي في ليالي القدر يطبخ لهم أنواع أخرى من الأكلات كونهم لا يستطعمونها, فيما النجفيون يعشقونها ويتباهون بها على مدار السنة”.

وأشارت أم محمد أن÷ “في فترة الحصار الاقتصادي 1990-2003,قامت بعض الأسر بإضافة الراشي (عصير السمسم) بدلا من لب الجوز وذلك لارتفاع أسعار الجوز”.

ومضت أن”بعض الأسر الثرية تقوم بطبخ مرقة الفسنجون في مناسباتهم العائلية كونها مرغوبة لدى الجميع “مستدركتا”وللتباهي أمام الضيوف بأنهم محافظين على تراثهم وتقاليدهم النجفية الأصيلة”.

المسن شاكر منى (85 سنة) قال لـ(الحكمة) إن”النجفيين تعلقوا بمرقة الفسنجون والتمن والقيمة والدهين و الطرشي كجزء من تقاليدهم التي يعتزون بها كثيرا”, فإلى ذلك يعدونها أفضل الأكلات بعد أكلة التمن والقيمة التي اشتهر النجفيون بطبخها وتوزيعها في كافة المناسبات التي يقيمونها على مدار السنة”.

وأضاف منى أن”مرقة الفسنجون يقوم أهالي النجف بتوزيعها مع رز العنبر المطعم بالزعفران الإيراني على الجيران والأقارب فضلا عن العوائل الفقيرة التي لا تستطيع طبخها بسبب غلاء ثمن محتوياتها من الجوز ودبس الرمان الحامض ولحم الطير”.

وعن أصل الأكلة قال منى إن “تركيا وإيران مشهورة بطبخ هذه الأكلة”, معتقدا أن”الأسر العلمية الإيرانية التي جاءت للنجف قبل أكثر من 100 عام هي التي ساهمت في نشر هذه الأكلة بين النجفيين”, مستدركا “إلا أن النجفيات تمكّن من إضافة نكهة أفضل بكثير من نكهة الفسنجون الإيراني, بسبب لحم الطير العراقي ذو الطعم الطيب والمميز فضلا عن ماء حب الرمان العراقي ذات الحموضة العالية, وهي التي تعطي للفسنجون النجفي طعما مميزا عن ذلك الذي يصنعه الإيرانيون”.

ولفت منى إلى أن “أهالي الكاظمية في العاصمة بغداد وأهالي كربلاء يعدون أكلة الفسنجون من الأكلات المفضلة على سواها من الأكلات الأخرى المشهورة بأوساطهم الشعبية”.

وأردف أن”الكثير من سكان النجف الذين وفدوا للمدينة في منتصف القرن الماضي لا يستسيغون هذه الأكلة إلا القليل منهم”, معللا ذلك “للون مرقة الفسنجون الغير مرغوب لديهم, (اللون الطيني القريب للسواد)”, وأضاف أن “الكثير منهم عندما يدعون إلى وليمة بها مرقة الفسنجون, فأنهم يتركونها ويأكلون سواها من الأكلات التي يضعها المضيف تحسبا إلى ذلك”.

وختم المسن النجفي قوله أن “الجيل الجديد من الشباب يفضلونها بإضافة قليل من السكر, فيما كبار السن لا يستسيغونها إلا بحموضتها العالية التي اعتادوا عليها منذ عشرات السنيين”.

الطباخ محمد هادي العامري قال إن” الأسر النجفية اعتادت طبخ وتوزيع مرقة الفسنجون ورز العنبر في أواخر شهر رمضان, لاسيما ليلة وفاة الإمام علي (ع) والأيام التي تليها ,حيث يكون توزيعها في اليوم الأول بذكرى استشهاد الإمام , والأيام الأخرى ترحما على أمواتهم.

وأضاف العامري”ويشتهر أهالي النجف بطبخ مرقة القيمة المعروفة بين الأوساط الشعبية بـ”التمن وقيمة” حيث تهرس مادتي الحمص واللحم والبصل على النار لمدة ساعات ,ويتم تهديرها لساعات أخرى ليتم تقديمها في أوانٍ كبيرة على المشاركين في المناسبات الدينية, كما اعتادت الأسر النجفية أن تقدم مرقة التمن والقيمة في ولائم الفواتح, دون غيرها من الأكلات ,وذلك لمقبوليتها من قبل المدعوين”.

وأشار العامري أنه “عندما يذهب للطبخ في محافظات أخرى يطلبون منه بطبخ التمن والقيمة فقط دون الأكلات الأخرى التي اشتهر بها أهالي النجف مثل الفسنجون”, مستدركا “إلا أنهم يستفسرون دائما عن محتويات مرقة الفسنجون, وعن كيفية تذوقها من قبل النجفيين”.

وأشار العامري أن “الأسر النجفية تقوم بإطعام طفلها الصغير الذي لا يتجاوز عمره 20 شهرا مرقة الفسنجون, إلى ذلك أصبحت هذه الأكلة مفضلة لديهم دون الآخرين الذي لا يستسيغون رؤيتها فضلا عن أكلها”بحسب تعبيره.

3933e3cc85
يطبخ النجفيون القيمة لتوزيعها في المناسبات الدينية

 

ك ح/س ف

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*