متى الطلاق بين الدولة السعودية والسلفية القديمة؟

242

275180

    لماذا لايؤدي فك الارتباط مع السلفية المتشددة إلى تآكل سلطة الدولة، فهذا لأن السلفية أصلاً لاتختصر بلون وهابي واحد، بل هي جماعات مختلفة الرؤى والأهداف والتطبيق. ففيها السلفي التقليدي، لكن فيها أيضاً السلفي الجهادي العنيف والسلفي الليبرالي المسالم والمنفتح، والسلفي الذي يقطن منزلة بين منزلتي التقليد والليبرالية.

هل “الأمير” (الدولة السعودية) عاجز حقاً عن فك ارتباطه مع “الشيخ” (الحركة السلفية الوهابية)، لأن ذلك سيقوّض أحد ركني سلطته، كما يقال؟

كلا. لا الدولة عاجزة، ولافك الارتباط يؤدي إلى تقويض السلطة.

فالدولة السعودية ليست عاجزة لأن صيغة الأحكام السلطانية للماوردي، التي تشكل التجربة السعودية إحدى صيغها، تضع الدين في الواقع في وضعية التابع للمُتغلّب، أي للسياسي الذي يستولي على السلطة بالقوة.

صحيح أن بعض أرباب السلفية المتشددة تمر بهم أحياناً خواطر تجعلهم يعتقدون أن السياسي تابع لهم بحكم شرعيتهم الدينية المفترضة، كما حدث، مثلاً، مع رواد حركة الصحوة السعوديين الذين أصدروا في العام 1993″مذكرة النصيحة” التي طلبوا فيها الإطباق الكامل للدين على الدولة والمجتمع، ووصاية الفقيه على الدولة ومجتمعها لأنه مقدم على كل سلطة وهو متبوع لا تابع، وأن الأمة يجب ان ترجع إلى العلماء والدعاة”. بيد ان هذه الحركة سرعان ما تخبطت في لجج أزمات فكرية واجتماعية أدت إلى تركز سلطة الدولة على الدين أكثر.

أما لماذا لايؤدي فك الارتباط مع السلفية المتشددة إلى تآكل سلطة الدولة، فهذا لأن السلفية أصلاً لاتختصر بلون وهابي واحد، بل هي جماعات مختلفة الرؤى والأهداف والتطبيق. ففيها السلفي التقليدي، لكن فيها أيضاً السلفي الجهادي العنيف والسلفي الليبرالي المسالم والمنفتح، والسلفي الذي يقطن منزلة بين منزلتي التقليد والليبرالية.

وبالتالي، تستطيع الدولة السعودية، إن هي أرادت، أن تدير الظهر للسلفية القديمة التي قسمت ظهر المجتمع بفتاواها التكفيرية والتبديعية والهرطوقية، وضخت الرعب في أوصال هذا المجتمع سواء من عذاب النار والقبر الذي ينتظر كل من يخالف رأيها، أو الخوف مما تعتبره مؤامرة دولية داخلية للقضاء على الإسلام، أو عبر نفيها وجود أزمة في السعودية، أو حربها الطاحنة ضد المذاهب الأخرى وضد حرية الفكر والكلمة والكتابة واعتبارها جريمة لاتغتفر.

استبدال السلفية المتطرفة بسلفية الشيخ المعتدل في متناول “الأمير” ، خاصة وأن السلفية القديمة باتت عبئاً استراتيجياً على الدولة بدل أن تكون رصيداً لها، في عالم سعودي ودولي بات يعيش الحداثة المادية والفكرية حتى الثمالة في كل مناحي حياته.

لكن، هل هذه الإرادة موجودة لدى الدولة؟

حتى الآن، لايبدو الأمر كذلك. فلا الأمراء الإصلاحيون يمتلكون قوة كافية لفرض برامجهم الليبرالية والوطنية على جدول أعمال الدولة، ولا إصلاحات الملك عبد الله ترقى بأي حال إلى مستوى التصدي لسطوة السلفية القديمة على المجتمع ولنفوذها في الدولة.

فضلاً عن ذلك، برامج التربية والتعليم الراهنة لاتوفر الأساس الضروري لنشوء كتلة تاريخية تغييرية جديدة، بل هي تساهم في خلق عقول تعيش في ماضٍ مثالي خيالي ورافض للحاضر والمستقبل، وتنغمس في أتون حروب مذهبية لانهاية لها.

ولذلك، الرهان يبقى على ما ستحمله عملية الخلافة المقبلة من تغييرات في دور الأجيال داخل الأسرة السعودية، وعلى “المجتمع الثاني” الذي ينمو بسرعة قياسية هذه الأيام على أثير الإنترنت وأيضاً على الطفرة الشبابية التي لم تعد السلفية القديمة قادرة على تلبية حاجياتها أو إرضاء طموحاتها الدنيوية أو حتى الدينية.

لكن، بات واضحاً لكل ذي عين الآن أن أي تطوير أو إصلاح يجب ان يتضمن إعادة نظر شاملة بدور الدين في الدولة، ودور الدولة مع الدين، كمدخل لابد منه لتدشين مرحلة “بناء” الشعب السعودي.

المصدر: أبنا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*