الدكتور أحمد راسم النفيس يكتب.. نقاتل أربعة عشر قرنا من التضليل!!

320

سلطة التكفير والذبح
الدكتور أحمد راسم النفيس

أربعة عشر قرنا من التضليل، قالوا لنا فيها أن هذا هو الإسلام الصحيح، وان سبب المصائب والويلات التي نعاني منها الآن حلها الوحيد هو تعميم (فكرهم الصحيح)، رغم أن هذا الصحيح موجود في الساحة منذ أربعة عشر قرنا ولم يفلح في منع وصولنا إلى الدرك الأسفل الذي نحن فيه، بل العكس هو الصحيح (وليس فكرهم) فنحن من سيء إلى أسوأ نسير!!.

السؤال: أين تعلمنا التكفير؟!.

الجواب: في كتاب المدرسة!!.

ألم تقرأ (عبقريات العقاد) ومن ضمنها (عبقرية الصديق) ومقولته الشهيرة (والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه لرسول الله، لقاتلتهم عليه)!!.

إنها نقطة انطلاق (سلطة التكفير) ومساره في عالمنا الإسلامي المنكوب الآن بمن يستبيحون دماء المسلمين تحت دعاوى الردة والمروق من الدين؟!.

هل جرؤ عباس العقاد رغم تحرره الفكري وسعة أفقه المعرفي على توجيه أي نوع من النقد لهذه الواقعة ومرتكبيها أم أنه تعامل معها تعامله مع (المعلوم من الدين بالضرورة)؟!.

لقد شكلت هذه الواقعة نقطة البدء في تأسيس سلطة التكفير والذبح خاصة وأن القوم قد استعانوا في شرعنتها باختلاق رواية (أمرت أن أقاتل الناس…) حتى أن عُمَرَ بن الخطاب أنكر على أبي بكر قتاله لهؤلاء قائلا (كَيْفَ تُقَاتِلُ النَّاسَ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‏”‏ أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ‏.‏ فَمَنْ قَالَهَا فَقَدْ عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلاَّ بِحَقِّهِ، وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ) فكان تبريره لذلك‏ (وَاللَّهِ لأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ، فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ الْمَالِ، وَاللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقًا كَانُوا يُؤَدُّونَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهَا‏.‏ قَالَ عُمَرُ فَوَاللَّهِ مَا هُوَ إِلاَّ أَنْ قَدْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ فَعَرَفْتُ أَنَّهُ الْحَقُّ‏).‏

إنها الرواية التي اختلقها الأولون ويدفع ثمنها الآخرون، كما أنها ليست مجرد رواية استخرجها الناس من بطون الكتب، بل هي واقعة مؤسِسة لسلطة التكفير أي ولاية النظام السياسي على عقائد الناس وضمائرهم وحق هذه السلطة في اختلاق أسباب وذرائع التكفير وقطع الرقاب والآن توجيه تهمة ازدراء الأديان!!.

ليس صحيحا ما يظنه البعض من ارتباط التكفير والذبح بجماعات الخوارج كونه من صميم فكر من يرون أنفسهم أصحاب الإسلام الوسطي وهاهو عباس شومان يقول مؤخرا في لقائه مع طلاب الشرطة المكلفين بتطبيق دستور يحترم حرية المعتقد (إن تكفير الأشخاص لا يصدر إلا من القضاء)، أي أن هؤلاء ليسوا خصوما لمبدأ التكفير الإجرامي الخطير بل مجرد خصوم سياسيين لتلك الجماعات التي تنازعهم السلطة وحسب!!.

متى كان من حق القضاء وهو أحد أجنحة السلطة أن يصدر حكما بكفر هذا الشخص أو ذاك؟!.

ما نراه الآن من بحيرات الدم ومهرجانات قطع الرؤوس هي نتاج طبيعي لأربعة عشر قرنا من تزييف الإسلام لصالح سلطة قاهرة لم ترد يوما سوى بسط هيمنتها على عباد الله وليس أبدا إعلاء كلمة الله.

سلطة تجاهلت قوله تعالى (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) النحل 125, زاعمة أن الله منحها حق قطع رقاب الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله!!.

دكتور أحمد راسم النفيس

‏18‏/09‏/2015

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*