في أواسط الثمانيات من القرن الماضي إبان الحرب، شدد البعث كثيرا ضد المجالس الحسينية وسعى لمنعها، وأطلق حملة اغتيالات للخطباء، مرة عبر حادث سيارة والكثير عبر دعوتهم لمديرية الأمن وتقديم السم لهم بالعصير.
ومع هذا التشدد أصبحت المجالس الحسينية التي تقام تعد بالأصابع، ومنها على سبيل المثال لا الحصر مجلس آل بحر العلوم في منزل السيد غياث بحر العلوم وكان يعد من أكبر المجالس حينها، ولا زلت أتذكر الحضور المكثف لرجال الأمن في الباب ينظرون ويتابعون كل حركة وسكنة ويهددون ويتوعدون أصحاب المجلس.
في تلك الأيام الشديدة أصبح أولياء الأمور بين نارين:
نار أنهم يريدون لأبنائهم أن ينهلوا من الفيض الحسيني، ونار الخوف عليهم من الهلاك على يد أزلام السلطة الصدامية.
ويتساءل في نفسه: أيمنع ولده من الذهاب للمأتم ومواساة الزهراء عليها السلام وماذا يقول للزهراء (ع) غدا؟ أم يمنعه من الهلاك على يد طغاة مالهم رحمة؟ أيسمح له أن يلبس السواد أو لا؟ أخشى على ولدي أن يندفع فيصرخ يا حسين ويتيه في دوامة المعتقلات؟ حيرة كانت تمر بهم في كل يوم وساعة.
وكانت أغلبية العوائل تستمع عبر شريط مسجل لمجلس عزاء في بيتها، ومع قلة الأشرطة ومنع بيعها وتداولها واعتقال من يجدون في منزله مجموعة منها، فكان التخفي في تداول أشرطة التسجيل، وكان أكثر مجلس عزاء تداولا للخطيب السيد جابر أغائي وهو يقرأ: زينب لفت يم حسين لاجن كَابعه بالهم.
ما أريد قوله: مرت علينا سنون وأيام لم يكن لنا من الشعائر الحسينية غير العَبرة والدمعة نواسي بها وتتجذر في أعماقنا، ومنعنا كل شيء آخر، ولكن تلك الدمعة كانت وما زالت وستبقى ولادة حفظت وأدامت العشق الحسيني وما نشهده اليوم دليل صارخ.
وبعض إخوتنا من المثقفين حينما ينظّرون إلينا أن الحسين عليه السلام لا يريد الدمعة والعَبرة بل يريد كذا وكذا نقول لهم تلك الدمعة التي لا يمتلك أحد أن يمنعها مهما طغى وتجبّر وتضحيات خدام الحسين عليه السلام لها الفضل الكبير في ديمومة العشق الحسيني.
أما تنظيراتكم مع الاعتزاز بها واحترام مطلقيها فإنها لم تكن حاضرة معنا في الشدة ولم تلد شيئا.
فهنيئا لمن يعيش هذا العصر الذهبي ورحم الله الذين فارقونا وهم يحلمون بمثل هذه الأيام وكانت حسرة في قلوبهم، وجزى الله خيرا خدام الحسين عليه السلام الذين ضحوا ويضحون وسيبقون يقدمون الأضاحي في طريق الحسين عليه السلام.