كاتب باكستاني: شعرت بأمان في العراق أكثر مما اشعره في بلدي

310
كاتب باكستاني: شعرت بأمان في العراق أكثر مما اشعره في بلدي
كاتب باكستاني: شعرت بأمان في العراق أكثر مما اشعره في بلدي

علي عباس/ كاتب ومحلل باكستاني

عندمَا اخبرت اصدقائي وزملائي في العمل حول خططي ونيتي لزيارة العراق، تلقيت العديد من عبارات النقد المليئة بالمخاوف والمحاذير. وعندما نفهم أن العراق، مثل باكستان تماماً، يقع تحت تهديد مباشر للارهاب، فإن الجواب وردة الفعل هذه يكونان مقبولين، ولكن عكس باكستان، فان العراق يمتلك تأريخاً في ضيافته للزوار والسياح – حتى في أوقات المحنة. وكان ذلك الذي شجعني على قراري وإصراري في زيارة هذا البلد التأريخي الغني بأمجاده وربما يكون أقوى من السابق.

فالزوار عادة ما يزورون مراقد الإمام علي (ع) والإمام الحسين (ع) والإمام موسى الكاظم (ع) والإمام الجواد (ع) والإمام علي الهادي (ع) وشهداء كربلاء، وخاصة حضرة أبي الفضل العباس (ع). وأكثر من 10 ملايين زائر مسلم يزور مرقد الإمام الحسين (ع) في شهر محرم وصفر لوحدهما. وتأتي هذه الزيارة بمشاعر وروابط روحية يمتلكها هؤلاء الزوار مع الإمام الحسين (ع).

لذلك، فان الأمان بالكاد يكون قضية أو مسألة لهكذا زوار وكانت هذه الحالة معي أيضاً. وما يدعو للغرابة، شعرت بأمان وسلام في كربلاء والنجف أكثر مما أشعره في مدينة كراتشي بباكستان.

وكان السكان المحليون لطفاء وحميمون ومساعدون. وبغض النظر عن اللغة التي يتحدث بها الزوار، فإنهم يبذلون جهداً لمعرفة ما نريد قوله. وأقول هذا لأنها لم تكن التصرفات والضيافة التي شهدتها عند عرب آخرين فهم مختلفون ولا يعيرون اهتماماً للزائر وبالكاد يكلفون أنفسهم لما يحدث للزوار أو الحجاج من خارج الجزيرة العربية.

وفي الوقت الذي كان من المفترض أن تكون رحلتي رحلة روحية، فإني عندما وصلت إلى مدينة الكاظمية التي تقع شمالي العاصمة بغداد، دفعني فضولي السياسي لمعرفة المزيد عن البلد وأصبحت مولعاً بمعرفة السيناريو الاجتماعي-السياسي في العراق. وأخبرنا المسؤولون عن الرحلة أن نكون حذرين وأن نبقى جنباً إلى جنب بغض النظر عن المخاوف الأمنية. وخلال الرحلة بأكملها، كانت عائلتي متفاجئة وهي ترى العديد من الجنود في الشوارع. ولكن ما أثار دهشتنا حقاً أنه لم يكن هناك أي ظل لوجود عناصر مسلحة ولا وجود لداعش ولا ناس تموت ولا يوجد رجال مسلحون في دباباتهم. وكان الناس هناك يبدون سعداء ولم يبد عليهم القلق والخوف. ولو لم أكن باكستانياً، لكنت قد ارتبكت بالفعل. إذ كنت استخلص الامور من وسائل الإعلام التي كانت تظهر العراق بشكل سلبي.

ومنذ أن اندلعت شرارة الفضول عندي، أردت أن أجمع معلومات أكثر عن الأماكن التي تتواجد فيها داعش وعن التفجيرات وعن المسلحين. وبما أن مهاراتي باللغة العربية غير موجودة أصلاً، لذلك أخذ مني بعض الوقت لأجد أناسا محليين يجيدون التحدث باللغة الإنكليزية. وبعد العديد من عمليات البحث والاستقصاء، التقيت بكاتب سياسي يدعى نزار الحائري. وكان يبيع الخواتم مع الأحجار الكريمة الأصلية وهو عراقي من كربلاء – وولد أسلافه وترعرعوا في كربلاء. وكان جزءاً أيضاً من الثورة ضد صدام حسين في 1991. ولكن عندما عرف الجيش بنشاطاته وأرادوا اعتقاله، هرب إلى السويد مدة 10 سنوات.

وكما لو أن ذلك لم يكن كافياً، تعرفت على علي، مواطن كردي عمره 35 عاماً ويعمل مدرساً لمادة الكيمياء. انظروا إلى تأريخ العراق، وستفهمون لماذا يعد هذا الامر ممتعاً.

وعندما سألته عن النقطة التي أريد معرفتها، أخبرني نزار أن تهديدات داعش محصورة في أربع محافظات. بعض المحافظات آمنة والأخرى في وضع قلق وحساس. فيما وضح لي علي أن مشكلة داعش وتفجيراتها تتركز في وسط العراق – بغداد وكركوك وديالى وتكريت والأنبار والموصل.

وعندما دخلنا بعمق في المواضيع قال علي إن المشاكل في العراق ليست محدودة بداعش فقط. وقال “مشكلة الأديان والانقسام الطائفي، كلها بقايا حقيقية من فترة حكم الديكتاتور صدام حسين، وهناك مخاوف أيضاً تتعلق بالتسامح الوطني والديني والطائفي”. وعندما طلبت من نزار أن يشاركني رأيه حول القضية، قال إن الجيش يقوم بما يستطيع ولكن للأسف ما يزال الجيش غير قوي بما فيه الكفاية.

وكان آية الله العظمى السيستاني قد طلب من الرجال في العراق مساعدة الجيش في قتاله ضد داعش، وأصدر فتوى مفادها أن كل من يموت في هذه الحرب سيكون شهيداً. ولم يكن مفاجئاً لي وأنا أرى الناس يأتون بجثث الشهداء إلى المراقد المقدسة في النجف وكربلاء والكاظمية. وعندما سألناه عن أداء الحكومة الجديدة علق نزار قائلاً “في عهد صدام كانت هناك الكثير من المخاوف ونحن نمارس طقوسنا وشعائرنا أما الآن فإن الحكومة أفضل بكثير ولكننا بحاجة للمزيد”.

حتى علي اتفق مع كلمة نزار الأخيرة “نحتاج إلى المزيد”، ولكن في كل مرة اسألهما عن ما يعنيانه “بالمزيد”، لم أحصل على اجابة ملموسة. هل كان عائق اللغة أو أن الامور الحقيقية كانت معقدة وصعبة بحيث لا يستطيعان توضيحها؟ لا أستطيع القول، ولكن نزار ومهاجر باكستاني التقيت به في العراق، كلاهما أكدا لي بأن الوضع في تحسن وأن الحكومة احتوت التهديدات الخطيرة.

وقبل ست سنوات، كانت هناك هجمات في كربلاء، وهي الحقيقة التي أكدها لي أحد الأدلة السياحيين، ويدعى أزهر مالك، الذي كان يزور العراق باستمرار منذ ست سنوات. وقال نزار بشيء من التأكد بأن تهديدات داعش ستندحر في غضون ستة أشهر. وعندما سألته إذا ما كان مقتنعاً بحياته في العراق، لم تكن إجابته مؤكدة. ولكن علي قال أنه لم يعد يكترث كثيراً.

وإذا ما حاولت أن أصل إلى خلاصة، ستكون أن الناس ينظرون إلى الواقع في العراق اعتماداً على الأخبار أو الصورة التي تحاول أن ترسمها وسائل الإعلام، والتي تعطي منظوراً سلبياً حول الوضع في العراق. ولذلك، عندما سألني إصدقائي فيما إذا كنت أتمنى الموت وأنا ذاهب إلى العراق، ذكرتهم بالكيفية التي كان ينظر فيها العالم إلى باكستان، وخاصة بعد ظهور حركة مسلحي طالبان.

وكان العراق في حالة حرب مع إيران لثماني سنوات وتحت حكم الديكتاتورية لسنوات طويلة. والديكتاتورية لوحدها بإمكانها ان تدمر البلد، وكان العراق دائماً في حرب حالة منذ اليوم الأول. ولكن بما أننا لم نزر المكان ونلتق بشعبه هناك، فإن إشارتنا إلى الحالة السيئة أو الحالة الجيدة من دون ذلك سيكون أمراً لا يمكن تبريره.

ومهما كانت الحقائق، فإن تجربتي الشخصية عن العراق كانت جيدة. ولم يكن علي أن أتحقق من جيوبي في كل ثانية أو دقيقة أو أن أبقى بحالة انتباه إذا ما كانت سراويلي ستتعرض للسرقة.

وكان الحرس والشرطة لنا مساعدين فعلاً ويوصلوننا إلى فنادقنا كلما اقتضت الحاجة لذلك. وهو ما أضاف للطف وحميمية موقف السكان المحليين، وهو ما أجبرني على أن أصل إلى خلاصة بأن هكذا موقف هو أمر غريب لشعب تضربه الحرب والإرهاب، ولذلك، فإن الأمور ليست سيئة بالقدر الذي قد يتوقعه أحدهم.

وبالتأكيد فإن العراق ليس بالمنتجع الحلم ولكنه بالتأكيد ليس حفرة من الحجيم. وأن نخمن بأن كل من يذهب إلى هناك سيموت، فهذا أمر غير صحيح على الإطلاق. نعم هناك مخاوف أمنية هنا وهناك، ولكن العراق كبلد أجده مسالماً ومرحباً بالزائرين والضيوف.

ك ح

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*