المحسوبية وباء مستشر في أماكن العمل
مات تشيتوك
صحفي – بي بي سي
الحكمة – متابعة: جميع أفراد العائلة، الجيد والسيء منهم، لديه الحرص على منح الوظيفة المتوفرة لأحد الأقارب بدلاً ممن يستحقها فعلاً.
في أي مكان عمل في العالم، تجد محاباة الأقارب والأصدقاء في الوظائف جزءاً من ثقافة العمل، سواء كان ذلك صريحاً أم مستترا.
مثال على ذلك، خلفت باتريشيا بوتين والدها في رئاسة مؤسسة سانتاندر المصرفية العملاقة في أسبانيا، وعين روبرت موردوخ نجليه في منصب المدير التنفيذي لشبكته الإعلامية الإخبارية “نيوز كورب” وشبكة “توينتي فيرست سنتشري فوكس”، وهناك واحد من كل خمسة أعضاء في البرلمان البريطاني يوظفون أفراد في عائلاتهم لأداء أعمالهم الخارجية .
ورغم أن المحسوبية تبدو ظاهرة عالمية، فإن مواقف الناس منها تختلف من بلد لآخر بصورة كبيرة.
ففي الولايات المتحدة على سبيل المثال، يحظر القانون الفيدرالي على موظفي الحكومة توظيف أحد أفراد عائلاتهم في حين لا يعتبر ذلك مخالفة قانونية في القطاع الخاص. وفي كل من الولايات المتحدة وبريطانيا يواجه الموظفون الذين يمنحون لأقاربهم ترقيات على حساب بقية الموظفين دعاوى قضائية بتهمة التمييز.
بينما في الصين، تتولى مؤسسة الرقابة الحكومية لمكافحة الفساد موقفا صارما ضد المحسوبية والفساد، وتركز على “المجموعات” ذات النفوذ التي تقول الدولة إنها تتحكم في المؤسسات الكبرى.
أما في بلدان مثل ايطاليا وأسبانيا، فإن الحصول على وظيفة أو ترقية بسبب معرفتك وعلاقتك بالمسؤولين، وليس بسبب تميزك ومهاراتك، لا يعتبر أمراً مستغرباً.
تقول فاليري بيريسيت برايس مؤسسة شركة “بروفيشنال باسبورت” للموارد البشرية والمولودة في سويسرا إنه في سويسرا إذا كان لديك القدرة على تزكية أصدقاء أو أقارب أو توظفهم، فإنه يمكنك فعل ذلك، وهذا من باب تحقيق المصلحة لهم ولك حتى يكونوا قريبين منك في بيئة آمنة للغاية.
لكنها عندما انتقلت برايس إلى الولايات المتحدة ودرست إدارة الأعمال في الجامعة، أعجبها طريقة تأكيد المناهج على أن المحسوبية دائماً شيء سلبي، ومخالفة قانونية في بعض الأحيان.
وتقول في هذا السياق: “حتى ذلك الوقت لم أكن حتى أعرف ما تعنيه كلمة المحسوبية “.
وعندما أنشأت شركتها، أثار دهشتها أن أصدقائها الذين يعملون في مناصب كبيرة في شركات كبرى على سبيل المثال لم يرغبوا في تزكية خدماتها لشركاتهم. وتوضح السبب قائلة: “لم يكن احجامهم عن تزكيتي بسبب كراهيتهم لي أو لعملي، أو لأنهم لا يريدون لي النجاح، ولكن لأنهم سيتعرضون للعقوبة اذا فعلوا ذلك لأنني صديقتهم”.
يعود اختلاف المفاهيم بشأن المحسوبية بالطبع إلى الثقافة السائدة في كل مجتمع. ففي البلدان التي تكون فيها العلاقات الأسرية قوية جداً ومترسخة في الثقافة الوطنية ، تكون فيها المحاباة أمراً محموداً من باب التكافل بين الأقارب وازدهار الأسر.
يقول جو هاسلام، وهو رجل أعمال ومدير تنفيذي في كلية إدارة الأعمال في مدريد، ويقيم في ميلانو بإيطاليا “في أسبانيا بالكاد توجد منافسة مفتوحة للحصول على الوظيفة. لا تعد الوظيفة ملكا لك بنسبة 100%، إذ أنك تحتفظ بها فقط لتكون من نصيب أحد الأقارب. وإذا لم تمنح وظيفة لأحد الأقارب، فإنه ينظر إلى هذه المسألة على أنها مشكلة عائلية جماعية. وهكذا تمنح الوظيفة في كثير من الأحيان لأشخاص أقل في المستوى بسبب علاقتهم المباشرة أو غير المباشرة بأحد المسؤولين” بغض النظر عن الكفاءة.
هذا المبدأ له جوانب إيجابية بالتأكيد. يوضح هاسلام أن العلاقات العائلية تؤدي إلى تعزيز الولاء، وبالتالي لا يشعر الموظفون بالقلق من المنافسة مع الآخرين. كما أنه من السهل والأقل تكلفة توظيف أشخاص من شبكات العلاقات القائمة بالفعل بدلاً من متاعب الإعلان عن الوظيفة والتقدم بالطلبات وفرزها وإجراء المقابلات.
وبالرغم من كل ما سبق، فإن الممارسة اليومية للمحسوبية يمكن أن تضر بالاقتصاد بشكل عام. باديء ذي بدء، فإن هذه الممارسات يمكن أن تؤدي إلى عزوف المستثمرين الأجانب. وفقا لتقرير الاتحاد الأوروبي الخاص بمكافحة الفساد لعام 2014، فإن 67 بالمئة من المستثمرين يرون المحاباة والمحسوبية مشكلة خطيرة أو غاية في الخطورة في حالة إدارة إحدى الشركات في اليونان.
الأمر الأشد خطورة، طبقاً لإحدى الدراسات في هذا المجال، هو أن الفساد المصاحب للمحسوبية يمكن أن يقصر العمر، فقد سجلت الدراسة ارتفاع نسبة وفاة الأطفال في البلدان التي تزيد فيها نسبة الفساد بحوالي الثلث مقارنة بالبلدان التي تشهد مستويات منخفضة من الفساد. وعلى المستوى الفردي، تبدأ المشكلة عندما لا يكون الشخص جزءا من التحالفات العائلية.
يقول غابريل سبالبي، صاحب شركة عقارات في إيطاليا: “في إيطاليا تحتاج حقا إلى أن يكون لك علاقة بأحد الأشخاص للحصول على وظيفة. وينطبق ذلك بشكل خاص على الخريجين الجدد الذين ليس لهم علاقات. وهذا يدفع أصحاب المؤهلات العليا من الشباب (وهم 60000 سنويا، يمثلون سبعة من بين كل عشرة)، يغادرون البلاد للحصول على عمل في الخارج”.
ويرى سبالبي أن انتشار البطالة هو بالتأكيد عامل رئيسي وراء هجرة الشباب من البلد، فقد سجلت البطالة معدلات قياسية بلغت 44.2 بالمئة في يونيو/حزيران 2015، لكن نظام المحسوبية المستشري يلعب دورا في ذلك.
وكشفت احصائية صادرة عن وزارة العمل الإيطالية أن 61 بالمئة من الشركات تعتمد على وساطة شخصية لتوظيف العاملين بها. ويقول سبالبي إنه في القطاع العام تعتبر بعض الوظائف أشبه بالشيء الموروث. ومثال على ذلك هو قضية “ريلاتيف غيت” (relative-gate) الشهيرة في إيطاليا التي بدأت حينما كشف النقاب عن أنه أكثر من نصف الكادر الأكاديمي في جامعة باليرمو لهم قريب أو أكثر يعملون في المؤسسة.
تقول جين صنلي، مؤسسة شركة “بيربل كيوبد” في لندن “اذا كان المؤهل الوحيد للموظف هو اسم عائلته، فهذا يعني أن ذلك سيكون على حساب الأشخاص الذين يتمتعون بخبرة ومهارة أكبر منه في أداء واجبات الوظيفة، وبالتالي يحرم هؤلاء فعليا من الدخول إلى سوق العمل.”
وتضيف “يعتبر ذلك مدمراً لثقافة الشركة لأنك تضيع على نفسك فرصة وجود الأشخاص الذين يمكن أن يأتوا بأفكار جديدة ومهارات تقنية. علاوة على ذلك، فإنك في السوق العالمية تتعامل مع مجموعة متنوعة من الأشخاص، وستكون هناك مصاعب إذا كان جميع موظفيك يأتون من نفس الخلفية”.
إذا ضاق بك ذرعا تفشي المحسوبية، فأين تعيش؟ بإمكانك أن تنضم إلى الأشخاص الذين يهاجرون للعمل في بلدان لا تعتبر فيها المعارف والعلاقات هي أساس الاختيار. هذا ما فعله سبالبي خلال فترة الركود الاقتصادي عام 2008، إذ أنه غادر إيطاليا ليؤسس شركة عقارات جديدة في المكسيك.
وقال “لم يكن أحد يعرفني أو يعرف شركتي، لكننا تلقينا طلبات باستمرار للحصول على خدماتنا، لأنهم شاهدوا مستوى الجودة الذي نقدمه، وقد احتجنا إلى تغيير ثقافي كامل لكي نصل إلى هذه النتيجة”.
س ف