نتيجة الإهمال وسوء التخطيط.. الخدمات الصحية في النجف تلتقط أنفاسها الأخيرة

413
مستشفى الزهراء التعليمي في النجف الاشرف
مستشفى الزهراء التعليمي في النجف الأشرف

– النجف / رؤى زهير شكر

محمد طفل لم يكمل شهره الثالث بعد أن أخذ لقاحه الأخير من جدول اللقاحات أصابه إسهال وقيء حادين استمرّا لأكثر من أربع ليال ما أضطر والديه إلى أخذه إلى مستشفى الحكيم العام ونظراً لعدم توافر ردهة للأطفال في مستشفى الحكيم العام تم تحويله إلى مستشفى الزهراء التعليمي في النجف الأشرف، فوجئ والدا محمد لحظة دخولهما باب المستشفى برغم أن الساعة تقارب السابعة مساءً إلا أن المستشفى يخلو من الأطباء إلا من طبيب مقيم يتجمّع حوله العشرات من المرضى وبعد شد وجذب تمت إحالة الطفل محمد إلى قسم الحجر الصحي والإسهال الوبائي في ذات المستشفى، بعد أن وضعوا لمحمد “مصلا مغذيا” وأخذ علاجه قرر والداه أخذه لردهة خاصة يبلغ سعر الليلة فيها (50) ألف دينار نظرا لعدم نظافة الردهة العامة المخصصة للحجر الصحي والإسهال الوبائي وانتشار الأوساخ في الغرفة وأسرَّتها ولعدم وجود أية وسيلة من وسائل التنظيف في تلك الردهة.

غرفة الخـدَّج تسكنها الجرذان!

وبعد التجول في أروقة المستشفى التقيت بملاك عدنان وهي زميلة لي أيام الدراسة الجامعية تعمل الآن مع منظمة أطباء بلا حدود وتحدثت لـ(المدى) عن بعض التفاصيل المؤلمة قائلة: بعد فترة من العمل في مستشفى الزهراء التعليمي تبين أن أكثر الأماكن التي يفترض أن تكون صحية ومعقمة في هذه المستشفى غرفة الخدَّج تسكنها (الجرذان والفئران) فكيف بأجزاء المستشفى الأخرى؟ ولأن معظم عملي كان ينحصر بوحدة التعقيم فأرى العجائب فيها!

واستطردت ملاك بحديثها: غرفة عمليات الولادة يفترض أن يتم تعقيم بطن الحامل لتهيئتها للعملية إلا أنه في مشفانا لا يتم ذلك، مضيفة: على المريضة أن تقوم بمسح بطنها وسريرها متهيئ للولادة. مشيرة: إلى الإهانات التي تتلقاها المريضة وقد يصل بعضها إلى ضرب الحامل إن شعرت بآلام الطلق بدل أن يتم تهدئتها.

أسرَّة الولادة والوساطة

وأضافت عدنان: كما إن للوساطات دورا مهما في المستشفى فالحامل التي تود الولادة في هذه المستشفى وتمتلك وساطة لدى مسؤولي المستشفى يتم توليدها بغرفة خاصة وبوجود مسؤولة صالة ويتم العناية بها وبوليدها، مستدركة:أما إن كانت من العامة فما عليها إلا تحمل الضرب والإهانات والبقاء على سرير متسخ، مبينة: إن تنظيف صالات الولادة لا يتم بين ولادة وأخرى، بل عند انتهاء اغلب حالات التوليد في اليوم يتم تنظيف الصالة لمرة واحدة وهذا يعني أن لكل حالة ولادة عدد لا يستهان به من الأوساخ وبتراكمها سيكون منظر الصالة وصل حـدّ البشاعة والقرف!!

ديدان صالات الولادة

أثناء كتابة التحقيق التقيت بزميلة لها من الأولاد ثلاثة ونظراً لقرب محل سكنها من المستشفى سألتها إن كانت قد زارتها؟ الموظفة أم أحمد كانت قد ولدت قبل فترة وزارت مستشفى الزهراء التعليمي وقد تحّدثت لــ(المدى) عن ما حصل لها في صالة الولادة أثناء عملية المخاض والولادة، ووسط آلام الطلق أحست بوخز شديد في منطقة الورك وبرغم ذلك انتبهت لوجود ديدان بيضاء كبيرة تتغذى على الدماء المتراكمة في الأَسرَّة وعند التفحص وجدت ديدانا كبيرة متراكمة في التشققات الكبيرة الموجودة في الأسرَّة! وعن التعقيم قالت أم أحمد إن الطبيبة نادراً ما تقوم بعملية الولادة بنفسها فأغلب اعتمادها يكون على الممرضات المتواجدات في الصالة، وبالنسبة للعلاج فغالباً ما يُّكتب العلاج بوصفة وهمية تُصرف من صيدلية المستشفى وتقوم بسحبها الممرضة وأخذها ليتم بيعها على الصيدليات الخارجية، ومن هول ما رأته أم أحمد في هذه الصالة ارتفع ضغطها أثناء الولادة ليتم نقلها بعد ذلك إلى إحدى المستشفيات الخاصة.

اعتصام ومناشدة

الكوادر الطبية والصحية العاملة في مستشفى الزهراء للولادة ورعاية الأطفال سبق وان اعتصمت وسط مبنى المستشفى رفضاً منهم لمحاولات وصفوها بـ”الحزبية والسياسية الفئوية ” مناشدين وزيرة الصحة ومجلس المحافظة، بإبعاد الصراعات السياسية عن الكوادر الطبية والعلاجية وعن المريض وتقديم الخدمات العلاجية لهم. وقد ناشد المعتصمون وزيرة الصحة الدكتورة عديلة إلى التدخل الفوري لمنع المحاولات الحزبية والفئوية التي تحاول أو تعمد للتخطيط لتغيير مدير المستشفى وجلب شخصية أخرى مرتبطة بمصالح سياسية لبعض الشخصيات في مجلس المحافظة.

هـدر مئات الدولارات

تردي الواقع الصحي في غالبية المستشفيات الحكومية، الأمر الذي يضطر المواطنين إلى الذهاب في غالبية الأحيان إلى المستشفيات الخاصة للحصول على الخدمات الطبية اللازمة أو السفر إلى الخارج لتلقي العلاج، ونظرا لعدم توفر أبسط المستلزمات العلاجية في مستشفيات العراق والنجف على وجه التحديد إذ يسافر المواطن النجفي إلى خارج العراق للعلاج وبالتأكيد بعد استنزاف معظم وقته وماله وجهده ومن صحته بالهرولة بين غرف الأطباء وعياداتهم والتي غالبا ما تكون نتيجة تحويل من المستشفى العام في الصباح إلى زيارة خاصة في العيادة، لذا يقول المواطن عقيل معين الذي تعاني زوجته من قصور كلوي حاد وبعض أمراض الدم وتحتاج إلى علاج كيميائي بشكل مستمر: في شهر تموز وشهر تموز في العراق يعني الجحيم ذاته تعاني مدينة الصدر الطبية في النجف من نقص في الخدمات المقدمة للمريض الذي يدخل إلى غرفة لأخذ علاج كيمائي ومن دون وجود للكهرباء، الأمر الذي يعني توقف أجهزة التبريد ولعدم مقدرة المستشفى على تصليحها، يغيب بعض المرضى عن الوعي ولا يدرك الأطباء حينها أهو نتيجة الحر أم نتيجة لتدهور الحالة أثناء أخذ العلاج؟

العلاج في الهنـد

وأضاف معين : بعد أن عرضت عليهم تصليح التكييف العاطل نظراً لإرهاق زوجتي وتدهور حالتها ومن دون أي مقابل مادي، بل كونه عملا أنسانيا رفض الأطباء والموظفون ذلك خوفا من الإدارة العليا للمستشفى من المساءلة القانونية. مستطرداً: إن عدم التعاون بين أقسام المستشفى ذاتها يُجبر المريض على الخروج من المستشفى دون إكمال العلاج فالمريض في المستشفيات الحكومية يبدو ذليلا لكثرة الإهانات التي يتعرَّض لها من قبل كوادر المستشفيات كما أن هذا الحال قد أجبرني على أخذ جوازات السفر للسفارة الهندية وبعدها انتقلت سلسلة علاج زوجتي إلى الهند بين فترة وأخرى.

انتقادات حكومية ولكن!

في وقت سابق انتقدت لجنة الصحة والبيئة في مجلس النجف، إجراءات وقوانين وزارة الصحة المتبعة في محافظة النجف، مبينة أن النظام الصحي المتبع من قبل الوزارة رديء وقديم وليس بمستوى الخدمات المقدمة في بلدان العالم.

وقال عضو لجنة الصحة والبيئة في مجلس النجف علي الشمري: إن النظام الصحي الذي تعمل به وزارة الصحة ودوائرها في محافظة النجف غير جيــد، مبيناً أن النظام الصحي قديم ورديء، وان الوزارة لم تنجح في إدارة كوادرها الصحية في محافظة النجف.

وأضاف الشمري إن الصحة تحتاج إلى قوانين صحية ترتقي بالمستوى المطلوب وتضاهي دول العالم المتطورة، لكن من دون ذلك فإن الواقع الصحي وإدارة الكوادر الطبية والصحية ستبقى متأخرة دائما، داعياً “وزارة الصحة إلى العمل بقوانين الدول المتطورة في ما يخص إدارة الكوادر وتطوير الواقع الصحي.

نقص الأسرَّة والكانيولا المستخدمة

قبل أكثر من يومين تعرضت طالبة جامعية لوعكة صحية نتيجة لانخفاض معدل السكر والضغط لديها مما أدى بصديقاتها إلى أخذها إلى اقرب مستشفى وهي مستشفى الحكيم في النجف. تقول الطالبة أزهار جعفر بعد وقوف ما يقارب (45) دقيقة في انتظار الدور لمعاينة الطبيبة في طوارئ مستشفى الحكيم العام في النجف تم تحويلها إلى الردهة لأخذ العلاج ونظرا لعدم توفر أسرَّة كافية في الردهة تم البحث عن كرسي حتى تأخذ علاجها. وتقول: بعد أن قدم الطبيب المقيم لتقييم الحالة قام بأخذ كانيولا مفتوحة مسبقا محاولا تركيبها على يدي وبعد أن رفضت، تم شراء أخرى جديدة من صيدلية المستشفى وتم تركيبها. مستطردة: بعد دقائق قليلة تم تركيب ذات الكانيولا التي رفضتها لمريضة أخرى وبعد السؤال عنها قال الطبيب لا يهم إن كانت مفتوحة أم لا ستدخل جسم المريض وتنقل العلاج لدمه!

وختمت الجامعية أزهار حديثها متمنية أن يكون الطبيب على قدر من المسؤولية المهنية وعلى قدر اليمين الذي يؤديه أثناء تخرجه محافظا على حياة الناس وأميناً على صحتهم.

النظام الصحي خاطئ

في ذات الحديث تطرق الدكتور احمد عبدالله بحديثه لـ(المدى) إلى النظام الصحي العام في المستشفيات العراقية واصفاً إياه بالنظام الخاطئ من رأس الهرم فلا يستطيع تحمل مسؤولياتها أي مدير عام أو مدير مؤسسة صحية، مبينا: الخطأ الكبير في هذا النظام قد تحول إلى مهزلة فعدم وجود عمال نظافة يعني تراكم الأوساخ والأوساخ في المستشفيات تؤدي إلى كوارث صحية جمة!

وأضاف عبدالله: المتعارف عليه في خدمات المستشفيات في الوقت الحالي التعاقد مع شركات تنظيف يكون عمالها صغار العمر إضافة إلى عيشهم حالة فقر مدقع وبراتب لا يتجاوز (150) ألف دينار عراقي شهريا أي لا يكفيه حتى نهاية الشهر لسد رمق عائلته. مسترسلا: هنا يبدأ التذمر والعناد وكل فرد منهم يرمي اللوم على الآخر حتى يتم إقالتهم وتبقى المستشفيات لفترة تعوم على بحر من الأزبال والميكروبات. لافتا: إلى أن أحدث المستشفيات الموجودة حاليا قد تم إنشاؤها في زمن النظام البائد قرابة عام 1981 ومع الصيانات المستمرة طوال أكثر من ربع قرن نراها اليوم واقفة على تلٍّ من الرماد ينهار بنفخة هواء فكيف نريده عامراً بالنظافة والصحة؟!

المصدر”المدى”

تعليق 1
  1. س عدنان البطاط يقول

    ماعشت اراك الدهر عجبا فبينما يتم التركيز فقط على المستشفيات ودوائر الصحة والتي هي بدورها ليست إلا رهينة لسياسية الحكومات السابقة تتناسى معظم الجهات الاعلامية الفساد المالي والاخلاقي والسياسي في الكثير من مفاصل الدولة ولازال المفسدون على قمة الهرم السلطوي ولا من مغيث لهذا الشعب المظلوم والادهى والامر هناك جوقات إعلامية وفضائيات لازالت تطبل وتزمر لهم لإنهم باعوا ضمائرهم بأبخس الاثمان وسرقوا المئات من مليارات الدولارات وهم اليوم يتربعون على إمبراطوريات من الاموال والخدم والحشم والحمايات وماخفي كان أعظم //////////////// فياحبيبي لاتنظر بعين عوراء إلى الصحة فقط بل أين الكهرباء والماء والشوارع والخدمات بل أين الحريات وحقوق الانسان وأين واين

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

*